وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

صندوق النقد الدولي يرعى عملية تنميةٍ خاطفة ولن تتكرّر في مصر

Translation- International Monetary Fund
رئيس وفد صندوق النقد الدولي إلى مصر كريس جارفيس (إلى اليسار) ووزير المالية المصري السابق عمرو الجارحي (في الوسط) ومحافظ البنك المصري المركزي طارق عامر (إلى اليمين) على هامش فعاليات مؤتمر صحفي مشترك تم عقده في القاهرة يوم 11 أغسطس 2016. وقال صندوق النقد الدولي حينها أنه توصل إلى اتفاق أوّلي مع مصر على تمويلها بـ12 مليار دولار أمريكي على امتداد السنوات الثلاث المقبلة. المصدر: AFP.

نشر المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية مقالة سلّطت الضوء على عملية الإصلاح الاقتصادي التي تشهدها مصر وما تواجهه هذه العملية من صعوبات بسبب الطابع البوليسي للدولة وما يعانيه الشعب المصري من ضغوط اقتصادية كبيرة جراء هذه العملية. ويقوم صاحب المقالة الدكتور ستيفان رول، رئيس وحدة الشرق الأوسط وإفريقيا في المعهد، باستعراض ما تواجهه هذه العملية التي تحظى بدعم صندوق النقد الدولي من وضعٍ حرج بسبب غياب الإصلاحات الهيكلية وانتهاكات حقوق الإنسان. كما يقوم رول بتحليل سياسات الحكومة الألمانية تجاه مصر وعلاقتها بالوضع الاقتصادي الراهن وما يمكن اتخاذه من إجراءات لضمان استدامة التنمية والإصلاح الاقتصادي في مصر.

وكانت مصر قد اتفقت مع صندوق النقد الدولي في نوفمبر من عام 2016 على تطبيق برنامج مساعداتٍ شامل تمثل الهدف المعلن منه في توطيد وضع الاقتصاد الكلي في البلاد في غضون ثلاث سنوات، بالتزامن مع وضعها على مسار النمو الاقتصادي الشامل. وعلى الرغم من حالة الاستقرار قصيرة الأجل التي شهدها الوضع الاقتصادي الكلي بسبب تنفيذ الشروط، إلا أنه بالكاد تم تنفيذ أية إصلاحات هيكلية بعد مرور نصف المدة المخصصة لتنفيذ البرنامج. وحال الجيش بدلاً من ذلك دون ظهور اقتصاد سوقٍ يعمل بالطريقة الصحيحة بسبب نفوذه المتنامي. وتفاقم هذا الوضع بسبب سجل الحكومة الكارثي على صعيد حقوق الإنسان تحت حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، ما أثر أيضاً بصورةٍ سلبية على التنمية الاقتصادية في مصر. ويشير رول إلى لعب ألمانيا لدورٍ رئيسي في إبرام اتفاق صندوق النقد الدولي، لافتاً إلى أن الحكومة الألمانية مطالبة بالعمل على ضمان إعداد صندوق النقد الدولي لتقييمٍ نقدي لما تم تنفيذه حتى الآن من إصلاحات. ويرى صاحب المقالة أن ألمانيا مطالبة بالربط بين استعدادها لدعم حزم المساعدات المستقبلية وتحسين حالة حقوق الإنسان وتعزيز قوّة المجتمع المدني.

وكانت مصر قد اضطرّت في يوليو من عام 2016 لطلب المساعدة من صندوق النقد الدولي. وشهدت الأشهر التالية تفاوض الجانبين على برنامج إصلاحي يستمر على مدى ثلاثة أعوام. ويظهر كل إجراء من الإجراءات التي أُعلن عنها في البرنامج مدى خطورة وضع الحكومة المصرية في صيف عام 2016. وسبق للمصريين أن رفضوا رفضاً قاطعاً دعوات المانحين الدوليين لإجراء خفضٍ شامل لعملية الدعم، بالتزامن مع زيادة الضرائب، وتحرير سعر الصرف. إلا أن عجز الدولة عن الوفاء بالتزاماتها كان كبيراً في هذه المرة، لدرجة أن القيادة السياسية ممثلةً بالرئيس السيسي لم يكن أمامها بديل سوى الموافقة على الالتزامات المطلوبة. وقُدّرت احتياجات مصر من الاقتراض لتنفيذ البرنامج بمبلغ 35 مليار دولار أمريكي. وفي الوقت الذي وافق فيه صندوق النقد الدولي على تقديم 12 مليار دولار من القروض في إطار تسهيلات التمويل الموسّعة، فقد توجّب على مصر جمع المبلغ المتبقي عبر المفاوضات مع المؤسسات المالية الأخرى والبلدان المانحة الكبرى، لا سيما ألمانيا، بهدف الحصول على هذه الأموال. واقترن الصرف المرحلي لقرض صندوق النقد الدولي على ست شرائح بوجود نتائج إيجابية عند إجراء تقييم الصندوق نصف السنوي.

