وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

قانون الدولة القومية الإسرائيلي: حكومة نتنياهو تضع الأساس لنظامٍ أكثري التمثيل

Translation- Knesset
أعضاء البرلمان الإسرائيلي أثناء مشاركتهم في جلسة الكنيست العامة قبيل التصويت على قانون الدولة القومية الذي يعتبر إسرائيل الوطن التاريخي لليهود ويمنح اليهود حقاً “استثنائياً” بتقرير المصير في هذه الدولة يوم ١٨ يوليو ٢٠١٨. المصدر: AFP.

نشر المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية مقالة سلطت الضوء على تلافيف قانون الدولية القومية الذي تم إقراره مؤخراً وأثار جدلاً واسعاً في أروقة الكنيست الإسرائيلي. ويقوم بيتر لينتل، مدير مشروع “إسرائيل وصراعاتها الإقليمية والدولية: التطورات المحلية، والقضايا الأمنية، والشؤون الخارجية” التابع لوحدة الشرق الأوسط وإفريقيا في المعهد، وستيفان فولفرام، الباحث المساعد في نفس المشروع، باستعراض القضايا الخلافية الرئيسية الكامنة وراء هذا القانون لا سيما على مستوى القيم الأخلاقية ومفهوم المساواة بين العرب واليهود في هذه الدولة.

وكان البرلمان الإسرائيلي أصدر في ١٩ يوليو ٢٠١٨ قانوناً عُرف باسم “قانون الدولة القومية“. وأثار هذا القانون جدلاً كبيراً على المستويين المحلي والدولي، على الرغم من أنه لم يتضمن جديداً يُذكر. وفي الوقت الذي يؤكد أنصار هذا القانون أنه مجرد تعبير عن الحقائق القائمة على الأرض، فإن هذا القانون ينبذ بحسب معارضيه الأقليات ويتعارض مع القيم الديمقراطية ويقوض مبدأ المساواة على وجه التحديد. ويكشف هذا الجدل عن حالة التوتر الاجتماعي التي تعيشها إسرائيل بين هويتها “اليهودية” و”الديمقراطية”. وبات من الواضح أن نوايا المؤيدين الرئيسيين للقانون في الحكومة أكبر مما تفصح عنه صيغة القانون، حيث يكمن هدف هؤلاء في وضع الحقوق الجماعية اليهودية فوق الحقوق والحريات الفردية. ويرى صاحبا المقالة لينتل وفولفروم أن القانون يشكل تجسيداً لسياسة الحكومة الحالية الهادفة إلى النأي بإسرائيل عن توجهٍ أكثر ليبرالية، والسعي نحو الوصول إلى ديمقراطية تعبر عن نظامٍ أكثري. وتؤثر هذه السياسة تحديداً على المحكمة العليا بصفتها مدافعاً عن المبادئ الليبرالية.

ومن المعروف أن إسرائيل لا تعتمد أي دستور، وانما مجموعة قوانينٍ أساسية تحظى بصبغةٍ دستورية. ويرجع السبب في ذلك إلى عدم وجود اتفاق منذ تأسيس الدولة في عام ١٩٤٨ على ما يفترض أن يكون عليه “يهودي” بصفةٍ دقيقة في الدولة اليهودية، فضلاً عن الخلاف القائم حول كيفية ربط يهودية الدولة بطابعها الديمقراطي. ويعتبر القانون الأساسي ١٤ المعتمد حديثاً تحت عنوان ” إسرائيل – الدولة القومية للشعب اليهودي” محاولة لنظم القوانين الخاصة بالعنصر اليهودي من الدولة. ويعلن القانون – ذو الصبغة الدستورية – عن إسرائيل كدولة يهودية. وبما أنه من المفترض أن يقوم هذا القانون بتحديد طبيعة الدولة، فإنه يستحق الحصول على مكانةٍ رفيعة، وبصورةٍ يمكن مقارنتها بمقدمة دستور.

ولطالما تم انتظار القانون ، إذ شهد الكنيست منذ عام ٢٠١١ مناقشة تشكيلةٍ من مشاريع القوانين المختلفة المرتبطة بهذا القانون. وحظيت الحاجة إلى وجود ميثاقٍ ينص على يهودية الدولة في القانون الأساسي لإسرائيل بتأييد طيفٍ واسع من الأحزاب الصهيونية. وتقف ثلاثة تطورات وراء الدافع الكامن نحو المضي في هذا التوجه. ويكمن التطور الأول في تعامل غالبية الإسرائيليين مع الحفاظ على إسرائيل كدولة يهودية باعتباره الهدف الاجتماعي الأهم عوضاً عن عقد اتفاقٍ للسلام، علماً بأن هذا التوجّه ظهر في أعقاب حالة الجمود التي تعيشها عملية السلام مع الفلسطينيين. أما التطور الثاني فيكمن في رفض مطالب أنصار حركة “ما بعد الصهيونية” والأقلية العربية، حيث يرغب هؤلاء في تعريف إسرائيل كدولةٍ محايدة لا دولةً يهوديةً. ويكمن التطوّر الثالث في التعامل مع قانون الدولة القومية كبيانٍ استباقي ضد محاولات نزع الشرعية عن إسرائيل، لا سيما محاولات حركة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات “BDS” التي تحشد على المستوى الدولي لفرض عقوباتٍ اقتصادية وسياسية وثقافية على إسرائيل.

