وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

استطلاع لرأي الشباب العربي يسلّط الضوء على الفجوة ما بين السياسات والتطلعات

Translation- Libyan students
طالبات ليبيات أثناء التقاط صورة لهن على هامش حفل تخرجهنّ من كلية الصيدلة بجامعة العرب في مدينة بنغازي يوم ١٦ أكتوبر ٢٠١٦. المصدر: AFP.

نشر الكاتب جيمس دورسي على مدونته مقالة سلطت الضوء على نتائج الاستطلاع السنوي لرأي الشباب العربي. ويحاول دورسي، الباحث البارز في كلية راجاراتنام للدراسات الدولية بسنغافورة، في مقالته التعليق على موقف الشباب العربي من القضايا الداخلية المماثلة للدين ودور الحكومات على مستوى الإسكان والتوظيف. كما يدلو دورسي بدلوه في قراءة مواقف الشباب من القضايا المتعلقة بالسياسات الخارجية للدول العربية، لا سيما الدور الذي تضطلع به دول الخليج على مستوى القضية الفلسطينية.

وتشير نتائج الاستطلاع السنوي الذي نشرته شركة العلاقات العامة “أصداء بي سي دبليو” حول رأي الشباب العربي في مستقبلهم إلى عدم توفير الحكومات العربية الاستبدادية لما هو متوقع من خدماتٍ وسلعٍ عامة. وتوضّح نتائج الاستطلاع ما تقوم به هذه الحكومات الاستبدادية من جهودٍ لاستثارة المشاعر الوطنية، فضلاً عن تسليط الضوء على ما تتمتع به فرص العمل والحريات الاجتماعية من دورٍ أكبر في حياة الشباب مقارنةً مع تلعبه الحريات السياسية من دور في حياة هؤلاء.

ويرى دورسي أن الاستطلاع يقدم رؤى لا بد وأن تحفّز هذه الحكومات الاستبدادية لتحقيق الاصطلاح على المستويين الاجتماعي والاقتصادي. كما يشير الاستطلاع إلى إمكانية تلبية مصالح الغرب والشرق الأوسط بشكل أفضل إذا ما قامت أوروبا والولايات المتحدة باتباع أساليب تختلف بشكلٍ بسيط على مستوى التعامل مع أنظمة المنطقة، وذلك على ضوء اندلاع الاحتجاجات المتكررة المعادية للحكومات في أجزاءٍ مختلفة من العالم العربي.

وبحسب دورسي، فقد قامت الحكومات الغربية بدعم جهود الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي بلا تمحيص حتى هذه اللحظة، لافتاً إلى أن هذه الحكومات لم تسعى بقوة لضمان تحقيق أهدافها عبر الضغط على الأنظمة بما يكفل الحد على الأقل مما يتم ارتكابه من انتهاكات على مستوى القمع السياسي.

ويرى المنتقدون أن استطلاع شركة العلاقات العامة التي تتخذ من دبي مقراً لها وركزت فيه على الفئة العمرية ما بين ١٨ و٢٤ عاماً، كان معيباً لأنه أعطى وزناً أكبر لوجهات النظر في دول الخليج الأصغر مقارنةً بدول المنطقة الأكثر اكتظاظاً بالسكان مثل مصر. كما أن الاستطلاع اعتمد على عيناتٍ صغيرة لا يزيد عدد الناس المشاركين فيها عن ٣٠٠ شخصاً في كل دولة، ناهيك عن أنه لم يشمل قطر وسوريا والسودان.

وفي الوقت الذي يعمل فيه هذا الاستطلاع على تزويد الأنظمة العربية بخليطٍ متفاوت النتائج، فإن هذه النتائج تشير إلى عبثية السعي للجمع بين نقيضين متضادين ألا وهما متطلبات الإصلاح وتوقعات الشباب. ويرى دورسي أن التوفيق بين هذين النقيضين أسهل بكثير من الحديث عنه، ناهيك عن أن تطبيق هذا الأمر قد يتحول إلى نقطة الضعف التي تقض مضجع الأنظمة العربية.

