وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

العقوبات الأمريكية على إيران تدعم نفوذ الصين عالمياً

Translation- Mohammad Javad Zarif
مستشار الدولة ووزير الخارجية الصيني وانغ يي مصافحاً وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في دار الضيافة “دياويوتاي” بالعاصمة الصينية بكين يوم ١٣ مايو ٢٠١٨. المصدر: AFP.

نشر موقع “The Conversation” مقالة سلطت الضوء على الدور الذي سيلعبه فرض العقوبات الأمريكية على إيران في تعزيز دور الصين في منطقة الشرق الأوسط. ويقوم صاحب المقالة توم هاربر، باحث الدكتوراه المتخصص في العلوم السياسية بجامعة سري البريطانية، بمناقشة الآثار التي قد تترتب على فرض تلك العقوبات في منطقة الشرق الأوسط، لافتاً إلى أن الصين ستستغل هذا الأمر لزيادة نفوذها في الشرق الأوسط، وبما يكفل ملء الفراغ الذي ستخلفه الولايات المتحدة في هذه المنطقة من العالم.

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد بدأت بتطبيق ما ينظر إليه باعتباره أقوى العقوبات التي تم فرضها على إيران حتى الآن. وبحسب هاربر، فإن التصريحات العدوانية المتبادلة بين إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وطهران حظيت بحصة الأسد من عناوين الصحف الرئيسية. ويأتي ذلك على خلفية انسحاب واشنطن من خطة العمل المشتركة الشاملة التي اتفق عليها الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما مع بريطانيا وفرنسا وروسيا والصين.

ويكمن الفارق بين العقوبات الأخيرة وما تم فرضه في السابق من عقوبات على طهران في انتقاد الدول الأوروبية لهذه العقوبات، علماً بان هذه الدول سبق لها القبول بما فرضته واشنطن من عقوبات في الماضي على إيران. ويتساءل هنا هاربر إذا ما كان مضي الولايات المتحدة الأمريكية بعيداً في أحاديتها هو السبب الكامن وراء الانتقاد الأوروبي للخطوة الأمريكية.

وتسعى العقوبات الجديدة إلى زيادة الضغط على طهران بهدف تغيير النظام ودعم الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة الأمريكية كإسرائيل والسعودية. إلا أن هذه العقوبات ستعود بحسب ما يراه صاحب المقالة بنفعٍ غير مباشر على أكبر منافس عالمي للولايات المتحدة، ألا وهو الصين. كما أن هذا الأمر سيكون له انعكاسات أوسع على المنطقة.

المملكة الوسطى تلتقي الشرق الأوسط

تقوم الشركات الأوروبية باستكشاف الطرق الكفيلة بتفادي العقوبات الأمريكية، بالتزامن مع السعي للحصول على إعفاء من هذه العقوبات. ويرجح هاربر أن تقوم هذه الشركات بتجنب القيام بأعمالٍ تجارية في إيران خوفاً من العقوبات الأمريكية. ويرى صاحب المقالة أن هذا التوجه سيترك فراغاً من المرجح أن تقوم الصين بسدّه، حيث ستقوم الشركات الصينية نتيجةً لذلك باحتكار نفط إيران وتجارتها بصورةٍ شبه كاملة.

وكانت الواردات الصينية من النفط الإيراني قد انخفضت بصورةٍ طفيفة في بداية المطاف، إلا أن هذا الأمر قد يكون إحدى حيل بكين لمعرفة إذا ما كانت زيادة عزلة إيران تصب في مصلحة الصين. وعلى الرغم من ترحيب إيران بالاستثمار الصيني في الماضي، إلا أنها كانت تسعى في الوقت نفسه للحصول على الاستثمارات الأوروبية بهدف موازنة الاستثمارات ومنع الصين من الهيمنة على اقتصاد البلاد. ويمكن القول إن احتمال حدوث الامر بات وشيكاً بشكلٍ كبير بفعل العقوبات.

وتعمل الصين على بناء نفوذها بشكل متزايد في منطقةٍ لطالما عاشت تحت وطأة نفوذ الولايات المتحدة. وقد يؤدي هذا الأمر لأن تتقبل طهران المبادرات العالمية الصينية بشكلٍ أكبر، ومنها مبادرة “الحزام والطريق” ومنظمة شنغهاي للتعاون.

ويرجح أن تشهد المبادرة الأولى المزيد من التكامل الأوراسي “الأوروبي – الآسيوي” تحت إدارة الصين، في الوقت الذي قد تكون فيه المبادرة الأخيرة أكثر جاذبية لإيران باعتبارها تحالفاً عسكرياً مرناً قد يشكّل رادعاً لمحاولات تغيير النظام.

وفي حين تتبع هذه التحركات النمط المشترك للسياسة الخارجية الصينية، وأبرزها استعداد بكين للخوض في مخاطر أكبر والقيام بأعمالٍ تجارية مع الدول المنبوذة، فإن لها تداعيات أوسع على مستوى المنطقة بصفةٍ خاصةً والعالم بصفةٍ عامة.

