وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

حماس تستخدم ورقة المتظاهرين السلميين وإسرائيل تخشاهم

Translation- March of Return
فلسطينيون يجمعون الإطارات ويحرقونها لحماية أنفسهم من طلقات الجنود الإسرائيليين على الحدود بين إسرائيل وغزة خلال احتجاج شرق مدينة غزة ، في 6 أبريل 2018. Photo AFP

نشر موقع “The Conversation” مقالة سلّطت الضوء على المظاهرات الشعبية التي يشهدها الشريط الحدودي الفاصل بين قطاع غزة وإسرائيل فيما عرف بـ”مسيرة العودة الكبرى”. ويتطرق داو واكسمان، أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية والدراسات الإسرائيلية في جامعة “نورث إيسترن” الأمريكية، إلى ما اعتبره التكتيك اللاعنفي الذي لجأت إليه حركة “حماس” في هذه المرحلة، وبما يضع إسرائيل فيما وصفه بـ”أزمة علاقات عامة كبرى”.

ويبدأ واكسمان مقالته بالإشارة إلى الأهمية الكبيرة التي حظي بها يوم الجمعة الموافق لــ30 مارس 2018 بالنسبة للمسيحيين واليهود في جميع أنحاء العالم. وتصادف هذا اليوم مع الاحتفال بالجمعة العظيمة، وهو اليوم الذي يتم فيه إحياء ذكرى صلب المسيح. أما بالنسبة لليهود، فقد كانت تلك الجمعة بداية عطلة عيد الفصح التي يتم إحيائها في ذكرى تحريرهم من العبودية والنزوح الجماعي من مصر.

وفي الوقت نفسه، فقد تصادفت هذه الجمعة مع مناسبة هامة للفلسطينيين ألا وهي ذكرى “يوم الأرض”. وتعود ذكرى يوم الأرض إلى عام 1976، عندما قامت القوات الأمنية الإسرائيلية بقتل ست مواطنين فلسطينيين في إسرائيل.

والآن، بات في مقدور أجيال الفلسطينيين المستقبلية أيضاً تذكر هذه يوم الجمعة الموافق لـ30 مارس 2018 تحت اسم “الجمعة الدامية”.

ففي هذا اليوم، وبالقرب من السياج الذي يفصل قطاع غزة عن إسرائيل، استشهد 18 فلسطينياً برصاص الجنود الإسرائيليين. وكان هذا اليوم أعلى حصيلة من الشهداء الفلسطيين منذ حرب 2014 بين إسرائيل وحركة “حماس“، والتي استشهد فيها ما يزيد عن ألفي فلسطيني، معظمهم من المدنيين.

ويقول واكسمان: “إن مراقبي الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني وحتى أي شخص مطلع عن بعد على تفاصيل هذا النزاع خلال السنوات القليلة الماضية يرون أن ما وقع مؤخراً من سفكٍ للدماء بات شائعاً بشكلٍ محبط – فهو مجرد حلقة مأساوية أخرى مما يوصف عادة بأنه حلقة من العنف”.

إلا أن ما حدث في غزة في تلك الجمعة كان مختلفاً تماماً عمّا يفترضه الكثير من الناس. ففي الوقت الذي سيطرت فيه كلمة “العنف” على عناوين الأخبار الرئيسية، إلا أن ذلك لم يكن القصة الكبيرة الوحيدة التي طفت على السطح في ذلك اليوم.

الغالبية كانت من المتظاهرين السلميين

لا يجب أن يصرف مقتل 18 فلسطينياً كامل الانتباه عن حقيقة تجمّع عشرات الآلاف من الفلسطينيين في ست مناطق مختلفة بالقرب من الحدود بين غزة وإسرائيل في احتجاجٍ سلمي.

ويضيف صاحب المقالة: “لقد كانوا يتظاهرون على الحصار الإسرائيلي المستمر لجيبٍ ساحلي صغير مزدحم بالسكان للسنة الثانية عشرة على التوالي. كما كانوا يحاولون لفت الانتباه إلى الأزمة الإنسانية الناتجة عن هذا الحصار في غزة. هم طالبوا بعودة اللاجئين الفلسطينيين وذريتهم (الذين يشكلون حوالي ثلثي عدد سكان غزة البالغ عددهم 1.9 مليون نسمة) إلى بيوتهم السابقة واستعادة أراضيهم في إسرائيل”.

وشارك حوالي 35 ألف فلسطيني في هذا التظاهرة، بما في ذلك العديد من العائلات التي تنزهت بالقرب من العديد من الخيم الكبيرة التي تم نصبها على بعد مئات الأمتار من السياج الحدودي. ولم تقم الأغلبية الساحقة من المتظاهرين بحمل السلاح أو بممارسة العنف.

