وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

هل تشهد تونس تحولاً ديمقراطياً بالفعل؟ المنجزات، والمعوقات، والآفاق الغامضة

Translation- Tunisian teachers protest
معلمون ومعلمات يرددون الشعارات ويلوحون بالأعلام الوطنية ويرفعون علامات الاحتجاج أثناء مظاهرة تطالب بزيادة الأجور خارج مكتب رئيس الوزراء في العاصمة تونس يوم ٦ فبراير ٢٠١٩. المصدر: AFP.

نشر المعهد الألماني للعلاقات الدولية والأمنية مقالة سلطت الضوء على الإشكاليات التي تواجهها عملية التحوّل الديمقراطي في تونس. ويقوم صاحبا هذه المقالة وهما الدكتورة إيزابيل فيرينفيلز، الزميلة الأولى في وحدة الشرق الأوسط وإفريقيا بالمعهد، وماكس جاليان، الزميل الزائر في المعهد، باستعراض القيود المفروضة على عملية التحول الديمقراطي، بالتزامن مع تقديم توصيات للجهات الفاعلة على المستويين الداخلي والخارجي في الوضع التونسي.

ومرت الذكرى الثامنة لانتهاء حكم بن علي الدكتاتوري في شهر يناير الماضي، إلا أن الاحتفالات بهذا الحدث شهدت احتجاجاتٍ اجتماعية ضخمة. وتختلف الآراء حول حالة التطور السياسي في تونس داخلياً وخارجياً في وقتٍ تستعد فيه البلاد للانتخابات البرلمانية والرئاسية الثانية منذ اعتماد الدستور الجديد في عام ٢٠١٤. وفي الوقت الذي يرى فيه البعض أن عملية التحوّل الديمقراطي قد اكتملت بالفعل، يخشى آخرون عودة الحكم المطلق. وعلى الرغم من الإنجازات الديمقراطية الكبيرة التي شهدتها تونس، فإن هذه الدولة تواجه خطر التحول إلى نظامٍ هجين، جزءٌ منه ديمقراطي والآخر استبدادي. ولا يتعلق هذا الأمر بالسياق الاقتصادي والإقليمي الصعب فحسب، بل يرتبط أيضاً بالدور المعقد للشبكات السياسية والاقتصادية والإدارية للنظام القديم، ناهيك عن استمرار الممارسات الاستبدادية والخطابية “القديمة” تجاه السياسة والمجتمع، وهي العوامل التي تعقّد من عملية ترسيخ الديمقراطية الهشة في تونس. لذلك، لا بد وأن يتمثل هدف شركاء تونس الدوليين الواضح في إضعاف هذه التيارات المضادة.

وبعد مرور ثمانية أعوام على انتهاء الديكتاتورية، باتت تونس الدولة الوحيدة التي تحولت إلى نظامٍ ديمقراطي بعد ما يُسمى بـ “الربيع العربي”. ويُعد الانتقال التونسي أكثر تميزاً في ظل السياق الأمني الإقليمي والأزمة الاقتصادية العميقة الذي تعيشها البلاد منذ عام ٢٠١١، علماً بأن هذين الجانبين قد يؤديا إلى أي شيء إلا تحقيق الديمقراطية.

ولم تحظى الإنجازات الديمقراطية بحصة الأسد من عناوين الصحف التونسية والعالمية في ذكرى الثورة، إذ هيمنت على هذه العناوين الاحتجاجات الاجتماعية الضخمة، والإضراب العام، والصراعات على السلطة داخل النخبة السياسية. وبعد ما يقرب من أربع سنوات، أدت النزاعات بين أكبر حزبين، وهما حزب “نداء تونس” العلماني وحزب “النهضة” الإسلامي المعتدل، إلى دفع الائتلاف الحاكم إلى أزمة خطيرة. وتمثلت نقطة الخلاف الرئيسية في النزاع المتزايد في عام ٢٠١٨ بين الرئيس السبسي ورئيس الوزراء يوسف الشاهد (الذي كان آنذاك عضواً في حزب “نداء تونس”). وكان السبسي قد دفع باتجاه استبدال الشاهد، علماً بأن السبسي هو الذي كان في الأصل وراء ترشح الشاهد لتولي هذا المنصب.

بالمقابل أصر حزب النهضة على بقاء رئيس الوزراء في منصبه بحجة ضمان الاستمرارية والاستقرار. وأسس الشاهد بعد ذلك حزبه السياسي “تحيا تونس” رغبة منه باحتلال موقع الوسط من الناحيتين السياسية والاجتماعية. ومن المحتمل أن يترشح الشاهد للانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في نوفمبر من عام ٢٠١٩، ليقف بذلك ندّاً أمام الرئيس البالغ من العمر ٩٢ عاماً والذي قد يترشح أيضاً للحفاظ على منصبه. ويبقى احتمال أن يدفع حزب النهضة الأقوى في تونس حالياً بمرشح آخر قائماً. وإذا ما عاود حزب النهضة تسجيل أداءٍ قوي في الانتخابات البرلمانية المقرر عقدها في أكتوبر من عام ٢٠١٩ كما هو متوقع، فإن هذا الحزب قد يلعب دور صانع الملك.

