وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

ترامب وقرار الجولان: جرّة قلم تغيّر ٤٠ عاماً من سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط وتقود إلى المزيد من الاضطراب

Translation- Golan heights
الرئيس الأمريكي يحمل الإعلان الموقع حول الجولان إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في غرفة الاستقبال الدبلوماسية بالبيت الأبيض في العاصمة الأمريكية واشنطن يوم ٢٥ مارس ٢٠١٩. المصدر: AFP.

anنشر موقع “The Conversation” مقالةً سلطت الضوء على القرار الأخير الذي أصدره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان وما يحمله هذا القرار من تبعات على منطقة الشرق الأوسط برمتها. ويحاول صاحب المقالة سكوت لوكاس، أستاذ السياسة الدولية بجامعة برمنغهام، عرض الدوافع التي قد تكون السبب الكامن وراء اتخاذ هذا القرار المفاجئ، خاصةً وأن القرار يأتي على طرفي نقيض مع السياسة التي اتبعتها الولايات المتحدة على مدى ٤٠ عاماً تجاه الجولان.

ولم يكن الرئيس الأمريكي بحاجة سوى إلى تغريدةٍ واحدة لا يتجاوز عدد كلماتها الـ٣٥ كلمة ليغيّر بها قرابة ٤٠ عاماً من سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل وسوريا.

وجاء في تغريدة ترامب ما يلي: “بعد مرور ٥٢ عاماً، حان الوقت الذي تعترف فيه الولايات المتحدة بالكامل بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان، خاصةً وأن هذه المنطقة تحظى بمكانةٍ استراتيجية وأمنية بالغة الأهمية، سواءً أكان ذلك لدولة إسرائيل أو للاستقرار الإقليمي”.

ومن الواضح أن ترامب لم يستشر أي مسؤول في فريقه حول هذا القرار كما هو حاله دائماً، إذ سبق للرئيس الأمريكي القيام بنفس السلوك في ديسمبر الماضي عندما أمر بسحب جميع القوات الأمريكية من سوريا. وقبيل ساعاتٍ من قرار ترامب، أشار وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو من القدس إلى عدم وجود تغييرٍ في الموقف الأمريكي الرافض للاعتراف بضم إسرائيل لهضبة الجولان في عام ١٩٨١.

وتأخر ظهور وزير الخارجية الأمريكي إلى جانب بنيامين نتنياهو لمدة ساعة تقريباً حتى يُقيَّم الوضع الذي تغيَّر على حين غرّة.

وبطبيعة الحال، فقد تسابق مسؤولو البيت الأبيض في كيل المديح لهذا الإعلان. وأصرّ أحد مسؤولي البيت الأبيض على تطرق ترامب لهذا الموضوع مع مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون والمبعوث الأمريكي للشرق الأوسط جيسون غرينبلات وصهره ومستشاره جاريد كوشنر. وأكد ذاك المسؤول بطريقةٍ دفاعية ملفتة للنظر أن القرار “لم يلقى أي معارضة من العاملين في إدارة ترامب”.

وفي الوقت الذي شاب فيه دفاع البعض الآخر من مسؤولي الإدارة الأمريكية كلماتٍ متبذلة وغامضة على شاكلة “الأمن” و”الاستقرار”، فقد تراجع بومبيو عن كلماته ليصف الإعلان بـ “التاريخي” و”الجريء”.

ويطالب لوكاس قارئ المقالة بعدم إساءة فهم ما جرى، فالقرار لا يعني بأي حالٍ من الأحوال أن ترامب يضع على سلّم أولوياته وضع استراتيجية مخصصة لمنطقة الشرق الأوسط. ويرى صاحب المقالة أن دوافع ترامب تسعى إلى تلبية ثلاث رغباتٍ أساسية وهي: إعادة انتخاب نتنياهو في ٩ أبريل، وحملة ترامب نفسه لانتخابات عام ٢٠٢٠، ناهيك عن حاجته الدائمة لإرضاء أناه الخاصة.

وكانت إسرائيل قد استولت هضبة الجولان في حرب عام ١٩٦٧ بين العرب والإسرائيليين. وبعد مرور أربعة عشر عاماً على تلك الحرب، شدّدت حكومة بيغن من قبضتها على الجولان بإعلان السيادة عليه مباشرةً قبيل انخراطها في أتون الحرب الأهلية اللبنانية.

