وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

صمود غزة يصطدم بواقع اقتصادي واجتماعي صعب

صمود غزة
صورة تم التقاطها يوم ٢٦ إبريل ٢٠٢٢ لأطفال فلسطينيين وهم يلعبون خارج منزلهم في منطقة بيت لاهيا الفقيرة شمال قطاع غزّة. المصدر: MAJDI FATHI/ NurPhoto/ NurPhoto via AFP.

ماجد كيالي

في مادة سابقة نشرها موقع فنك، تحدثت عن المكانة الرمزية والتاريخية التي يحتلها قطاع غزة في العملية الوطنية الفلسطينية. ففلسطينيو غزة بذلوا تضحيات وبطولات في مكان فريد وصعب ومعزول ويعتبر الأكثر اكتظاظا في العالم، والأكثر ندرة بالموارد الطبيعية.

في مقالي هذا، سأقدم صورة أخرى لقطاع غزة ولمليوني فلسطيني يعيشون فيه. وهذه الصورة بطبيعة الحال مطلوبة للتمعّن في معطيات تبين القدرة غير العادية على التحمل والصمود، والتحدي، رغم الظروف غير المتكافئة.

أولا، يعيش فلسطينيو غزة في سجن كبير، مع نسبتي فقر وبطالة عاليتين. ويعود السبب في ذلك إلى تداعيات الحصار المفروض منذ 2007 على حركة الأفراد والسلع. كما أن قطاع غزّة يفتقر إلى الموارد والاستثمارات، فضلاً عن تكرار الحروب المدمرة للمنازل والبنى التحتية.

وعلى سبيل المثال، فإن نسبة مساهمة غزة في الناتج المحلي الإجمالي للسلطة الفلسطينية متدنية. ولم تزد مساهمة القطاع في عام 2021 عن 2.5 مليار دولار أمريكي (14.8 بالمئة)، مقارنة مع 12.3 مليار دولار للضفة الغربية (83 بالمئة). في المقابل، يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل 481 مليار دولار أمريكي.

وعلى صعيد حصة الفرد من الناتج المحلي، لم تتجاوز حصة المقيم في غزّة عن 1.2 ألف دولار سنوياً، مقارنةً بحصة قدرها 4.2 ألف دولار للمقيمين في الضفة الغربية. أما في إسرائيل، فيصل نصيب الفرد من الناتج الإجمالي القومي إلى 51 ألف دولار في السنة.

الأهم أن غزة تعتمد في معظم مواردها على الخارج، وضمن ذلك اعتمادها على إسرائيل في حاجاتها من المياه والكهرباء والمحروقات، وحتى مساحة الصيد في البحر تحددها إسرائيل (التوسعة أو التضييق).

ثانيا، تكبد فلسطينيو غزة خسائر بشرية كبيرة في الحروب التي شنتها إسرائيل عليهم.

ففي الحرب الأولى التي وقعت عام 2008 واستمرت 23 يوماً، وصل العدد إلى 1436. وفي الحرب الثانية التي استمرت ثمانية أيام أواخر عام 2012 وصل عدد الشهداء إلى 155. وارتفعت حصيلة الشهداء في الحرب الثالثة التي استمرت 50 يوماً صيف عام 2014 لتصل إلى 2174. أما شهداء الحرب الرابعة التي استمرت 11 يوماً صيف عام 2021 فوصل العدد إلى 243. وفي الحرب الخامسة التي استمرت قرابة ثلاثة أيام صيف عام 2022، بلغ عدد الشهداء 44 شخصاً.

في المقابل، فإن خسائر إسرائيل من تلك الحروب كانت على التوالي 13، و3، 70، 12 إسرائيلياً. وبكلماتٍ أخرى، ثمة فارق كبير جدا في الخسائر البشرية بين الطرفين نسبة لجبروت الآلة العسكرية الإسرائيلية.

وبالإضافة إلى تلك الحروب، شهد القطاع حملة عسكرية مشددة ضمن تداعيات خطف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2006. وأسفرت هذه الحملة عن مصرع 556 فلسطينيا (من أصل 692 فلسطينيا قتلوا في العام ذاته). كما قضى 326 فلسطينيا بالرصاص الإسرائيلي ضمن مسيرات العودة التي كانت تنظّم يوم الجمعة من كل أسبوع طوال عامي 2018 و2019 بحسب إحصائية لمركز الميزان لحقوق الإنسان.

ثالثا، ثمة 20 ألف عامل من غزة يشتغلون في إسرائيل (من أصل 200 ألف عامل فلسطيني في سوق العمل الإسرائيلية). وثمة مؤشرات لزيادة العدد، إذ سجل 250 ألفاً من العمال في غزة أنفسهم لطلب الحصول على تصريحات عمل في إسرائيل. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن أجر العامل الفلسطيني في إسرائيل تعادل ستة أضعاف أجر العامل الفلسطيني في سوق العمل الفلسطينية الضعيفة أصلا، في الضفة والقطاع.

من كلّ تلك المعطيات يتبين أن إسرائيل، كقوة احتلال وسيطرة وحصار، هي المسؤول الأساسي عن تدهور الأوضاع المعيشية في غزة. وبالتالي، فهي المسؤولة عن ضياع الفرص أمام أجيال الشباب. كما أنها المسؤولة عن تفشي روح الإحباط والغضب وبالتالي المقاومة لديهم. ويتبين من ذلك أيضاً أن الفلسطينيين يواجهون دولة قوية ومسيطرة، سياسيا واقتصاديا وعسكريا.

بطبيعة الحال، فإنّ ثمة مسؤولية تقع على عاتق القيادات الفلسطينية فيما يتعلق بتعزيز الوعي لدى الفلسطينيين بأشكال النضال المجدية والمشروعة. كما أن هذه القيادات مطالبة بالعمل لعدم ترك الأمور للمزاجية والتجريبية وللروح العاطفية والثأرية والقدرية، لأنّ المقاومة ليست مجرد ثأر، أو ردة فعل، وإنما هي عملية تدرّجية، طويلة الأمد، تفترض الوعي والتنظيم، وتحقيق الإنجازات الوطنية، وليس فقط بذل التضحيات.

الفلسطينيون إجمالا ليسوا معنيين بإثبات أنهم شعبٌ يناضل ويضحي ويقاوم بعناد من أجل استعادة حقوقه العادلة والمشروعة. فهم أثبتوا ذلك طوال قرن في مواجهة الاستعمارية العنصرية الصهيونية. ما يحتاج له الفلسطينيون هو إثبات قدرتهم على تحويل تضحياتهم إلى إنجازات وطنية. وهذا الأمر يتطلب قيادة وطنية تعزز إجماعاتهم الوطنية، وتدير أحوالهم بأفضل وأنسب ما يمكن، وترشد كفاحهم.

باختصار، لا يكفي أن تعرف عن صمود غزة وبطولات وتضحيات أهلها. المهم أن تعرف عن واقعهم الصعب الاقتصادي والاجتماعي أيضا، وأن تعرف كيفية تقديم الدعم لهم في هذه الظروف.

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.