وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

عمالة الأطفال: بين الحاجات الفردية والشبكات المُشغلة

عمالة الأطفال
صورة تم التقاطها يوم ١٦ سبتمبر ٢٠١٩ لطفل يمني وهو يحمل كرّاسه أثناء درس تم إعطاؤه في الهواء الطلق له وزملائه في قرية الكشر اليمنية بمحافظة تعز. المصدر: Ahmad AL-BASHA/ AFP.

نور عباس

أطفالٌ يُشغلّون بأعمال شاقة، عمالة الأطفالوآخرون يُدفعون للتسول! هذا ما أنتجته الحروب والنزاعات في البلدان التي تعاني منها. فهل تمكنت الشبكات التي تشغلهم من خداع المجتمعات المحلية؟!

بدايةً، علينا أن ننوّه لتعرّض الأطفال في مناطق النزاعات لمختلف أنواع الضغوط النفسية والاجتماعية. كما أن هؤلاء الأكثر تعرضًا للعنف الجسدي أو النفسي. وبصفةٍ إجمالية، يعتبر الأطفال من أبرز ضحايا الحروب أينما وقعت. وقد لا نبالغ لو قلنا إن الطفل الذي يتعرض للضغوط فحسب، هو الأكثر حظًا في تلك المناطق!

ويظهر بشكلٍ واضح الغياب الكامل للإحصائيات التي تبيّن نسبة الأطفال المشغلين في بلدانٍ كسوريا واليمن. يأتي ذلك في الوقت الذي تسعى فيه منظمة العمل الدولية للحد من هذه الظاهرة في هاتين الدولتين ولو بأدنى الحدود. ومن الممارسات التي تلجأ لها المنظمة للتعامل مع هذه الإشكالية تشغيل الأطفال في مهن أقل صعوبةً. وبحسب المنظمة، يشارك “كثيرٌ من هؤلاء الأطفال في أنواع من العمل التي تصنفها اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 182 على أنها أسوأ أشكال عمل الأطفال. وتتضمن القائمة تجنيد الأطفال واستخدامهم من قبل جماعات وقوات مسلحة، والزواج القسري أو المبكر، والتسول، والعمل في بيئات سيئة صحيًا واجتماعيًا”.

وللمفارقة، فقد سبق لمنظمة العمل الدولية تصنيف التسول في تلك المناطق على أنه ليس بالظاهرة المنتشرة بشكلٍ كبير!

بيد أن هذا الأمر ليس بالغريب. فمن يظن أن تسوّل الأطفال عملٌ فردي يقوم به الأطفال بمفردهم مخطئ. فبين عامي ٢٠١١ و٢٠١٩، تسرّب ما يزيد عن 2 مليون طفل سوري من التعليم مثلًا. كما يزيد عدد الأطفال المحتاجين عن 5 ملايين طفل! وهنا، تقوم شبكاتٌ كبيرة مشبوهة بجذب معظم هؤلاء الأطفال. وقد تبدأ عملية الاستهداف عن طريق أحد أقارب الطفل، أو بواسطة شبكاتٍ تعمل على مستوى عائلي، فبعض العائلات تمتهن بأكملها مهنة التسول!

وبهذه الطريقة، يحرم الطفل من حقّه بالتعليم ويتعرض لشتى أنواع الضغط النفسي. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هذه الفئة من الأطفال هي الأكثر تعرضًا للعنف الجسدي والتحرش بسبب التواجد الدائم في الشوارع. وقد يتم خداع المجتمعات المحلية بتقديم المساعدات اللحظية بشكلٍ دائم لهم؛ مساعداتٌ تودي بالأطفال إلى أبدية التسول، حيث تكون المساعدات المقدمة للأطفال هي السبب الرئيسي باستمرار مشغليهم بقذفهم على قارعة الطريق. ومن يطرح الأسئلة على أحد الأطفال المتسولين في مدينة دمشق، سيكتشف أنه سيتعرض للضرب لو لم يعد بمبلغ يزيد عن 10 آلاف ليرة سورية مثلًا، أي ما يعادل 5$ تقريبًا! يَفرض المُشغل أنها ستجمع بغضون 5 ساعات فقط وذلك لكثرة ما يتم فيه تجهيز الطفل لكسب التعاطف الاجتماعي. ففي البداية، يلقن الطفل على أن يقول إنه ليس متسولًا، وإنما عامل. وتتنوع الأعمال من بيع العلكة وعلب المحارم ووصولاً إلى بيع الأقلام منتهية الصلاحية وبيع الورود على الأرصفة. ويجري تلبيس الأطفال ملابس تتعارض مع الجو تعارضًا مطلقًا، كأن يلبس لباسًا صيفيًا في جوٍ ماطر. وتكمن المأساة في قيام مشغلي الأطفال بحرمان هؤلاء مما يوفره لهم بعض أبناء المجتمع من ثيابٍ دافئة في فترات العمل، وذلك بهدف خداع المجتمعات المحلية بشكلٍ أكبر!

وهنا لا بد من الإشارة إلى إحصائية صدرت عام ٢٠١٦ عن مركز بحوث الجريمة بالمركز القومي المصري للأبحاث الجنائية، حيث أكدت الإحصائية وجود ما يزيد عن ٢٠ ألف طفل يمتهنون التسوّل.

ويتوجب التنبيه أننا هنا نعتبر المساعدات مسؤولية اجتماعيةً يجب أن تدعمها مؤسساتٌ قادرة على تخليص الأطفال من أعمالٍ لا إنسانية لا تقدم لهم شيئًا!

ولكن مع غياب تطبيق القوانين في هذه الدول، وانخداع المجتمعات بهذه الشبكات، فإن التساؤل سيبقى مطروحاً بشدّة حول مصير الأطفال المُشغلين بالتسول وما سيكون عليه مستقبلهم.

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.