وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

في البحث عن حل عادل للفلسطينيين في ظروفهم الصعبة

Arafat clinton
صورة تم التقاطها يوم ١٣ سبتمبر ١٩٩٥ لجولة قام بها (من اليسار إلى اليمين) كلٌّ من العاهل الأردني الملك حسين، ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين، والرئيس الأمريكي بيل كلينتون، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات والرئيس المصري حسني مبارك قبيل توقيع الاتفاق بين إسرائيل ومنظمة التحرير على السيادة الفلسطينية للضفة الغربية. المصدر: J. DAVID AKE/ AFP.

ماجد كيالي

أقرت الدورة السادسة للمجلس الوطني (في القاهرة 1969) أن الحركة الوطنية الفلسطينية تستهدف “إعادة الشعب الفلسطيني إلى وطنه، وإقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية على كامل التراب الفلسطيني، بعيدة عن كل أنواع التمييز العنصري والتعصّب الديني”. باعتبار ذلك ليس كفاحا عرقيا أو مذهبيا ضد اليهود. ولهذا فإن الدولة المنشودة هي “التي يتمتع الراغبون في العيش بسلام فيها بنفس الحقوق والواجبات”.

انطلاقا من ذلك، وعلى ضوء تعثر إقامة دولة فلسطينية مستقلة، لأسباب مختلفة، كما شهدنا بعد تجربة 27 عاما على عقد اتفاق أوسلو (1993) فقد يمكن استعادة خيار الدولة الديمقراطية الواحدة، بمختلف أشكالها، والذي طرح أواخر الستينيات، ليس كخيار بديل، وحصري، كما قد يعتقد البعض، وإنما كخيار مواز، باعتبار أن مثل ذلك الحل، هو الأمثل، للفلسطينيين والإسرائيليين.

وفي الواقع فثمة كثر يعتقدون بأن مثل هذا الحل، في حال توفرت الظروف لتحقيقه، يتجاوب مع قيم المواطنة في النظم الديمقراطية الليبرالية في العالم، ومع القيم الإنسانية، والتطور في الأنظمة السياسية، هذا أولا. ثانيا، فإن مثل هذا الحل يشكل، أكثر من أي حل آخر، استجابة للتساؤلات التي تطرحها قضية الفلسطينيين، في كافة أماكن تواجدهم (في مناطق 48 وفي الضفة وغزة، وفي بلدان اللجوء والشتات)، أي الأسئلة المتعلقة بالمساواة وحق العودة والتخلص من الاحتلال والاستيطان، مع إجابته على ما تطرحه المسألة اليهودية في فلسطين، بما في ذلك التطورات في مجتمع الفلسطينيين ومجتمع الإسرائيليين، سواء تجلى الأمر على شكل دولة مواطنين متساوين في نظام ديمقراطي، أو دولة ديمقراطية ثنائية القومية، أو كدولة اتحادية. يستنتج من ذلك أن ذلك يتطلب تحرير الفلسطينيين من علاقات الاستعمار والعنصرية والهيمنة الإسرائيلية، وتحرير اليهود ذاتهم من الصهيونية، وإضفاء قيم الحقيقة والعدالة والحرية والمساواة والديمقراطية على فكرة التحرر في معالجة المشكلة الفلسطينية – الإسرائيلية، بما يضمن العدالة ولو النسبية.

بديهي أن هذا التحول يفترض، أولاً، فتح أفق الخيارات الفلسطينية وعدم إغلاقها إزاء التطورات المستقبلية المحتملة أو الكامنة. وثانياً، عدم الانحصار في إطار خيار واحد ووحيد ولا في أي مرحلة أو ظرف، كما حصل في الانحصار في خيار الدولة المستقلة منذ 1974، أي منذ 46 عاماً. وثالثاً، مراعاة ربط كل الخيارات مستقبلاً بخيار الدولة الديمقراطية الواحدة، باعتباره الخيار الأمثل، الذي يضمن وحدة شعب وأرض وقضية فلسطين، ويكفل حل المسألة الإسرائيلية.

في كل الأحوال من الصعب تصور خيارات فلسطينية ناجزة، أو تجيب عن كل الأسئلة، بعد كل ما مر من تطورات، ومتغيرات، عندنا وعند الإسرائيليين، وفي المنطقة العربية، لكن لا يجوز بكل الأحوال الإبقاء على واقع الانحصار بخيار واحد، لعقود، ولا الامتناع عن تصور إمكان نشوء تحولات تفضي إلى تآكل فكرة وجود دولة استعمارية واستيطانية وعنصرية في القرن الحادي والعشرين، وذلك لمصلحة كل الأطراف المباشرين، ولمصلحة السلام والاستقرار العالمي ولا سيما في الشرق الأوسط.

في المحصلة فإن الفلسطينيين على ضوء مسيرة كفاحية زادت عن نصف قرن، مع إخفاق الخيارات الوطنية، والخلل الكبير في موازين القوى والمعطيات العربية والدولية، باتوا يبحثون عن رؤى وطنية جامعة بديلة وأكثر جدوى، تعزز صمودهم في أرضهم وتنمّي قدراتهم، لمواجهة واقع تملص إسرائيل من استحقاقات اتفاق أوسلو، واستشراء الاستيطان وتهويد القدس وبناء الجدار الفاصل، وإنشاء الطرق الالتفافية وحصار غزة وجمود العملية التفاوضية وانسداد أفق الدولة المستقلة.

لا يوجد حل عادل للفلسطينيين، بالمعنى المطلق، ولا يمكن إعادة عجلة التاريخ إلى الخلف، كما لا يمكن شطب جماعة بشرية، لا من ناحية أخلاقية ولا من ناحية عملية، وفي كل الظروف فإن الفلسطينيين، شعب ضعيف وممزق، بغض النظر عن العواطف والشعارات، وهو الأحوج لصوغ رؤى وطنية، جامعة، تستعيد التطابق بين الأرض والشعب والقضية، وتركز على الحقوق والإنسان وتنمية المجتمع، إضافة إلى تركيزها على التحرر من الطابع الاستعماري الاستيطاني العنصري لإسرائيل، رؤى وطنية تراعي التوازن بين الواقع والطموحات، وبين الإمكانيات والشعارات.

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.