وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

عن غزة وإسرائيل وميزان القوة المختل والإعلام

غزة وإسرائيل وميزان القوة
جرافة تزيل أنقاض مبنى دمرته غارة جوية إسرائيلية في الجولة الأخيرة من العنف ضد قطاع غزة، 14 أغسطس، 2022. سعيد الخطيب / وكالة الصحافة الفرنسية

جاستن صالحاني

لم تمض أيام على إنهاء الرئيس الأمريكي جو بايدن جولته في الشرق الأوسط في إسرائيل حتى شنّت الحكومة الإسرائيلية هجومًا جويًا على قطاع غزة استمر ثلاثة أيام مخلّفًا 44 قتيلًا فلسطينيًا على الأقل بينهم 15 طفلًا بينما لم يُسجل وقوع إصابات في الجانب الإسرائيلي.

يرتبط التفاوت في أعداد قتلى الجانبين بشكل مباشر باختلال توازن القوة في هذا القتال. فالجيش الإسرائيلي يحتل المرتبة 18 بين أقوى جيوش العالم. كما طلبت إدارة بايدن 3.3 مليار دولار مساعدات عسكرية لإسرائيل لعام 2022 فقط. أما قطاع غزة، فتصفه العديد من المنظمات الحقوقية بأنه أكبر “سجن مفتوح” في العالم.

لكن اللغة التي تستخدمها وسائل الإعلام البارزة تعطي انطباعًا بأن قصف قطاع غزة ناجم عن معركة بين جانبين متكافئين. وأطلقت إسرائيل عملية وصفتها “بالهجوم الوقائي” هذا الشهر بعد اعتقالها عضوًا بارزًا في حركة الجهاد الإسلامي في غزة. وردّت حركة الجهاد الإسلامي على القصف بصواريخ لم تسفر عن مقتل إسرائيليين، بينما لم تشارك حماس في الرد.

وبدل أن تشير وسائل إعلام مثل وكالة أسوشيتد برس، ونيويورك تايمز، وبي بي سي، وغيرها إلى أن إسرائيل تقصف منطقة محاصرة جوًا وبرًا وبحرًا، فهي تنقل الأخبار كما لو أنّ طرفًا لا يقصف بقوة ساحقة ليقضي على الطرف الآخر.

وبعد وقف إطلاق النار الأخير، أشارت وكالة أسوشيتدبرس إلى أعداد القتلى الفلسطينيين وراوغت في وصف رد حركة الجهاد الإسلامي بأنه “أقلق حياة مئات الآلاف من الإسرائيليين”.

وتضمن مقال، نُشرَ في صحيفة الواشنطن بوست، في إبريل الماضي، بعد اعتداء القوات الإسرائيلية على المصلين في المسجد الأقصى، رأيًا للاورا ألباست وكات كنار مفاده أن: “دأبت تغطية وسائل الإعلام الغربية على وصف هذه الحالة بأنها ‘معقدة’، وصورت العنف الإسرائيلي على أنه ‘اشتباكات’ و’توترات’ بين جانبين”.

وأضافت الكاتبتان: “كما أن لغة العناوين الرئيسة في وسائل إعلامية مثل أسوشيتدبرس، ونيويورك تايمز، والغارديان، ووول ستريت جورنال، وإن بي سي نيوز، وغيرها، لا تدرك اختلال توازن القوة بين الجيش الإسرائيلي بعدته وعتاده والمواطنين الفلسطينيين من أصحاب الأرض”.

وفي بعض الحالات، يُغيّب صوت من ينتقدون إسرائيل تمامًا. ففي فرنسا، دعت قناة BFMTV الفرنسية آلان جريش، رئيس تحرير موقع أوريان 21، للتعليق على الهجوم الإسرائيلي على غزة.

وفي اللقاء، ذكّر جريش المشاهدين بأن الفلسطينيين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي، وأن إسرائيل هي البادئة بالعدوان في هذا الصراع. لكن لقاءه حُذف من موقع القناة بعد ساعات وأُلغي الحوار المقرر عقده معه في اليوم التالي.

وتقتبس العديد من المنصات الإعلامية من مصادر الحكومة الإسرائيلية دون تثبّت من صحة الأخبار، بينما تغفل وجهات نظر العديد من الخبراء والمعلقين الفلسطينيين. أحد الأمثلة على ذلك تكرار نيويورك تايمز الادعاءات الإسرائيلية بشأن العملية الوقائية دون أن تتبعها بأي ردّ من القادة أو الصحفيين أو المحللين السياسيين الفلسطينيين الذين سيقدّمون رؤية واضحة للصراع من الجانب الإسرائيلي أو الفلسطيني.

