وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

التراث كوسيلة من وسائل المقاومة: شباب المناطق الفلسطينية المحتلة يستخدمون ماضيهم لحماية مستقبلهم

Translation- Khan al-Ahmar
متظاهرون فلسطينيون يرفعون الأعلام الفلسطينية أثناء مظاهرةٍ تم تنظيمها في قرية خان الأحمر البدوية الفلسطينية شرقي القدس بالضفة الغربية المحتلة والتي تعتزم إسرائيل هدمها يوم ١٩ أكتوبر ٢٠١٨. المصدر: AFP.

نشر موقع “The Conversation” مقالةً سلطت الضوء على مبادرات الباحثين البدو الشباب الساعين للحفاظ على تراث القرى البدوية في مدينة الخليل، وذلك في أعقاب ما أصدرته المحاكم الإسرائيلية من قراراتٍ تخص هدم قرية خان الأحمر. وتقوم صاحبتا المقالة باتريشيا سيلليك، كبيرة الباحثين في جامعة كوفنتري البريطانية، وإيلى هارويل، الباحثة المساعدة في نفس الجامعة، باستعراض هذه المبادرات باعتبارها أسلوباً للمقاومة السلمية ومناهضة الاحتلال عبر توثيق عادات وحكايات وتاريخ هذه القرى. كما تطرح الكاتبتان عدداً من التساؤلات حول مدى جدوى هذه المبادرات في ظل ما تعانيه هذه القرى من حالة حرمانٍ وتهميش.

وتبدأ المقالة باقتباس كلمات باحثٍ شاب من أبناء جنوب الخليل. ويقول هذا الباحث الذي لا يزيد عمره عن ٢١ عاماً: “احرص على أن تكون باحثاً بما يصب في مصلحة مجتمعك. وثَّق ماضي أجدادك وحياتهم هنا في هذه القرية منذ فترة ما بعد وقوعها تحت نير الاحتلال. يحق لك ويتوجب عليك أن تثبت عدم أحقية الاحتلال في الوجود هنا – خاصةً وأن المحتلين يرغبون في تهجيرك. دافع عن حقك في البقاء هنا عبر تقديم الدليل الذي يوثق تراثك”.

وترى صاحبتا المقالة أن هذه الكلمات تبشر بنوعٍ جديد من المقاومة قد يساعد على حماية المجتمعات البدوية الضعيفة التي تقيم في هذه المنطقة.

وتعاني قرية خان الأحمر في الوقت الراهن من تهديد هدمها بالجرافات الإسرائيلية، حيث تعتبر هذه القرية من القرى الموجودة في الضفة الغربية. وكان نيكولاي ملادينوف، منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، قد دعا السلطات الإسرائيلية في سبتمبر من عام ٢٠١٨ إلى وقف قرار الهدم هذا. يأتي ذلك في الوقت الذي قام فيه مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بشجب نفس المخطط باعتباره خرقاً للقانون الإنساني الدولي. إلا أن هذا الأمر لم يمنع المحكمة العليا الإسرائيلية من تحدي الأمم المتحدة، حيث قضت المحكمة مرتين لصالح هدم القرية التي بات مصيرها على شفير الهاوية.

وعاودت أزمة خان الأحمر تسليط الضوء من جديد على الوضع المحفوف بالمخاطر الذي تواجهه المجتمعات البدوية المقيمة في المناطق الفلسطينية المحتلة. ويعاني هؤلاء البدو من التهميش داخل المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي، خاصةً وأنه يجري تهجيرهم بصورةٍ متكررة من الأراضي التي يقيمون فيها. وشهد عام ١٩٤٨، على سبيل المثال، طرد بدو خان الأحمر من صحراء النقب، وهو ما دفع هذه المجتمعات للقتال دفاعاً عن وجودها.

حفظاً للذاكرة

ترى سيلليك وهارويل أن هذه المعاناة لا تعني ضياع كلّ شيء في غياهب الذاكرة، إذ قام بعض الباحثين الشباب المقيمين في المناطق الفلسطينية المحتلة طرق مبتكرة وسلمية للحفاظ على بقاء مجتمعاتهم عبر إحياء تراثهم الثقافي.

وهنا، تقوم صاحبتا المقالة باستخدام كلمات الباحث الأكاديمي والكاتب إدوارد سعيد للدلالة على عدم ضياع كل شيء، حيث قال هذا الأخير: “يقوم المرء بتحديد رؤيته للمستقبل عبر ما يتذكره من ماضيه وكيفية تذكره لهذا الماضي”.

ويعتري هؤلاء الباحثين، الذين تتراوح أعمارهم ما بين ١٨ و٢٦ عاماً، الأمل بأن يتمكنوا في الوقفت الراهن من مقاومة تهجيرهم من أراضيهم عبر الاهتمام بتراث مجتمعاتهم. ويعمل هؤلاء الشباب على توثيق التراث الثقافي غير الملموس لمجتمعاتهم، إذ كان هؤلاء يعيشون في قرى بدوية قد تكون في بعض الأحيان صغيرة جداً لدرجة عدم سماع الموظفين المدنيين الفلسطينيين في الخليل بها من قبل.

ويتعرض هذا التراث لخطر الاختفاء تحت وطأة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وتعاني المجتمعات المقيمة في قرى التواني وسوسية والمفجرة وطوبا جنوب تلال الخليل من خطر الطرد جرّاء استمرار زحف المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية على هذه القرى تحت حراسة القوات الإسرائيلية ومواصلة المستوطنين لما يقومون به من اعتداءات. ويعيش سكان هذه القرى حياة صعبة، خاصةً في ظل حرمانهم من الخدمات الأساسية بسبب ما يفرضه الجيش الإسرائيلي عليهم من قيود.

