وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المراكز الجديدة المخصصة للتعامل مع المهاجرين في الاتحاد الأوروبي يجب أن تتجنب وحشية مراكز الاحتجاز الموجودة في اليونان وإيطاليا

Translation- Migrants Kos
الناس يحتجون ضد مركز “النقطة الساخنة” المزمع بناؤه للاجئين والمهاجرين في جزيرة كوس الموجودة ببحر إيجة يوم 14 فبراير 2015. وأطلقت شرطة مكافحة الشغب اليونانية الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين الذين احتجوا على بناء مركز لاستقبال المهاجرين في الجزيرة السياحية بحسب وسائل الإعلام. المصدر: AFP.

نشر موقع “The Conversation” مقالة سلّطت الضوء على الخطة الجديدة التي وضعها الاتحاد الأوروبي لإنشاء مراكز جديدة يتم فيها التعامل مع طالبي اللجوء القادمين إلى القارّة العجوز. وتتناول سامانثا فيلوتي، المعيدة في كلية القانون بجامعة ساسكس، في مقالتها الإشكاليات التي تواجهها الدول الأوروبية المختلفة أثناء التعامل مع اللاجئين وما يرافق ذلك من مخاوف ترتبط بانتهاك حقوق الإنسان.

وترى فيلوتي أن الخطة الجديدة المزمع تطبيقها لإنشاء “مراكز خاضعة للرقابة” يجري فيها احتجاز المهاجرين لدى وصولهم إلى مناطق الاتحاد الأوروبي قد تؤدي إلى تكرار العديد من أخطاء الماضي، بالتزامن مع تجاوز الإجراءات القانونية وخرق حقوق الإنسان الأساسية والقانون الدولي.

وعلى هامش القمّة الأوروبية التي شهدتها العاصمة البلجيكية بروكسل في يونيو الماضي، اتفق القادة الأوروبيون على إنشاء مراكز ضمن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لتسريع التعامل مع طلبات اللجوء ومساعدة تلك الدول التي تشرف على البحر الأبيض المتوسّط – كإيطاليا، ومالطا واليونان – على مستوى التدفّق الجماعي للمهاجرين. وفي الوقت الذي لن يتم فيه إجبار أية دولة على إنشاء “مراكز خاضعة للرقابة”، إلا أنه لم يتضح بعد من هي الدول التي ستقوم بذلك.

وستعمل المراكز المقترحة على تسهيل التمييز بين المهاجرين الاقتصاديين غير النظاميين، والذين تتم إعادتهم تحت إشراف المنظمة الدولية للهجرة، وأولئك الذين يحتاجون إلى الحماية الدولية، والذين سيتم نقلهم وإعادة توطينهم في إحدى الدول الأعضاء ضمن الاتحاد الأوروبي التي توافق على نقلهم بموجب مبدأ التضامن.

وترى فيلوتي أن الخطة كانت بمثابة تسويةٍ تم التوصل إليها في نهاية قمّةٍ متوتّرة ومشوّشة جرى عقدها إرضاءً للحكومة الإيطالية الغاضبة. وكانت إيطاليا قد دعت منذ فترةٍ طويلة لإصلاح القوانين الناظمة التي يتوجب على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تطبيقها لدى فحص طلبات اللجوء – والتي تعرف بـ”اتفاقية دبلن الثالثة”. كما هدأت الخطة من روع تحالف دول “فيسيغراد” الذي يتضمن كلاً من جمهورية التشيك، وبولندا، وهنغاريا وسلوفاكيا، حيث كان هذا التحالف على الدوام من المعارضين لأية محاصصة إلزامية تقتضي إعادة توطين اللاجئين بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

وعلى الرغم من انخفاض عدد الوافدين إلى الاتحاد الأوروبي من منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا بشكلٍ كبير منذ عام 2015، إلا أن الخطة الرامية إلى إنشاء “المراكز الخاضعة للرقابة” تعتبر تأكيداً آخر على ما تلعبه الحلول الطارئة من دور في سياسة الهجرة الأوروبية. وأدّى ذلك إلى عمليات تضليلٍ غير تقليدية، وبراغماتية إذا جاز التعبير، عوضاً عن الخروج باستجابة قانونية معقولة الملامح. ويسلّط هذا الأمر الضوء على عدم قدرة الهيئة التشريعية للاتحاد الأوروبي على إصلاح نظامٍ يحتاج منذ وقتٍ طويل لإصلاحٍ جوهري.