وبحسب معظم الشباب الذين اعتمدوا لعقودٍ من الزمن على الحكومات لتأمين ما يحتاجون إليه من وظائف وخدماتٍ اجتماعية، فإن الحكومات التي تنفرد بإعادة صياغة العقد الاجتماعي وتتراجع عن وعودها بتطبيق جوانب متعددة من مفهوم دولة الرفاه قد فشلت حتى هذه اللحظة في تحقيق أهدافها.

ويزداد الطين بلّة مع توقّع الشباب لأن تلعب الحكومات دور الجهة المزوّدة للخدمات وفرص العمل في الوقت الذي تحتاج فيه عملية الإصلاح إلى تبسيط الإجراءات البيروقراطية والحد من سيطرة الدولة وتحفيز القطاع الخاص.

وقال حوالي ٧٨٪ ممّن شملهم الاستطلاع إن الحكومة مسؤولة عن توفير الوظائف. وفي الوقت الذي توقعت فيه نسبةٌ مماثلة أن يتم دعم قطاع الطاقة، فقد اشتكى ٦٥٪ من المستطلعين بسبب عدم قيام الحكومات بما يكفي لتلبية احتياجات الأسر الشابة. يأتي ذلك في الوقت الذي توقع فيه ٦٠٪ من المشاركين في الاستطلاع أن تقوم الحكومات بتقديم المزيد على مستوى الإسكان.

وعلى المنوال نفسه، أعرب ٧٨٪ عن قلقهم بشأن جودة ما يتم تقديمه من تعليم، علماً بان النسبة وصلت في منطقة الخليج إلى ٧٠٪. في المقابل، فقد اعتبر ٨٠٪ ممّن شملهم الاستطلاع في الخليج أن أنظمة التعليم المحلية أعدّتهم للحصول على وظائف المستقبل مقارنةً مع نسبةٍ إقليمية إجمالية لم تزد عن ٤٩٪ أبدت قلقها من تراجع مستوى التعليم. ولم تزد نسبة الخليجيين الذين شاركوا في الاستطلاع وأعربوا عن استعدادهم لمتابعة تعليمهم العالي في بلادهم عن ٣٨٪.

Translation- Protests gaza
متظاهر فلسطيني يرمي حجراً باتجاه القوات الإسرائيلية أثناء الاشتباكات التي اندلعت على الحاجز الحدودي بين إسرائيل وقطاع غزة يوم ١٤ أكتوبر ٢٠١٥. المصدر: AFP.

وبدا أن هناك ثمة فجوة مماثلة بين السياسات الخارجية والإقليمية للحكومات وتطلعات الشباب.

وتتعارض رغبة غالبية من شملهم الاستطلاع مع السياسات التعسفية التي أزكت نيران الصراعات الإقليمية، لا سيّما سياسات دول الخليج. وتتضمن هذه الصراعات الحروب التي تعيش على وقعها ليبيا وسوريا واليمن، بالإضافة إلى التنافس السعودي الإيراني ومقاطعة قطر دبلوماسياً واقتصادياً على مدى عامين. وتجدر الإشارة هنا إلى إبداء غالبية المستطلعين رغبتهم في انتهاء هذه النزاعات. وينظر ٦٧٪ من الشباب العرب إلى إيران كعدو، وهو ما يصبّ في صالح الحكام السعوديين والإماراتيين والبحرينيين.

وبعكس ما يعتقد الكثيرون، فقد أظهرت نتائج الاستطلاع أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ما يزال من القضايا التي ما تزال تحظى باهتمام العرب، حيث وأعرب حوالي ٧٩٪ من المستطلعين عن قلقهم بشأن هذا الصراع. ويثير هذا القلق التساؤل حول مدى الرضا الشعبي عن التقارب الحاصل بين دول الخليج وإسرائيل، خاصةً في ظل ما تقدمه الدول الخليجية من دعم لخطة السلام التي وضعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ويعتقد الكثيرون أنها لا تصب في صالح الفلسطينيين.

