وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الدعم الخارجي يبقي البشير على سدّة السلطة في السودان

Translation- Protests sudan
مجموعة من السودانيين ينتظرون يوم ١٨ فبراير ٢٠١٨ أمام سجن كوبر شمال العاصمة السودانية الخرطوم للترحيب بأحبائهم بعدما قام السودان بإطلاق سراح العشرات من ناشطي المعارضة الذين تم اعتقالهم الشهر الماضي في أعقاب تفريق السلطات للاحتجاجات على رفع أسعار الغذاء. المصدر: AFP.

نشر موقع The Conversation مقالةً تناولت الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها السودان وما يحظى به الرئيس السوداني عمر البشير من دعمٍ خارجي أبقاه على سدّة السلطة. ويقوم صاحب المقالة مارتن بلوت، كبير الباحثين المتخصصين في شأن القرن الإفريقي وجنوب إفريقيا بمعهد دراسات الكومنولث وكلية الدراسات المتقدمة، بكشف النقاب عن دعائم نظام البشير الخارجية سواءً أكان ذلك على المستوى الإقليمي أو المستوى الدولي.

وشهدت الأيام الأخيرة تزايد عدد السودانيين الذين خرجوا إلى الشوارع للاحتجاج على حكم عمر البشير. ويرى بلوت أن الرئيس السوداني، الذي استولى على السلطة بانقلابٍ عسكري نفذه في عام ١٩٨٩، يقف حالياً في مواجهة أخطر تحدٍ شهده على مدار العقود الثلاثة الماضية من حكمه. وكانت الاحتجاجات الأخيرة قد اندلعت في أعقاب رفع ارتفاع أسعار الخبز والوقود وتصاعد الاتهامات الموجهة بالفساد للقائمين على السلطة.

ورغم تمكن الرئيس السوداني من مقاومة غضب شعبه حتى هذه اللحظة، إلا أن تاريخ السودانيين يحفل بأحداثٍ عديدة تم فيها الإطاحة بالنظم التي لم تحظ بشعبية. وكان الانتفاضات التي قام بها الشعب السوداني قد أفضت إلى تغيير الحكومات في هذه الدولة لمرتين، حيث كانت إحداهما في عام ١٩٦٤ والأخرى في عام ١٩٨٥. وقد تخلّت القوات المسلحة في كل مرة عن النظام وانحازت للشعب. ومع ذلك، فإن هذا الأمر لم يحدث في الاحتجاجات الحالية لأسباب وجيهة، حيث تقول المحاضرة الجامعية ومؤلفة كتاب “الانتفاضات المدنية في السودان الحديث” ويلو بيردج: “لقد تعلّم نظام البشير من أخطاء أسلافه، إذ قام بتشكيل جهاز أمنٍ استخباري وطني أقوى بكثير مما كان عليه في السابق، ناهيك عن تأسيس مجموعةٍ أخرى من المنظمات الأمنية الموازية والميليشيات المسلحة التي يستخدمها النظام للسيطرة على الخرطوم بدلاً من الجيش النظامي. وتعني هذه المنظومة أن الجيش لن يتدخل بسهولة كما حدث في عام ١٩٦٤ أو ١٩٨٥، خاصةً إذا ما أضيفت لهذه المنظومة مخاوف القادة من التعرض للمحاسبة على ارتكاب جرائم الحرب في حال سقوط النظام. ويعد هذا الأمر من الأسباب التي جعلت الانتفاضة الحالية تستمر لفترةٍ أطول من سابقاتها”.

ويرى صاحب المقالة أن بقاء النظام في السلطة لا يمكن رده ببساطة إلى الوضع المحلي، خاصةً وأن النظام يحظى بحلفاء أقوياء على المستوى الدولي. فالغرب الذي كان ينتقد عمر البشير واعتبره مجرم حرب بدأ في الآونة الأخيرة بالتعامل معه على أنه مصدرٌ للاستقرار والمساعدات الاستخباراتية في منطقة مضطربة. كما أن الرئيس السوداني يحظى بدعمٍ سياسي ومالي من حلفاء عرب رئيسيين.

الدعم العربي

لطالما قيل إن السودانيين يسعون شمالاً باتجاه القاهرة طلباً للحصول على الدعم. ولا تشذّ الأزمة الحالية عن هذه الفرضية، إذ قام وزير الخارجية المصري ومدير المخابرات المصرية بزيارة الخرطوم في ديسمبر الماضي وتعهدا بدعم البشير.

وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري، الذي سافر إلى السودان برفقة رئيس المخابرات العامة عباس كامل: “تثق مصر تثق بقدرة السودان على تجاوز الوضع الحالي”. وتبع هذه التصريحات زيارة أحد مساعدي البشير للقاهرة في وقتٍ سابق من الشهر الجاري، حيث قال الرئيس عبد الفتاح السيسي حينها: “إن مصر تدعم بالكامل أمن واستقرار السودان الذي هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري”.