شروط الاقتراض باتت سارية المفعول

رسم صندوق النقد الدولي في تقاريره المرحلية حتى الآن صورةً في غاية الإيجابية عن الطريقة التي تم عبرها تنفيذ الإصلاحات المعلن عنها. وكانت القاهرة قد نفذت بالفعل السياسات النقدية والمالية المُتفَق عليها والتي ساعدت على تحقيق بعض الاستقرار الاقتصادي في مصر. وفي إطار عملية تحرير سعر الصرف التي تم تنفيذها في نوفمبر من عام 2016، فقد لعب هبوط قيمة الجنيه المصري، على سبيل المثال، دوراً كبيراً في انخفاض عجز الحساب الجاري إلى 0.8٪ من الناتج الإجمالي المحلي في الربع الأخير من عام 2017 (مقارنةً مع 1.8٪ من الناتج الإجمالي المحلي في نفس الفترة من العام السابق). كما ساهمت هذه العملية في زﻳﺎدة توافر اﻟﻌﻤﻼت اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ. وعلاوة على ذلك، فقد ارتفع احتياطي البنك المركزي المصري من النقد الأجنبي بشكلٍ كبير (من 17.55 مليار دولار أمريكي في يوليو من عام 2016 إلى 44.26 مليار دولار أمريكي في يونيو من عام 2018). وتم تخفيض عجز الميزانية بشكلٍ أكبر عبر تخفيض دعم الطاقة بأكثر من 40% في بعض الحالات، بالتزامن مع فرض ضريبة قدرها 14% على المبيعات. وقد يصل عجز الميزانية لأول مرة منذ سنوات إلى أقل من 10% من الناتج الإجمالي المحلي في السنة المالية الحالية (علماً بأن العجز وصل إلى 12.5% من الناتج الإجمالي المحلي في السنة المالية 2015 – 2016). وقد يؤدي هذا الأمر إلى إظهار الميزانية لفائضٍ أساسي صغير (فائض الميزانية، باستثناء تكاليف خدمة الديون). وبات حالياً في مقدور مصر إعادة تمويل نفسها في سوق رأس المال الدولي مرةً أخرى بفضل استقرار الاقتصاد الكلي. وعلى نحوٍ أهم، فقد مهّد هذا الأمر الطريق للمزيد من الصادرات وإحياء السياحة من جديد ونشاط استثماري أقوى، وإن كان غالبية هذا النشاط يخص الدولة نفسها. وتبعاً لذلك، سيزداد النمو الاقتصادي بأكثر من درجة مئوية واحدة ليصل إلى نسبة مُتوقعة قدرها 5.2٪ (ميزانية عام 2017 – 2018).

ويرى رول أن سياسة الإصلاح الحالية أفرزت أيضاً بعض الجوانب السلبية، حيث استمر نمو عبء الديون في مصر منذ بدء البرنامج ومن المتوقع أن يصل إلى أكثر من 100% من الناتج الإجمالي المحلي بحلول نهاية عام 2017. وبحسب الأرقام الصادرة عن البنك المركزي المصري، فقد توجّب إنفاق ما يزيد عن 40% من إيرادات الحكومة على خدمات الديون في النصف الأول من السنة المالية 2017 – 2018، ما أدى إلى تضييق نطاق الاستثمار على سبيل المثال.

