وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

معركة للسيطرة على روح الإسلام ٢

روح الإسلام
صورة تم التقاطها يوم 5 أكتوبر 2014 لإيرانيين وهم يصلون صلاة عيد الأضحى في جامعة طهران..
المصدر: ATTA KENARE / AFP

الاعتراف بالتغيير


جيمس دورسي: هو صحفي حاصل على جوائز، وزميل رفيع في كلية S. Rajaratnam للدراسات الدولية بجامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة ومعهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة الوطنية.

من بين المتنافسين في الشرق الأوسط على القوة الدينية الناعمة، قد تكون الإمارات، التي تقطنها أغلبية أجنبية، الدولة الوحيدة التي تحظى بسجل أعمال نظيف مقارنة بالدول الأخرى. فالإمارات هي المنافسة الوحيدة التي بدأت تعترف بتغيّر التوجهات والواقع الديمغرافي في المنطقة. ورفعت السلطات في نوفمبر 2020 الحظر المفروض على استهلاك الكحوليات والمعاشرة بين غير المتزوجين. وفي محاولة للتواصل مع الشباب، نظمت الإمارات في 2021 لقاءات استشارية افتراضية مع 3 آلاف طالب، بهدف تحفيزهم على التفكير بابتكار في مسار البلد خلال الـ 50 عاماً المقبلة.

ولا تمحي مثل هذه الخطوات، بشكل رئيسي، خطر أن يتسبب تغيّر التوجهات في تقويض جهود الحفاظ على القوة الدينية الناعمة للإمارات وغيرها من الدول المنافسة لها في الشرق الأوسط. وتكمن المشكلة بالنسبة لولي عهد الإمارات، الأمير محمد بن زايد، وولي عهد السعودية، الأمير محمد بن سلمان، في أن إرخاء القيود الاجتماعية في السعودية – وتشمل نزع سلطة الشرطة الدينية في المملكة، ورفع الحظر المفروض على قيادة النساء للسيارات، وتخفيف قيود الفصل بين الجنسين، وتقديم نموذج ترفيهي على الطراز الغربي، وتوفير قدر أكبر من الفرص المهنية للنساء، ووجود قدر أكبر من التسامح الديني الحقيقي والتعددية في الإمارات – هي مجرّد خطوات أولية للاستجابة لطموحات الشباب.

وقال رجل أعمال سعودي ساخراً: “لقد سأم الناس من الدين المنظم ومن إخبارهم بما يجب أن يفعلوه. وتنطبق هذه الحقيقة على دول الخليج وبقية العالم العربي”. ووصفت الباحثة في علم الاجتماع إلين فان دي بوفينكامب المغاربة، الذين أجرت معهم حوارات من أجل أطروحتها لنيل شهادة الدكتوراه بأنهم يعيشون “حياة تتسم بالتدين الشخصي، ويهتمون بالأخلاق والسياسة أكثر من الشعائر الدينية”.

مع ذلك، لا تزال السلطات الدينية في السعودية، والإمارات، وتركيا، وقطر، وإيران، والمغرب تطرح تفسيرات للإيمان، تخدم مصالح الدولة، وغالباً ما تصاغ بلغة التسامح والحوار بين الأديان، لكنها تحافظ على الفئات التشريعية التي عفا عليها الزمن، والتقاليد، والنصوص التي تعود لقرون مضت. ولا تزال العديد من المفاهيم البالية الموجودة في الشريعة الإسلامية مثل العبودية، من هو المؤمن، ومن هو الكافر، والردة، والإلحاد، والعقوبات الجسدية، التي بحاجة إلى إعادة فهم وصياغة، متحجرة وغير مواكبة لتطورات الزمن. وأُدمجت العديد من هذه المفاهيم، باستثناء العبودية التي حُظِرت في القانون القومي لكنها لا تزال جزء من التشريع الإسلامي، في التشريعات القومية.