وتجري هذه المناورات السياسية على خلفية وضعٍ اقتصادي متوتر للغاية، خاصةً وأن تونس تعتمد على القروض الدولية لتجنب الإفلاس. وفي الوقت الذي يطالب فيه المانحون، وفي مقدمتهم صندوق النقد الدولي، باتخاذ تدابير تقشفية وإصلاحات هيكلية، فإن الاتحاد العام التونسي للشغل، المنظمة النقابية القوية، حشد بشكلٍ كبير لمواجهة هذه التدابير. وكان الشاهد قد توصل إلى اتفاقٍ مع الاتحاد العام للشغل بشأن زيادة الأجور في أوائل فبراير الماضي، إلا أن تأزّم العلاقة بين الحكومة والاتحاد العام للشغل، والذي استمر لعدة أشهر ورافقته إضرابات، أدّى إلى تفاقم الوضع الاقتصادي، ناهيك عن تنامي موجة الاحتجاجات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الواسعة. ومن المحتمل أن يستمر الصراع بين الحكومة والاتحاد العام للشغل حول الإصلاح الاقتصادي وتدابير التقشف في الحملات الانتخابية.

ويعد تفسير هذه الأحداث كنتيجةٍ جوهرية للحريات الديمقراطية الجديدة والمنافسة السياسية تحليلاً سطحياً، خاصةً وأن هذه الأحداث تعبّر في الوقت نفسه عن صعوبة توطيد الديمقراطية في تونس. وما تزال شبكات النخب المعادية للديمقراطية والمنتشرة في مجالات السياسة والاقتصاد والدوائر الإدارية تشكّل جزءاً من المشهد السياسي للبلاد إلى جانب الممارسات السلطوية الراسخة والخطابية “القديمة”. لقد ساهموا مساهمة كبيرة في الفشل في ترسيخ الإنجازات السياسية الكبيرة في مشهد ما بعد عام ٢٠١١ مرةً واحدة وللأبد.

الإنجازات

Translation- Youssef Chahed
رئيس الوزراء التونسي يوسف الشاهد ينظر للمحتجين في مجلس ممثلي الشعب في العاصمة تونس يوم ٤ إبريل ٢٠١٩. المصدر: AFP.

تبدو شروط توطيد الديمقراطية التونسية ممتازةً من الناحية النظرية، إذ يعتبر الدستور التونسي، الذي أُقر في عام ٢٠١٤، علامةً فارقةً بحق في تاريخ شمال إفريقيا السياسي، ناهيك عن كونه الدستور الأكثر تقدمية وديمقراطية في المنطقة. ويقوم الدستور صراحةً بتقييد دور الجيش، ويضمن المساواة بين الرجل والمرأة، ويؤكد استقلال القضاء، ويؤسس للامركزية المسؤولية السياسية. كما نصّ الدستور التونسي على تقاسم السلطة التنفيذية بين رئيس الوزراء المنتخب من البرلمان والرئيس المنتخب انتخاباً مباشراً لمنع تركيز السلطة السياسية في يد فردٍ واحد كما هو شائع في المنطقة. وأخيراً وليس آخراً، فإن الدستور وضع الأساس للفصل بين السياسة والدين.

وكانت صياغة الدستور، بالإضافة إلى محتواه، إنجازاً مهماً في تطور ما بعد الثورة التونسية، ليحصل بذلك بعض رموز هذه العملية على جائزة نوبل للسلام لعام ٢٠١٥. كما تفاوضت الجهات الفاعلة في المجتمع المدني في ٢٠١٣ بهدف التوصل (وهو ما حدث بالفعل) إلى حلٍّ وسط دعمته كل أطراف الطيف السياسي تقريباً، وبما يكفل كسر حالة الجمود التي أصابت العملية الدستورية في أعقاب اغتيال سياسييْن يسارييْن.

وأجرت تونس منذ اعتماد دستورها الانتخابات البرلمانية والرئاسية في عام ٢٠١٤، فضلاً عن عقد الانتخابات البلدية في عام ٢٠١٨. وحظي التنظيم الذي أجرته الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بإشادةٍ دولية، كما اعترف الطرفان المتنافسان والمراقبون الدوليون بأن الانتخابات كانت حرةً ونزيهةً. وأظهرت الأحزاب الإسلامية والعلمانية خلال تلك المراحل قدرتها على الالتزام بقواعد اللعبة الديمقراطية.

وأثبتت هذه التطورات الإيجابية أهمية وجود مجتمع مدني نشط وسريع التطور. وسمحت الحقوق المدنية المكتسبة مؤخراً لما يُسمى بمنظمات “المراقبة”، مثل “البوصلة”، و”أنا يقظ”، و”نواة” بالمساعدة في عملية التنمية، لتكون بذلك من الجهات المراقبة الناقدة والتي تقود الرأي العام عبر أدواتٍ من أبرزها الحملات على وسائل التواصل الاجتماعي. وتجدر الإشارة إلى أن المجتمع المدني التونسي يضم بين منظماته مؤسسة “شمس”، وهي المنظمة الوحيدة المعترف بها رسمياً في شمال إفريقيا وتلتزم بحقوق مجتمع المثليين وتدعو إلى وقف تجريمهم (على الرغم من النزاع الذي دار من جديد حول وضع هذه المنظمة في مارس من عام ٢٠١٩).