ويرى بلوت أن الدعم السياسي وحده لن يكون كافياً لإبقاء النظام السوداني في السلطة، خاصةً وأن الخرطوم تتلقى أيضاً دعماً مالياً يأتي إليها عبر البحر الأحمر. وذكرت بعض التقارير أن الخرطوم تلقت استثماراتٍ بقيمة ٢.٢ مليار دولار أمريكي لقاء مشاركة السودان في حرب اليمن. ويقاتل ما يزيد عن ١٠ آلاف جندي سوداني على الخطوط الأمامية في اليمن. ويُقال إن بعضهم المقاتلين أطفال قامت السعودية بتجنيدهم مقابل ١٠ آلاف دولار لكل مجند.

حلفاء آخرون

تعود عملية إعادة تأهيل النظرة الأمريكية للبشير إلى عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، حيث تمثل أحد آخر القرارات التي اتخذتها إدارة أوباما في رفع مجموعة من العقوبات الأمريكية عن النظام السوداني. واعتُبر تدشين مكتب وكالة الاستخبارات المركزية الكبير في الخرطوم من الأسباب الأساسية التي دفعت أوباما إلى تغيير سياساته تجاه النظام السوداني.

ولم تكن واشنطن الوحيدة التي حثّت السير في هذا الطريق، إذ رأت أوروبا التي كافحت لخفض عدد الأفارقة الذين يعبرون البحر الأبيض المتوسط الحكومة السودانية حليفاً. وتحظى “عملية الخرطوم”، التي تم التوقيع عليها في العاصمة السودانية، بأهميةٍ بالغة على مستوى هذه العلاقة. وشهد شهر نوفمبر من عام ٢٠١٥ اجتماع القادة الأوروبيين بنظرائهم الأفارقة في العاصمة المالطية فاليتا في محاولة لإتمام هذه الاتفاقية. وكان الهدف واضحاً في البيان الصحفي الخاص بالاتحاد الأوروبي والذي خلص إلى أن: “عدد المهاجرين الوافدين إلى الاتحاد الأوروبي يشهد ارتفاعاً غير مسبوق، ومن المرجح أن يستمر هذا التدفق. ويتّخذ الاتحاد الأوروبي، ودوله الأعضاء، مجموعةً واسعة من التدابير الرامية للتصدي إلى مثل هذه التحديات، فضلاً عن السعي لوضع سياسة هجرة أوروبية فعّالة وإنسانية وآمنة”.

وأدّت القمة إلى صياغة خطة عملٍ تقوم بتوجيه أهداف سياسة الاتحاد الأوروبي على مستوى الهجرة والتنقل منذ ذلك الحين. وتوضّح الخطة كيفية تعاون المؤسسات الأوروبية مع شريكاتها الإفريقية لمحاربة الهجرة غير الشرعية وتهريب المهاجرين والاتجار بالبشر. وتعهدت أوروبا بتقديم التدريب “لسلطات إنفاذ القانون والسلطات القضائية” على الأساليب الجديدة للتحقيق والمساعدة في إنشاء وحدات شرطية متخصصة في مكافحة الاتجار والتهريب.

وكانت هذه الالتزامات بمثابة تعهدٍ واضح لدعم وتعزيز عناصر الدولة السودانية. وتم تأسيس المركز الإقليمي للعمليات المشتركة لمكافحة الإتجار بالبشر (ROCK) في الخرطوم، حيث يهدف هذا المركز بصفةٍ أساسية إلى وقف تهريب الأشخاص ومنع تدفق اللاجئين عبر السماح للمسؤولين الأوروبيين بالعمل مباشرة مع نظرائهم السودانيين. وبحسب بلوت، فإن مركز تنسيق مكافحة الإتجار بالأشخاص في الخرطوم، الذي يعمل فيه ضباط شرطة من السودان وعدة بلدان أوروبية من بينها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، سيعتمد بصفةٍ جزئية في عمله على معلومات الاستخبارات الوطنية السودانية.

وأخيراً، فإن هناك بعض الأدلة التي تشير إلى تورط روسيا في الأزمة السودانية. وتشير بعض التقارير إلى وجود قواتٍ روسية تابعة لإحدى شركات المقاولات الخاصة في شوارع السودان وهي تقوم بقمع الاحتجاجات.

ويختم بلوت مقالته بالتالي: “لا يمكننا استغراب قدرة البشير على مقاومة المطالبات الشعبية بتنحيته، خاصةً في ظل ما يحظى به من دعم. إلا أن الوضع السوداني يعتمد على مدى استمرار الاحتجاجات وحجم القوة الذي ينوي النظام استخدامه لقمع خصومه”.