وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

اتفاقيات أوسلو بعد ربع قرن: أفق مسدود وآمال خائبة

Translation- Oslo Accords
الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون يقف بين زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق رابين أثناء تصافحهما للمرة الأولى في البيت الأبيض بالعاصمة الأمريكية واشنطن دي سي، وذلك في أعقاب التوقيع على اتفاقية أوسلو التاريخية بين الجانبين. المصدر: AFP.

نشر موقع “The Conversation” مقالة سلطت الضوء على تاريخ مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وما يعتري هذه العملية من أفقٍ مسدود. ويقوم صاحب المقالة الكاتب توني وولكر، الأستاذ المساعد بكلية الإعلام في جامعة لا تروب، باستعادة ما تحمله ذاكرته من تجربةٍ شخصية حول اتفاقيات أوسلو، حيث يسرد كيفية تحوّل الاتفاقية من حلمٍ كاد أن يتحقق إلى مجرد وهم من أوهام الماضي.

ويقول وولكر: “يصعب عليّ تجنّب الوقوع في شرك إحدى الذكريات المؤلمة عندما أعود بالذاكرة إلى تلك الأحداث التي وقعت قبل ٢٥ عاماً عندما تم إبرام اتفاقيات أوسلو في حديقة البيت الأبيض. لقد كنت مستلقياً على فراش المرض بالقدس، عندما وقف بيل كلينتون بين رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات لأجل تلك المصافحة الشهيرة في حديقة البيت الأبيض.

كنت أتعافى حينها من جراحة تجميلية أجراها لي جراح إسرائيلي ماهر وكان السبب فيها جرحٌ ناجم عن رصاصة أطلقها الجيش الإسرائيلي عندما كنت أغطي مظاهرة لشباب الحجارة في الضفة الغربية.

ويمكن القول إن تلك الندبة – التي تشبه الوشم – بمثابة تذكرة على زمنٍ بدا فيه أن العرب واليهود، الإسرائيليون والفلسطينيون قد يصلوا إلى تسوية تاريخية.

وبعد كل هذه السنوات، تبدو احتمالات التقدم الحقيقي نحو السلام، أو ” صفقة” كما يصفها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أضعف من أي وقت مضى.

وبطبيعة عملي كمراسل على مدار عقدٍ كامل من الزمن “بين عامي ١٩٨٤ و١٩٩٣” في منطقة الشرق الأوسط وكمؤلف مشارك لسيرة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، فقد كنت مهتماً بما ستخرج به عملية أوسلو من نتائج.

ولقد رأيت بنفسي من خلال حوارات طويلة أجريتها مع أعضاء القيادة التاريخية لمنظمة التحرير الفلسطينية تغير آرائهم من الرفض المطلق لحق إسرائيل في الوجود إلى التسليم بالقبول الضمني بوجود هذه الدولة في اتفاقيات أوسلو.

وخلال تلك الفترة التي شملت مقابلات وإحالات إلى مصادر إسرائيلية، تمنيت أن يقع طلاق لائق بين خصوم العقود الطويلة، إلا أن أملي خاب مثل كثيرين غيري.

وأسفرت الاتفاقيات، التي سميت باسم اتفاقيات أوسلو وجرت مفاوضاتها بصورةٍ سرية في العاصمة النرويجية عام 1993، عن اعتراف إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية ببعضهما البعض. وأتاح هذا الاتفاق بدء مفاوضات سلام مباشرة بين الطرفين.

حدث مدمر

بعد عامين من تلك الأحداث التاريخية في البيت الأبيض، شاهدت حلقة أخرى من سلسلة التداعيات المأساوية في الشرق الأوسط عندما كنت أعمل كمراسل في بكين.

ففي الرابع من نوفمبر من عام ١٩٩٥ تم اغتيال رابين أثناء مشاركته في حشد سياسي في تل أبيب على يد متعصب يهودي عارض التسوية مع الفلسطينيين.