كما كان للمجتمع المدني دورٌ فاعل في إصدار قانونٍ في عام ٢٠١٧ يحمي من يبلّغون عن شبهات الفساد، فضلاً عن إنشاء ودعم ما يُسمى بـ “هيئة الحقيقة والكرامة” عام ٢٠١٤ للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان خلال الماضي الاستبدادي للبلاد. وتجدر الإشارة إلى انتهاء ولاية هذه الهيئة في ديسمبر من عام ٢٠١٨.

ومع ذلك، أصبحت حدود الهيكل السياسي التونسي الجديد وأوجه قصوره واضحةً، تحديداً الملف الشائك الخاص بالإرث الاستبدادي التونسي. ووقعت خلافات بين الجهات السياسية ذات التوجه الإصلاحي ونظيرتها الساعية للحفاظ على الوضع القائم حول هيئة الحقيقة والكرامة فيما يتعلق باختصاصاتها، وأساليب عملها، والتمديد المحتمل لولايتها، في وضعٍ كانت فيه اليد العليا للقوى الرجعية.

قيود عملية التحوّل الديمقراطي

تظهر صعوبات تعزيز عملية التحوّل الديمقراطي في تونس بوضوح في ملفات القضاء وقطاع الأمن ومكافحة الفساد.
ملف القضاء
بعد مرور ما يقرب من خمس سنوات على اعتماد الدستور الجديد، لم تتشكل بعد المحكمة الدستورية، ويعود السبب في ذلك إلى فشل البرلمان في انتخاب أعضائها الاثني عشر المنصوص عليهم عدا قاضياً واحداً. ولمثل ذلك الوضع عواقب وخيمة، إذ باتت دستورية العديد من القوانين التي صدرت في السنوات الأخيرة محلاً للجدل، مثلها في ذلك مثل صلاحيات الرئيس ورئيس الوزراء. ولذلك، وجدت البلاد نفسها باستمرار على وشك أزمة دستورية. وتحتاج البلاد إلى المزيد من الإصلاحات القضائية – بصرف النظر عن وضع المحكمة الدستورية – لضمان استقلال القضاء وشفافيته. وعلى سبيل المثال، يبقى الاختصاص القضائي الواسع للسلطة العسكرية ونفوذها من المشكلات الكبيرة.
قطاع الأمن
يُعتبر وضع قطاع الأمن مصدر القلق الأكبر، لاسيما داخل وزارة الداخلية. وشهدت السنوات الأخيرة تحسّن القدرات العامة لقوات الأمن التونسية، ما يعود الفضل فيه بشكلٍ رئيسي إلى ما قدّمه الشركاء الدوليون من دعمٍ مكثف. ومع ذلك، فقد تم تأجيل الإصلاحات الداخلية الأساسية في جهاز الشرطة، ليواصل القطاع عمله بطريقة غير شفافة إلى حدٍّ بعيد وفي ظل مستوى متدنٍ من المساءلة أو الإشراف البرلماني. كما أن وضع النقابات المهنية ذات الدور السياسي المتزايد داخل قطاع الأمن، ولا سيما الشرطة، أصبح مثيراً للقلق، خاصةً وأنها ابتزت الفرعين التشريعي والقضائي أكثر من مرة. كما أن الإعلان المتكرر لحالة الطوارئ، وانتشار قوانين مكافحة الإرهاب في حالات لا ترتبط بالإرهاب بوضوح يحول دون زيادة الشفافية في جهاز الأمن ويمكن أن يقوض الحقوق المدنية والإنسانية بما في ذلك حرية التعبير. وتجدر الإشارة هنا إلى الحكم على المدون والبرلماني ياسين العياري في عام ٢٠١٨ بالسجن بحجة استخدامه موقع فيسبوك لتقويض وحدة الجيش.
الاقتصاد

Translation- Zine El Abidine Ben Ali
الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي أثناء حضوره لقمة عربية إفريقية تم عقدها في مدينة سرت الساحلية بليبيا يوم ١٠ أكتوبر ٢٠١٠. المصدر: AFP.

فشلت حتى الآن عمليات إصلاح الهياكل الاقتصادية الفاسدة للنظام القديم. واقتصرت التحقيقات في هذا الملف إلى حدٍّ كبير على عائلة الرئيس السابق بن علي وعدد قليل من القضايا السانحة سياسياً والبارزة إعلامياً. وما تزال مؤسسات الدولة المستقلة التي تكافح الفساد، مثل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، دون دعم سياسي مناسب. كما ثبتت صعوبة إدارة الأصول الاقتصادية الواسعة المصادرة من الديكتاتور السابق وأسرته. وأدى الغموض القانوني وتداخل الصلاحيات ونقص الموارد والإرادة السياسية إلى فساد وسوء إدارة هذه الأصول، كما جرى إعادة تأهيل شخصيات بارزة من دائرة بن علي.