على نهج ماو

لطالما برعت بكين في استغلال ما يطرأ على النظام الدولي من تطورات بما يتوافق مع مصالحها الخاصة، علماً بأن إيران ليست سوى أحدث مثال على هذا الأمر. وفي هذه الحالة، ترغب بكين بملء الفراغ الذي تركته الشركات الأوروبية في أعقاب خوف هذه الأخيرة من تهديد العقوبات.

وتثير هذه السياسة التساؤلات حول فائدة العقوبات في وقتٍ باتت فيه السلاح الأبرز في ترسانة ترامب الدبلوماسية. وعلى الرغم من تحقيق ذلك السلاح لبعض النجاحات، لا سيما في القضاء على نظام الفصل العنصري “الأبارتايد” في جنوب أفريقيا، إلا أنه نادراً ما حقق النجاح على مستوى تغيير سلوك الدول في السنوات الأخيرة.

ويرى صاحب المقالة أن أهم الآثار المترتبة على العقوبات قد يتمثل في مدى تأثيرها على انتشار عدم التعامل بالدولار والتحدي الذي يمثله هذا الأمر على الوضع المهيمن للدولار على المستوى العالمي. وبما أن الدول المُعاقَبة لم تعد مرتبطة بالنظام القائم، فقد بات من السهل عليها اعتماد طريقة بديلة لتسيير أعمالها. ومن الأمثلة على هذا الأمر نظام “البترويوان” – حيث تم تسعير واردات الصين من النفط عبر هذا النظام باليوان وليس بالدولار. وتجدر الإشارة إلى ان الدول المُعاقَبة الغنية بالنفط، وأبرزها روسيا وفنزويلا، تقوم بتبني هذا النظام. كما أن العقوبات المفروضة على إيران ستؤدي إلى تفاقم هذه العملية.

ويعد نظام “البترويوان” دليلاً على تحدي الصين للنظام الراسخ الذي يتمحور حول الولايات المتحدة وعلى سعيها لتوفير بديل لهذا النظام. ويذكرنا هذا التوجه باستراتيجيات الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ في حرب العصابات، حيث يسعى المتمردون في مثل هذا النوع من الاستراتيجيات إلى عزل الحكومة على مدى فترة زمنية طويلة قبل الإطاحة بها. وتقوم الصين بتطبيق استراتيجية مماثلة لهذا التوجه على نطاق عالمي في محاولةٍ منها لتجاوز نفوذ الولايات المتحدة وذلك عبر بناء العلاقات مع الدول التي تم فرض العقوبات عليها وإنشاء مؤسسات دولية بديلة.

ونتيجة لذلك، فقد تزايد التعاون الصيني – الروسي كما هو الحال في سوريا. وتستعد الصين للمشاركة في إعادة إعمار هذه الدولة إلى جانب ما تقدمه لها روسيا من مساعدات عسكرية، وذلك بعد أن وجدت كلا الدولتين أرضية مشتركة تجمع بينهما وتتمثل فيما يتشاركان به من مخاوف حيال التشدد الإسلامي.

وتجدر الإشارة إلى أن روسيا والصين قد وقعتا على الاتفاق النووي الإيراني، وأثار غضبهما انسحاب واشنطن من هذا الاتفاق. وكثيراً ما تم وصف استراتيجيات ترامب الحالية بأنها “تقابل سياسات الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون”، إذ تسعى هذه الاستراتيجيات إلى تعزيز العلاقات مع روسيا لمواجهة الصين. إلا ان الوضع في إيران يرجح تحالف الصين وروسيا ضد الولايات المتحدة الأمريكية.

وكان انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني قد أسفر عن انقسام العالم الغربي، وفي الوقت الذي قد تكون فيه إزاحة إيران عن الطاولة أمراً سهلاً، فإن إعادتها مرة أخرى إلى الطاولة سيكون أكثر صعوبة.

ماذا بعد؟

باتت الصين نتيجة لهذه التطورات أحد القوى الفاعلة المهمة في منطقة الشرق الأوسط عبر تحديها للنظام القائم هناك وتغييرها له. ويشكك هذا أيضاً في فائدة العقوبات على المدى الطويل، خاصةً وأن الدول التي تخضع لفترةٍ طويلة لمثل هذه العقوبات تصبح أكثر انفتاحاً على الأنظمة البديلة.

وتسعى الصين إلى تحدي النظام القائم بإضعاف فاعليته، وهي تقوم بذلك عبر توفير بديل لهذا النظام. وعلى الرغم من تخلي الصين عن أيديولوجية ماو، فإن استراتيجياته ما تزال مؤثرة.

ويختم هاربر مقالته بالتالي: “في الوقت الذي تم فيه اعتبار العقوبات كمحاولةً للحفاظ على الهيمنة الأمريكية في المنطقة، فإن هذه العقوبات سيكون لها عواقب من شأنها تحدي هذا السعي بطريقةٍ غير مباشرة. فهذه الخطة الأمريكية قد تفشل في تحقيق هدفها فشلاً ذريعاً”.