وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الهجرة، بوصلة الشرق أم مقبرته؟!

Immigration
صورة تم التقاطها يوم ٦ إبريل ٢٠١٧ لعائلة سورية وهي تتنقل ومعها مقتنياتها عبر إحدى الغابات الموجودة بالقرب من سياج الحدود الهنغارية في منطقة عبور محطة تومبا الحدودية. يأتي ذلك في الوقت الذي قام فيه وزير الداخلية الهنغاري ساندور بنتر (غير موجود في الصورة) بتقديم المخيّم أمام وسائل الإعلام. وجرى توسيع نقطة نقل المهاجرين على الجانب الهنغاري من الحدود لتصبح أحد مركزي احتجاز جديدين مخصصين لطالبي اللجوء في منطقة العبور الهنغارية. ويتواجد في هذه النقطة حاويات شحنٍ يجري استخدامها بشكلٍ تلقائي لاحتجاز المهاجرين في منطقة العبور أثناء التحقق من مزاعمهم ومتطلباتهم. المصدر: ATTILA KISBENEDEK/ AFP.

نور عباس

حروب أهلية، نزاعات اقليمية، انهيار اقتصادي، تدخلات خارجية، وكوارث طبيعية، هذا ما نستطيع وصف ثلثي الشرق الأوسط به، الشرق الذي يملك نسبةً شابةً في أفراده، هي من الأعلى عالميًا، فماذا يملك الشباب لمواجهة الواقع؟

ربما لو استعنا بمؤشرات Google trends، فسنجد مؤشراتٍ صادمة لو اخترنا البحث عن كلمة “هجرة” فقد حظيت الكلمة بشعبية تفوق ال 100% ضمن بعض الدول العربية في العام الجاري مثل الجزائر، سوريا وتجاوزت ال 65% في المغرب العربي مثلًا، ولكن أليس الأمر منطقيًا؟

فبالنسبة للشباب العرب، لا يقتصر الأمر في البلدان العربية على خطورة وضعهم الأمني، بل يتعداه وصولًا لأمنهم الاقتصادي، والغذائي في آنٍ واحد!

ينص قانون انجل الاقتصادي بأنه كلما قل دخل الفرد، كلما زاد انفاقه على الطعام والعكس صحيح، وهذا ما نراه جليًا بنزول معدلات دخل الفرد في بعض الدول إلى ما يقل عن 2$ يوميًا وهو ما تعتبره الأمم المتحدة خط فقرٍ مدقع للفرد! قد تتعدد أسباب الهجرة بالنسبة للشباب العرب، فقد تكون لأسباب فكرية أو لتحقيق طموحٍ ما، للدراسة أو العمل مثلًا، أو هربًا من واقعٍ مرٍ فحسب إلا أنه ومهما تعددت هذه الأسباب الفردية للهجرة، فإنها تخاض من قبل الشباب ولو بأقسى الطرق كالهجرة غير الشرعية مثلًا، هجرةٌ قد يرى فيها المهاجرون وجه الموت أكثر من مرة، إلا أنها تخاض عوضًا عن البقاء في مستقبلٍ مجهول بالنسبة لهم داخل أوطانهم!

فبحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، فقد تم استقبال 1,200,000 لاجئ في أوروبا في عام 2016، و295,000 لاجئ في العام 2019، مما يعطي مؤشرًا قويًا إلى استمرار حركة الهجرة واللجوء العربية، مهما كانت المخاطر، فبحسب المفوضية ذاتها، فقد تم استقبال 100,000 – 300,000 طفل لاجئ دون ذويهم في أوروبا في العام 2016! وللأسف فإن الرحلة لم تكن آمنة للبعض فبحسب مركز تحليل بيانات المهاجرين العالمي فإن هناك 497 غريق سوري بينهم 67 طفل في مياه المتوسط، ويؤكد المركز على أن الأعداد أكبر بكثير من ذلك.

وقد تعكس صورة الهجرة بشكلٍ عام زعزعة فكرة الانتماء الوطني مقابل الحياة بالنسبة للجيل الشاب، إلا أنها لا تعنيه بالضرورة، فقد وجد الشباب طرق كثيرةً لإيصال مأساة أوطانهم في الخارج، بطرقٍ وامكانيات ما كانوا ليحصلوا عليها لولا الهجرة، فعرضوا الوثائقيات ولجؤوا إلى الفنون بمختلف أنواعها لكسب التعاطف من الشعوب الأخرى لقضاياه العادلة، كما أنهم أثبتوا أن الانضباط والفوضى في المجتمع، هم وليدو الظروف لا الأشخاص، ونستطيع القول بأن المهاجرين استطاعوا سند الاقتصاد الوطني لدولهم، عبر توريد القطع الأجنبي لذويهم بشكلٍ دوري!

ولا يمكن الجزم بكون الهجرة هي مفتاح الحياة بالنسبة للشباب، فمن غير الممكن أن نغض البصر عن الضغوط النفسية للمهاجر، أو للاجئ، من صعوباتٍ في الانخراط في مجتمع مختلفٍ تمامًا إلى صعوبات في الوحدة والحنين، وصعوبة الانتظار بالنسبة للاجئين من الحروب!

ومع استمرار عملية الهجرة بكافة أشكالها بدءًا من الهجرة بمنحةٍ دراسية، أو في قارب موتٍ غير مضمون، تخسر بلدان الشرق أقوى مواردها، وهو المورد البشري الكفء، فمعظم الشباب العربي الكفء يرى في الهجرة بوابةً لتحقيق طموحه وكيانه في بلادٍ تحترم جهده وتؤجره عليه، فهل تكون الهجرة بشكلها هذا بوصلةَ شباب الشرق ومقبرته في آن واحد؟

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.