في ظل هذا السياق، أثار قانونٌ صدر في عام ٢٠١٧ الجدل عندما صدر عفوٌ عام عن كبار المسؤولين المتهمين بالفساد في نظام بن علي. وفشلت مسودة سابقة لهذا القانون، والتي كانت ستوسع نطاق العفو ليشمل القطاع الخاص بأكمله، نتيجة للاحتجاجات الجماعية من المجتمع المدني. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن المبادرات الرامية إلى فصل المجال السياسي عن الاقتصادي في تونس لم تنجح بعد. وعلى هذا النحو، يمكن القول إنه لم يتم القضاء بعد على إحدى الآليات المركزية التي مكنت نظام بن علي من تجميع السلطة والثروة.

القوى المعادية للتحول الديمقراطي

ترجع الحقائق المذكورة أعلاه – والتي تتمثل في عجز القضاء (حتى الآن) عن ممارسة دوره المستقل بالكامل، وعدم إجراء إصلاحات جوهرية في قطاع الأمن، وبقاء نفوذ النخب الاقتصادية الفاسدة في النظام القديم دون تغيير إلى حد كبير – إلى دور عددٍ من التيارات المعادية للتحوّل الديمقراطي التي تسللت لتفسد الإصلاحات الضرورية في كثير من الأحيان أو تعوقها قبل أن تبدأ.

الشبكات

تشكّل الشبكات القديمة في قطاع الأمن والنخب الاقتصادية والبيروقراطية عوائق كبيرة لإرساء الديمقراطية في تونس. واكتسبت هذه الدوائر سلطة تشبه سلطة الفيتو ضد عمليات الإصلاح المختلفة. ومن الأمثلة على ذلك النقابات الأمنية، إذ حالت هذه النقابات بصورة مؤقتة في عام ٢٠١٢ دون إقالة مسؤول كبير في وزارة الداخلية تمت إدانته فيما بعد بتهمة قتل المتظاهرين في عام ٢٠١١. ومنذ عام ٢٠١٥، حاولت النقابات الأمنية إجبار السلطة التشريعية على اعتماد قانونٍ معين عبر الاحتجاج والتهديد بالتوقف عن توفير الأمن. ويضمن هذا القانون – من بين أمور أخرى – إفلات الجهات الفاعلة في القطاع الأمني من العقاب حتى عندما يستخدمون القوة المميتة لحماية الممتلكات.

ولا تسعى هذه الشبكات المختلفة إلى استعادة الوضع السابق، بل إن دافعها الأساسي يتمثل في حماية غنائمها ومصالحها، وهي أهدافٌ يصعب تحقيقها في إطار نظامٍ ديمقراطي راسخ يحظى بمستوياتٍ مناسبة من الشفافية والمساءلة.

الشبكات القديمة في الاقتصاد

لم يأمل التونسيين بأن تؤدي الديمقراطية إلى خلق مؤسسات سياسية جديدة فحسب، بل أيضاً إلى نظام اقتصادي أكثر شمولية وعدلاً وأقل فساداً. ويمكن القول إن هذه الآمال خابت إلى حدٍّ كبير حتى هذه اللحظة، إذ غادرت البلاد عشيرة الرئيس الأسبق بن علي، وهي التي أسست اقتصاد المحسوبية القائم على الفساد والترهيب. في المقابل، ما يزال نشاط النخب الاقتصادية الأخرى التي لها صلات سياسية ودولية قائماً. وتكمن المصالح السياسية لهذه النخب في المقام الأول في الدفاع عن الامتيازات التي اكتسبوها في ظل النظام القديم، ناهيك عن تجنب الإصلاحات التي يمكن أن تزيد من الشفافية والمنافسة، وبالتالي إتاحة المجال لظهور منافسين اقتصاديين جدد. وكان نفوذ هذه النخب قد ساهم لعقود في انخفاض عائدات الضرائب، وتنامي القطاع غير الرسمي، وترسيخ قواعد تنظيمية غير شفافة، ووضع عبئاً كبيراً على الاقتصاد التونسي. ويمثّل هذا الشكل من التعتيم الاستراتيجي أحد أسباب معارضة أطرافٍ من النخبة الاقتصادية، لاسيما القطاع الخدمي، لاتفاقية التجارة الحرة الشاملة مع الاتحاد الأوروبي التي تُجري الحكومة مفاوضاتٍ بشأنها حالياً. كما تحاول هذه الشبكات منع العمليات التي يمكن بموجبها محاسبة النخب الاقتصادية المرتبطة بنظام بن علي، وهو الهدف الذي تحقق نجاحه بالكامل.

