وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

عن الاستثمار الإسرائيلي لتصدعات المشرق العربي

 الاستثمار الإسرائيلي المشرق العربي
صورة تم التقاطها يوم ١٨ أغسطس ٢٠٢١ لجنود إسرائيليين أثناء مشاركتهم في مناورة عسكرية بالقرب من الحدود مع سوريا في مرتفعات الجولان المحتلة والتي قامت إسرائيل سابقاً بضمها. المصدر: JALAA MAREY/ AFP.

ماجد كيالي

استطاعت إسرائيل ان تعزز مكانتها في المشرق العربي، خلال العقدين السابقين، أكثر من أية فترة مضت، بل إنها أضحت الدولة الأكثر استقرارا وتطورا في تلك المنطقة، التي شهدت اضطرابات وتحولات سياسية عاصفة.

هكذا صعد نفوذ إيران بعد الغزو الأمريكي للعراق (2003)، وتقويض البني الدولتية والمجتمعية فيه، ثم بعد انهيار سوريا، كدولة وكمجتمع، بحيث باتت إسرائيل، بالقياس لها، وكأنها في مكانة الدولة الأقل خطورة على النظام العربي، وباتت المخاوف الناجمة عن تمدد إيران وصعودها في المشرق العربي تحتل الأولوية بالقياس للصراع العربي ـ الإسرائيلي، علما أن ذلك لا يقلل من خطورة إسرائيل، أو من الأهمية التي تتمتع بها القضية الفلسطينية، في سلم الأولويات الدولية والإقليمية، كما إن مواجهة التحدي الذي تمثله إيران، لا يخفف، أو لا يطمس، التحديات الناجمة عن وجود إسرائيل، على الفلسطينيين وعلى المنطقة العربية عموما.

وفي الواقع فإن صعود إيران ما كان ليحصل، على هذا النحو، من العراق إلى لبنان مرورا بسوريةاليمن)، لولا التساهل، أو لولا غض النظر، وبالأصح الاستثمار، الأمريكي (والإسرائيلي) في إيران، إذ أن هذا الاستثمار هو الذي مكّن من تقويض أهم دولتين في المشرق العربي هما العراق وسوريا، بحيث أضحت إسرائيل بمثابة دولة آمنة لعقود من السنين، ربما، وهذا الوضع بالذات هو الذي يسمح لها بالاستفراد بالفلسطينيين وفرض املاءاتها عليهم، على النحو الذي نشهده.

ويمكن ملاحظة ذلك بخاصة في المجالات الآتية:

أولاً، تملص إسرائيل من استحقاقات عملية التسوية مع الفلسطينيين، وضمنها حتى اتفاق أوسلو المجحف بحقوقهم، والتحرر تاليا من خيار حل الدولتين، والتوجه نحو فرض الأمر الواقع، بحيث يكون الفلسطينيون إزاء واقع سلطة فلسطينية هي أكثر من حكم ذاتي، وأقل من دولة، أي سلطة على السكان، لا على الأراضي والموارد والجوار، بحيث تنهي احتكاكها بالفلسطينيين أو تحمل أي أعباء، سياسية أو اقتصادية أو أمنية او حتى أخلاقية، ناجمة عن الاحتلال والسيطرة، طالما هناك سلطة للفلسطينيين، أو ما يروج له باعتباره بمثابة دولة لهم، فهذا هو الفيلم الوحيد في العرض.

ثانياً، انتهاء الالتزام الأمريكي بعملية التسوية، بخاصة في ظل إدارة ترامب (السابقة)، مع اعترافها بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، ووقف تمويلها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، ما يعني ذلك الانتهاء من الوهم المتعلق باعتبار الولايات المتحدة الأمريكية بمثابة راع نزيه أو طرف محايد أو وسيط نزيه، في عملية السلام، في حين أنها الحليف الاستراتيجي لإسرائيل؛ وهو ما لم تبد إدارة بايدن أي تغيير جوهري فيه.

ثالثا، في هذه الظروف، وبحكم الصراع الدائر في سوريا، تتجه إسرائيل لتمرير صيغة من القبول الدولي لضمها هضبة الجولان السورية، أو اضفاء نوع من شرعية دولية على ذلك، بالتوافق مع الولايات المتحدة وروسيا، وبدعوى أنه لم يعد بالإمكان تغيير الوضع القائم في الهضبة، لاسيما في ضوء الظروف الراهنة.

رابعا، في هذا الإطار يمكن تفسير تمرير إسرائيل قانون إسرائيل كدولة يهودية الذي يجعل من فلسطينيي 48 مجرد اقلية مقيمة، ويجعل من اسرائيل دولة يهودية، ولليهود في العالم، أي دولة عنصرية من النهر إلى البحر، وعاصمتها القدس الموحدة، مع تشريع الاستيطان في كل مكان، من دون ربط ذلك بقيم المواطنة المتعلقة بالمساواة بين المواطنين، والديمقراطية، ومن دون ربط ذلك بعملية التسوية مع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1067 (الضفة والقطاع).

طبعا، ما كان لكل هذه التطورات أن تحصل لولا توفر مجموعة من العوامل، أهمها:

أولاً، تولد شعور لدى إسرائيل بأنها أضحت بمثابة الدولة الأقوى في المنطقة، بلا أي منازع، ولا أي مهدد، وفوق ذلك فهي باتت بأمان أكثر من أي فترة في تاريخها، إذ لم يعد هناك جيوش، بمعنى الكلمة، في الدول المجاورة (باستثناء مصر التي تفصلها عنها شبه جزيرة سيناء)، وغابت الجبهة الشرقية تماما.

ثانياً، أضحت إسرائيل تتمتّع اليوم بدعم أقوى دول العالم، إذ إضافة إلى الولايات المتحدة فهي باتت تحظى بدعم وروسيا، أيضا، ويكفي أن نتنياهو (رئيس الحكومة السابق) زار روسيا، والتقى ببوتين، أكثر من عشرة مرات، منذ التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا (أواخر سبتمبر 2015)، وذلك إضافة إلى احتكارها السلاح النووي، وترسانتها الحربية المتفوقة.

ثالثا، على الصعيد الإقليمي باتت إسرائيل في مركز قوة، فثمة اجماع على اخراج إيران من المنطقة (أقله من سوريا)، أو تحجيم نفوذها، بعد أن انتهى دورها، أو انتهى الاستثمار في دورها، أما تركيا فهي في وضع حرج في علاقاتها مع حلف الناتو، أي مع أوروبا والولايات المتحدة، في حين علاقاتها مع روسيا تبقى موضع تساؤل أو مازالت في موضع اختبار تبعا للتطورات الدولية والإقليمية.

تلك عموما جردة أولية للاستثمار الإسرائيلي في انهيار المشرق العربي، الأمر الذي ينبغي ادراكه، وتدارك تداعياته على الفلسطينيين، وعلى عموم المنطقة، إذا ما كان ثمة إمكانية لذلك.

 

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.