وقالت مرام حميد، الصحفية الفلسطينية المقيمة في غزة، لموقع ذا نيشن، في مقابلة نُشرت في ديسمبر الماضي: “لا تثق وسائل الإعلام الدولية بالمصادر والمنظمات والوزارات الفلسطينية، ولا حتى بالصحفيين الفلسطينيين”.

واتضح ذلك في أعقاب مقتل الصحفية الأمريكية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة التي أودت بحياتها رصاصة أصابتها في رأسها يوم 11 مايو الماضي رغم ارتدائها خوذة وقائية وسترة صحفية. وقد أثبتت مقاطع الفيديو وشهادات الشهود أن الجيش الإسرائيلي هو الذي قتل شيرين أبو عاقلة. لكن وزارة الخارجية الإسرائيلية غردت متهمة الفلسطينيين بقتلها، كما قالت الولايات المتحدة إن تشوه الرصاصة التي قتلتها حالت دون الجزم بالنتيجة.

وتأخذ مختلف وسائل الإعلام هذه المعلومات المضللة بالاعتبار. وقد أصدرت سي إن إن تحقيقًا في 24 مايو، بعد 13 يومًا من مقتل شيرين أبو عاقلة، ذكرت فيه أن إسرائيل قتلتها في هجوم متعمد. وفي 28 يونيو، أي بعد مرور أكثر من شهر على الاغتيال، نشرت نيويورك تايمز تحقيقًا قالت فيه إن الرصاصة “أُطلقت من موقع قريب من موكب تابع للجيش الإسرائيلي، وأن من أطلقها على الأرجح جندي تابع لوحدة النخبة الإسرائيلية، وأن 16 عيارًا ناريًا أُطلق من موقع الموكب العسكري الإسرائيلي”. ومع ذلك كانت الصحيفة “عاجزة عن الجزم بأن مطلق النار رأى شيرين ورفاقها مرتدين سترات الصحافة الواقية”.

ثمة وجه آخر من العنف يغيب تمامًا عن الخطاب العام. فالعنف ضد الفلسطينيين لا يتوقف حتى عندما يتوقف القتال. فقد قُتل فتى فلسطيني يبلغ من العمر 17 عامًا في الخليل بطلقة في الصدر، يُعتقد أنها رصاصة دمدم متفجرة، بعد مشاركته في مظاهرات عقب مقتل ثلاثة فلسطينيين في أثناء اقتحام إسرائيلي مدينة نابلس.

وقالت مرام حميد لموقع ذا نيشن: “ثمة منصات مثل بي بي سي تغيب عنها أخبار قطاع غزة لفترة طويلة. وعندما قرروا أخيرًا أن يعقدوا مقابلة معي، أغفلوا الحصار والمشاكل الكبرى، وسألوني: ‘لماذا تمنع حماس النساء من تدخين الأرجيلة’.”

يمتد ميزان القوة المختل بين إسرائيل ومن يعيشون في أراضي فلسطين المحتلة، وتحديدًا من هم تحت الحصار في غزة، إلى عمل قطاعات عديدة في وسائل الإعلام الغربية.

فقد ذكرت ألباست ونار في مقالهما في واشنطن بوست: “تغير القوات الإسرائيلية على أحيائنا في منتصف الليل، وتقصف أطفالنا، وتهدم بيوتنا، وتحتل أراضينا وتقتل أبناء شعبنا، وبعد ذلك نجد أننا المحرّضون. فالفلسطينيون لا يُقتلون، بل يموتون فحسب”.

يتعلم العاملون في مجال الإعلام أن يكونوا موضوعيين، لكن الأهم من ذلك أن ينقلوا الحقيقة. لا ينبغي أن تُهمل المصادر الحكومية الإسرائيلية، ولكن يجب التعامل مع تعليقاتها وبياناتها بنفس التلهف والوثوق من الحقائق التي تم التعامل بها مع الفلسطينيين الذين شهدوا مقتل شيرين أبو عاقلة. وإذا حدث ذلك، فستظهر صورة أكثر دقةً وإنصافًا عن الاحتلال الإسرائيلي الأراضي الفلسطينية والشعب الفلسطيني.

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء الكاتب الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.