وفوق ذلك كلّه، فقد تدهور الوضع المعيشي لغالبية المصريين بشكل دراماتيكي في خضم الإصلاحات. وأدى خفض الدعم ورفع الأسعار بعد تحرير سعر الصرف إلى زيادة كبيرة في التضخم وصلت في بعض الأحيان إلى ما يزيد عن 30%. ويُعتقد الآن أن ما يزيد عن 35٪ من الشعب بات يعيش تحت خط الفقر الوطني (45 دولاراً أمريكياً في الشهر) بسبب ارتفاع الأسعار. وعلى هذا النحو، ولا يمكن الحديث عن النمو الشامل حتى الآن. وردّت الحكومة المصرية على هذا التطور المقلق بالإشارة إلى انخفاض معدل البطالة من 12.5% في عام 2016 إلى 10.6% في الربع الأول من عام 2018. إلا أن الشك يحوم حول إذا ما كانت هذه الأرقام تعود بأية فائدة. كما من المدهش أن تقل نسبة السكان العاملين عن ثلث إجمالي السكان بحسب الأرقام الحكومية الرسمية، وهو ما يشكّل قيمة منخفضة للغاية بحسب المعايير الدولية، ويشير إلى ارتفاع مستوى البطالة ارتفاعاً ملحوظاً.

الإصلاحات الهيكلية ليست كافية

Translation- Dollar crisis Egypt
رجلٌ يمر أمام محل لصرف العملات وعلى واجهته ورقة نقدية عملاقة للدولار الأمريكي وسط العاصمة القاهرة يوم 3 نوفمبر 2016. وكانت مصر قد عوّمت الجنيه المصري كجزءٍ من مجموعة الإصلاحات، وذلك في أعقاب تهديد أزمة الدولار وتجارة السوق السوداء الباهظة بتعسير الحصول على بعض الواردات. المصدر: AFP.

تظهر الأوضاع المعيشية المتردية التي سببتها الإصلاحات باعتبارها الأكثر خطورة في المشهد، خاصةً وأنها لا تبدو على الإطلاق وكأنها مجرد فترة قصيرة من المصاعب الاقتصادية ويعقبها تحسن لأحوال الشعب على المدى الطويل جرّاء المسار المُتبع. ويرى رول أن الوضع يتطلب تطبيق إصلاحات هيكلية شاملة حتى يتجاوز التعافي الاقتصادي الحالي حالة النجاح المؤقت. ويشير البرنامج نفسه إلى هذه الإصلاحات باعتبارها “ضرورية” لتحقيق النجاح. ومع ذلك، تبدو قائمة الإصلاحات الهيكلية المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي اعتباطيةً إلى حدٍ ما. وقد تكون الإجراءات المماثلة لتسهيل إجراءات الترخيص الصناعي، أو صياغة قانون جديد للإفلاس، أو تحسين سلامة وسائل النقل العام من القضايا المهمة بحد ذاتها. إلا أن هذه التدابير لا يمكن أن تعود بأي أثر في حال بقي الإطار المؤسسي والتنظيمي للاقتصاد المصري دون إصلاح جوهري. ولم تأت اتفاقية صندوق النقد الدولي على ذكر أوجه القصور المماثلة لانعدام الشفافية الكامل أثناء تخطيط الحكومة وتطبيقها لمشروعات البنية التحتية المثيرة للجدل، ومنها على سبيل المثال إنشاء عاصمة إدارية جديدة أو بناء أول محطة للطاقة النووية في البلاد. كما أنها لم تذكر الفساد المستشري أو عجز المؤسسات المختصة بمراقبة الأسواق، فضلاً عن توسع تدخل الجيش في الاقتصاد. وباتت هذه الظاهرة تحظى بوضوح وعلى وجه الخصوص بقدرٍ أكبر من الأهمية منذ عام 2013، علماً بأنها باتت تعيق تطور اقتصاد سوقٍ فعَّال. ويشارك الجيش في العديد من القطاعات المدنية كقطاعات البناء والإنتاج الغذائي والطاقة. ولا يستفيد الجيش من المعاملة التفضيلية في المشتريات الحكومية فحسب، بل أنه يستغل أيضاً الامتيازات الضريبية والعمالة الرخيصة. ويؤدي ذلك إلى إضعاف وضع القطاع الخاص، وهو ما يمكن رؤيته من خلال الدراسات الاستطلاعية الإحصائية كمؤشر مديري المشتريات الرئيسي التابع لمجموعة بنك الإمارات دبي الوطني الإماراتية. وكان النشاط الاقتصادي في القطاع الخاص قد انخفض (باستثناء قطاع الطاقة) منذ بداية الإصلاحات وفقاً للمؤشر.