إلا أن النسخة الأخيرة التي تم تمريرها من القانون خضعت لنقاشٍ كبير في إسرائيل. ووصف عضو حزب الليكود ورئيس اللجنة المشتركة التي سنّت القانون أمير أوحانا القانون بأنه “أهم قانون في تاريخ دولة إسرائيل”. من جانبه، يرى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن القانون يتجه بإسرائيل إلى مصيرها التاريخي المتمثّل في تحقيق مبادئ الصهيونية. في المقابل، مزَّق بعض أعضاء الكنيست العرب نسخاً من القانون بمجرد تمريره وهتفوا مراراً “أبارتايد” في وجه مؤيدي القانون. وإلى جانب ذلك، فقد قوبل القانون بتنديد المعارضة اليهودية والعديد من منظمات المجتمع المدني وحتى الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين لأنه تمييزي وغير ضروري ومعيب. ولقي القانون تنديداً قوياً على المستوى الدولي – ابتداءً من الاتحاد الأوروبي ووصولاً إلى ممثلي الحركة الإصلاحية اليهودية في الولايات المتحدة وجماعات الضغط الإسرائيلية المشهورة عالمياً ومنهم آلان ديرشوفيتز، علماً بأن هذا الأخير قال إنَّ القانون جعل الدفاع عن إسرائيل أمراً صعباً.

في المقابل، يرى مؤيدو القانون أن ينص على ما هو حقيقة على أرض الواقع: إذ أن إسرائيل دولة يهودية. ويرى هؤلاء أن أحد التشريعات السابقة الذي تبنتها نخبةٌ إسرائيلية ليبرالية أحدث خللاً أغفل بصورةٍ نسبية العنصر اليهودي للدولة، وهو الخلل الذي عالجه قانون الدولة القومية.

القضايا الخلافية الرئيسية

Translation- Netanyahu
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثناء حضوره للجلسة المفتوحة قبيل التصويت على قانون الدولة القومية اليهودية يوم ١٨ يوليو ٢٠١٨. المصدر: AFP.

على الرغم من حداثة بعض أحاكم القانون، إلا أنه من الممكن العثور على العديد من البنود الواردة فيه ضمن القوانين المطبقة. ويكمن الفرق الحاصل حالياً في تمتّع هذه البنود بصبغةٍ دستورية الطابع. وتتسم العديد من الجوانب الموجودة في القانون بطابع تعريفي بحت. فعلى سبيل المثال، يقوم القانون بتنظيم رموز الدولة (العلم، النشيد الوطني، شعارات النبالة الإسرائيلية)، والتقويم (العبري والميلادي)، فضلاً عن الإجازات الرسمية وأيام العطلة. وإلى جانب ذلك، يثبّت القانون بعض الممارسات الحالية المماثلة لفرص هجرة لجميع اليهود وارتباط الدولة القوي بالشتات اليهودي بصفةٍ عامة. كما أنه يؤكد على وضع القدس بأكملها باعتبارها عاصمةً للدولة، علماً بأن هذا الأمر يرد في قانونٍ أساسي منفصل تم إصداره في عام ١٩٨٠. ويعود السبب الكامن فيما أثاره هذا القانون من خلاف عنيف بصفةٍ أساسية إلى أربع قضايا خلافية.

تعريف إسرائيل كدولة يهودية

تم توجيه أعنف الانتقادات إلى البند الأول من القانون، وهو الجزء الذي يُعرّف إسرائيل باعتبارها الوطن التاريخي للشعب اليهودي ويمنح الشعب اليهودي حصراً الحق في تقرير المصير الوطني في الدولة. ويشير فهم “الطابع اليهودي” قبل كل شيء إلى التعامل مع الديانة اليهودية كأمّة بحسب ما صاغته الحركة الصهيونية. ولا يعني ذلك تجاهل العناصر الدينية والعرقية لليهودية، إلا أن الغرض الكامن من وراء القانون يتمثل في التأكيد على شرعية قيام كيان دولةٍ مستقل، وهو أمرٌ متأصّل في أي فهمٍ قومي ذاتي.

