وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الشرق الأوسط أكثر اضطراباً من أي وقتٍ مضى

Bedouin palestine
أطفالٌ فلسطينيون يحملون علم بلادهم في مدرسة قريتهم وذلك ضمن مظاهرة تم تنظيمها يوم ١ أغسطس ٢٠١٨ دعماً لسكان قرية خان الأحمر البدوية التي تعتزم السلطات الإسرائيلية تدميرها في الضفة الغربية المحتلة. وبحسب إسرائيل، فإن قرية خان الأحمر الموجودة في موقعٍ استراتيجي شرق القدس وبالقرب من المستوطنات الإسرائيلية وعلى الطرق المؤدي إلى البحر الميّت تم تشييدها بطريقةٍ غير قانونية وهي تسعى لإبعاد قاطنيها الـ١٨١ إلى مكانٍ آخر. المصدر: ABBAS MOMANI / AFP.

نشر موقع “The Globalist” مقالة ألقت بالضوء على الأوضاع السياسة التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط منذ بداية عام ٢٠٢٠. ويشير صاحب المقالة ألون بن ماير، وهو باحثٌ كبير في مركز الشؤون الدولية ومعهد السياسات العالمية التابعين لجامعة نيويورك، إلى وجود أزمةٍ عالمية على مستوى القيادة، مسلطاً الضوء على سبعة نزاعات أساسية تعيش المنطقة على أوصالها، ابتداءً من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومروراً بأوضاع العراق وسوريا واليمن، وانتهاءً بإيران وتركيا وأفغانستان. ويتوقع ماير أن تزداد الاضطرابات خلال العام الجاري نتيجة تراجع دور القيادة الأمريكية وغيرها من الأسباب.

ويبدأ ماير مقالته بالإشارة إلى الحاجة الملحة لاتخاذ بعض التدابير الحازمة للحيلولة دون تعقّد النزاعات المتعددة في منطقة الشرق الأوسط، لا سيّما وأنّ عدم اتخاذ الإجراءات سيؤدي إلى وقوع خسائر بشرية عظيمة، ناهيك عن وقوع خللٍ اقتصادي هائل.

ويتوقف استمرار مخاطر وتداعيات هذه الأزمات إما على قدرة المتنازعين على تبنّي مواقف واقعية، أو على بروز قيادة جديدة تلتزم البحث عن حلولٍ عادلة راسخة.

وهنا، لابد وأن نأخذ بعين الاعتبار أن حالة الاضطراب التي عاشتها المنطقة في عام ٢٠١٩ قد تتفاقم في عامنا الحالي بسبب الأزمة المستمرة التي يعيشها العالم على مستوى القيادة، ناهيك عمّا يواجه النظام العالمي الذي أُسس في أعقاب الحرب العالمية الثانية من حالة اضطراب.

ويشير هنا ماير إلى أن مقالته ستعرّج على سبعة نزاعات تعيشها الشرق الأوسط وتعكس هذه التطورات، منوّها إلى أن هذه النزاعات تستلزم طرح التساؤلات حول ما ينبغي علينا القيام به لتغيير ديناميكيات النزاع القائمة أملاً في حلّ بعض هذه النزاعات.

خيانة

يعتبر النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني أقدم النزاعات وأعقدها في المنطقة، علماً بأن هذا النزاع استهلك قوى الشعبين لما يزيد عن سبعين عاماً. وتدهور الوضع بشدّة نتيجة إحجام قيادات الطرفين عن الاعتراف بحقً الآخر في الوجود على نفس الأرض.

ويرى ماير أن القادة الفلسطينيين والإسرائيليين خانوا شعبيهما عندما فشلوا في تقدير ارتباط الآخر نفسياً ودينياً وتاريخياً بالأرض، ناهيك عن غضّهم الطرف عن حتمية التعايش بين الشعبين.

وبحسب صاحب المقالة، فإن الإسرائيليين والفلسطينيين مطالبون حالياً بالاختيار بين عنفِ لن ينتهي أو الحياة في سلام. وبما أن الأزمة في القيادة، فإن الحلّ الذي تفرضه اللحظة هو صعود قادةٍ جدد يمتلكون الرؤية والشجاعة اللازمة للاعتراف بأن أمن ورفاهية الشعب مستقبلاً يتوقف على حل الدولتين باعتباره الخيار الوحيد القابل للتطبيق.