ويرجع نفوذ هذه النخب إلى التأثير الكبير الذي تتمتع به شبكات رجال الأعمال على الرأي العام. وعلى الرغم من ترسيخ حرية الصحافة في الدستور الجديد، إلا أن التركيز الكبير لملكية وسائل الإعلام في أيدي عددٍ قليل من الأشخاص، ذوي الطموحات السياسية أحياناً، حال دون تطوّر الجهات الفاعلة في الساحة الصحفية المتنوعة والمهنية والمستقلة. وبالتالي، فإن الصحافة ووسائل الإعلام السمعية والبصرية التقليدية (الإذاعة والتلفزيون) لا تعكس التنوع الكبير في المشهد السياسي الواقعي. بالإضافة إلى ذلك، فقد تم تنظيم حملات إعلامية منسقة وذات دوافع سياسية ضد هيئة الحقيقة والكرامة وحزب النهضة، وهما الطرفان اللذان لا يحظيان بتأييدٍ كبير داخل هذه الشبكات الاقتصادية.

كما استفادت هذه الشبكات من عودة كوادر مهمة من التجمع الدستوري الديمقراطي، إلى مناصب سياسية وبيروقراطية عليا، وحزب بن علي شبه الموحّد الذي تم حلّه في عام ٢٠١١. بل أن أكثر من خُمس الوزراء البالغ عددهم ٤٣ وزيراً ومسؤولين كبار في حكومة الشاهد في عامي ٢٠١٧ و٢٠١٨ كانوا قد خدموا بالفعل في حكومات بن علي أو كانوا كوادر في حزبه.

ومن المهم هنا توضيح أن هذه الشبكات المختلفة التي لها صلات بالنظام القديم لا تشكّل جبهة موحدة. فهي مجموعاتٌ متنوعة للغاية تتداخل اهتماماتها عندما يتعلق الأمر بعرقلة الأنظمة والتشريعات الهادفة لمزيد من الشفافية والمساءلة، أو فتح تحقيقات بشأن أعمالها في ظل النظام السابق.

الممارسات

Translation- Beji Caid Essebsi
الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي أثناء إلقائه لخطاب على هامش إطلاق مؤتمر حزب “نداء تونس” في مدينة المنستير على بعد حوالي ١٦٠ كيلومتراً عن العاصمة تونس يوم ٦ إبريل ٢٠١٩. المصدر: AFP.

من بين التيارات المضادة التي تعرقل توطيد الديمقراطية نجد توجهات وممارسات استبدادية طويلة الأمد تبنتها مجموعةٌ واسعة من الجهات الفاعلة تبدأ برئيس الدولة وتتجاوز مجرد حدود المجال السياسي في المجتمع.

وكان الرئيس السبسي قد تخطى مراراً صلاحيات منصبه واختصاصه، إذ رفض مثلاً الموافقة على تعديل وزاري جزئي أجراه الشاهد نهاية عام ٢٠١٨ بحجة أنه لم يستشره. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الدستور الجديد لا ينص على إجراء مثل هذه المشاورات فيما يتعلق بالوزارات غير الاستراتيجية كما جرت العادة سابقاً. وفي هذا الإطار، يمكن فهم دعوة السبسي المتكررة للانتقال إلى نظام رئاسي بالكامل.

كما يُظهر السبسي في كثير من الأحيان القليل من الاحترام للإجراءات الديمقراطية الحزبية. فقد حاول السبسي، الذي شارك في تأسيس حزب “نداء تونس” ثم تركه بعد وصوله لسدّة الحكم، على مدار سنوات أن ينصّب ابنه رئيساً للحزب وسط معارضة كبيرة داخله. وبعد الاندماج مع حزب أصغر، وهو الاتحاد الوطني الحر، أصبح رئيس الأخير أميناً عاماً لحزب “نداء تونس”. إلا أنه تم الحكم غيابياً على هذا الشخص في فبراير ٢٠١٩ بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة الفساد.

الجدير بالذكر أن الإجراءات الداخلية للعديد من الأحزاب تتسم بديمقراطية شكلية ومنافسة تنتهي عادةً لصالح الأفراد النافذين داخل الأحزاب بغض النظر عن برنامجهم.

ويعني التركيز على القادة الكاريزماتيين، الذين يعرفون في المغرب العربي بالزعامة، أن القرارات المهمة لا يتم التفاوض عليها في أغلب الأحيان ضمن الحكومة والبرلمان، بل أنه يتم الاتفاق عليها بصورةٍ غير رسمية. وحدث هذا الأمر مراراً بين الرئيس السبسي ورشيد الغنوشي، رئيس حزب النهضة، علماً بأن الاثنين يحملان لقب “الشيخ” في تونس.

ويمثّل افتقار الأحزاب الشديد للشفافية المالية عقبةً أخرى أمام ترسيخ الديمقراطية. وبحسب بيانٍ أصدرته منظمة “أنا يقظ” في يناير ٢٠١٩، فإن ٩٦٪ من ٢٠٠ حزب تونسي رفضوا حتى الآن تقديم تقارير أو بيانات مالية. وجديرٌ بالذكر أن مشروع قانون يخص تمويل الأحزاب ينتظر الاعتماد منذ أواخر عام ٢٠١٧.