الدولة البوليسية تعيق النمو

تبرز أهمية عدم تجاهل ما تمارسه الدولة البوليسية من قمع متعسف في عهد الرئيس السيسي عند تقييم الإصلاحات الاقتصادية حالياً في مصر، لأن ذلك سيبطل أيضاً أي عملية تنمية اقتصادية مستدامة. ولن تتمتع مصر بالقدرة على تطوير إمكاناتها الكاملة لتصبح وجهة سياحية أو مركزاً استثمارياً حتى يتم التوصّل إلى استقرار سياسي دائم. ويرى رول أن ما يشهده قطاع السياحة من طفرة حالية لم يتم تحقيقه إلا بسبب هبوط الأسعار الناتج عن الوضع الأمني المتوتر. وكان الاستثمار الأجنبي المباشر قد انخفض بالفعل في الربع الأخير من عام 2017. ولا تشير الاحتمالات لوجود أي تحسن في الأفق، خاصةً وأن عنف الشرطة المتكرر والمفرط ضد قطاعات الشعب أدى إلى زيادة حالة الاستقطاب الاجتماعي. وفي الوقت الذي تقوم فيه قوات الأمن بتكرار عمليات الخطف القسرية، فإن تقارير منظمة “هيوم رايتس ووتش” تعمل على توثيق الاستخدام المنهجي للتعذيب. وتشير التقديرات إلى عيش ما يزيد عن 60 ألف سجين سياسي في مراكز احتجاز مكتظة تشكّل مناطق خصبة لإنتاج التطرف الإسلامي.

ولا تقوم الدولة بتوجيه ما تمارسه من قمع باتجاه المعارضين السياسيين فحسب، بل أنها تعمل أيضاً على قمع المجتمع المدني بأكمله. ولا يكاد يكون هناك أي من نشطاء حقوق الإنسان الذين لم يجري اعتقالهم أو توجيه التهم لهم على أقل تقدير. ويضاف إلى ذلك ما يتم فرضه من قيود تعسفية على حرية الصحافة، حيث يعجز الصحفيون عن ممارسة عملهم بحرية، بالتزامن مع فرض حجبٍ على القنوات التلفزيونية ووسائل الإعلام الإلكترونية المعارضة. وكانت مصر قد احتلت المرتبة 161 من أصل 180 دولة على مؤشر حرية الصحافة العالمية الذي أصدرته منظمة “مراسلون بلا حدود” في عام 2017. ونتيجة ذلك، يقوم النظام بقمع العناصر الفاعلة ذاتها التي تدعو إلى محاربة الفساد وشفافية الدولة ووضع إجراءات تستند إلى حكم القانون.

الآثار المترتبة على سياسة ألمانيا في مصر

Translation- al-Sisi
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووزيرة الاقتصاد والطاقة الألمانية السابقة بريجيت زايبريس ينظران إلى وزير التجارة والصناعة المصري السابق طارق قابيل والأمين العام السابق للشؤون البرلمانية في وزارة الاقتصاد الفيدرالية الألمانية أوفي بيكماير أثناء توقيع بروتوكول مشترك على هامش الدورة الرابعة من اللجنة الاقتصادية الألمانية المصرية المشتركة في برلين يوم 12 يونيو 2017. المصدر: AFP.

لعبت ألمانيا دوراً أساسياً في الاتفاقية التي أبرمها صندوق النقد الدولي مع مصر. ولا يعود ذلك إلى وزن التصويت الألماني في المجلس التنفيذي للصندوق بقدر اعتماد مصر الكبير على مساعدة ألمانيا في تنظيم التمويل الإضافي لما تحتاج إليه من القروض. وكانت ألمانيا في السابق هي الدائن الأكبر لمصر داخل نادي باريس بقروض بلغت قيمتها 4.6 مليار دولار أمريكي في عام 2016. ووصل حجم القروض الإجمالية والضمانات الحكومية إلى 6.5 مليار دولار أمريكي في عام 2017، ما جعل ألمانيا ثاني أكبر دولة دائنة لمصر بعد المملكة العربية السعودية (بودائع قاربت 8 مليار دولار أمريكي في البنك المركزي). ومع ذلك، فقد قامت ألمانيا بتقديم قروض إضافية بواقع 250 مليون دولار أمريكي في عام 2016 و250 مليون دولار أخرى في عام 2017، وهي إشارة مهمة للغاية للمانحين الآخرين، بما في ذلك الدول الأوروبية المماثلة لفرنسا والمملكة المتحدة. واعتبرت الحكومة الألمانية – على خلفية أزمة اللاجئين – أن دعم برنامج الإصلاح يُمثل فرصة في المقام الأول لتشجيع مصر على إغلاق حدودها على البحر المتوسط أمام الهجرة غير النظامية، في الوقت الذي تم فيه ترك التفاوض حول البرنامج ومراجعته بالكامل لصندوق النقد الدولي.