ويشير واكسمان إلى قيام مجموعة صغيرة نسبياً من المتظاهرين – ومعظمهم كانوا من الشباب – بإلقاء الحجارة وقنابل المولوتوف على الجنود الإسرائيليين بالتزامن مع توجيه إطارات السيارات المحروقة باتجاههم. واقتربت حفنة بسيطة من السياج وحاولت إلحاق الضرر به أو خرقه.

ويضيف واكسمان: “على الرغم من أنه لم يكن سلمياً بالكامل، فقد كان هذا الاحتجاج الشعبي الذي قام به الغزيّون، والذي كان في معظمه غير عنيفاً، مجرد البداية لحملة من الاحتجاجات الشعبية غير العنيفة لمدة ستة أسابيع، حيث أطلق القائمون على هذا الاحتجاجات اسم “مسيرة العودة الكبرى“.

وستنتهي هذه الحملة في 15 مايو المقبل، وهو اليوم الذي يحيي فيه الفلسطينيون ذكرى “يوم النكبة“. وتعني كلمة النكبة في اللغة العربية “المصيبة”، وهو ما يشير إلى تأسيس إسرائيل في عام 1948 وما رافقها من عمليات طردٍ للفلسطينيين وسلبٍ لأراضيهم وممتلكاتهم.

مقاومة فلسطينية غير عنيفة

ليست هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها الفلسطينيون بتنظيم الاحتجاجات الجماهيرية أو باستخدام التكتيكات اللاعنفية – وهو ما يطلقون عليه اسم “المقاومة الشعبية” – لمواجهة وتحدي إسرائيل ورفع مستوى الوعي الدولي بمصيبتهم.

وكانت أشهر هذه العمليات أثناء الانتفاضة الفلسطينية الأولى (بين عامي 1987 و1993)، والتي بدأت في غزة في ديسمبر من عام 1987.

وفي الآونة الأخيرة، احتشدت أعدادٌ كبيرة من الفلسطينيين بطريقةٍ سلمية في القدس الشرقية للاحتجاج خلال الصيف الماضي على تركيب إسرائيل لأجهزة الكشف عن الحديد على مداخل مجمع المسجد الأقصى في القدس.

وبعبارةٍ أخرى، يحظى الفلسطينيون بتاريخٍ طويل من الاحتجاجات الشعبية غير العنيفة، ولذلك لا يوجد هناك أي جديد حول الحملة الجديدة في غزة.

وبحسب ما يراه الكاتب، فإن ما طرأ من تغيير على هذه المعادلة هو مشاركة حركة حماس، الجماعة الإسلامية الفلسطينية المسلحة، في مثل هذا النوع من النشاطات غير العنيفة، علماً بأن الحركة تسيطر على قطاع غزة منذ عام 2007.

عنف حماس

تصنّف إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي حركة حماس كـ”منظمة إرهابية“. ويقول واكسمان: “هناك سببٌ جيّد لذلك، نظراً لما تتمتع به حماس من سجل حافل في أعمال العنف العشوائية ضد الإسرائيليين، بما في ذلك عشرات التفجيرات الانتحارية خلال الانتفاضة الثانية وإطلاق آلاف الصواريخ على إسرائيل منذ ذلك الحين”.

ويضيف واكسمان: “تعتبر حماس أكثر من مجرّد مجموعة إرهابية. فهي أيضاً حزبٌ سياسي ومنظمة خدمات اجتماعية تقوم بتمويل المستشفيات والعيادات والمدارس ودور الأيتام والمطابخ المخصصة لتوزيع الطعام على الفقراء والمشردين. إلا أن العنف الموجه ضد إسرائيل، بما في ذلك المدنيين الإسرائيليين، كان على الدوام مكوناً أساسياً في أيديولوجيتها وإستراتيجيتها، ويمكن أن تقول أنها “علامتها التجارية”.

ولم تظهر حماس أي علامة على تخليها عن الكفاح المسلح ضدّ إسرائيل. وما تزال تصر “وثيقتها السياسية” الجديدة التي تم إصدارها في العام الماضي على “الكفاح المسلّح”، وبصورةٍ مماثلة لما تمت الإشارة له في ميثاقها التأسيسي الصادر في عام 1988. ويواصل جناح الحركة العسكري، ألوية عز الدين القسام، التحضير لبناء ترسانته من الأسلحة للجولة المقبلة من الحرب مع إسرائيل.

