وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

عن الحرب الإسرائيلية على غزة

الحرب الإسرائيلية على غزة
صورة تم التقاطها يوم ١٦ أغسطس ٢٠٢٢ لعائلة نجم الفلسطينية في مقبرة الفالوجة بقطاع غزّة، علماً بأن العائلة فقدت أربعة من أطفالها في ضربة جوّية إسرائيلية تم شنها على قطاع غزة يوم ٧ أغسطس ٢٠٢٢. وطالبت العائلة الفلسطينية بمحاكمة تل أبيب في محكمة الجنايات الدولية. المصدر: Mustafa Hassona / Anadolu Agency via AFP.

ماجد كيالي

في الأيام الماضية، احتل قطاع غزة المشهد السياسي والعسكري والإعلامي في مواجهته للآلة العسكرية الإسرائيلية ضمن موازين غير متكافئة البتة. هذا القطاع تعرض لأربعة حروب شنها الجيش الإسرائيلي عليه في غضون 14 عاماً، كان آخرها الحرب التي جرت في مايو 2021. هذه الحروب أودت بحياة حوالي ستة آلاف من الفلسطينيين، مقابل 90 إسرائيليا. كما أنها أدت إلى دمار عشرات ألوف المنازل والبنى التحتية في قطاع غزة، علما بأن القطاع يتعرض لحصارٍ إسرائيلي مشدّد منذ سيطرة حماس عليه في عام 2007.

معضلة قطاع غزة بالنسبة للإسرائيليين تكمن في كونه بؤرة للمقاومة. ويعد القطاع من أعلى المناطق في العالم كثافة سكانياً، إذ يعيش فيه مليونا فلسطيني على مساحة ضيقة لا تتعدى 360 كيلومتر مربّع. وهذه المساحة تشكل ما نسبته 6 بالمئة من مساحة الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، و1.3 بالمئة من مساحة أرض فلسطين التاريخية.

ويشكل اللاجئون الفلسطينيون الذين قطنوا القطاع بعد النكبة حوالي 70 بالمئة من سكانه، أغلبهم يسكن في ظروف صعبة في ثماني مخيمات بائسة تشرف عليها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.

القطاع يفتقر لمصادر المياه كما للموارد الاقتصادية (زراعة وصناعة وخدمات)، بالقياس للضفة الغربية. لذلك، فإن نسبة الفقر في قطاع غزة كبيرة جدا، بسبب ارتفاع نسبة البطالة والتزايد البشري لدى الفلسطينيين فيه.

هذا الأمر تفاقم بعد الانتفاضة الثانية نتيجة الاعتماد العالي على العمل داخل إسرائيل وفي المنطقة الصناعية في اريتز. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن توقف العمل في المكانين المذكورين جاء بسبب ظروف الحصار والانتفاضة والإجراءات الإسرائيلية القاسية التي ترمي إلى تجويع الفلسطينيين وإفقارهم وصولا لتطويعهم من الناحية السياسية.

بسبب هذه الأوضاع كلها، بقي قطاع غزة شوكة في خاصرة إسرائيل، ومعلما تاريخا من معالم حركة التحرر المعاصرة للشعب الفلسطيني. ففي هذا المكان، تم تأسيس فكرة الكيانية الفلسطينية، وذلك في المجلس الوطني الأول الذي عقد مدينة غزة، إثر النكبة، بزعامة الحاج أمين الحسيني والذي انبثقت عنه “حكومة عموم فلسطين”.

بعد ذلك، انطلقت من غزّة الطلائع الأولى للعمل الفدائي التي دفعت لميلاد حركة (فتح) في منتصف الستينيات. ومن أبرز مؤسسي هذه الحركة لاجئين من قطاع غزة مثل أبو جهاد الوزير وأبو يوسف النجار وأبو إياد.

أيضا، من قطاع غزة اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الكبرى في العام 1987. ومنها انطلق التيار الإسلامي المقاوم ممثلا بحركتي الجهاد وحماس؛ وهي أول بقعة من أرض فلسطين اختارت إسرائيل الانسحاب منها، من طرف واحد (2007).

وعليه، لم يكن مستغربا تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق رابين في مطلع التسعينيات والذي قال فيه بأنه “يتمنى لو يستيقظ ذات يوم ويجد غزة قد غرقت في البحر”! ويعكس هذا التصريح بجلاء يأس إسرائيل من قدرتها على فرض سيطرتها على هذا القطاع، الذي لعب دوراً كبيراً في تعزيز الجدل بين الإسرائيليين بشأن عدم جدوى الاحتلال وفشل السيطرة على شعب آخر وإخفاق مشروع الاستيطان. ولا شك أن هذا الجدل ما كان له أن يبلغ ما بلغه لولا حال ممانعة ومقاومة الفلسطينيين للاحتلال، ولولا عجز إسرائيل عن فرض إملاءاتها عليهم.

وكانت الانتفاضة الأولى أفضت إلى تشكيل قناعة لدى غالبية الإسرائيليين بضرورة الخروج من جحيم أو مستنقع غزة، وهذا ما يفسر أنّ اتفاق أوسلو تضمّن أولا الخروج الإسرائيلي من القطاع.

أما الانتفاضة الثانية، فقد أفضت إلى تفكيك مستوطنات القطاع وإجلاء المستعمرين الإسرائيليين منه، سواء كانوا على شكل عسكريين أو مستوطنين؛ وفق خطة وضعها أريئيل شارون والمتمثلة للانسحاب بشكلٍ أحادي وتم تنفيذها في عهد إيهود أولمرت.

وكان شاؤول موفاز، وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، أكد في تصريح له، بأن “المستوطنات داخل قطاع غزة ليست في خريطة مصالح دولة إسرائيل”.. وأنّ “قطاع غزة ليس أرض آبائنا وأجدادنا. أنا أزعم أن الآباء المؤسسين لاتفاق “غزة وأريحا أولا” ارتكبوا خطأ حين سمحوا للمستوطنات الإسرائيلية بالبقاء في قطاع غزة.”

هكذا أجبر قطاع غزة غالبية الإسرائيليين على الإقرار بأن ليس لديهم ما يعملونه في القطاع. فهو ليس جزءا من “أرض الميعاد” في عرفهم. وفوق ذلك، فهو ليس جائزة وإنما عبءٌ سياسي وأمني واقتصادي وأخلاقي.

الآن، فإن الصراع على غزة لا يدور على أرض، وإنما هو يتعلق بمحاولة إسرائيل كسر إرادة الشعب الفلسطيني، وتطويعه لإملاءاتها السياسية، وإفقاده الأمل بأي حلٍّ منصف له، ولو بشكل نسبي. ويأتي ذلك بعد أن قوضت إسرائيل اتفاق أوسلو عبر عدم تنفيذ الاستحقاقات المطلوبة منها على مدى العقود الثلاثة الماضية، رغم كل التنازلات التي قدمتها القيادة الفلسطينية، ورغم التنسيق الأمني الذي يربطها بإسرائيل.

من ناحية ثانية، فقد أكدت التجربة بأن إسرائيل يمكن أن تقتل وأن تنكّل بالفلسطينيين، لكنها لا يمكن ان تكسر إرادتهم، أو تفرض عليهم الرضوخ. وهذا يعني أن الحل الأمني عقيم، ولا يجلب إلا مزيد من الدماء والدمار، واستمرار الصراع، والمقاومة، بهذا الشكل أو ذاك.

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.