ولم يحظى هذا الإعلان سوى بقبول حفنةٍ بسيطة من الدول في المجتمع الدولي. وفي تلك الحقبة، قامت إدارة ريغان بتعليق اتفاق تعاونٍ استراتيجي مع تل أبيب في أعقاب ضم الجولان، وجاء قرار إدارة ريغان هذا على الرغم من خطابها المؤيد لإسرائيل. وانضمت الولايات المتحدة حينذاك إلى كافة أعضاء مجلس الأمن الدولي في القرار رقم ٤٩٧ الذي وصف هذا الضم بأنه “لاغٍ وباطل وليس له أثراً قانونياً على الصعيد الدولي”. وظل الجولان في حالة تمزقٍ فعلية في ظل وجود قوة مراقبةٍ تابعة للأمم المتحدة تسعى إلى منع وقوع أي اشتباكات.

وبحسب لوكاس، فإن رد نظام الأسد على الثورة السورية منذ ٢٠١١، والذي أسفر عن مقتل ١٠٠ ألف شخص وتشريد ما يزيد عن ١١ مليون شخص، هدد بإيصال الأزمة إلى الجولان بعد انسحاب قوة الأمم المتحدة من هذه الهضبة. إلا أن الوجود العسكري الإسرائيلي ردع النظام عن اتخاذ أي إجراء، كما أبرم نتنياهو اتفاقاً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر ٢٠١٥ لإبعاد إيران وحزب الله عن المنطقة.

الصديق وقت الضيق

Translation- Druze
مجموعة من مشايخ الدروز في مظاهرة ضد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القاضي باعتراف الولايات المتحدة بضم إسرائيل للجولان، وذلك في قرية بقعاتا يوم ٣٠ مارس ٢٠١٩. المصدر: AFP.

لا ينصبّ اهتمام ترامب الحالي على التعامل مع سوريا وإسرائيل والقوى الخارجية. وبصورةٍ مماثلة لقراره القاضي بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، فإن تركيز الرئيس الأمريكي الحالي ينصب على حظوظه هو نفسه وعلى حظوظ نتنياهو في الانتخابات القادمة.

ويشير لوكاس إلى قرب بدء جلسات محاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي على تهمٍ تتعلق بالتزوير وتلقي الرشى وخيانة الأمانة. وقد يواجه نتنياهو تحقيقاً يتعلق بالكسب غير المشروع على خلفية شراء الدولة لسفن وغواصات بحرية من شركة “تايسن كروب” الألمانية، وذلك في واحدة من أكبر القضايا المتعلقة بقضايا الفساد في تاريخ إسرائيل.

وبيَّنت استطلاعات الرأي احتدام التنافس بين نتنياهو وتحالف “أزرق وأبيض” الذي يقوده الجنرال السابق بيني غانتس، ووزير المالية السابق يائير لابيد.

إلا أن نتنياهو انفرجت أساريره يوم الخميس بقرار ترامب المرتبط بالجولان، حيث قال: “لقد صنع الرئيس ترامب التاريخ للتو. لقد فعل ذلك مرة أخرى”.

ويأمل ترامب أن يعزز هذا التمجيد من فرص إعادة انتخابه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية في غضون عام. ويحظى ترامب بمعدلات تأييدٍ تزيد بشيءٍ بسيط عن ٤٠٪. ولم تتراجع شعبية ترامب رغم ما يواجهه من تحقيقاتٍ جنائية متعددة، ناهيك عن حالة الغضب من سياسات مكافحة الهجرة، والإغلاق الحكومي، إلا أن شعبية الرئيس الأمريكي لم ترتفع كذلك في ظل اقتصادٍ يعيش منذ ديسمبر ٢٠١٧ على يحصل عليه من تخفيضاتٍ ضريبية.

ومن هنا، تظهر أهمية الالتفات للدوائر الانتخابية المحلية التي جرت العادة على أن تصوت للديمقراطيين مع وجود استثناءاتٍ بسيطة لهذه القاعدة خلال القرن الماضي. وقدّم الناخبون اليهود ما يزيد عن ٧٠٪ من الدعم للمرشحين الديمقراطيين، وعلى سبيل المثال، حظيت هيلاري كلينتون بتأييد ٧١٪ من هؤلاء الناخبين في انتخابات عام ٢٠١٦.

