وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

نقاش في شأن الخيارات الممكنة أمام القيادة الفلسطينية

القيادة الفلسطينية
صورة تم التقاطها يوم ٢٦ سبتمبر ٢٠١٩ للرئيس الفلسطيني محمود عباس أثناء كلمته التي ألقاها على هامش الدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة، وذلك في مقر الأمم المتحدة بمدينة نيويورك. المصدر: TIMOTHY A. CLARY / AFP.

ماجد كيالي

بعد زمن على انهيار خيار المفاوضة والتسوية، وانسداد ما يعرف بحلّ الدولتين، وفقاً لاتفاق أوسلو (1993)، بحكم تهرّب إسرائيل من استحقاقاتها في هذا الاتفاق، ورفضها تقديم المطلوب منها لتسيير عجلة التسوية، وإمعانها في استيطان وتهويد وتغيير معالم الأراضي المحتلة، وبواقع تملّص الولايات المتحدة من مكانتها كراع نزيه لهذه العملية، بخاصة بعدم ضغطها على إسرائيل لتنفيذ ما هو مطلوب منها.

هكذا، فإن أي حديث عن استعادة خيار الكفاح المسلح، أو حتى خيار انتفاضة ثالثة على غرار الانتفاضة الثانية المسلحة (وليس الأولى)، يصدر عن هذه الجهة أو تلك من الفصائل السائدة، لا ينطوي على أية مسؤولية، لأن هكذا حديث ينبني على التخيّلات والتوهمات، كما يصدر من روح شعاراتية وإرادوية، ليس لها أي علاقة بالإمكانات، أو بالواقع، أو بالمعطيات الدولية والإقليمية السائدة، لا سيما مع هذا الخراب الدولتي والمجتمعي في المشرق العربي، لأن هكذا خيار قد يفضي إلى عكس المتوخّى منه، إي إلى خدمة إسرائيل، وتسهيل سياساتها المتعلقة بالاستيطان ومصادرة الأراضي وتغيير الوضع الديمغرافي، ولاسيما في القدس، والتضييق على الفلسطينيين.

يستنتج من ذلك أن ثمة أمام القيادة الفلسطينية ثلاثة خيارات، على ثلاثة أصعدة، أولها، إحالة قضية فلسطين إلى الأمم المتحدة، بكل هيئاتها، لوضعها أمام مسؤولياتها بخصوص القرارات الصادرة عنها. ومعنى ذلك أن الفلسطينيين لا يحتاجون لمفاوضات مع إسرائيل، إلا فيما يخص الجوانب الجزئية أو الإجرائية، أما في شأن قضايا تقرير المصير والحق في إقامة دولة في الأراضي المحتلة (1967)، بما فيها في القدس الشرقية، وإنهاء الاستيطان والاحتلال، فهذه كلها ثمة قرارات واضحة فيها، حتى من مجلس الأمن الدولي.

طبعاً، من السذاجة الاعتقاد أن هكذا خيار يعني أن المنظمة الدولية ستحلّ هذه القضية، التي لها من العمر سبعة عقود بعصا سحرية، وإنما القصد منه، فقط، إعفاء القيادة من مغبّة الانخراط في مسرحية عبثية اسمها المفاوضات، والتسهيل عليها صدّ الضغط الخارجي بهذا الخصوص، ووضع إسرائيل في مواجهة العالم، وقراراته الدولية. الفكرة هنا، بصورة أكثر تحديداً، أن القيادة الفلسطينية معنية بتحميل أمر القضية الفلسطينية وأمر المفاوضة للأمم المتحدة،

أما الخيار الثاني، في شأن ما يمكن أن تفعله القيادة الفلسطينية، في ظروفها الراهنة، فيتمثل بضرورة حسم هذه القيادة موقفها حول إعادة بناء البيت الفلسطيني، ولاسيما إعادة بناء الكيانات السياسية، أي المنظمة والسلطة والفصائل، على أسس جديدة، تمكّن من استعادة فاعليتها وحيويتها وصدقيتها عند الفلسطينيين في الداخل والخارج، باعتباره حركة تحرر وطني، وذلك بعد أن دبّت فيها العطالة، وأفلت روحها النضالية، بنتيجة تحولها إلى سلطة تحت الاحتلال، إذ أن هذا هو الخيار المتاح في يد الفلسطينيين، اليوم، وبعد إخفاق خياري المفاوضة والعمل المسلح. ومعلوم أن هذا الخيار تم ركنه جانباً، بواقع تآكل شرعية الكيانات الفلسطينية وتهميش منظمة التحرير، على رغم أن هذا الوضع بالذات أسهم في إضعاف الكيانات الفلسطينية، وفي توسيع الفجوة بينها وبين الفلسطينيين، في كافة أماكن تواجدهم، كما أنه أسهم في إضعاف مكانة القيادة الفلسطينية على الصعيدين العربي والدولي.

الخيار الثالث، يبنى على استعادة الحركة الوطنية الفلسطينية لطابعها كحركة تحرر وطني، وهذا يتطلب وقف علاقات التنسيق الأمني مع الاحتلال، وإيجاد المعطيات التي تسمح بالانتهاء من علاقات التبعية الاقتصادية لإسرائيل وتقليل الاعتمادية على الخارج، وضمن ذلك تغيير وظائف السلطة، بحيث يتركز همّها على خدمة شعبها وإدارة شؤونه، وتعزيز صموده. كما يتطلب ذلك احتضان أشكال الكفاح الشعبي التي يخوضها الفلسطينيون في الأراضي المحتلة ضد الاستيطان ومصادرة الأراضي وبناء الجدار الفاصل وتهويد القدس، لأنه لا يمكن الضغط على إسرائيل، والإسرائيليين، في ظل واقع من احتلال مريح ومربح. وطبيعي أن ذلك يتطلب، أيضاً، إعادة الاعتبار للرواية الفلسطينية التي تأسست على النكبة، ومشكلة اللاجئين، نتيجة قيام إسرائيل كدولة استعمارية استيطانية وعنصرية وأيدلوجية، وصوغ رؤية سياسية تستنهض الشعب الفلسطيني وتعزز هويته، ومشاعره كشعب، باستعادة التطابق بين قضية فلسطين وشعب فلسطين وجغرافية فلسطين، سيما أن إسرائيل ذاتها تصارع على كل فلسطين.

للأسف لا يوجد أمام القيادة الفلسطينية، في ظل المعطيات الدولية والإقليمية والعربية الراهنة، خيارات أو نوافذ فرص، وهذا هو مأزق تلك القيادة التي حصرت نفسها في خيار واحد هو المفاوضات، والتي تحولت إلى سلطة قبل إنهاء الاحتلال، أي حتى قبل انهاء الاحتلال في الضفة وقطاع غزة.

 

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.