Translation- Palestinian Bedouin
امرأة فلسطينية تخبز الخبز ي قرية خان الأحمر الفلسطينية شرقي القدس في الضفة الغربية المحتلة يوم ٢١ أكتوبر ٢٠١٨. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد قام بتجميد خطط إزالة القرية البدوية الفلسطينية ذات الموقع الاستراتيجي في الضفة الغربية. المصدر: AFP.

وعلى هذا النحو، لا تستغرب صاحبتا المقالة تراجع دور أنشطة الحفاظ على التراث الثقافي نظراً لما تواجهه هذه المجتمعات من صعوباتٍ يومية. ومع ذلك، فقد تمكن الباحثون الشباب في الوقت الراهن من جمع أدلةً على الأغاني التي اعتاد الناس إنشادها أثناء الفلاحة أو في حفلات الزفاف. كما أنهم قاموا بجمع أسماء الأماكن التقليدية، والممارسات الزراعية، والحرف اليدوية، فضلاً عن القصص ووصفات الطعام والكثير من الأمور الأخرى التي ترتبط بمجتمعاتهم وأرضهم. وقام هؤلاء باستخدام هذه الجوانب التاريخية للنهوض بما يمكن اقتفائه من تراثهم، فضلاً عن تنظيم المعارض والعروض التراثية ضمن مجتمعاتهم.

وفي الوقت الذي عمل فيه العديد من هؤلاء الشباب بنشاط ضمن المبادرات الرامية إلى دعم مجتمعاتهم، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي يتبعون فيها منهجيةٍ تقوم على التراث الثقافي. ويقول أحد الباحثين من أبناء قرية التواني: “تكمن أهمية التراث على المستوى السياسي في مساعدتها لنا على إثبات أن هذه أرضنا، وأننا نملكها وقد عشنا عليها”.

المخاطر

تدرك المجتمعات البدوية المقيمة في المناطق الفلسطينية المحتلة تمام الإدراك مخاطر فقدان تراثها الثقافي. وتخشى هذه المجتمعات أن يؤدي ضياع التراث الثقافي إلى منح الحكومة الإسرائيلية للمزيد من الذرائع الكفيلة بطردهم من أرضهم. كما تدرك هذه المجتمعات قيمة هذا التراث من الناحية الاقتصادية وما يحمله في طياته من احتمالية توفير دخلٍ أكبر في هذه المجتمعات الضعيفة، فضلاً عن الروابط الاجتماعية الكفيلة بالحفاظ على العلاقات الاجتماعية المعرضة للانهيار.

وترى سيلليك وهارويل أن المجتمعات البدوية الموجودة في المناطق الفلسطينية باتت مفككةً نتيجةً للصراع الدائر. وتم حرمان هذه المجتمعات من مزاولة الممارسات الثقافية التقليدية أو نقل المعرفة المرتبطة بها للأجيال القادمة، وهو ما أدى إلى انقسام الأجيال الأكبر عن الأصغر.

وساعد الباحثون على إعادة تأسيس هذه الروابط المفقودة، بالتزامن مع إحياء العلاقات بين أعضاء المجتمع من الشباب وكبار السن عبر إجراء ما يزيد عن ٧٥ مقابلة مع أقدم أفراد المجتمع. وأوضحت سميحة، وهي باحثةٌ شابة من قرية التواني، كيفية تأثير هذه العملية عليها بالقول: “إنه لشعورٌ عظيم عندما تتحدث إلى رجل مسن أو امرأة مسنة في منطقتي، لأنهم سيقومون باطلاعك على قصةٍ لم تسمع بها من قبل”.

وترى صاحبتا المقالة أن مجرد مشاركة البهجة التي يحملها تراثك والفخر بماضيك هو بالتأكيد مقاومة بحد ذاته. يأتي ذلك في الوقت الذي بدأ فيه الباحثون الشباب بإقامة العلاقات مع المجتمعات البدوية الموجودة في أجزاء أخرى من المناطق الفلسطينية المحتلة وإسرائيل. ويعمل الباحثون على مشاركة ما توصلوا إليه من نتائج وأساليب بحثية، بالتزامن مع تعلّم كيفية استخدام هذه المجتمعات للطرق التراثية بما يكفل دعم تنميتها الاجتماعية والاقتصادية. وبالطبع، فقد باتت هذه المجموعة من الباحثين أكثر قوة بفضل عمل الباحثين مع بعضهم البعض.

وتتساءل هنا صاحبتا المقالة إذا ما كانت هذه المنهجية تتمتع بالقدرة على مساعدة سكان خان الأحمر في الوقت الراهن دون أن تقوما بالإجابة على هذا التساؤل. وكان الباحثون الشباب قد أظهروا مدى ما يتمتع به التراث الثقافي من قدرة على تعزيز تماسك المجتمعات وعلاقتها بالأرض التي تعيش فيها. كما تحدث الباحثون مراراً عن وضع قراهم على الخريطة، وجعلها جزءاً من مجتمع بدوي أوسع يمتد عبر الزمان (بين الأجيال السابقة واللاحقة) والمكان. وبالطبع، فقد باتت جهود هؤلاء واضحة للعيان على المستويات المحلية والوطنية والدولية.

وتختم سيلليك وهارويل مقالتهما بالتالي: “يوفر كل ذلك مساحةً للتضامن يمكن من خلالها مقاومة الظلم سلمياً. فالتراث الثقافي والإجراءات المتخذة لحمايته، يمثل مورداً لدعم المساواة وطريقة للتشارك برؤية مختلفة لما يمكن أن تكون عليه الحياة في هذه المجتمعات المحاصرة”.