بينما لا تزال تركيا، ملتزمة، على الأقل إسمياً، بأصولها العلمانية والجمهورية، فهي لا تختلف كثيراً عن منافسيها عندما يتعلق الأمر برجال الدين المتلاعبين والمنحازين للنظام، الذين يعجزون عن التفكير خارج الصندوق وتطوير تفسيرات جديدة للإيمان بسبب نظام التعليم الديني، الذي يخنق التفكير النقدي والإبداع. بدلاً من هذا، تصمم تركيا على دراسة اللغة العربية وحفظ القرآن وغيره من النصوص الدينية، وتنشئ مؤسسات دينية وسياسية تهدف إلى تثبيط الابتكار، ما لم يكن معاقبته.

ومما يعمق الفجوة بين أطروحات النظام الدينية وطموحات الشباب، حقيقة أن إخضاع الحكومات للمؤسسات الدينية يحول رجال الدين والباحثين إلى أبواق نظام ويغذي شكوك الشباب تجاه المؤسسات الدينية وزعمائها.

في مقال يعلق على استطلاع رأي الشباب العربي لعام 2020، قالت الباحثة الخليجية إيمان الحسين: “شهد الشباب {…} كيف أن الرموز الدينية، التي لا تزال مؤثرة في العديد من المجتمعات العربية، يمكن أن تستسلم وتتخلى عن مطالب التغيير حتى وإن قاومت في البداية. ولا يغذي هذا فقط شكوك الشباب العربي تجاه المؤسسات الدينية، بل يسلّط الضوء أيضاً على تناقض الخطاب الديني، وعدم قدرته على توفير تفسيرات معاصرة للزمن ومبررات لتغيّر الواقع الحالي”.

وأشار بويان التميمي عرب، وهو أحد المنظمين لاستطلاع رأي على الإنترنت في عام 2020، والذي يقيس توجهات الإيرانيين تجاه الدين وكشف عن رفض لافت للالتزام بالتعاليم الدينية المحافظة المفروضة من قبل الدول ودور الدين في الحياة العامة، إلى أن الهوة المتسعة بين أطروحات الدولة والطموحات الشعبية “تتحول إلى تساؤلات وجودية. تريدك الدولة أن تكون شيئاً أنت لا تريد أن تكون {…}. تحوّل الإحباط السياسي بمرور الوقت إلى إحباط ديني {…}. ابتعد الإيرانيون عن الدين المؤسسي بأعداد غير مسبوقة”.

وعلى نفس المنوال، حذرت مؤخراً نيسه يلدران، وهي أخصائية في تاريخ الفن التركي، من أن إصدار مديرية الشؤون الدينية التابعة لإردوغان لفتوى تفيد بحظر تميمة درء الحسد في الإسلام، قد أشعل الانتقادات تجاه واحدة من أكثر المؤسسات الحكومية حصولاً على تمويل. وتأتي الفتوى بعد صدور آراء دينية مماثلة، تحظر صبغ الرجال لشواربهم ولحاهم، وإطعام الكلاب داخل المنزل، ورسم الأوشام، ومسابقة اليانصيب القومية، بالإضافة إلى تصريحات أخرى، اعتبرها البعض تتغاضى عن الانتهاكات بحق الأطفال والعنف الموجه ضد النساء.

بالرغم من تماشيه مع الاتجاه السائد في الشرق الأوسط، فإن استطلاع رأي الإيرانيين، الذي شارك فيه 50 ألف شخص قال غالبيتهم إنهم يعيشون في الجمهورية الإسلامية، يشير إلى أن الإيرانيين يقودون مساعي التغيير الديني.

ويشير استطلاع الرأي الإيراني، الذي مولته لادان بوروماند، الناشطة الإيرانية في مجال حقوق الإنسان والتي تعيش في واشنطن، بالإضافة إلى أبحاث واستطلاعات رأي أخرى أجريت عبر الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلى أنه ليس الشباب العربي فقط، بل هناك فئات عمرية أخرى أيضا، والتي تتزايد شكوكها تجاه السلطتين الدينية والدنيوية، تطمح إلى اختبار تجارب دينية أكثر روحانية وفردية.