وعلى خلفية هذا الفهم للذات، فإن سبب وجود إسرائيل يكمن في إنشاء دولة يهودية، وهي حقيقةٌ تم التعبير عنها في العديد من القوانين والقرارات القضائية الأخرى للدولة. وكانت إسرائيل أعلنت عن نفسها كدولة يهودية مستقلة منذ عام ١٩٤٨، واعترفت بها غالبية المجتمع الدولي. ومع ذلك، فإن مسألة الطابع اليهودي لدولة إسرائيل تبقى مثار جدلٍ كبير بين الإسرائيليين من العرب واليهود. وترفض قطاعات كبيرة من السكان العرب الفلسطينيين هذا البند من القانون رفضاً تاماً. ويرى هؤلاء أن مثل هذا التعريف يحمل في طياته مكوناً تمييزياً خاصةً وأن فرض أية قوانين إضافية مرتبطة بالطابع اليهودي للدولة يُعزّز من حالة الانقسام بين المواطنين العرب واليهود. ويمكن القول إن وضع المواطنة في إسرائيل لا يتطابق مع هوية الدولة، الأمر الذي يخالف ما عليه الحال في العديد من الدول الغربية. وفي الوقت الذي قد تكون فيه مواطناً إسرائيلياً، إلا أن الجنسية الإسرائيلية لا وجود لها بحسب ما قضت به المحكمة العليا في أحد أحكامها. وعلى سبيل المثال، فإن شهادات الميلاد الإسرائيلية تقوم بالتفريق بين المواطنين اليهود والعرب.

وعلى هذا النحو، تقوم الأغلبية القومية بتحديد طبيعة الدولة، وهو ما يضع تلقائياً الأقليات غير اليهودية في مرتبة ثانوية على الأقل عندما يتعلق الأمر بأية قضية من القضايا الأساسية المرتبطة بهوية الدولة. هل ربط الدولة هويتها بقومية الأغلبية المحددة على اساس العرق والدين هو إجراء تميزي؟ هذا ما اثار جدل حامي الوطيس في إسرائيل – سواءً أكان ذلك في مجال السياسة أو المجتمع المدني أو الأوساط الأكاديمية. وتضرب هذه المسألة على أوتار المفاهيم المتباينة عن الدولة. ويطالب معارضو فكرة الدولة اليهودية بقيام دولةٍ محايدة تقوم على مفهوم ليبرالي للسيادة الشعبية ولا يسمح بعرض نسبة الأغلبية أو الأقلية في تشريعات الدولة. في المقابل، يُجادل الطرف الآخر بأن مثل هذه الليبرالية المثالية محض حبرٍ على ورق. ويجري في هذا السياق ذكر بعض الأمثلة المماثلة لإسبانيا أو لاتفيا أو كرواتيا – وهي دولٌ تحدد دستورياً هوية الدولة القومية من خلال الأغلبية. حتى أن الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا تشهد بأن الهوية القومية ليست بالضرورة مساوية للمواطنة (نظراً لاتباع الدول الأعضاء لمفاهيم مختلفة عن مفهوم “الأمة” لا تتوافق مع بعضها البعض).

لذلك، يدعو السياسيون العرب الفلسطينيون إلى “دولة لكلٍ المواطنين”، وبهذا أيضا يطالبون ضمناً بحقهم القانوني بالاعتراض على مسألة الطابع اليهودي لدولة إسرائيل. في المقابل، ينظر الكثير من الإسرائيليين اليهود إلى صيغة “دولةٍ لجميع المواطنين” باعتبارها إنكاراً لحق إسرائيل في الوجود. وعلى هذا النحو، حاول الكنيست عدة مرات إقرار مشروع قانونٍ من شأنه إقصاء الأحزاب التي تحمل مثل هذه النوايا من المشاركة في الانتخابات البرلمانية – إلا أن المحكمة العليا حالت حتى الآن دون صدوره.

ويزيد النشوء التاريخي لدولة إسرائيل من تعقيد هذا الجدل، إذ يرتبط هذا النشوء ارتباطاً وثيقاً بهرب اليهود من معاداة السامية الأوروبية وأيضاً بالصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، خاصةً وأن الجانبين – الصهاينة والفلسطينيون – يدّعون بوجود حقٍ تاريخي لهم في نفس الأرض. وعلى هذا النحو، يعد النقاش الدائر حول قانون الدولة القومية أيضاً بمثابة تعبير عن الصراع العربي – الإسرائيلي الذي ما يزال دون حل حتى يومنا هذا.

أهمية المبادئ الديمقراطية

Translation- Naftali Bennett
وزير التعليم الإسرائيلي نفتالي بينيت ووزيرة العدل الإسرائيلية إيليت شاكيد يدليان بتصريح في الكنيست بمدينة القدس يوم ١٩ نوفمبر ٢٠١٨. المصدر: AFP.