وتظهر نتائج البرنامج حتى الآن أن هذا النهج لم يكن فعالاً على مستوى تعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة. ومع ذلك، فإنّ هذه التنمية الاقتصادية تعتبر ضرورية من وجهة نظر ألمانية وأوروبية. وإذا ما انهارت الدولة المتوسطية الأكثر كثافة من الناحية سكانية والتي يبلغ عدد سكانها حوالي 100 مليون نسمة، فإن ذلك سيعود بعواقب يصعب توقعها بالنسبة لأوروبا نتيجة تزايد ضغط المهاجرين والتهديد الإرهابي المتصاعد. وعلى هذا النحو، يرى رول أنه ينبغي علينا استخلاص استنتاجين فيما يخص السياسة الألمانية من هذه الحالة المحفوفة بالمخاطر. ويتمثل الاستنتاج الأول في ضرورة إجراء الحكومة الألمانية لتقييم خاص فيما يتعلق بالإصلاحات الاقتصادية، بالتزامن مع حث صندوق النقد الدولي بقوّة على تحديد المشكلات البارزة بوضوح، كتوسّع نفوذ الجيش ضمن الاقتصاد. ويعتبر إغفال صندوق النقد الدولي عن ذكر العوائق الرئيسية للإصلاح في تقاريره بمثابة دليل على سوء فهم خطير للتطورات الحاصلة في مصر. وبحسب رول، فإن ذلك يؤدي إلى رسم صورة مشوهة للبلد، كما حدث كثيراً في التحليلات التي أجرتها المؤسسات المالية الدولية قبل عام 2011، ومن بينها صندوق النقد الدولي. ويرى صاحب المقالة أن تحديد أوجه القصور في الإصلاحات بات أكثر إلحاحاً من أي شيءٍ آخر، لافتاً إلى إمكانية استخدام شريحتي القروض القائمة كوسيلة للضغط على الحكومة المصرية ومطالبتها بتحقيق تقدمٍ ملموس في بعض المجالات على الأقل.

ويتمثل الاستنتاج الثاني في ضرورة تعامل ألمانيا، إلى جانب شركائها الأوروبيين إن أمكن، مع كيفية الاستجابة لطلبات الدعم المستقبلية من الحكومة المصرية. ومن غير المرجح أن تتمكن البلاد من تدبير أمورها دون المزيد من المساعدات الخارجية بمجرد انتهاء برنامج الإصلاح الحالي المدعوم من صندوق النقد الدولي، ما يعود السبب فيه إلى عبء الديون الثقيل الذي تتحمله الحكومة المصرية وفشلها في تحديد مسارٍ أكثر استدامة للنمو الاقتصادي. ومع ذلك، فإنّ الدعم الجديد بعد عام 2019 لن يكون مجدياً إلا إذا عاد بالفائدة على الشعب أيضاً. وهذا يتطلب شروطاً لا تتعلق بإصلاح هيكلي أكبر فحسب، بل تمتد أيضاً لتصل إلى تحسين أوضاع حقوق الإنسان وتعزيز المجتمع المدني. ولا يبدو أن حثّ المؤسسات الدولية المانحة على إدراج مثل هذه الشروط في برامجها مجدياً. ولا يعتبر صندوق النقد الدولي على وجه الخصوص أن إلزام الدول باحترام حقوق الإنسان جزءاً من اختصاصه. ومع ذلك، فإنه سيكون في مقدور ألمانيا التأثير بشكلٍ كبير على مثل هذه البرامج التي يجري الاتفاق عليها، خاصةً وأنها الدائن الأهم بين دول نادي باريس. وبالتالي، يُمكن للحكومة الألمانية ربط موافقتها بفرض اتفاقياتٍ ملحقة. ويجب أن تستخدم ألمانيا هذا النفوذ لدعم تطوير إطار سياسي من شأنه توجيه التنمية الاقتصادية لصالح الشعب المصري.