وتتراوح مساعيهم ما بين تغيير سلوكهم الديني الشخصي، أو التحول سراً إلى ديانات أخرى لأن الرّدة محظورة وتصل عقوبتها في بعض الحالات إلى الإعدام، أو ترك الدين والتحول إلى الفلسفة اللاأدرية أو الإلحاد. وفي إجاباتهم على استطلاع الرأي، قال 80% من المشاركين إنهم يؤمنون بوجود الله، لكن عرَّف 32.2% فقط من المشاركين أنفسهم بأنهم مسلمون شيعة – وهي نسبة أقل بكثير مما تؤكده الأرقام الرسمية في إيران ذات الأغلبية الشيعية.

وقال أكثر من ثلث المشاركين إنهم إما لا ينتمون إلى دين معين أو إنهم ملحدون أو لاأدريون. وأشار نحو 43% إلى 53%، على حسب فئاتهم العمرية، إلى أن آرائهم الدينية تغيرت بمرور الوقت. وقال 6% منهم إنهم تحولوا إلى دين آخر.

وإلى جانب ذلك، قال 68% من المشاركين إنهم يعارضون تضمين التعاليم الدينية في التشريعات القومية. ورفض أكثر من 70% من المشاركين منح المؤسسات الدينية تمويلاً عاماً، بينما عارض 56% من المشاركين فرض التعليم الديني في المدارس. واعترف ما يقرب من 60% منهم بأنهم لا يصلون، ولم يوافق 72% منهم على إجبار النساء على ارتداء الحجاب في الأماكن العامة.

وأظهر جزءٌ غير منشور في استطلاع الرأي أن تغيّر توجهات التدين ينعكس في حقيقة أن عدد متزايد من الإيرانيين توقفوا عن تسمية أطفالهم تيمناً برموز دينية.

وهاجم مقطع فيديو على موقع يوتيوب، مدته خمس دقائق ومحمل على قناة شديدة المحافظة يقال إنها تتبع الحرس الثوري الإيراني، استطلاع الرأي على الرغم من توزيع الاستبيان بمجرد إعلان منظمو الاستطلاع في تقريرهم أن المسح مدعوم من جماعة حقوق إنسان في المنفى.

وكتب الصحفي نيكولاس بيلهام، مستنداً إلى زيارة احتُجز خلالها لعدة أسابيع في عام 2019: “قد تكون طهران أقل عاصمة دينية في الشرق الأوسط. يهيمن رجال الدين على عناوين الأخبار ويلعبون دور شيوخ المجتمع في المسلسلات التليفزيونية، لكنني لم أرهم مطلقاً في الشارع إلا على اللوحات الإعلانية. وعلى النقيض من معظم الدول الإسلامية، فإن الأذان يكاد يكون غير مسموع […]. الكحول محظور، لكن توصيل النبيذ إلى المنزل أسرع من توصيل البيتزا […]. كان تحديد مظاهر الدين في المجتمع أمراً شديد الصعوبة وبدا أن المتدينون بحق مهمشون كأقلية”.

وفي إشارة أخرى إلى رفض التعبير عن الإسلام وفقاً للرؤية التي تفرضها الدولة، سعى الإيرانيون إلى التخفيف من الأثر الاجتماعي لعمليات الإغلاق والقيود المرتبطة بكوفيد-19 المفروضة على الاتصال البشري وجهاً لوجه عن طريق اقتناء الكلاب، والقطط، والطيور، وحتى الزواحف كحيوانات أليفة. ولطالما ما نظرت الجمهورية الإسلامية إلى الحيوانات الأليفة باعتبارها جزء من الثقافة الغربية. ولعلّ أحد الأسباب الرئيسية للاحتفاظ بالحيوانات الأليفة في إيران هو أن الناس لم يعودوا يؤمنون بالمحرمات الثقافية أو الدينية أو العقائدية القديمة باعتبارها كلمات الله غير القابلة للتعديل. وقال عالم النفس فارنوش خالدي: “يشير هذا التغيير نحو تفكيك المحرمات القديمة إلى تحول في الهوية الإيرانية – من التقليدي إلى الجديد”.