بصورةْ مغايرة لما عليه الحال مع مسألة الطابع اليهودي لإسرائيل، يتفق منتقدو القانون اليهود والعرب على مبدأ “المساواة”. ويشتكي هؤلاء بصورةٍ جماعية من عدم إدراج هذا المبدأ في قانون الدولة القومية، معتبرين في الوقت نفسه أن هذا الأمر سيؤدي إلى تقويض المبادئ الديمقراطية الأساسية. وتجدر الإشارة إلى أنه لم يسبق إدراج هذا المبدأ في أيٍّ من القوانين الأساسية الإسرائيلية من قبل. واقترح السياسيون اليهود المعارضون أن يتم تمرير إعلان الاستقلال لعام ١٩٤٨ كقانون أساسي للدولة. وينص هذا الإعلان على أن إسرائيل كدولةٍ يهودية، لكنه أكد في الوقت نفسه على ضمان المساواة الاجتماعية والسياسية لكل المواطنين. وأشار المؤرخ الإسرائيلي ألكسندر ياكوبسون إلى أن الدول التي تعبّر فيها هوية الدولة عن القومية التي تنتمي لها الأغلبية، تنص كلها أيضاً على مبدأ المساواة.

ومع ذلك، لم يأت عدم ذكر مبدأ المساواة في القانون على سبيل المصادفة، إذ جرت محاولات تشريعية سابقة للتوصل إلى حلٍّ وسط بين الأحزاب اليهودية لإدراج هذا المبدأ في مشروع القانون. إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل بسبب مقاومة حزبي الليكود والبيت اليهودي. وقال ممثلون عن هذين الحزبين إن مبدأ المساواة قد تفسره المحكمة العليا كمبدأ جماعي وليس فردي. وعلى هذا النحو، سيكون من الأفضل إغفال المبدأ بالكامل تجنباً للمخاطرة بمنح الفلسطينيين الإسرائيليين في نهاية المطاف حقوق جماعية عبر المحكمة العليا. وقال أحد مهندسي القانون وعضو حزب الليكود ياريف ليفين بصراحة إن إدراج مبدأ المساواة العام هو “عكس ما أريده بالضبط”.

ولم يتطرق نص القانون إلى علاقة الدولة بمبدأ الديمقراطية، على الرغم من تواجده بشكلٍ راسخ في معظم مشاريع القوانين. إلا أن مبدأ الديمقراطية الوارد في هذه المشاريع كان خاضعاً للطابع اليهودي للدولة، وهو ما لم يحظ بتأييد الأغلبية داخل الائتلاف الحاكم. وعارض حزب “كولانو” بصفةٍ خاصة هذا الترتيب الهرمي، خوفاً من تعريض الطابع الديمقراطي لإسرائيل للخطر. ويعني ذلك في نهاية المطاف وضع أي تعريفٍ للعلاقة التي تجمع بين اليهودي والديمقراطي جانباً. وعندما يصرّح ممثلو الحكومة بأن علاقة الديمقراطية باليهودية موجودة بالفعل ضمن القانون الأساسي، في إشارةٍ إلى قانون كرامة الإنسان وحريته الصادر في ١٧ مارس ١٩٩٢، فإن هذا التصريح يبدو متناقضاً، إذ صرحت وزيرة العدل إيليت شاكيد عن حزب البيت اليهودي إنه ينبغي على قانون الدولة القومية حماية “الطابع اليهودي للدولة حتى وإن هذا الأمر التضحية بحقوق الإنسان”.

التشريعات المتعلقة بالأقليات

تنص المادة السابعة من القانون على أن الاستيطان اليهودي للأرض يمثل قيمةً وطنيةً، وهو ما يستدعي بالتالي تعزيزه. وتمثل هذه الصيغة في الواقع حلاً وسطاً بالنسبة للحكومة. فقد جاء أحد مشروعات القوانين السابقة على ذكر الفصل بين الاستيطان استناداً للدين والقومية. وفي أعقاب تعرّض هذا المشروع لموجةٍ من الاحتجاجات الحادة حتى من داخل أروقة الحكومة، فقد تم تعديل هذه الفقرة – كما أن حزب “إسرائيل بيتنا”، وهو حزب الأقلية الناطقة باللغة الروسية والذي لايتم الاعتراف بيهوديته جزئياً يخشى من التعرض للتميز ضد الأقلية الناطقة باللغة الروسية.

وتنتقد المعارضة أي دعم علني للمناطق اليهودية وغير العربية، خاصة في ظل حالة الإهمال الشديد الذي تعاني منه البنية التحتية في المدن العربية حتى هذه اللحظة. وجرت العادة في الماضي على أن تقوم المحكمة العليا بحظر مثل هذه التشريعات. ويعد هذا المشروع من المشاريع التي طال انتظار اليمين الإسرائيلي لها لإعطاء الأولوية القانونية للمناطق اليهودية. وتكمن الفكرة الأساسية في عدم وجود أي أغلبية عربية مناطقية في أي منطقة في إسرائيل. وينطبق هذا الأمر تحديداً على المناطق التي ينخفض فيها الوجود اليهودي كالجليل أو النقب. ولا تستبعد الفقرة المعتمدة الآن إنشاء أية مستوطناتٍ إضافية في الضفة الغربية. وقام بإدخال هذا التعديل رئيس حزب “البيت اليهودي” نفتالي بينيت المعروف بتأييده لضم هذه المنطقة بصفةٍ جزئية. وطالب بشكل عام عددٌ كبير من البرلمانيين الذين وافقوا على قانون الدولة القومية بضم الضفة الغربية بصفةٍ كاملة أو جزئية.

