وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

في البحث عن منظمة التحرير الفلسطينية

PLO
رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات يلقي بالزهور على حشدٍ اجتمع يوم ٥ يوليو ١٩٩٣ بعد وصوله إلى بلدة أريحا. وشهد هذا اليوم عودة عرفات لأول مرّة إلى مدينة غزة بعد مرور ٢٧ سنة على غيابه عنها. المصدر: Patrick BAZ / AFP.

ماجد كيالي

تأسست منظمة التحرير الفلسطينية (مايو 1964) بناء على قرار من مؤتمر القمة العربية وبدعم من الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر. إلا أن تلك المنظمة لم تأخذ مكانتها ككيان سياسي للشعب الفلسطيني إلا بعد دخول الفصائل الفلسطينية في إطارها (1969)، كإطار جبهوي، وفي ظل قيادة ياسر عرفات (الزعيم الفلسطيني الراحل).

في مرحلة ثانية بدأت مع طرح البرنامج المرحلي (1974، د12 للمجلس الوطني)، الخاص بإقامة دولة في الضفة والقطاع، انتقلت المنظمة إلى حيز آخر يتعلق بتعزيز مكانتها العربية والدولية. وهو ما تجلى باعتراف مؤتمر القمة العربي المنعقد بالرباط بالمنظمة كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، وصعود ياسر عرفات إلى منبر الأمم المتحدة ليلقي كلمة باسم الشعب الفلسطيني، كرئيس للمنظمة، في العام ذاته.

بيد أن التطور الأبرز الذي حصل للمنظمة تم بعد نشوء السلطة الفلسطينية، إذ بات الشعب الفلسطيني إزاء كيانين، ما نجم عنه التداعيات الآتية:

أولاً، أضحت المنظمة بمثابة تابع للسلطة، وليس العكس، سيما مع انتقال ثقل العمل الوطني الفلسطيني، وضمنه أجهزة منظمة التحرير إلى الضفة والقطاع، وبنتيجة التماهي بين رئاستي السلطة والمنظمة. إذ اضحى ياسر عرفات وبعده محمود عباس، رئيسا للمنظمة ورئيسا للسلطة في الوقت ذاته.

ثانياً، بناء على ذلك تم تهميش المنظمة، ما أدى إلى جمودها وافتقادها للحيوية والفاعلية. ومثلا، فمنذ إقامة السلطة (1993) تم عقد ثلاث دورات للمجلس الوطني الفلسطيني، فقط. الأولى، في العام 1996، والثانية في العام 2009 وكانت مخصصة لترميم عضوية اللجنة التنفيذية، والثالثة في العام 1820. أي إن ثمة دورتين عاديتين عقدتا فقط في غضون 22 عاما!

ثالثا، أدى نشوء السلطة إلى افتقاد المنظمة مكانتها كمرجعية تشريعية للفلسطينيين، أو بات الفلسطينيون إزاء مرجعيتين مع تركيز الثقل في المنظمة، علما أن هذه التحول أدى إلى تهميش مكانة اللاجئين الفلسطينيين في إطار العملية الوطنية الفلسطينية.

رابعا، تبعا لما تقدم فقد خسرت المنظمة مكانتها كممثل للفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم، إن بنتيجة تهميشها، أو بنتيجة التركيز على كيان السلطة، كما بنتيجة حصر ولاية القيادة الفلسطينية، المتمركزة في السلطة وأجهزتها، على فلسطينيي الأراضي المحتلة (في الضفة وغزة). وهذا أدى، أيضا، إلى تفكيك مفهوم وحدة الشعب الفلسطيني، وتشوش الرواية التاريخية الفلسطينية. وهذه من أخطر النتائج الناجمة عن اتفاق أوسلو، وضمن ذلك تحول الحركة الوطنية الفلسطينية من حركة تحرر إلى مجرد سلطة تحت الاحتلال.

المشكلة الأكبر في كل تلك الأمور أنها لم تحصل فقط بدفع من الضغوط الخارجية، وبخاصة الأمريكية والإسرائيلية، وإنما حصلت بسبب الأوهام التي ترتبت على اتفاق أوسلو بشأن إمكان قيام دولة فلسطينية مستقلة، وهو ما ثبت خطأه. كما حصلت بسبب طريقة القيادة الفلسطينية في العمل، وغياب تقاليد القيادة الجماعية، وتهميش الأطر، والاستهتار بالمؤسسات، والافتقاد لاستراتيجيات سياسية واضحة.

الآن، وبعد وصول السلطة إلى أفق مسدود، بات ثمة وجهات نظر عديدة تطرح فكرة إعادة بناء، أو إعادة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية. بيد أن المشكلة أكبر وأعقد من مجرد قرار، لأن السلطة باتت أمرا واقعا، مع أكثر من 160 ألف موظف، ولأن المنظمة أضحت مترهلة، ومتقادمة، ولأن الصيغ المطروحة لإعادة تفعيل المنظمة تستند إلى القوى ذاتها التي همشتها. والمشكلة أن تلك الصيغ بدت قاصرة إذ إنها تستند على المحاصصة الفصائلية، أو على أساس تقاسم الشراكة بين الفصيلين الكبيرين فتح وحماس، أي السلطة في الضفة والسلطة في غزة. أما الصيغة الأنسب وهي التي تنشأ من انتخابات يشارك فيها الفلسطينيون في كل مكان، ويقولون فيها رأيهم فهي تبدو مستبعدة، رغم وجود عديد من القرارات عن المجلسين الوطني والمركزي تؤكد على ضرورة إجرائها، منذ عشرة أعوام، دون أن تجد طريقة إلى التنفيذ.

في الغضون لا بد من التأكيد بأنه لا يمكن إصلاح المنظمة، أو إعادة بنائها، إلا على قواعد سياسية وتنظيمية، محددة، وواضحة. أولها، يتعلق بإعادة الاعتبار للمنظمة بوصفها ممثلة لشعب فلسطين، في كافة أماكن وجوده، وأن هذا الشعب واحد، لا يمكن تجزئته، رغم خصوصيات كل تجمع. وثانيها، صوغ رؤية سياسية تتأسّس على وحدة شعب فلسطين، في فلسطين التاريخية وفي بلدان اللجوء والشتات، ووحدة قضيته، ومصيره المشترك، وعلى المطابقة بين أرض فلسطين وشعب فلسطين وقضية فلسطين، والتمسك بالرواية التاريخية، وبقيم الحقيقة والحرية والعدالة والكرامة، وبالحقوق الفردية والجمعية. وثالثها، حق الشعب الفلسطيني في النضال بالوسائل العادلة والمشروعة، التي تتناسب مع القيم المذكورة، والمعايير الدولية، والتي تمكن الشعب الفلسطيني من تنمية قدراته وتطوير مجتمعه، وتعزيز صموده في أرض فلسطين التاريخية، واستعادة حقوقه الوطنية.

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.