مراكز نقاط ساخنة في كل شيء ما عدا الاسم

من غير الواضح ما ستكون عليه المراكز الخاضعة للرقابة، وأين سيتم إنشائها ومن سيدفع تكاليفها. كما يبقى تطبيق مبدأ التضامن غامض المعالم.

وقال مسؤول مقرّب من الحكومة الفرنسية في الاتحاد الأوروبي إن هذه المراكز ستحاكي مراكز “النقاط الساخنة” التي تم إنشائها في إيطاليا واليونان في عام 2015. وتمثّل الهدف من هذا النوع من مراكز الاستقبال في تشكيل منشآت مخصّصة لاستقبال اللاجئين لأول مرّة، فضلاً عن تسجيلهم والتعامل معهم بشكلٍ أوّلي على “الحدود الخارجية” من الاتحاد الأوروبي، وذلك في غضون 48 ساعة من وصولهم – أو كحدٍّ أقصى في غضون 72 ساعة من الوصول.

Translation- Syrian migrants
المسعفون والمتطوعون يقومون بتهدئة امرأة سورية وضعت مولودها مؤخراً على الشاطئ بعد وصولها إلى جزيرة ليسبوس اليونانية، وذلك بعد عبور بحر إيجه من تركيا يوم 13 أكتوبر 2015. وكانت اليونان قد تعهدت يوم 10 أكتوبر 2015 في محادثاتها مع شركائها الأوروبيين على افتتاح أول مركز من مراكز “استقبال النقاط الساخنة” في جزيرة ليسبوس في غضون عشرة أيام وذلك في إطار جهود الاتحاد الأوروبي لتحسين التعامل مع التدفّق الهائل من المهاجرين. المصدر: AFP.

وأبرز تقريرٌ صادر عن المجلس الأوروبي للاجئين والمنفيين في عام 2016 كيف أدت مراكز النقاط الساخنة إلى تنامي حالة الغموض المتعلقة باللاجئين، حيث بات من الصعب التمييز إذا ما كان الشخص قيد الاعتقال أم لا. ومنذ مارس 2016، لم يعد في مقدور الوافدين الجدد إلى اليونان المغادرة إلى القسم البرّي من هذه الدولة، وبات عليهم عوضاً عن ذلك تقديم طلبات اللجوء الخاصة بهم في مراكز النقاط الساخنة.

ولم يعد الانتقال في الاتحاد الأوروبي أحد الخيارات في ظل رفض العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قبول الأشخاص الذين يعبرون إلى أراضيهم والذين وصلوا إلى مناطق أخرى من الاتحاد الأوروبي. وتتضح معالم الوضع الراهن في الاتفاق الجديد الذي تم توقيعه يوم 2 يوليو 2018 في أعقاب القمة الأوروبية بين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ووزير داخليتها وشريكها في الائتلاف الحكومي هورست سيهوفر.

وبموجب هذه الاتفاقية، ستقوم ألمانيا بإنشاء مراكز عبور قريبة من الحدود مع النمسا حيث سيتم التعامل مع طالبي اللجوء الذين تم تسجيلهم في دولةٍ أخرى من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قبل أن تتم إعادتهم إلى تلك الدولة إذا ما كان ذلك ممكناً. وعندما لا يكون هذا الأمر متاحاً، فإنه سيتم إرسال طالبي اللجوء عبر الحدود إلى النمسا. إلا أن الحكومة النمساوية سرعان ما أعربت عن استعدادها لـ”اتخاذ الإجراءات” الكفيلة بحماية حدودها الجنوبية في حال تم تطبيق المقترحات الألمانية، حيث سيتم تطبيق هذه الإجراءات بصفةٍ خاصة على حدود النمسا مع إيطاليا وسلوفينيا.

