وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

آن الأوان لإنهاء نظام المحاصصة الطائفية مع استمرار الاحتجاجات

Protests lebanon
متظاهرون لبنانيون أثناء مشاركتهم في موكب يوم الاستقلال المدني بساحة الشهداء في بيروت يوم ٢٢ نوفمبر ٢٠١٩، وذلك بعد مرور ما يزيد عن شهر من الاحتجاجات المطالبة بإصلاح النظام السياسي برمّته. وهيمنت حركة احتجاجية غير مسبوقة على الدولة المتوسطية منذ ١٧ أكتوبر الماضي، حيث طالبت هذه الحركة بالتخلص الكامل من السياسيين الفاسدين والذين لا يتمتعون بالكفاءة. المصدر: ANWAR AMRO / AFP.

نشر موقع “The Conversation” مقالةً سلطت الضوء على السمات المميزة للاحتجاجات اللبنانية في ظل نظام المحاصصة الطائفية السائد في هذا البلد. ويقوم صاحبا المقالة وهما درو ميخائيل، الباحث في جامعة كوينز، وأليسون مكلوتش، أستاذة العلوم السياسية في جامعة براندون، باستعراض دور المرأة البارز في الحراك، وذلك في محاولةٍ لاستشراف آفاق ومستقبل هذه الحركة.

وما تزال التظاهرات تهزّ شوارع لبنان منذ السابع عشر من أكتوبر الماضي. وتتزايد المخاوف من انزلاق المظاهرات السلمية الكبيرة إلى حالةٍ من العنف. وشهد يوما السادس عشر والسابع عشر من ديسمبر الماضي إصابة ما يزيد عن ١٣٠ شخصاً في مناوشاتٍ وقعت بين المتظاهرين وقوات الأمن اللبنانية، وذلك بعد أسبوعٍ واحد من وقوع مواجهات بين مجموعاتٍ شيعية ومناصرين لأحزاب مسيحية.

وشهد يوم ١٩ ديسمبر الماضي اختيار الأستاذ الجامعي حسن دياب لتولي منصب رئيس الوزراء الجديد، وذلك بعد استقالة سعد الحريري في أكتوبر الماضي وإعلان هذا الأخير عن عدم رغبته في تولي المنصب من جديد. إلا أن دياب لم يحصل على ما يحتاج إليه من إجماعٍ يكفل دعمه، ولا يبدو واضحاً ما إذا كان تعيينه سيهدئ من حدّة الاحتجاجات أم لا.

ودأب اللبنانيون على الخروج إلى الشوارع لإيصال مطالبهم إلى الزعماء السياسيين منذ انطلاق ثورة الأرز عام 2005 وحتى خروج احتجاجات “طلعت ريحتكم” المرتبطة بأزمة القمامة في عام 2015. وبحسب كوينز ومكلوتش، فإن ثورة السابع عشر من أكتوبر – وهي سلسلةٌ منظمة من الاحتجاجات التي عمّت شوارع البلاد كافّة وأطلقت شرارتها ضريبة مزمعة على محادثات تطبيق “واتساب” – تبدو مختلفة قليلاً.

وعلى خلاف ثورة الأرز التي اندلعت في ظل منافسة سنية شيعية محتدمة، ومظاهرات “طلعت ريحتكم” التي تجاوزت الحدود الطبقية والخلافات حول الاستراتيجيات والتكتيكات، فإن هذه الاحتجاجات الجديدة كسرت الحواجز الطبقية والطائفية. كما شهدت دوراً مميزاً للمرأة التي قادت الاحتجاجات سواءً بتشكيل خطوط فاصلة بين المحتجين وقوات الأمن أو بتسيير مظاهراتهنّ الخاصة.

كما تقوم المرأة بالتعبير عن المطالب السياسية الأساسية لاحتجاجاتٍ ليس لها قيادة واضحة حتى هذه اللحظة. وسبق لمجموعة “أبعاد”، وهي جمعية محلية مناصرة لحقوق المرأة، تنظيم مظاهرة في أوائل ديسمبر الماضي متأثرةً بما عرف “بالتجمعات الخاطفة للحركة النسوية في تشيلي” والتي اجتاحت العالم فيما بعد. وكرر المحتجون اللبنانيون مطالبهم بإصلاحات قانونية تحمي النساء من العنف الجنسي، كما طالبوا بوضع حدٍّ للقيود على الحقوق الأخرى.

سياسات تقاسم السلطة

بحسب بحث صاحبي المقالة الراهن عن لبنان وغيره من الدول التي تعتمد على نظام تقاسم السلطة، فإن هذه البلاد مقبلة على تحديات، ما يعود السبب فيه إلى أن أنظمة هذه الدول لطالما كانت عصيّة على الإصلاح. واحتفظ لبنان بترتيبٍ دقيق لتقاسم السلطة منذ عام 1860، علماً بأن اتفاق الطائف الذي تم توقيعه عام 1989 وأنهى خمسة عشر عاماً من الحرب الأهلية كرّس شكل التقاسم الحالي.

ويُمثل المسيحيون الموارنة والمسلمون السنة والمسلمون الشيعة جوهر اتفاق تقاسم السلطة، رغم اعتراف الدستور بثماني عشرة طائفة، ويُعرف تقاسم السلطة محلياً بنظام “المحاصصة الطائفية”.

