وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

هل السلطة الفلسطينية مطلوبة بعد فقدان المشروع الوطني؟

المشروع الوطني الفلسطيني
صورة تم التقاطها يوم ١٩ أغسطس ٢٠١١ لأطفال ونساء فلسطينيين يصطفون لعبور حاجز تفتيش قلنديا بالقرب من مدينة رام الله في الضفة الغربية باتجاه القدس لحضور صلوات ثالث جمعة في شهر رمضان المبارك بمجمع المسجد الأقصى، وهو ثالث أقدس المعالم الإسلامية. المصدر: AFP PHOTO/ABBAS MOMANI.

ماجد كيالي

ثمة مشروعية عميقة بضرورة انتقاد نهج القيادة الفلسطينية في العمل السياسي (والقصد هنا تحديدا قيادة السلطة والمنظمة وفتح)، وكذا طريقة إدارتها للوضع الفلسطيني.

فعلى الصعيد السياسي رضيت هذه القيادة الارتهان لخيار المفاوضات وحده، وهذا أمر يختلف عن الارتهان الاضطراري. فمن المعلوم أن الارتهان هنا يبنى على ذهنية سياسية مغلقة، تستبعد الخيارات والبدائل السياسية الأخرى، وتستمرئ الاستمرار بالسير على ذات القواعد السياسية، ظنا منها أن ذلك يحفظ مكانة طبقتها السياسية ويضمن مصالحها؛ لاسيما بعد أن ماهت هذه الطبقة بين مصالحها وما تظنه مصالح شعبها وقضيته. فوق ذلك فإن هذه الذهنية تنبني على وعي مزيف، أو على وهم، مفاده أن إسرائيل يمكن أن تقدم للفلسطينيين مايريدوه مجانا، أي بوسيلة المفاوضات فقط، رغم اختلال موازين القوى والمعطيات الدولية والإقليمية لصالحها!

المشكلة مع هذه الذهنية أنها مازالت متمسكة بهذا الطريق رغم مرور حوالي 27 عاما على بدء عملية التسوية (منذ توقيع اتفاق أوسلو 1993)، ورغم انه ثبت، في حيز التجربة السياسية، أن إسرائيل تقوم بكل ما من شأنه إفراغ حل الدولتين، من معانيه السياسية والجغرافية والحقوقية؛ وهي الحقيقة التي اعترف بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس بذاته مرارا وتكرارا، وهي التي أدت منتصف الشهر الماضي إلى قطع العلاقات مع إسرائيل ووقف التنسيق الأمني.

أيضا فإن مشكلة هذه الذهنية أنها لاترى، أو لاتريد أن ترى، التحولات السلبية التي تحيق بها، ولا المتغيرات من حولها، فمن الواضح أن الحركة الوطنية الفلسطينية تعرضت لاستنزاف كبير، من قبل إسرائيل، وبسبب الاختلافات والنزاعات والانقسامات داخلها. كذلك فإن أحوال الشعب الفلسطيني باتت جد صعبة ومعقدة، في وضع بات يخشى الحديث فيه عن نشوء “مجتمعات” فلسطينية عديدة، وأجندات ومرجعيات سياسية مختلفة، بحكم اختلاف الظروف التي يعيش في ظلها الفلسطينيون، لاسيما في ظل غياب حالة رمزية ومرجعية ومؤسسية واحدة، أو متفق عليها. وإذا كان ثمة انقسام حاصل بين الضفة وغزة، وبين فتح وحماس، فكذلك ثمة هوة واسعة بين ادراكات الفلسطينيين اللاجئين وادراكات فلسطينيي الأراضي المحتلة لحقوقهم الوطنية (عدا عن هذا الأمر بالنسبة لفلسطينيي 48). أما بالنسبة لقضية فلسطين فلم تعد الأولويات واضحة، ولا محسومة، فثمة حديث عن أولوية رفع الحصار عن قطاع غزة، أو المصالحة الداخلية، كما ثمة حديث عن أولوية إنهاء أعمال الاستيطان، أو وضع حد لمحاولات تهويد القدس، أو اجراء انتخابات. كما ثمة تباين بشأن أولوية الدولة الفلسطينية أو حق العودة، وكذلك بين مشروع التحرر الوطني والمشروع الإسلامي.

على الصعيد الخارجي، ومع أن العالم يبدو مشغولا بتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، والكوارث البيئية، ومشكلة الإرهاب، وجائحة كورونا، وبالاضطرابات الحاصلة في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وليبيا، إلا أن ثمة تحولات كبيرة في ادراكاته لصالح قضية الفلسطينيين، التي باتت تفرض ذاتها لكونها قضية عادلة، وأيضا لكونها مدخلا يمهد لحل أزمات إقليمية أخرى، بما في ذلك تجفيف نوازع الإرهاب. وشاهدنا على ذلك أن العالم الغربي (وضمنه في أوساط في الولايات المتحدة)، وبسبب من سياسات إسرائيل المتعنتة والمتغطرسة، بات يرى هذه الدولة على حقيقتها، كدولة استعمارية وعنصرية ودينية، حتى انه بات يراها عبئا على الاستقرار في الشرق الأوسط، وعاملا من عوامل اضطراب مكانة الغرب ومصالحه في هذه المنطقة.

ومعنى ذلك أن القيادة الفلسطينية، التي من أولى مهماتها إدارة الموارد المتاحة والممكنة واستثمارها بالطريقة الأمثل، فإنها لا تعمل وفقا من ذلك، كونها مشغولة بتكريس واقعها كسلطة، ولو أن هذه السلطة باتت جزئية (في الضفة الغربية) ومرتهنة للاملاءات الإسرائيلية، كما تبدو مهجوسة بترسيخ وضعها كمرجعية مهيمنة على شؤون القضية الفلسطينية، حتى لو أن مرجعيتها هذه أضحت مفرّغة من معناها السياسي، كقضية تحرر وطني، ومعزولة عن مجالها المجتمعي (عموم الفلسطينيين).

القصد من ذلك التوضيح أن الساحة الفلسطينية تمر بمرحلة يمكن تسميتها ضياع المشروع، وعندما يضيع المشروع، فإن كل ما انبنى عليه، من إطارات وأدوات ووسائل عمل تصبح من دون معنى، أو لزوم مالا يلزم. ومن مظاهر هذا الضياع تحول مشروع التحرر الوطني إلى مشروع سلطة (في الضفة وغزة وعند فتح وحماس)، والمبالغة بعوامل الاختلاف والاقتتال والانقسام، بدل توجيه الجهود لمصارعة الاحتلال، وتهميش واقع التعددية والتنوع، في مقابل إعلاء شأن السلطة الأحادية والشمولية في المجتمع الفلسطيني، وهذا ما بات يتمثل في استحواذ الرئيس الفلسطيني على كل السلطات بيديه (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، مع المشكلة الأكبر وهي أنه رئيسا للمنظمة والسلطة وفتح في الوقت ذاته. فإذا ضاع المشروع الوطني الفلسطيني، وغاب عن مجاله الاجتماعي، فما لزوم هذه السلطة أو تلك، في الضفة أو غزة؟ وما لزوم الفصائل؟ سواء تم الأمر بانتخابات صورية، أو من دون تلك الانتخابات ومسرحيتها.

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.