ويعد القسم الرابع من القانون أكثر إثارة للجدل. وينص هذا القسم على وجوب احتفاظ اللغة العربية بمكانتها الخاصة في إسرائيل، وأن هذا البند لا يغير الوضع الممنوح للغة العربية قبل سنّ القانون الأساسي. إلا القانون انتقص في حقيقة الأمر من مكانة اللغة العربية، لأنها لن تكون لغةً رسميةً بعد ذلك. وقد لا يبدو من الواضح مدى تأثير ذلك على وضع اللغة العربية في البلاد، إلا أن التشريع يحظى بسلطةٍ رمزية واضحة في سياق العلاقة المتوترة أصلاً بين العرب الإسرائيليين – وخاصة المنحدرين من أصولٍ فلسطينية – والأغلبية اليهودية. حتى أن السياسيين المخضرمين من حزب الليكود مثل بيني بيغن أو موشيه أرنز يشكّون في أهمية هذا البند، محذرين من أنها قد تساهم في تدهورٍ غير ضروري للعلاقة بين اليهود والعرب في الدولة.

إعادة تعريف العلاقة مع الشتات اليهودي

تشترك العديد من الأصوات اليهودية التقدمية في الولايات المتحدة في هذه الانتقادات. ومع ذلك، يتواجد في القانون قسماً تم توجيهه بشكلٍ صريح ضد الحركة “اليهودية الإصلاحية” نفسها التي تشكل الجزء الأكبر من الشتات في الولايات المتحدة. وشهدت اللحظة الأخيرة تغيير الصيغة الأصلية التي تنص على أن الدولة تعمل “في كل مكان” لتعزيز العلاقة بين الشتات اليهودي وإسرائيل، لتنص حالياً على عدم نشاط الدولة إلا “داخل الشتات اليهودي” من أجل تحقيق ذلك (الفقرة ٦ بي). وتمت كتابة هذا القسم، الذي أُعيد صياغته بعد إصرار الأرثوذكس المتطرفين للحيلولة دون تزويد الحركة “اليهودية الإصلاحية” بقدرة التأثير على التشريع الإسرائيلي فيما يتعلق باعتناق الديانة ووضع الطوائف اليهودية غير الأرثوذكسية. ويهدف هذا الأمر إلى توطيد الهيمنة الأرثوذكسية في إسرائيل على ما يتعلق بالتدخل الخارجي في الأمور الدينية. كما يمهد القسم الطريق لنفوذٍ أرثوذكسي تدعمه الدولة على الشتات اليهودي. ويتضح هذا أيضاً في الفقرة (٦ سي) التي تنص على أن إسرائيل “ستعمل للحفاظ على التراث الثقافي والتاريخي والديني للشعب اليهودي في الشتات”. وتؤكد إسرائيل هنا ضمنياً سيادتها التفسيرية على القضايا الأساسية للهوية اليهودية في جميع أنحاء العالم.

كما ينص قانون الدولة القومية صراحةً ولأول مرة على أن الحق الديني للشعب اليهودي في تقرير المصير يتحقق في دولة إسرائيل. وقد ضاع جزء كبير من الكلمة في الترجمة لأن كلمة “dati” العبرية لا تعني ديني فحسب، بل أيضاً كلمة “أرثوذكس”. ويضاف إلى هذا الأمر أن التعددية الطائفية التي يتمتع بها اليهود في الولايات المتحدة غير موجودة فعلياً في إسرائيل عندما يتم الحديث عن الدين، وهي بذلك تعبّر عن التفسير الأرثوذكسي لليهودية. ويعكس إدراج هذه الصيغة الحقائق الديمغرافية المتغيرة. فالسكان الأرثوذكس “المتشددون” يشكلون حالياً أقل من ربع مجموع السكان اليهود. وبالتالي، تكشف هذه المقاطع الواردة في القانون وجود فجوةٍ متنامية بين إسرائيل واليهود الأمريكيين في الشتات بالصورة التي كان عليها الحال خلال السنوات الأخيرة على مستوى قضايا اعتناق الدين، والقيود المفروضة على الطوائف غير الأرثوذكسية عند حائط المبكى، وحتى فيما يتعلق بالممارسة الدينية العامة في إسرائيل.

النية السياسية الكامنة وراء القانون

Translation- Jewish Nation-State Law
العضو العربي في الكنيست الإسرائيلي أحمد الطيبي حاملاً لافتة أثناء مظاهرة ضد “قانون الدولة القومية اليهودي” في قرية جت يوم ١ أكتوبر ٢٠١٨. المصدر: AFP.