Lebanon demos
متظاهرون لبنانيون مناهضون للحكومة يحملون علم بلادهم أثناء مظاهرة تم تنظيمها في منطقة الخط الذي كان يفصل سابقاً بين بيروت الغربية والشرقية وذلك يوم ١ ديسمبر ٢٠١٩. المصدر: Patrick BAZ / AFP.

وتحت هذا الستار تعمل النخب السياسية الآن “كرجال أعمال طائفيين” يتقاسمون موارد وسلطات البلاد فيما بينهم، وهو ما دفع البلاد للانزلاق إلى شفير كارثةٍ اقتصادية، ناهيك عن تخفيض تصنيفها الائتماني إلى مستوى “الوضع الحرج”. كما أدى ذلك إلى تحجيم أي توافق حقيقي بين الطوائف في مرحلة ما بعد الحرب وقيّد المساحة التي يمكن أن تفرز قادة مدنيين، وذلك بحسب أيمن مهنا أحد القادة البارزين في المجتمع المدني اللبناني الذي قابله صاحبا المقالة أثناء إعدادهم للبحث.

ويرى المحتجون أن الطريقة الوحيدة الكفيلة بإرساء دعائم المصالحة والحكم الرشيد والتعافي الاقتصادي في لبنان تكمن في القضاء على الطائفية. وكما قال أسعد شفتري، المقاتل السابق بحزب القوات اللبنانية والناشط الحالي، فإن أغلب البلدان تحتاج إلى انقلاب عسكري ليحدث التغيير أو الثورة، أما في لبنان “فنحن بحاجة إلى 18 انقلاباً عسكرياً”.

ويُفصح الاقتباس السابق عن مدى رسوخ هذا النظام، فالجماعات التي تضمن تمثيلاً في الحكومة لن تترك حصتها في السلطة بسهولة.

تجاهل المرأة

فشل النظام الحالي على صعيد آخر مهم كذلك. فرغم اعتراف الدستور اللبناني بوجود ١٨ طائفة، لا يشعر كل الأطراف بحصولهم على تمثيل في النظام الحالي. وهذه خاصية تشترك فيها ترتيبات تقاسم السلطة، لا سيّما تلك التي جاءت في أعقاب نزاع مسلح والتي غالباً ما ترى أن كل سياسة هي سياسة عرقية. وهذا يخاطر بوضع بعض الأطراف على هامش السياسة كتهميش المرأة ومجتمع الميم تحديداً في لبنان.

وكان وجود المرأة في قلب الحراك الاحتجاجي ومقدمته قد كشف عن ضيق أسس الإدماج الكامنة في نظام الحكم اللبناني. ولا تحظى النساء إلا بتمثيل محدود في السياسة اللبنانية الرسمية: إذ لم تزد حصة النساء في البرلمان الذي تم انتخابه في عام ٢٠١٨ عن ستة أعضاء من أصل 150 عضو. كما عزّز نظام تقاسم السلطة بفعل قوة الزعماء الدينيين قوانين الأحوال الشخصية البالية والتي تُصعّب على النساء تمرير جنسياتهن إلى أطفالهن.

بداية حوار

يمكن السؤال الراهن في معرفة إذا ما كانت الحكومة الجديدة ستلبي مطالب المحتجين بنظام حكم أفضل ويضمن مشاركة كافة الأطياف فيه.

ويرى صاحبا المقالة أن الدستور اللبناني بحاجة لإعادة نظر، فهو ينص على بعض الآليات التي لم تطبق كإنشاء مجلس شيوخٍ قد تكون له القدرة على إيجاد التوازن ما بين الحاجة إلى ضمان تمثيل طائفي ومدني. ويحتاج لبنان إلى الكثير من الإصلاحات الدستورية حتى يصبح تحوّله إلى نظامٍ ما بعد طائفي أكثر من مجرد طموح.

ويقترح المحتجون كذلك إصدار قانونٍ انتخابي جديد لا يتم تفصيله على مقاس الأحزاب الطائفية الحالية. وقد يُتيح هذا الأمر لباقي الجماعات المعترف بها الاستفادة من الحماية القانونية التي يتمتعون بها حالياً، كما يتيح لمن كان مستبعداً الحصول على فرصة واقعية لانتخاب قادةٍ يكون همهم خدمة المصالح الوطنية وليس الحفاظ على مواقعهم الخاصة.

ويختتم كوينز ومكلوتش مقالتهما بالتالي: “تحتاج مؤسسات تقاسم السلطة إلى تفكيك ما يعيشه لبنان من حالة تفسيرٍ ضيّقة للنص. وتمثّل هذه الاحتجاجات لحظة مفصلية لبدء حوارٍ وطني عن كيفية توسيع أسس احتواء الجميع في الحياة السياسية اللبنانية. المحتجون استطاعوا حتى هذه اللحظة التضامن مع بعضهم البعض، متجاوزين بذلك حدود الطائفية والطبقية والجندرية وهو ما كان مستحيلاً في السابق. وقد يكون هذا التضامن طريق العبور إلى مستقبل ما بعد طائفي، سواءً أكان ذلك بنظامٍ يكفل تقاسم السلطة أو بدونه”.