ويعود السبب في عدم إقرار هذا القانون إلى حد ما إلى اتفاقٍ ضمني في شراكة السبسي والغنوشي من عام ٢٠١٤ حتى ٢٠١٨ على “التوافق بأي ثمن”. ولذلك، يميل حزب “النهضة” لتفضيلات “نداء تونس” حرصاً على هذه الشراكة، وهو ما يفسر موافقة “النهضة” على قانون العفو عن الكوادر البيروقراطية وقانون مكافحة الإرهاب، رغم الخلاف الذي أُثير عليهما بين قواعد الحزب. ومن المفارقة أن مبدأ التوافق المذكور أعاق بالتالي ترسيخ الديمقراطية. ويتمثل دافع “النهضة” في الخوف من التعرض لما كان يحدث في ظل نظام بن علي مثل حظر الحزب واضطهاد أعضائه. وقد زاد هذا القلق مع الانقلاب العسكري ضد جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام ٢٠١٣، والذي يُرجّح أنه سيضمن استمرار النهضة في السعي إلى التوافق.

كما تدلي ردود الفعل الاستبدادية بدلوها خارج نطاق السياسة، خاصةً وأن هياكل النظام القديم لم تقتصر على المجال السياسي الرسمي. ولا يقتصر تأثير الهياكل الهرمية ذات المناصب العالية داخل الجهاز الإداري فحسب، بل أنه يصل أيضاً إلى المدارس والجامعات. وليس غريباً أن يشكّل النافذون من بين دوائر النظام القديمة هياكل سلطة غير رسمية وسط غياب الهيئات الإشرافية المؤسسية عن العمل.

وتحدّ كل هذه الممارسات من الشفافية، بالتزامن مع تعزيزها لقوة شبكات النظام القديم وزيادة صعوبة إرساء “قواعد اللعبة” الديمقراطية الجديدة في المجتمع.

الخطاب

Translation- Rached Ghannouchi
زعيم حزب النهضة الإسلامي راشد الغنوشي أثناء حضوره للمؤتمر الختامي لهيئة الحقيقة والكرامة في العاصمة التونسية تونس يوم ١٤ ديسمبر ٢٠١٨. المصدر: AFP.

تعد المهارات الخطابية التي غالباً ما يلجأ إليها السياسيون التونسيون داخل تونس وخارجها لإيقاف الإصلاحات الهيكلية الرئيسية، من العوامل الأخرى الهامة المعيقة لـ “ترسيخ” الديمقراطية.

ويميل العديد من صانعي القرار التونسيين في حديثهم للشعب إلى إلقاء المسؤولية السياسية والسلطوية بطريقة ممنهجة وغير واقعية على جهاتٍ أجنبية. وعادة ما تُعزى المشكلات السياسية الداخلية للإمارات وفرنسا والاتحاد الأوروبي أو ما يُسمى بتنظيم “الدولة الإسلامية” أو الولايات المتحدة الأمريكية. ويستحضر هذا الخطاب عادةً شبكات غامضة تقوم عليها جهاتٌ فاعلة محلية “غير وطنية”. ولا يؤجج ذلك الخطاب الميل الواسع نحو نظريات المؤامرة في وسائل الإعلام ونفوس الجماهير فحسب، ولكنه يسمح أيضاً للنخب السياسية بتشويه سمعة وسائل الإعلام الأجنبية التي تقدم تقارير كاشفة، ناهيك عن وسائل الإعلام التونسية المستقلة والمنظمات غير الحكومية التي “تشوّه صورة تونس”. وبموجب هذا الخطاب، يحجب دور المؤسسات المنتخبة ديمقراطياً في ممارستها السياسية ويجري الترويج لفكرةٍ مفادها أن أثر هذه المؤسسات قليل في العملية السياسية.

وعلاوة على ذلك، يندهش المتابع من نهج متصدري المشهد السياسي والإعلامي منذ عام ٢٠١٨ ممّن يشيرون باستمرار لعملياتٍ سياسية طبيعية تتعارض مع مصالحهم باعتبارها “محاولاتٍ للانقلاب”. ويترافق هذا الحديث المتكرر عن الانقلابات الفاشلة بتدبير القوى الخارجية مع خطابٍ يتم إنتاجه بطريقة ممنهجة وتتلخص وظيفته في طمس الحدود الفاصلة بين العمل الديمقراطي وغير الديمقراطي. والأسوأ من ذلك أنه يخلق مناخاً يبرر اتخاذ تدابير سياسية استبدادية. وتجدر الإشارة إلى هذا النوع من الخطاب بشكل خاص، نظراً لارتباطه بصورةٍ وثيقة بالتاريخ السياسي لتونس، إذ جرت العادة على أن يتم تبرير الانقلاب الذي أوصل بن علي إلى السلطة في عام ١٩٨٧ باعتباره محاولةً لمنع انقلابٍ قد ينفذه الإسلاميون.