وما يزال عدد المهاجرين الواصلين إلى مراكز النقاط الساخنة في اليونان وإيطاليا أكبر مع عدد المغادرين منها. وبحسب صاحبة المقالة، فإن هذه النقاط الساخنة باتت مكتظة بشدّة بالتزامن مع تطبيق معايير معيشة فقيرة للغاية وفي بعض الحالات تكون هذه المعايير مروّعة، وبشكلٍ خاص على مستوى القاصرين الذين لا يرفقهم أحد من أفراد العائلة. ويعتبر مخيّم موريا الموجود في جزيرة ليسبوس اليونانية مثالاً على هذا الأمر: إذ تم بناء هذا المخيّم بهدف استقبال 1800 شخصاً، وانتهى الأمر به لاستقبال ما يزيد عن 6 آلاف مهاجر وطالب لجوء.

وغالباً ما يتم احتجاز المهاجرين دون إذن من المحكمة، حيث يتم إجبار هؤلاء على أخذ بصماتهم وتصنيفهم كطالبي لجوء أو كمهاجرين اقتصاديين غير نظاميين على أساس تقييم موجز. ولا يستوعب الوافدون الجدد سوى القليل مما يحدث لهم والإجراءات المتاحة أمامهم نتيجة الافتقار إلى المترجمين الفوريين.

وقامت المنظمات غير الحكومية بتسليط الضوء على كيفية تصنيف الناس في أغلب الأحيان على أساس جنسيتهم فقط. وعلى سبيل المثال، غالباً ما يتم تصنيف المهاجرين من أبناء نيجيريا وغامبيا والسنغال والمغرب والجزائر وتونس باعتبارهم مهاجرين اقتصاديين.

ويعني غياب الشفافية والرقابة السليمة حرمان الناس من الوصول إلى إجراءات اللجوء. وقد يواجه هؤلاء الذي يتم تصنيفهم – غالباً بصورةٍ تعسفية – كمهاجرين اقتصاديين غير نظاميين، رفضاً قسرياً أو طرداً جماعياً، ما يثير القلق بصورةٍ عميقة حول حقوق الإنسان.

الحفاظ على الكرامة الإنسانية الأساسية

بصورةٍ مماثلة لمراكز النقاط الساخنة السابقة لها، فإن “المراكز الجديدة الخاضعة للرقابة” لا تمس قواعد اللجوء الواردة في اتفاقية دبلن. ومع ذلك، ينبغي تعلّم الدرس الرئيسي التالي وهو: أن المراكز الجديدة ستكون بحاجة لضمان توفير إجراءات اللجوء السلمية بصورةٍ معاكسة لما عليه الحال في مراكز النقاط الساخنة. وكما أكدت المفوضة الأوروبية لحقوق الإنسان دنيا مياتوفيتش في بيانٍ تم نشره حول المقترحات، فإن الناس سيحتاجون أيضاً إلى إسكانهم في ظروفٍ معيشية كريمة.

وترى صاحبة المقالة أن حرمان الناس من الحصول على حقوق الإنسان الأساسية يتعارض مع إنسانيتهم ومع جوهر كرامتهم الإنسانية، مشيرةً إلى أن كل إنسان يحظى بقيمة فطرية بمجرّد كونه إنسان، وهو الشيء الذي يتوجب احترامه وحمايته.

وتختم فيلوتي مقالتها بالتالي: “هناك مخاوف حقيقية من أن تعيد المراكز الخاضعة للرقابة تطبيق ما قامت به مراكز النقاط الساخنة من سياساتٍ سابقة بقالبٍ جديد. وعلى هذا النحو، فإن الهيئة التشريعة التابعة للاتحاد الأوروبي مطالبة بصورةٍ ملحّة بإيجاد حلول أكثر ديمومة وتقوم على سيادة القانون الأوروربية في المستقبل”.