وأسفرت تلك اللحظة المدمرة عن وصول رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو إلى السلطة لأوّل مرّة. ولم يتعامل نتنياهو بجدية مع الفلسطينيين على مدار أربع إدارات أمريكية، وذلك في عهد كل من بيل كلينتون، وجورج دبليو بوش، وباراك أوباما، والآن دونالد ترامب.

ويرى البعض أن الفلسطينيين وقيادتهم الضعيفة يتحملون مسؤولية كبيرة عن شلل عملية السلام. وقد تكون وجهة نظر تلك صحيحة إلى حدٍّ ما، إلا أن وصول نتنياهو إلى سدّة الحكم بعد رابين أعاق هذه العملية أيضاً.

والآن لا يواجه نتنياهو في عهد إدارة ترامب أي ضغط للتنازل في المفاوضات، أو حتى للتفاوض على الإطلاق. ويبدو أن الإدارة الأمريكية الحالية عازمة بالفعل على زيادة تهميش الحركة الوطنية الفلسطينية، حتى في ظل تسارع بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة.

وكان عدد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية وقطاع غزة قد وصل إلى ١١٠ آلاف مستوطن عشية اتفاقيات أوسلو. واليوم، ارتفع ذلك العدد ليضل إلى 430 ألف مستوطن. وارتفعت تلك الأرقام في عام 2017 بنسبة تزيد بنسبة 20% عن المعدّل المسجّل في السنوات السابقة.

ولم يكن قرار إدارة ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس دون التمييز بين “القدس الغربية اليهودية” أو “القدس الشرقية العربية” ليكون أكثر عدائية.

وباتخاذها لهذا القرار وبامتناعها عن توضيح عدم تخليها عن الإعلان عن القدس الشرقية كعاصمة مستقبليةً للدولة الفلسطينية المزعومة، تكون الإدارة الأمريكية قد كشفت عن ازدرائها للأحلام الفلسطينية المشروعة.

وزادت حدة التوتر بفعل القرارات اللاحقة للإدارة، إذ قامت هذه الإدارة بقطع التمويل الذي تقدّمه لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، والمساعدة التي تقدمها للمستشفيات الفلسطينية في القدس الشرقية.

وتعتبر الأونروا المنظمة المسؤولة عن إعاشة آلاف من اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات الضفة الغربية، وغزة، والأردن، ولبنان، وسوريا. وتجدر الإشارة إلى أن هؤلاء هم الضحايا المستمرون لما وصفه الكاتب بحرب الاستقلال التي شنتها إسرائيل في عام 1948 ضد العرب “النكبة”.

وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن جاريد كوشنر، صهر ترامب والمبعوث الأمريكي لمنطقة الشرق الأوسط، حثّ على رفض منح الفلسطينيين ونسلهم من النازحين صفة اللاجئ بسبب حرب ١٩٤٨.

وكان ذلك العام قد شهد تحوّل حوالي 750 ألف شخص، أو ما يشكل ثلثي سكان فلسطين التي كانت تحت الانتداب البريطاني، إلى لاجئين.

وبعد عقود من الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، بما في ذلك خوض حربين كبيرتين – وهما حرب الأيام الستة في عام 1967 وحرب يوم الغفران في عام 1973 – توصل الجانبان في عام 1993 إلى ما وُصف آنذاك بالتسوية التاريخية.

تلاشي الآمال

Translation- Bejamin Netanyahu
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مصافحاً رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات لأول مرّة على الجانب الإسرائيلي من معبر إيرز بين إسرائيل وقطاع غزّة في الرابع من سبتمبر من عام ١٩٩٦. المصدر: AFP.

ما يجب فهمه عن أوسلو هو أن وثيقتيْها اللتين وقع عليهما رابين وعرفات لم تتجاوزا أكثر من الاعتراف المتبادل بإسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في الوثيقة الأولى، وفي الثانية إعلان مبادئ يضع أجندة للتفاوض على الحكم الذاتي الفلسطيني في الأراضي المحتلة.

