وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

هل قرأ المسلمون القرآن حقّاً؟

قرأ المسلمون القرآن
أطفالٌ أفغان يقرؤون القرآن في مدرسة حضرة بلال الدينية في كابل يوم ١٢ سبتمبر ٢٠٠٧، وذلك قبل شهر رمضان المبارك. المصدر: SHAH MARAI/ AFP.

حكيم مرزوقي

“هل قرأنا القرآن؟” هو النسخة العربية لآخر إصدارات المفكّر والمبدع التونسي المثير للجدل حيثما يحل يوسف الصدّيق، وحملت توقيع المترجم الأكاديمي منذر ساسي.

عكف هذا الرجل على دراسة وترجمة القرآن إلى اللغة الفرنسية زهاء عقود من الزمن ودرّسه للناطقين بلغة موليير في أرقى جامعات فرنسا وفق أحدث المناهج وأكثرها عمقا وابتكارا.

هضم ثقافات عديدة في مشارق الدنيا ومغاربها. حلّق عاليا ومنفردا في سماء الفكر دون أن يحسب على أيّ سرب. لكنّ ذلك لم يزده إلاّ تواضعا وحبا لبسطاء الناس واحتفاء بالحياة كقيمة معرفيّة ووجوديّة.

“هل قرأنا القرآن”: كتاب يصدم ويصفع الضاحكين على ذقون الناس باسم الدين. يعرّي الجهلة ويفضح المتزمّتين والسطحيين والتكفيريين…والأكثر من ذلك كلّه، يأخذك في مغامرة معرفيّة مربكة، شاقّة، غير محسوبة العواقب، تحبس الأنفاس، لكنّها ممتعة وتنضح ألمعيّة بأفكار متدفّقة، تطرق أبوابا كنّا نظنّها غير موجودة وتفتح مسالك مدهشة وبعيدة عن الطرق المعبّدة سلفا وسلفيّة في قراءة القرآن.

لا تستغرب بعد قراءة الكتاب إن قال لك يوسف الصدّيق إنّ شرحه وتدريسه وقراءته الخاصة لسورة واحدة منه (سورة النور) في جامعة السوربون الباريسية قد استغرق ثلاث سنوات بالتمام والكمال.

يكشف المؤلف في كتابه حقيقة الدلالات والأحكام الواردة في آيات كثيرة بالبرهان القاطع والحجج الدامغة مستعينا بثقافة فقهيّة مدهشة تتحاور مع أعقد نظريات الفلسفة الحديثة والقديمة فيكشف بذلك زيف المدّعين من أصحاب الفتاوى الظلاميّة.

الأعجب من ذلك أنّ يوسف الصدّيق قد وضع كتابه بلغة فرنسية رشيقة، لكنها في الوقت نفسه، دقيقة وحذرة وأمينة أمام مصطلحات قرآنية صعبة ومخيفة، ممّا يطرح السؤال في ذهن كل قارئ: لماذا لم يقم الكاتب نفسه بتعريب كتابه، وهو الممسك بناصية اللغة إلى حدّ الإدهاش؟!

تأتي الإجابة في مثل غرابة الاستغراب وهو أنّ النسخة الفرنسية قد حملت عنوان “لم نقرأ القرآن” وهي عبارة قد تكون صادمة ومستفزّة للذهنيّة العربية السائدة ثمّ أنّه يحترم التخصّص كما يقول فالنجّار غير الحدّاد، على حدّ تعبيره.

هذا هو يوسف الصدّيق، دقيق ومهنيّ في كلّ شيء. أمّا الأبعد من ذلك، فهو مخاطب للفكر الغربي في عقر داره ومنبّه لأبناء ثقافته من خطورة الانزلاق نحو القراءات الجائرة والعمياء للمصحف القرآني الذي صار يرفع على أسنّة رماح التقتيل والفتنة ويفسّر على أمزجة الجهلة وفقهاء الظلام.

ما أراد يوسف الصديق قوله إن المسلمين رتلوا القرآن بطريقة إنشادية ببغائية في الصلوات، لكنه لم يقرؤوه بالمفهوم العميق للكلمة، ولو فعلوا ذلك لركنوا إلى لغة التسامح ونبذ العنف لأن جميع المتطرفين يريدون تطويع القرآن لصالح مآربهم لإضفاء صفة القداسة على نزعاتهم العدائية فالمجرم يمكن أن يأخذ أي كتاب نحو تسويغ الإجرام حتى وإن كان تعاليم بوذا ووصايا كونفشيوس ووصايا الكتاب المقدس.

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.