ويعد اقتناء الحيوانات الأليفة أحد أشكال المعارضة؛ والتحول سراً عن الدين الإسلامي شكل آخر لهذه المعارضة. ولاحظ الباحث الشيعي الإيراني المنفي ياسر ميردامادي أن “الإيرانيين لم يعودوا يؤمنوا بالدين الذي تفرضه الدولة ويبحثون عن بدائل دينية أخرى”.

ويقدر رئيس مخابرات الجيش الإسرائيلي السابق، العقيد المتقاعد ماركو مورينو، عدد المتحولين دينياً في إيران، التي يبلغ تعداد سكانها 83 مليون نسمة، بنحو مليون شخص. وقد يكون تقدير مورينو مبالغاً فيه. وقدرت دراسات أخرى الرقم بين 100 ألف و500 ألف شخص. ومهما كان الرقم، فإن التحول إلى أديان أخرى يتماشى مع توجه موجود، ليس فقط في إيران، بل عبر العالم الإسلامي، ويتسم بتغيّر المواقف تجاه الدين، ورفض تفسيرات الإسلام التي تفرضها، والبحث عن تجارب دينية أكثر فردية وتنوعاً. وتشير تقارير صحفية إيرانية عن اكتشاف تجمعات كنسية سرية في منازل في مدينة قم المقدسة إلى أن التحول إلى المسيحية بدأ منذ أكثر من عقد. وقال ميردامادي، وهو رجل دين شيعي: “إن حقيقة وصول التحولات إلى قم لهي مؤشرٌ على أن هذا كان يحدث في أماكن أخرى بالبلاد”.

وباعتبار أن المتحولين يمثلون أصولاً إسرائيلية مهمة، دعم مورينو إنتاج فيلم وثائقي مدته ساعتين باسم “أغنام وسط الذئاب.. الجزء الثاني” Sheep among wolves Volume II والذي أنتجه أمريكيان إنجيليان، أحدهما توطن في هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل. ويؤكد الفيلم على أن مجتمع المتحولين إلى المسيحية سراً في إيران يعد الكنيسة الأسرع نمواً في العالم”.

وقال رئيس إحدى الكنائس في الفيلم، وكان وجهه مخفياً وصوته مشوه لتجنب التعرف عليه: “ماذا لو أخبرتك أن المساجد فارغة في إيران؟” مستنداً على حوارات مع إيرانيين متحولين عن الإسلام خلال سفرهم في الخارج. يبدأ الفيلم الوثائقي بمشهد على شاطئ إندونيسي، حيث يلتقي صناع الفيلم لإجراء جلسة تمرين ديني.

وأضاف رئيس الكنيسة: “ماذا إذا قلت لك إن الإسلام قد مات؟ ماذا إذا أخبرتك أن المساجد خاوية في إيران؟ […] ماذا لو أخبرتك أنه ما من أحد يتبع الإسلام في إيران؟ هل ستصدقني؟ هذا بالضبط ما يحدث داخل إيران. إن الله يتحرك بقوة داخل إيران؟”. ويؤكد الفيلم الوثائقي على أن المتحولين عن الإسلام لا يتفقون مع إيران في رفضها الشديد لإسرائيل، ويؤكدون تعاطفهم مع اليهودية وإسرائيل، وهو أمرٌ لا يثير الدهشة، نظراً لدعم إسرائيل للفيلم، وعلاقة صانع الفيلم بإسرائيل.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

ملاحظة

تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://mideastsoccer.blogspot.com/ في 30 مارس 2020

user placeholder
written by
Mattia Yaghmai
المزيد Mattia Yaghmai articles