وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

التطبيع والخط الفاصل بين العاملين الإنساني والسياسي

Dome of the Rock
لقطة تم التقاطها في أول أيام شهر رمضان المبارك (يوم ٢٤ إبريل ٢٠٢٠) ويظهر فيها مسجد قبة الصخرة في مجمّع الحرم القدسي الشريف. المصدر: Emmanuel DUNAND / AFP.

تنويه: التدوينة تمت كتابتها قبل وفاة صائب عريقات.

يختلط في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي العامل الإنساني بالعامل السياسي. فالفلسطينيون المقيمون في الضفة الغربية وقطاع غزّة يعتمدون على إسرائيل في تلبية الكثير من احتياجاتهم الأساسية؛ ابتداءً من تلقي العلاج في المشافي الإسرائيلية، ومروراً بتوفير الطاقة الكهربائية واحتياجاتهم المائية، وانتهاءً بما يحتاجون إليه من مواد استهلاكية.

في هذه المدوّنة، يسلّط الكاتب ماجد كيّالي الضوء على الجدل الدائر حول علاج كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات داخل إسرائيل عقب إصابة هذا الأخير بالكورونا. وفي الوقت الذي يطالب فيه كيّالي بعدم خلط العامل السياسي بالإنساني، فإنه يشدّد على ضرورة توفير فرص العلاج لجميع فلسطينيي الضفة والقطاع في إسرائيل دون عراقيل؛ بنفس الطريقة التي تم التعامل فيها مع عريقات.

ماجد كيالي

أثارت حالة صائب عريقات، الذي أصيب بفايروس كورونا جدلاً واسعاً وحامياً بين الفلسطينيين، داخل فلسطين وخارجها، بيد أن ذلك الجدل اختلط فيه السياسي بالإنساني، فالرجل ليس شخصا عاديا، فهو أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح. وعدا عن هذا وذاك فهو كبير المفاوضين الفلسطينيين، أي الممسك بملف المفاوضات، عدا عن إنه شخصية أكاديمية معروفة.

في أية حال، فقد عكس ذلك الجدل مسألتين، أولاهما، مدى التعقيد الحاصل في أوضاع الفلسطينيين نتيجة الانقسام الفلسطيني، والتحول نحو سلطة تحت الاحتلال، كما نتيجة الفجوة بين القيادات الفلسطينية، أو الطبقة السياسية المهيمنة، وبين عموما الفلسطينيين. وثانيتهما، عمق التداخل بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني في كل شيء، في الماء والهواء، والمعابر، وشبكات الطرق، والكهرباء، والتجارة، والبني التحتية، وشبكات الاتصالات، وحتى الخدمات المصرفية والصحية.

أولا، في وضع شعبنا في فلسطين ثمة تعقيدات ومداخلات لابد من تفهمها، ولا يفيد، عمليا، تجاهلها أو التنكر لها… مثلا:

١-العمال في إسرائيل من الضفة وغزة.

٢- الكهرباء والمياه والطاقة ومواد استهلاكية كلها تأتي من اسرائيل وعبرها.

٣- الرواتب والمعاملات كلها بالشيكل.

٤- في الطبابة ثمة تعامل مع المستوى الطبي، وحتى ابنة اخت هنية أرسلت من غزة للعلاج في إسرائيل منذ سنتين، فهل كل ذلك تطبيع أم لا؟ أو كيف يمكن تصنيفه؟

ثانيا، حتى بين الأعداء ثمة تعامل في المستوى الإنساني، في التاريخ وفي عصرنا، وخاصة مع حجم التداخل بيننا وبينهم. وتحضرني هنا حادثة ذهاب عشرات الفدائيين للنجاة إلى إسرائيل في ١٩٧١ بعد أحداث جرش وعجلون، واستشهاد أبو علي إياد، هربا من بطش النظام الاردني وقتها.. وحادثة هرب نشطاء من فتح من غزة هربا من الاقتتال ومن أجهزة حماس الأمنية بعد سيطرتها على غزة ٢٠٠٧.

ثالثا، لا ننسى أن قصة التطبيع يجري التلاعب بها وتوظيفها، فإلى فترة قريبة كان ينظر إلى ذلك الجزء الغالي من شعبنا الذي صمد في أرضه كأنه اسرائيلي، وجرت مقاطعة فلسطينيي ٤٨. واليوم ثمة من يرى في المشاركة في الكنيست تطبيعا، بل وحتى ثمة من يرى أن القول بحق العودة تطبيعا، باعتباره حق عودة الى اسرائيل!

رابعا، أعتقد أن التطبيع لا يتأتى من علاقات بين بشر، ولا من علاقات على مستوى إنساني، وإنما هو يتأتى من دول، اساسا، ويتأتى أيضا من دول وأفراد تقبل أو تتبنى أو تتقارب مع الرواية الإسرائيلية، وتزيح الرواية الفلسطينية من ٤٨ الى ٦٧. فهذا هو التطبيع الذي تريده اسرائيل وتتوخاه، الاعتراف بها وبروايتها وإقامة علاقات اقتصادية وسياسية وأمنية معها…العلاقات بين البشر آخر ما يهمها، بل أنها تقلقها، تبعا لاعتبارها ذاتها دولة يهودية أي تبعا لكونها تتبنى العنصرية، سيما أن محور هويتها يتركز على أنها جيتو في محيط عربي يتهددها. ففكرة الجيتو المغلق تتناقض مع الانفتاح والتطبيع مع الآخر على مستوى البشر. فتلك هي الدعاية التي تنمي العصبية الاسرائيلية بين اليهود الإسرائيليين، وهي التي تستدر الدعم الغربي لها.

باختصار المشكلة مع عريقات، شفاه الله، ليست إنسانية او تتعلق بمكان علاجه، وإنما هي مشكلة سياسية، كما تتعلق بامتيازات رجال السلطة، دوناً عن أبناء شعبنا.

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.