وقد تكون حسابات ترامب خاطئة. إذ يتحرك التصويت اليهودي إلى حد كبير استجابةً للقضايا الاجتماعية الداخلية، وليس لما يتم تقديمه من دعمٍ خارجي لإسرائيل. وأشارت نسبةٌ لا تزيد عن ٩٪ إلى أن السبب الأخير شكّل الدافع الرئيسي لتصويتهم في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. إلا أن منهجية “إسرائيل أولاً” قد يكون تحظى بصدى لدى غير اليهود في الولايات المتحدة، وقد يكون للمانحين اليهود وجماعات الضغط المؤيدة لترامب أهمية في المجمع الانتخابي الأمريكي في العام المقبل.

ويرى لوكاس أنه لا يمكن التعامل مع أنا ترامب وكأنها أحد العوامل التافهة التي دفعت الرئيس الأمريكي لاتخاذ قراره المرتبط بالجولان. وبصورةٍ مماثلة لما جرت عليه العادة في قرارات ترامب، فقد استخدم الرئيس الأمريكي هذا القرار ليحاول رسم صورةٍ فريدة له في تاريخ الولايات المتحدة. وبعد ادعائه المزيف بأن جميع الرؤساء الأمريكيين السابقين دفعوا نحو الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، قال ترامب: “وعد جميع الرؤساء بإصدار هذا القرار، إلا أنني الوحيد الذي طبّق هذا الأمر على أرض الواقع”.

على شفير الهاوية

على الرغم من تصدّر قرار ترامب المتعلق بالجولان لقائمة أبرز العناوين الإخبارية، إلا أن تغريدة الرئيس الأمريكي لن تكون بذات أهميةٍ تذكر للجولان. ويرى لوكاس أن موقف القائمين على المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة، لن يتغير تجاه الجولان بصورةٍ مماثلة لما قام به ترامب. وقد يعود هذا الحدث بالفائدة على نتنياهو، إلا أن الوجود الإسرائيلي سيظل معتمداً على قوة السلاح، وتوسع المستوطنات، بالإضافة إلى قبول القوى الأخرى الفاعلة مثل روسيا.

ولا يعني هذا الطرح أن الإعلان لن يحمل في طياته أي أثر. وبحسب صاحب المقالة، فإن “استقرار” ترامب سيسهم على الأرجح في زيادة اضطراب المنطقة.

وسيستغل نظام الأسد الفرصة للتمسك بالسلطة والتستر على ما يقوم به من أعمال القمع. وبما أن جيش النظام لا يتحلى بالقدرة على تأمين رئيسه دون قيادة روسيا وإيران وحزب الله، يرى لوكاس أن تعهد وزير الخارجية السوري باستعادة الجولان لا يعدو عن كونه مجرد هراء. إلا أن هذا الأمر لن يمنع بشار الأسد وبطانته من لعب دور الضحية لدعم رواية دعم الولايات المتحدة وإسرائيل “للإرهاب” والعدوان.

كما تلقي رسالة ترامب بظلالها المظلمة على “خطة السلام” بين إسرائيل وفلسطين المزمع تقديمها قريباً والتي يشرف عليها صهره جاريد كوشنر. وبطبيعة الحال، فإن هذا الأمر سيدفع بعض المراقبين بصورةٍ محقّة إلى وصف هذه الخطة بالاقتراح المشوه، هذا في حال أبصر الاقتراح النور.

ومع ذلك، فإن إعلان الجولان بعد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس يؤكد قصر إدارة ترامب لهدفها الحقيقي من هذين القرارين في إرضاء شخصٍ إسرائيلي واحد، وهذا الشخص ليس سوى ذلك المرء الذي يشغل منصب رئيس الوزراء.

وإذا ما أراد المرء استيعاب نظرة ترامب “الكبيرة” لما يحمله من تأثير، فإنه مدعوٌّ للنظر إلى ما هو أبعد من منطقة الشرق الأوسط. وسبق لمارتن إنديك، وهو سفير الولايات المتحدة السابق لدى إسرائيل، الإشارة إلى أن “بوتين سيستخدم هذا الإعلان كذريعة لتبرير ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم”.

ويختم لوكاس مقالته بالتالي: “في خضم كل هذا، قد لا يهتز جفن ترامب – الذي “أنجز المهمة”- لما يحيط به من مخاطر، حتى وإن كان القلق قد جاوز حدّه لدى بعض مستشاريه ولدى الأكثرية من أبناء منطقة الشرق الأوسط”.