وهمٌ كبير

سعت إيران منذ ثورة عام 1979 لأن تكون الدولة المهيمنة على المنطقة بالحصول على الأسلحة النووية. وبحسب ماير، فإن الاضطرابات التي تعمّ منطقة الشرق الأوسط تشير إلى تورّط إيران في أغلب النزاعات المزعزعة لاستقرار المنطقة والتي تشمل لبنان واليمن والعراق وسوريا، في الوقت الذي تقوم فيه طهران بتجنيد وتمويل وتدريب ما اعتبره جماعاتٍ جهادية وإرهابية ومهدّدة لوجود إسرائيل.

ورغم أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق الإيراني كان خطأ، فإن مقاومة إيران عطّلت العقوبات الأمريكية. وعلى هذا النحو، فإن السعي إلى تغيير النظام وتدمير منشآت إيران النووية لا يمكن اعتباره حلاً لهذه القضية.

وفي الوقت الذي تشعر فيه سائر دول الشرق الأوسط بقلقٍ بالغ ومتوقع نتيجة خروج الصراع الأمريكي الإيراني عن السيطرة في أعقاب اغتيال الجنرال سليماني، فإنّ الحلّ الوحيد يمكن في استئناف المحادثات الأمريكية الإيرانية.

كما ينبغي على إيران تحت أي ظرف أن تلعب دوراً بنّاءً في المنطقة وأن تتخلى عن وهم امتلاك السلاح النووي والهيمنة على المنطقة.

حنينٌ للهوية

مرّ العراق منذ استقلاله في عام 1932 باضطراباتٍ سياسية متتابعة طغت على تاريخه المجيد. ففي أعقاب ثورة عام 1958، استولى حزب البعث ونظامه القومي الاشتراكي على السلطة وتمكن من تمويل مشروعاتٍ طموحة طوال عقد السبعينيات.

وفي عام 1979، تولى الطاغية صدام حسين السلطة وقاد البلاد إلى كارثتين وهما الحرب العراقية – الإيرانية وحرب الخليج. وأسفرت حرب عام 2003 عن مقتل ما يزيد عن مئة ألف عراقي، ناهيك عن تدمير اقتصاد البلاد، وهو ما منح إيران الفرصة لتأمين نفوذها في سائر الشؤون العراقية، في الوقت الذي يتجرع فيه الشعب من مرارة المصاعب الاقتصادية القاسية.

ويرى ماير أن المظاهرات الحاشدة الحالية المطالبة بالقضاء على النفوذ الإيراني ستنتصر في نهاية المطاف، وستستعيد الهوية الوطنية العراقية الفريدة التي يتوق إليها كلّ العراقيين.

القتل باسم الله

Yemeni children
طفلٌ يمني أثناء تواجده في مخيّمٍ للنازحين اليمنيين في محافظة حجّة الشمالية يوم ١٦ ديسمبر ٢٠١٩. المصدر: ESSA AHMED / AFP.

قد تبقى حرب اليمن في الذاكرة بوصفها المأساة الإنسانية الأبشع في التاريخ الحديث. وتعتبر هذه الحرب حرباً بالوكالة بين المعسكر السني بقيادة السعودية من جهة، وهي الدولة الداعمة للحكومة المعترف بها دولياً والساعية لمنع امتداد النفوذ الإيراني في شبه الجزيرة العربية، وبين المعسكر الشيعي بقيادة إيران الداعمة للمتمردين الحوثيين من جهةٍ أخرى.

وبات اليمن ساحة المعركة التي قتل فيها اليمنيون باسم الله. وأسفرت هذه الحرب عن مقتل عشرات الآلاف ومعاناة الملايين من المجاعة، ناهيك عن إصابة ما يزيد عن مليون طفل بالكوليرا وانتشار الخراب في سائر أنحاء هذه الدولة.

وبعد مرور خمس سنوات، أدركت أطراف النزاع في نهاية المطاف عدم قدرتها على الانتصار في الحرب. ويعني ذلك أن التفاوض هو الحلّ الذي سيلجأ له الطرفان في النهاية.

ثمن الولع بالسلطة

يصعب فهم الحرب الأهلية السورية التي بدأت في عام 2011. فما بدأ بمظاهراتٍ سلمية تحول إلى أبشع حروب القرن الحادي والعشرين.

ويرى ماير أنه لو قدّر للرئيس الأسد الاستجابة في ذلك الحين لمطالب مواطنيه ومنحهم أبسط حقوق الإنسان، لكان تجنّب حرباً كارثية أسفرت عن مقتل حوالي سبعمائة ألف شخص، وخلّفت 11 مليون شخصٍ ما بين مهاجر ونازح، وسوّت نصف البلاد بالأرض.