بخلاف المقاطع المحددة التي تمت مناقشتها، فإن القانون يحمل في طياته توجهاً أعمق يتجاوز مجرد صياغة النص. ويتعلق الأمر في جوهره فيما إذا كان يتوجب على الدولة أن تتسم بطابعٍ قومي مدني يشدّد على المبادئ العالمية كالمساواة والقيم والحريات الفردية، أو أن تتسم بطابعٍ قومي يشدّد على حقوقٍ جماعية معينة مبررة عرقياً أو قومياً أو دينياً. ويؤيد أنصار القانون الطابع الثاني من القومية، وهم يرون أن القانون يعد بمثابة أداةٍ لتحريك الدولة في ذلك الاتجاه.

وإذا ما كان الأمر كذلك، فإن قانون الدولة القومية موجه تحديداً ضد “القانون الأساسي: كرامة الإنسان وحريته” لعام ١٩٩٢ الذي شرّع، لأول مرة، الحقوق الفردية الأساسية، وحقوق الإنسان، والحريات في قانونٍ أساسي ونصّ على أنّ دولة إسرائيل يهودية وديمقراطية. وكان لهذا القانون عواقب بعيدة المدى لأنه سمح بتقديم شكاوى المراجعة القضائية ضد القرارات التشريعية التي اتخذها الكنيست لعرضها على المحكمة العليا. ولهذا السبب، فقد جرت العادة على الإشارة إلى هذا التعديل غير المسبوق باسم “الثورة الدستورية” في إسرائيل.

إلا أن هذه التطورات ذات المدى البعيد على مستوى السلطة القضائية أثارت الجدل لأسباب متعددة. ويكمن العامل الأول في أن احتمال إجراء المراجعات القضائية كان يعود إلى صدور قرارٍ عن المحكمة العليا وبطريقةٍ مماثلة لما حدث تاريخياً في الولايات المتحدة. إلا أن الكنيست لم يقصد في تشريعه الوصول إلى هذه النتيجة، حيث رأى المعارضون في ذلك تجاوزاً غير مشروعاً من قبل السلطة القضائية على السيادة الشعبية. ويكمن العامل الثاني في مجادلة رئيس المحكمة العليا أهارون باراك بأن كلمة “يهودي” في عبارة “يهودي وديمقراطي” لا تشير بأي حال إلى التقاليد الدينية، بل أنها ببساطة تؤكد على القيم العامة للتنوير اليهودي. وعلى هذا النحو، فقد قام باراك بتعريف الطابع اليهودي للدولة دون أي إجماع اجتماعي. أما العامل الثالث فيكمن في اتهام باراك بتسييس العمل القضائي في أعقاب “الثورة الدستورية”، وذلك تحت فرضية أن “كل شيء يمكن أن يحل بالقضاء”، وهو ما يتداخل بشكلٍ كبير مع اختصاصات السلطتين التنفيذية والتشريعية. وبالقيام بذلك، فقد تم زعم أن المحكمة أقامت قانون قضائي مفرط الليبرالية والاستهداف على مستوى حقوق الأفراد. ونتيجة لذلك، فإن مصالح الأقلية ستحظى بأفضلية على حساب مصالح الأغلبية.

ومن المرجح أن يعود الهدف الحقيقي لأنصار قانون الدولة القومية في إلغاء هذه التطورات. وكان حزبا الليكود والبيت اليهودي البطلين الأساسيين اللذين تمكنا من فرض رؤيتهما في وجه منتقدي القانون من داخل حكومتهما – لا سيما الأحزاب المتشددة وحزب كولانو. وكما أوضحت أيليت شاكيد، فقد “أفرغت الثورة الدستورية فكرة الدولة اليهودية من معناها”، و”أيدت الحقوق الفردية بطريقةٍ راديكالية”. وسبق لوزيرة العدل الدعوة إلى ثورة أخلاقية وسياسية لمقاومة التوجهات الإشكالية التي دمرت إنجازات الصهيونية. ويرى عضو حزب الليكود ياريف ليفين بصورةٍ مماثلة أن القانون سيقضي على تبعات الثورة الدستورية ويضع أسساً قانونية جديدة وهوية جديدة للدولة.

ويرى لينتل وفولفروم أن هذا الأمر موجه بصفةٍ خاصة ضد أحكام المحكمة العليا على مدى العقدين الماضيين والتي أعطت الأولوية للحقوق والحريات الفردية على حساب حقوق الأغلبية. وتشمل هذه الأحكام الإلغاء المتكرر لعمليات التجريد من الأهلية التي فرضها الكنيست على الأحزاب العربية الداعية لـ”دولةٍ لجميع المواطنين”؛ والحكم بالإبقاء على لم شمل العائلات للفلسطينيين في الضفة الغربية وإسرائيل، والحظر المفروض على احتجاز اللاجئين؛ وإخلاء “البؤر الاستيطانية” للمستوطنين اليهود في الضفة الغربية؛ بالإضافة إلى الأولوية المعطاة لحرية التعبير والفن فيما يتعلق بالغضب الشعبي المرتبط على سبيل المثال بفيلم “جنين جنين”، وحظر إعطاء الأولوية لتوسيع المستوطنات اليهودية وصيانتها دوناً عن المستوطنات غير اليهودية (كما عليه الحال في قضية قعدان). وبحسب السياسيين اليمينيين، فقد اعتمدت كل هذه الأحكام وغيرها على تقييم غير صحيح للأعراف، فهم يرون أنه كان حريٌّ بالمحكمة العليا الحكم بعكس ما قضت به في جميع هذه الحالات.