إلا أن استعداد حماس لتمرير “مسيرة العودة الكبرى” والترويج لها بفعالية، والتي أطلقها ناشطون فلسطينيون مستقلون في غزة، يشير إلى إمكانية وجود تحوّلٍ في تكتيكات الحركة بعيداً عن الاعتماد على العنف، خاصةً وأن التوجه السابق أثبت كارثيته على الغزيين وعدم فعاليته لحماس.

تكتيك حماس الجديد

Translation- Ismail Haniya
القيادي البارز في حركة حماس إسماعيل هنية يشير بعلامة النصر أثناء مظاهرة احتجاجية تم تنظيمها بالقرب من السياج الحدودي الفاصل بين قطاع غزة وإسرائيل في ذكرى يوم الأرض. المصدر: AFP.

يضيف واكسمان: “عوضاً عن إطلاق الصواريخ (التي بات في مقدور نظام القبة الحديدية الإسرائيلي اعتراضها)، أو استخدام الأنفاق الموجودة تحت الأرض لنصب الكمائن وأسر الجنود الإسرائيليين أو تنفيذ الهجمات الإرهابية (التي بات في مقدور نظام إسرائيل الجديد لمكافحة الأنفاق الكشف عنها وتدميرها)؛ يبدو أن حماس باتت تنظر إلى الاحتجاجات الشعبية باعتبارها وسيلة سلمية نسبياً لتحدّي الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة ولنزع الشرعية، كما تأمل الحركة، عن إسرائيل في عيون العالم”.

ويتيح هذا الأمر لحماس تجنّب القيام بحرب مكلفة ومدمّرة مع إسرائيل. ويرى الكاتب أن نشوب حرب أخرى لن يحظى بشعبية بين أوساط الغزيين كما أنه لن يحظى باستجابة حلفاء حماس في قطر وتركيا. ويضيف: “قد يكون نشوب حرب أمراً قاتلاً لقدرة حماس في المحافظة على سيطرتها على غزة وعلى طموحاتها في الاستيلاء على الضفة الغربية في نهاية المطاف”.

وإذا ما تمكنت حماس من تعبئة عشرات الآلاف من الفلسطينيين للاحتجاج ضد إسرائيل أسبوعياً، فإنها تستطيع ضمان تمتع حصار غزة بالمزيد من الاهتمام في وسائل الإعلام الدولية ووضعه في موقعٍ أعلى على الأجندة الدبلوماسية للمجتمع الدولي.

مشكلة العلاقات العامة الإسرائيلية

يقول واكسمان: “يعتبر تكتيك حماس الجديد تحدياً لإسرائيل وهو تحدٍّ مغاير للتهديد العسكري والإرهابي الذي لطالما اعتادت عليه ونجحت باحتواء قسمٍ كبير منه”.

وبحسب الكاتب، فإن إسرائيل لا تمتلك جواباً عالي التقنية على حشود المتظاهرين الفلسطينيين العزّل الذين يتجمعون على سور إسرائيل الحدودي أو يحاولون التسلل منه. وبحسب ما بدا واضحاً من عمليات القتل التي وقعت في تلك الجمعة، فإن الجنود الإسرائيليين غير مهيئين وغير مجهزين كما ينبغي لمثل هذا النوع من المواجهات.

ويضيف واكسمان: “مع ذلك، يصر الكثير من المسؤولين الإسرائيليين على اعتبار المتظاهرين الفلسطينيين “إرهابيين يحاولون التسلّل إلى إسرائيل”. وبالطبع، فإن الكثير من الناس والحكومات حول العالم سيتعاطفون على الأرجح مع المواطنين الغزيين الذين عانوا لفترةٍ طويلة وتم عزلهم وأفقارهم، أكثر من إسرائيل، خاصةً عندما تقوم قوات هذه الأخيرة بإطلاق الذخيرة الحية على المتظاهرين”.

وباختصار، فإن المظاهرات والمسيرات الجماهيرية التي يقوم بها الفلسطينيون لا يمكن وصفها إلا بكونها “كابوس علاقاتٍ عامة لإسرائيل”.

ولا عجب إن في أن يقول زعيم حماس إسماعيل هنية بعد الجمعة الماضية ما يلي: “نأمل بأن يرى العالم أن مسيرة العودة كانت سلمية ومدنية وشارك فيها النساء والشباب والأطفال والشيوخ”.

ويختم واكسمان مقالته بالتالي: “إن عدم كون ذلك الأمر صحيحاً بصورةٍ كاملة لا يعتبر أمراً مهماً. كل ما يهم الآن هو كيفية نظر العالم إلى هذه الاحتجاجات، وإذا ما تم تنظيم المزيد من هذه الاحتجاجات الشعبية، على نطاقٍ مماثل أو أكبر، خلال الأسابيع المقبلة”.