وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

كورونا ودول الأزمات، بين اللقاح والسياسة، ما مصير الشعوب؟!

كورونا ودول الأزمات
صورة تم التقاطها يوم ١٥ أغسطس ٢٠٢٠ لطالب يمني أثناء قياس حرارته عند وصوله لتقديم امتحانات الثانوية العامة في العاصمة صنعاء، وذلك وسط انتشار جائحة فيروس كورونا. المصدر: Mohammed HUWAIS/ AFP.

نور عباس

مثلت جائحة Covid-19 الشعرة التي قسمت ظهر البعير بالنسبة لمواطني دول الأزمات، حيث أن دخل معظمهم قد يتراوح بين 0.5-5$ لليوم الواحد، مما يعني بالضرورة عجزهم عن تأمين احتياجاتهم الغذائية في حالة توقفهم عن العمل فترةً تزيد عن أسبوعٍ أو اثنين. وهذا ما حدث تحديدًا، فمع ازدياد تحذيرات الأطباء في هذه الدول من الانتشار الأسي للفيروس وضرورة الالتزام بالحجر المنزلي، تصاعدت أصوات الشعوب لتعبر عن العجز المادي في تلك الفترة. هذا الأمر دفع بالحكومات للانصياع وايقاف الحجر عن مواطنيهم تدريجيًا! أستطيع القول هنا، بأنه وللمرة الأولى حظيت هذه الشعوبُ بعمليةٍ ديمقراطية.

كانت الجائحة حصارًا بين موتين بالنسبة لمعظم مواطني الدول: الموت جوعًا إثر الحجر، أو الموت بجائحة كورونا. والأمر ازداد تعقيداً مع عدم فرض الحكومات للتعليمات الصحية المطلوبة بعد إلغاء الحظر- ما قد يعود السبب فيه إلى ضرورة تقديم دعم مالي للمواطنين لتمكينهم من شراء الكمامات. ولهذا السبب، لم تعد المشافي قادرة على استيعاب عدد المرضى، وسط استمرار التكتم على أعداد المصابين، واحتكار فحوصات PCR أو استثمارها! وللأسف، فإن هذه الشعوب حُرمت من المساعدات التي كانت لتأتيها لو أعلنت الحكومات عجزها الكامل عن السيطرة على المرض. ولولا تدخلات الأطباء والممرضين المحلين بشكلٍ تطوعي، في مساعدة المصابين ضمن منازلهم، وتأمين الأدوية والأجهزة الطبية من تبرعات المجتمع المدني، لكنا اليوم نشهد آلاف حالات الوفاة يوميًا.

وقد يكون مواطنو هذه الدول هم أكثر المؤمنين بنظريات المؤامرة، بدءًا من النظريات التي انطلقت عن منشأ الفيروس، وحتى المؤامرات المنتشرة حديثًا عن اللقاح. إلا أنهم وبعكس الكثير من الشعوب، لا يملكون رفاهية قبول أو رفض اللقاح اليوم، سيّما وأن اللقاح لا يزال غير متوفر حتى هذه اللحظة. المأساة تتكرر، فالحكومات التي تسترت سابقًا على أعداد المصابين، لم تبذل جهودًا حثيثةً لنيل اللقاح وذلك لاعتباراتٍ سياسيةٍ أولًا. وبين مهاجمة اللقاح بحسب الدولة المصنعة له، وانتظار شفقة الحلفاء السياسيين، تقف الشعوب على شفير الهاوية دون أن تدرك حتى الكارثة التي تحل بها.

“يقف العالم اليوم على شفير اخفاقٍ أخلاقي كارثي“، هذا ما حذر المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، حيث لم تقم الدول بمد المنظمة باللقاحات لتساعد الدول الأفقر حالًا، واستأثرت باللقاح جاعلةً منه صفقاتٍ اقتصاديةً وسياسيةً أيضًا، مما يجعل مهمة المنظمة أصعب فأصعب.

ولم تكن تصفية الحسابات السياسية عبر اللقاحات أيضًا، أمرًا بعيدًا عن مناطق الانقسامات. فمع حصول اسرائيل على لقب بطلة العالم بالتلقيح، فإنها حاولت حرمان قطاع غزة والضفة الغربية من اللقاحات حتى حالت الانتقادات الدولية بينها وبين تطبيق هذا المسعى!

إن أخلاقيات قارب النجاة الشهيرة التي طرحها عالم البيئة الأمريكي “غاريت هاردن” والتي تقتضي التضحية بمن يملكون فرصًا أقل بالنجاة عبر قذفهم بالبحر، لا تنفع في جائحة Covid-19. ويعني عدم وصول اللقاح لشخصٍ واحدٍ في هذا العالم وجود ثقبٍ في القارب الذي سنغرق به جميعًا لأنانية بعضنا. وفي الوقت الذي يجري فيه دراسة اللقاحات وتأثيراتها ومدى فاعليتها بصورةٍ مستمرة، فإننا جميعًا لا نعرف ما سيدفعه العالم من ثمن بسبب رمي الشعوب الأفقر حظًا في البحر.

لا يمكن التنبؤ بمصدر المساعدات التي ستصل إلى تلك الشعوب، أو بأول المساهمين. ووسط خروج بعض الأخبار التي تشير إلى عقد صفقاتٍ تجارية مع الدول الفقيرة لبيع اللقاح، فإن الثمن الذي سيدفعه العالم مقابل استئثار بعض دوله باللقاح قد يكون إنسانيته.

المصادر:

[1] فرانس 24: https://www.france24.com/ar/أوروبا/20210118-فيروس-كورونا-الصحة-العالمية-تحذر-من-إخفاق-أخلاقي-كارثي-في-حال-استئثار-الدول-الغنية-باللقاحات

[2] صناعة الجوع- فرانسيس مورلابيه-جوزيف كولينز- 1998- سلسلة عالم المعرفة- الكويت

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.