ومن الواضح للذين قاموا بصياغة الدولة القومية أن هذا القانون لا يعدو عن كونه خطوة أولى نحو التنفيذ الكامل للتغييرات المرغوبة في الدولة – والتي باتت واضحة بالفعل في مجالات التعليم، والجيش والسياسة الثقافية، لأن طريقة تفسير القانون تعتمد على القضاة المعنيين في المحكمة العليا. وقال ياريف ليفين: “يكمن الاختبار الرئيسي في تطبيق” هذا القانون؛ فالتغيير في النظام القانوني لن يكون ممكناً إلا إذا غُيرَت بنية المحكمة أيضاً. وكانت الحكومة قد عدّلت بالفعل انتخاب القضاة ومنحت أربعة من المناصب القضائية الست التي يتعين شغلها في هذه الفترة التشريعية إلى مرشحين محافظين. وتحيط بهذا الأمر مبادراتٌ سياسية مماثلة لتبني “بند الإبطال” الذي يستطيع بموجبه الكنيست إبطال الأحكام الصادرة عن المحكمة العليا. وسبق تضمين بند مماثل في مسودة سابقة من قانون الدولة القومية، إلا أنه حُذف لغياب دعم الأغلبية: وكان البند يعني أن أي تشريع في إسرائيل – بما في ذلك القوانين الأساسية الأخرى – يجب أن يُفسر من منظور قانون الدولة القومية وبالتالي يكون تابعاً للشخصية اليهودية.

إلا أن مفكري الجناح اليميني في حزبي الليكود والبيت اليهودي لم يقوموا بإبداء اهتمامهم بنهاية “السيادة الليبرالية” على النظام القضائي فحسب. فهم يهدفون على المدى الطويل إلى تطوير فهمٍ جديد للدولة، والذي سيتم بموجبه تحديد الصالح العام لصالح الأغلبية (حتى وإن عاد ذلك بتبعاتٍ على الاقتصاد الليبرالي). ويرى أبطال المشهد أنفسهم مسؤولين عن تحديد الأسس الدستورية للصالح العام وفقاً للمبادئ القومية والعرقية والدينية. وتتناقض هذه الرؤية بشكلٍ صريح مع كل من التوجه الصهيوني العمالي العلماني – الاجتماعي الذي يعود إلى العقود الأولى من تأسيس الدولة، كما أنه يتناقض مع التفسير القانوني الليبرالي العام الذي يعود إلى حقبة التسعينيات وحتى مع المبادئ الليبرالية الوطنية للآباء الأيديولوجيين المؤسسين لحزب الليكود مثل زئيف جابوتنسكي ومناحيم بيغن.

ولا يعدو تبني قانون الدولة القومية عن كونه محاولة واضحة لدفع النظام السياسي الإسرائيلي في اتجاه الأغلبية. ويعني ذلك أن الأغلبية اليهودية الموجودة في الكنيست ستقيّد حقوق الأقليات الفردية المحمية بموجب المواد الدستورية ومبدأ فصل السلطات. وتنضم حكومة إسرائيل الحالية إلى التيارات السياسية المماثلة لتلك الموجودة في المجر، وبولندا، وسلوفاكيا، وغيرها، حيث تُمارس السياسة المتعصبة المستندة إلى القومية العرقية باسم الأغلبية. ويجري تبرير هذه السياسة بأنها معركة ضد أقلية ليبرالية نخبوية تفرض رؤيتها العامة للعالم على الأغلبية. ويأتي نتنياهو الأخير “للأغلبية حقوق أيضاً، وأن الأغلبية تحكم” كنموذج لهذا النهج الشعبوي. وبحسب هذا المنطق، فإنه يجري تمرير هذه التطورات الحاصلة من جانب اليمين السياسي وكأنها التزام بمزيدٍ من الديمقراطية.