ويقع الأسد الآن تحت رحمة روسيا وتركيا وإيران، إذ تعتزم هذه الدول إبقاء موطئ قدمٍ مستقر لها في سوريا. وقد تصبح سوريا ساحة لمعركة تدور رحاها بين إسرائيل وإيران، في الوقت الذي سيتواصل فيه وجود الكثير من المليشيات والجهاديين والجماعات المسلحة في البلاد بلا نهاية في الأفق.

دكتاتورية إردوغان التي ستدمر ذاتها

بعد مرور فترةٍ بسيطة من تولي الرئيس إردوغان مقاليد السلطة في تركيا عام ٢٠٠، رأى البعض أن تركيا ستصبح تحت قيادته أول دولة ديمقراطية إسلامية.

وجاء صعود إردوغان إلى السلطة على وقع إصلاحاتٍ اجتماعية وسياسية، ناهيك عن التمتع بنهضةٍ اقتصادية كبيرة وإنهاء النزاع الدائر مع الأكراد منذ عقود، وهو ما عزّز في الوقت ذاته من فرص انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.

إلا أن إردوغان انقلب على نفسه بعد ذلك. فهو يرى، بحسب ماير، الديمقراطية مجرد وسيلة لتحقيق أجندته الإسلامية وقيادة العالم الإسلامي السنّي. كما أنه انتقم من خصومه الدينيين والعقائديين باعتقاله عشرات الآلاف من أتباع غولن والأكراد، بالتزامن مع اعتقال حوالي مئتي صحفي مازالوا حتى الآن في غياهب السجون.

وبحسب صاحب المقال، فإن إردوغان سيترك وراءه إرث طاغيةٍ مولع بإحياء النزعة العثمانية، وسيُذكر أنه أهدر مستقبل تركيا الباهر لأجل دكتاتوريةٍ تُدمّر ذاتها.

هزيمةٌ حتمية

كان لا بدّ وأن تنتهي الحرب الأفغانية بعد عامٍ واحد من بدايتها في عام ٢٠٠١، إلا أن هذه الحرب تحولت لتصبح أطول حربٍ في التاريخ الأمريكي. وبدا واضحاً أن هزيمة حركة طالبان في البداية مؤقتة، وأنها ستسعى لاستعادة حقها في أرض أجدادها التي تعود لآلاف السنين.

وبحسب ماير، فإن جهود الولايات المتحدة لتأسيس الديمقراطية وما رافق ذلك من تنامي تواجد القوات الأمريكية وتعاظم تكلفتها لم تؤت ثمارها. ويعود السبب في ذلك إلى حفاظ طالبان بكلّ ضراوة على قدرة الردع التي تتمتع بها واستعادتها لدورها المحوري رغم ما تعرّضت له من خسائر فادحة.

ويرى ماير أن مصير السلطة سيكون في يد حركة طالبان بعد أي اتفاقٍ تفاوضي. وكلّ ما يمكن للولايات المتحدة فعله هو مطالبة طالبان بالاحترام الكامل لحقوق الإنسان، وأن تتصدى لأيّ انتهاك بعقوبات رادعة.

وبطبيعة الحال، فإن الدول الأخرى الموجودة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعاني من اضطراباتٍ سياسية وصعوبات اقتصادية جمّة وعنف وضبابية وخوف. وللأسف، فإن جهود الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للقضاء أو لحلّ العديد من هذه النزاعات سواء في لبنان أو ليبيا أو جنوب السودان أو العديد من البلدان الأخرى باءت بالفشل إلى حدٍّ بعيد.

ويبدو أن عام 2020 سيكون مضطرباً كما كان عليه الحال في عام 2019، لا بل أنه قد يصبح أكثر اضطراباً. ويعود السبب في ذلك إلى تراجع القيادة الأمريكية وتسارع القوى الأخرى لملء هذا الفراغ خاصة روسيا والصين وبدرجة أقل تركيا وإيران.

وبعيداً عن ذلك، فإننا نشهد تحولاً عالمياً قوامه صعود القومية والتطرف ورهاب الأجانب، وشتات ملايين اللاجئين، وتفاقم الفقر وتَفَكّك الاقتصاد، وكلّ ذلك سيؤدي إلى خلق حالةٍ من العنف وانعدام الاستقرار.

ويختم ماير مقالته بالتالي: “مع كلّ أسف، قد تزداد هذه التطورات سوءاً حتى ظهور جيلٍ جديد من القادة يحاول بجدّية الالتزام بحلّ هذه النزاعات بطريقةٍ إنسانية وعادلة لضمان دوام الاستقرار”.

“الآراء الواردة في هذه المقالة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر فنك”.