ويمكن العثور على الأنماط الخطابية القديمة في الصورة التي تسعى تونس إلى نقلها إلى الجمهور العالمي في السنوات الأخيرة. ففي فترة حكم بن علين حاول المسؤولون التونسيون الترويج “للنموذج السنغافوري”، بما يعني تقديم تونس كدولة استبدادية، لكنها تؤدي وظائفها جيداً، وتحكم بفاعلية، وناجحة اقتصادياً. وتغيّر الخطاب في السنوات التي تلت عام ٢٠١١ باتجاه الترويج للـ “النموذج الديمقراطي” الذي انزلق إلى أزمةٍ اقتصادية بسبب أخطاء نظام بن علي واضطرابات الثورة. إلا أن هذا الخطاب تغيّر مرة أخرى بعد عدة سنوات. فلم يعد الأفراد الذين شغلوا من قبل مناصب رفيعة في عهد بن علي وعادوا لشغل مناصب رسمية هم وحدهم من يقدمون عام ٢٠١١ كحدثٍ لوى عنق التاريخ، علماً بأنهم يلقون باللوم على الاضطرابات لما تعانيه الدولة من مشكلاتٍ على مستوى الاقتصاد والأمن والحوكمة. وفي الوقت الذي يندر فيه الحديث عن النجاحات الديمقراطية التي تحققت منذ عام ٢٠١١، فقد تزامن هذا الأمر مع الحنين الرومانسي لأيام بن علي. ويجري تصوير البلاد وكأنها بحاجة إلى العودة للمسار الذي انحرفت عنه في عام ٢٠١١. وتجدر الإشارة إلى أن بعض هذه الخطابات يتبناها أيضاً شركاء أجانب تغيّر تركيزهم من التحول الديمقراطي إلى مسألة استقرار تونس.

ويمكن القول إن ما يجمع بين الأنماط الخطابية القديمة في الداخل والخارج هو تعاملها مع التنمية السياسية في تونس ووضعها الاقتصادي والأمني كقضايا منفصلة. وتُنسب التحديات الاقتصادية والأمنية إلى الجهات الفاعلة الخارجية وتُصوّر باعتبارها عبئاً على عملية الإصلاح السياسي. ويجري استخدام ذلك الخطاب لتبرير تأجيل الإصلاحات، وغالباً ما يُشار إلى عمليات التحوّل الديمقراطي الفاشلة في الجزائر أو ليبيا. ويخفي هذا الفصل الخطابي بصورةٍ متعمدة بين الروابط والعلاقات الشبكية بين قطاع الأعمال والأمن والسياسة، وهي المساحة التي توجد فيها بالتحديد قاعدة القوى المعادية للديمقراطية.

ويكمن الأثر التراكمي لهذا الخطاب والممارسات الاستبدادية والمكائد الواضحة التي تشرف عليها الشبكات المعادية للديمقراطية في زيادة التكاليف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للانتقال الديمقراطي. ومن نتائجها تراجع ثقة الشعب في قدرة العمليات الديمقراطية على ضمان النظام وتحقيق العدالة الاجتماعية. وعلى سبيل المثال، شارك ما لا يزيد عن ٣٣.٧٪ من إجمالي الناخبين المسجلين في أول انتخابات بلدية حرة في تاريخ تونس في ربيع عام ٢٠١٨. وأظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “فريدريش إيبرت” عام ٢٠١٦ انخفاض الثقة في البرلمان بشكل ملحوظ مقارنةً بالجيش أو الشرطة، ويُستبعد أن يكون ذلك قد تغيّر كثيراً منذ ذلك الحين. ولا يعاني البرلمان من عدم تجهيزه بالشكل المناسب ومن إثقال كاهله بالعدد الكبير من القوانين الجديدة الناتجة عن الانتقال فحسب، بل أيضاً من تأثير صراعات السلطة داخل الائتلاف الحاكم بصورةٍ سلبية على سرعة وجودة العمليات والنقاشات البرلمانية.

هل التاريخ يعيد نفسه؟

Translation- Tunisian parliament
صورة تظهر جلسة عامة في البرلمان التونسي بالعاصمة تونس يوم ١٢ نوفمبر ٢٠١٨. المصدر: AFP.

يُظهر تاريخ تونس أن عملية الانتقال إلى الديمقراطية وترسيخها ونجاحها تلقائياً ليست مضمونة على الإطلاق. ففي أواخر الثمانينيات، وبعد فترةٍ وجيزة من تولي بن علي للسلطة، ظهرت فترة تفاؤلٍ قصيرة بين المراقبين الدوليين. وأثنى هؤلاء بشكل خاص على الانتخابات التي شملت أحزاباً عديدة، ناهيك عن الالتزامات الرسمية بحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، واعتماد مبدأ التوافق. وعلّق العالم السياسي الأمريكي مارك تيسلر في عام ١٩٩٠ قائلاً: “إن نزاهة وإخلاص خليفة بورقيبة يبعثان الأمل في تونس”، مشيراً إلى أن البلاد “أحرزت تقدماً ملموساً في سعيها إلى الديمقراطية”.