وترافق المبادرات الرامية إلى إضعاف الوضع القانوني للأقليات لغةٌ كلامية تصوّر بشكل متزايد المجتمع العربي الفلسطيني، بالإضافة إلى الإسرائيليين اليساريين، باعتبارهم جزءاً غير مرغوب به من المجتمع. وسبق لنتنياهو التلميح بأن سكان البلاد العرب يعتبرون طابوراً خامساً وعدواً داخلياً. وهذا ما تم التأكيد عليه مرة أخرى في حملات الانتخابات البلدية في أكتوبر من عام ٢٠١٨، حيث سوّق الليكود لفرضية “إما نحن وإما هم”، في إشارةٍ إلى أن التصويت للأحزاب اليسارية أو العربية سيؤدي إلى الإرهاب الإسلامي. وبنفس العقلية، دعت وزيرة الثقافة ميري ريغيف لإجراء اختبارات ولاء، ودعا حزب “إسرائيل بيتنا” لتأدية قسم ولاء من أعضاء الأقليات غير اليهودية. وفي الوقت نفسه، ظهرت بعض الجهود الرامية إلى الحد من الثقافة العربية الفلسطينية. وقام وزير التعليم نفتالي بينيت بحذف قصة قصيرة بعنوان “حياة الحدود” (Borderlife) من المنهج التعليمي لاحتوائها على رومانسية يهودية عربية. كما طالب وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان بحظر قصائد الشاعر الوطني الفلسطيني محمود درويش من إذاعة الجيش. وقام العديد من أعضاء الحكومة بتقديم مشاريع قوانين لتقييد أو حظر استخدام مكبرات الصوت في الأذان لدعوة المسلمين إلى الصلاة.

وفي الوقت نفسه، لم يتم تبني قانون الدولة القومية لأسبابٍ أيديولوجية بحسب، ولكن أيضاً كتكتيك انتخابي. فمن الواضح أن نتنياهو يستفيد من حالة الاستقطاب الاجتماعي المتزايدة التي سببها هذا القانون، إذ بإمكانه أولاً تصوير خصومه كغير وطنيين بالتزامن مع إبراز التناقض الحاصل بين اليمين واليسار. أما ثانياً، فقد أضعف القانون المعارضة لأنه أبرز الاختلافات بين منتقديه اليهود والعرب. وبهذا، فقد كان إطلاق القانون أيضاً خطوة سياسية من نتنياهو على غرار سياسة “فرق تسد”.

نظرة مستقبلية

ما زلنا لا نعرف إلى أي مدى ستدعم المحكمة العليا القانون. كما أننا نجهل الإجابة على السؤال المرتبط بإمكانية حدوث “تعديل دستوري غير دستوري”، إي إذا ما كان بإمكان المحكمة العليا إصدار حكمٍ فيما يتعلق بتعديلٍ دستوري. ويرى لينتل وفولفروم أن إصدار حكمٍ حول هذه القضية سيشكل سابقة ستكون الأولى من نوعها. وتجدر الإشارة إلى أن المحكمة العليا رفعت بالفعل دعاوى قضائية ضد قانون الدولة القومية. وفي هذا السياق، قالت إيليت شاكيد إن إلغاء القانون سيؤدي إلى وقوع “زلزال” وسيؤدي إلى “حرب” مؤسساتية. ولم تعلق المحكمة العليا بعد على هذه القضية. ومع ذلك، فقد ذكرت رئيسة المحكمة العليا إستير هايوت في أحكامٍ سابقة أنه من الممكن إجراء مراجعة دستورية لقانونٍ أساسي يقوض هوية إسرائيل الديمقراطية وأسس بنيتها الدستورية.

ومن وجهة نظر ألمانية وأوروبية، لا بد من ملاحظة أن القانون لا يعني نهاية الديمقراطية الإسرائيلية على الرغم من جميع الانتقادات المحلية والدولية. إلا أن جهود الحكومة الحالية لتحويل إسرائيل من ديمقراطية ليبرالية (والتي كانت محدودة على أي حال) إلى ديمقراطية أغلبية باتت واضحة للعيان.

وسيكمن العامل الحاسم في كيفية تطبيق القانون على مستوى الممارسات القضائية. وتظهر هنا ثلاثة متطلبات هامة بشكل خاص في هذا الصدد أولها الحفاظ على مبدأ الفصل بين السلطات، وثانيها المساواة بين جميع المواطنين أمام القانون، وثالثها حماية الأقليات من التمييز. وإذا ما أصبح أبناء الأقليات مواطنين من الدرجة الثانية في الممارسة القانونية كما يخشى منتقدو القانون، فإن مشروع “الدولة اليهودية والديمقراطية” سيقف أمام تهديد مواجهة صعوباتٍ أكبر. ولذلك، تبرز أهمية الحفاظ على حوارٍ دائم مع إسرائيل أكثر من أي وقتٍ مضى، مع الإشارة إلى الاتفاقات المختلفة التي أبرمتها هذه الدولة مع الاتحاد الأوروبي، والتي تم على أساسها وضع معايير الديمقراطية وحقوق الإنسان. وفي حقيقة الأمر، فإن إسرائيل بتبنيها لهذا القانون تنضم إلى صفوف الدول المبتعدة بشكلٍ متزايد عن مبادئ الديمقراطية الليبرالية التي تأسست في غرب ما بعد الحرب العالمية. إلا أن مؤيدي القانون – ومنهم نتنياهو – يقولون في أغلب الأحيان إن القانون يكمن في إطار مبادئ “الديمقراطيات الغربية”. وفي هذا الصدد، فإنه من المهم لهؤلاء أن يتم النظر أيضاً لإسرائيل على الصعيد الدولي كدولة ديمقراطية تابعة للغرب.