ويرى صاحب المقالة أن انعدام الدعم الكامل للسياسات الخليجية تجاه الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني يسانده اعتبار ٥٩٪ من الذين شملهم استطلاع العام الجاري الولايات المتحدة الأمريكية عدواً. وتجدر الإشارة إلى أن النسبة لم تزد عن ٣٢٪ في الاستطلاع الذي تم إجراؤه قبل خمسة أعوام.

وبصورةٍ مماثلة، فقد ثبت أن اعتماد الزعماء العرب على الدين كمصدر لدعم شرعية أنظمتهم فضلاً عمّا يقومون ببذله من جهود لتوجيه الإسلام كمطيّة في تأمين الاستقرار السياسي سلاحٌ ذو حدين وسببٌ محتمل لسعي رجالٍ من طينة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للحدّ من دور المؤسسة الدينية عبر تعزيز المشاعر الوطنية المفرطة.

ورأى قرابة ثلثي المستطلعين أن الدين يلعب دوراً أكبر بكثير مما يفترض له القيام به، مقارنة مع ٥٠٪ أبدوا نفس هذا الرأي قبل أربعة أعوام. وفي الوقت الذي اعتبر فيه ٧٩٪ من المستطلعين أن المؤسسات الدينية بحاجة إلى إصلاح، فقد اعتبر نصفهم أن القيم الدينية تقف عائقاً يعيد العالم العربي إلى الوراء.

وكان توقيت نشر الاستطلاع قد تزامن مع إصدار اللجنة الأمريكية للحرية الدينية الدولية (USCIRF) لتقريرها الخاص بعام ٢٠١٩. وصنف التقرير السعودية ضمن “أسوأ منتهكي” الحريات الدينية في العالم، مسلّطاً الضوء في الوقت نفسه على ما يواجهه المسلمون الشيعة والمسيحيون من تمييز.

وورد في التقرير المكون من ٢٣٤ صفحةً أن “المسلمون الشيعة في المملكة العربية السعودية يتعرضون للتمييز في التعليم والتوظيف والقضاء، ناهيك عن صعوبة وصولهم إلى المناصب العليا في الحكومة والجيش”.

ومن المرجح أن يحظى حكام الإمارات، الذين تتهمهم جماعات حقوق الإنسان بارتكاب انتهاكاتٍ ممنهجة، بجانبٍ إيجابي في الاستطلاع بالتزامن مع إعادة تأكيد سياستهم الليبرالية من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية والتي تقترن بالسيطرة السياسية المطلقة.

وذكر ٤٤٪ ممّن شملهم الاستطلاع أن دولة الإمارات العربية المتحدة هي دولتهم المفضلة مقارنةً مع تفضيل ما يقل عن ٢٢٪ لكندا أو الولايات المتحدة أو تركيا أو بريطانيا.

وفي التقرير الموسع الذي تم نشره إلى جانب الاستطلاع، قال أفشين مولافي، الباحث البارز في معهد السياسة الخارجية التابع لكلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جونز هوبكنز: “في الوقت ظهر انعدام راديكالية وثورية مطالب وأحلام الشباب العربي، فإننا نستبعد انخداع هذا الشباب بأحلام اليوتوبيا الكاذبة أو بالقادة الكاريزماتيين الذين خدعوا آباءهم”.

ويختتم دورسي مقالته بالتعريج على التعليق الذي أدلى به جهاد أزعور، وهو أرفع موظفي صندوق النقد الدولي الذين يعودون بأصولهم إلى منطقة الشرق الأوسط، في التقرير المرافق للاستطلاع. وقال أزعور: “إننا بحاجة إلى عقدٍ اجتماعي جديد بين حكومات ومواطني منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يضمن المساءلة والشفافية والالتزام بمبدأ عدم تهميش أي طرف… (وفي جميع الأحوال)، يظهر استطلاع الشباب الأخير مدى طول الطريق الذي يتوجب علينا قطعه”.