وسرعان ما تلا هذا التقدم حالةٌ من الانحسار بالتزامن مع صعود دكتاتورية بن علي. ومع ذلك، لا يُرجّح أن يعيد التاريخ نفسه في الظرف الراهن. فلا يمكن مقارنة الصراع الحالي بين الجهات الفاعلة ذات التوجه الديمقراطي ومناهضيها ببداية فترة بن علي المبكرة. ويختلف الإطار السياسي الرسمي؛ فالمجتمع المدني القوي في تونس، والذي ظل يعمل بحرية كبيرة لأكثر من ثماني سنوات حتى الآن، ليس له نظير في تاريخ تونس. وفي أوائل عام ٢٠١٩، تمكنت منظمة “البوصلة” من مقاضاة الرئيس بسبب إساءة استخدام السلطة وانتهاك الدستور دون خوف من العواقب، وما تزال نتائج هذه القضية قيد الإجراءات القانونية.

نتيجة لذلك، لم يكن هناك سبب وجيه في أوائل عام ٢٠١٩ للاعتقاد بأن النظام القديم سيُعاد تأسيسه مرة أخرى. إلا أن عملية توطيد الديمقراطية لا يمكن أن تكون واقعية ما لم تخفّ حدة التيارات المعادية للديمقراطية، وهو ما لا يبدو أنه سيحدث. أما على مستوى المستقبل المنظور، فإن ذلك الوضع يثير احتمال وجود نظام هجين تُخلط فيه العناصر والعمليات الديمقراطية باستجاباتٍ استبدادية وتدابير غير ديمقراطية أحياناً.

توصيات للقوى الخارجية الفاعلة

في ظل هذه الخلفية، فإن شركاء التونسيين من الألمان والأوروبيين ومجتمع المانحين الدوليين لديهم مصلحة في كبح التيارات المعادية المذكورة أعلاه.

ومن المستحسن اتخاذ التدابير التالية لمنع تونس من التورط في نظام هجين:

● الاستمرار في تحديد الأولويات السياسية، حتى وإن كان الخطاب يركز بشكلٍ متزايد على الوضع الاقتصادي والأمني. ويجب أن يشمل هذا الأمر استقلال القضاء والإصلاحات الإدارية.
● المساعدة في الدفاع عن حرية عمل منظمات المراقبة والصحفيين وجمعيات المجتمع المدني.
● تعزيز التنوع داخل المجتمع المدني وفي مقدمته الصحافة، ومواجهة احتكارات الرأي العام عبر دعم منصات الأصوات الناقدة والأقليات.
● الإصرار على اعتماد القنوات الرسمية والعمل المستند إلى القواعد والشفافية في مجالات التعاون السياسي والاقتصادي على حدٍّ سواء.
● التركيز على دور الأفراد الفاعلين و المنظمات و الهيئات الحكومية (بما في ذلك الشركاء من المؤسسات الألمانية) في التنمية السياسية في تونس وتوضيح إشكالية الشبكات المعطلة وممارساتها وخطابها.
● مواجهة القادة السياسيين بمسؤوليتهم وطلب أدلة موثوقة عندما يوجهون اتهامات خطيرة مثل الزعم بوجود محاولة انقلاب.

في المقابل، ينبغي على شركاء تونس الدوليين تجنب ما يلي لصالح تحقيق قدر أكبر من الديمقراطية:

● الاعتماد على الشبكات غير الشفافة، فيما يخص مجالات التعاون الاقتصادي أو السياسي، حتى لو كانت تعد بمزايا قصيرة الأجل.
● وصف عملية التحوّل الديمقراطي في تونس وكأنها عملية تم إنجازها بنجاح، ناهيك عن التعامل مع هذه العملية على هذا الأساس.
● تبني الخطاب السائد دون توجيه أية انتقادات.
● عقد مقارنات غير واقعية لأغراضٍ درامية ولتزييف الواقع، مثل المقارنات مع ليبيا وسوريا، أو الزعم بأن النماذج الديمقراطية الأوروبية ليست معياراً مناسباً.

ويمكن القول إن عمليات الانتقال الديمقراطية تحتاج لزمن، وهو ما جعل انتظار ترسّخ الديمقراطية في تونس بعد ثماني سنوات من الثورة من الأمور غير الواقعية. وعلى هذا الصعيد، يعتبر هذا التقرير أن ميل تونس نحو التحوّل لنظامٍ هجين قد لا يكون أمراً سيئاً بالضرورة. وتمكن النقطة الحاسمة هنا في استبعاد قدرة مثل هذا النظام الهجين على تنفيذ الإصلاحات الرئيسية التي يتوقعها المجتمع الدولي والشعب التونسي. ويعد إصلاح أجهزة الدولة والهياكل الاقتصادية الفاسدة أمراً ضرورياً للغاية لضمان الاستقرار الاجتماعي والسياسي بشكل مستدام في تونس. وعلى هذا النحو، فإن الحيلولة دون ترسّخ الهياكل السياسية الهجينة تحظى بأهمية كبرى في هذا السياق.