لكن ما لم تفعله أوسلو هو وضع خريطة طريق مفصلة لمفاوضات الوضع النهائي، والتي كان من المقرر أن تكتمل في غضون خمس سنوات. وكان من المفترض أن تعمل هذه الخطة على القضايا العويصة الخاصة باللاجئين، والقدس، ونزع السلاح من المناطق الفلسطينية في حالة التوصل لحل الدولتين، وأي شيء آخر بخلاف الاعتراف الضمني بالتنازلات الإقليمية، بما في ذلك مقايضة الأراضي التي ستكون ضرورية لتحقيق اتفاق دائم.

وكتب البروفيسور في جامعة أكسفورد آفي شلائيم بمجلة دراسات فلسطين في عام 1994 واصفاً مصافحة البيت الأبيض بالتالي: “إنه أحد أهم الأحداث التي شهدها تاريخ الشرق الأوسط في القرن العشرين. لقد أعاد الزعيمان في خطوة واحدة مذهلة رسم الخريطة الجيوسياسية للمنطقة بأكملها”.

إلا أن آمال البروفيسور المتقاعد تلاشت الآن إزاء إمكانية التوصل لتسوية حقيقية، شأنه في ذلك شأن كثيرين غيره.

وفي إشارة إلى القانون الجديد الذي أقره الكنيست ضمن “القانون الأساسي” والذي ينص على أن إسرائيل “دولة قومية للشعب اليهودي”، علّق شلائيم مؤخراً: “يتناقض هذا القانون تماماً مع إعلان الاستقلال في عام 1948 والذي يقر بالمساواة الكاملة بين جميع مواطني الدولة (دون تمييز على أساس الدين أو العرق أو الجنس)… لقد أعاد نتنياهو تشكيل إسرائيل جذرياً باعتبارها دولة قومية للشعب اليهودي وليست دولة يهودية وديمقراطية. ومادامت الحكومة التي أصدرت هذا القانون في السلطة، سيبقى أي اتفاق طوعي بين إسرائيل والفلسطينيين محض أوهام”.

ويتشارك شلائيم في أحلامه مع مارتن إنديك، نائب الرئيس التنفيذي لمعهد بروكينغز، حيث يأمل كلاهما في وقوع “تحول تاريخي” على مستوى أحداث الصراع العربي الإسرائيلي.
وباعتباره المستشار المختص بشؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي خلال حقبة إدارة كلينتون، فقد كان إنديك مسؤولاً عن ترتيبات عام 1993 في الحديقة الجنوبية من البيت الأبيض. وكتب إنديك: “تمثل القصد من المصافحة في الدلالة على اللحظة التي قرر فيها الزعماء الإسرائيليون والفلسطينيون البدء بعملية إنهاء صراعهم الدموي وحل اختلافاتهم على طاولة المفاوضات”.

إلا أن أوسلو لفظت أنفاسها الأخيرة بعد مرور عقدين من الزمن وبالتحديد في عام ٢٠١٤، وذلك بعدما بذل وزير الخارجية الأمريكية حينها جون كيري كل ما في وسعه لإنقاذ هذه العملية من عناد نتنياهو. وفي أي حالٍ من الأحوال، فإن أوسلو كانت تحتضر منذ اغتيال رابين.

ويضيف إنديك: “ثم أتى ترامب بصفقة القرن”. ويضيف المستشار الأمريكي السابق: “لم يكشف (ترامب) عن خطته بعد، إلا أن الهدف منها يبدو هدفها واضحاً؛ ألا وهو شرعنة الوضع الراهن ووصفه بالسلام. وكان ترامب قد حاول بالفعل التدخل في كل قضايا الوضع النهائي لصالح إسرائيل، فلا عاصمة في القدس الشرقية للفلسطينيين ولا “لحق العودة” للاجئين الفلسطينيين، ولا إخلاء للمستوطنات النائية، ولا رجوع لحدود 1967، ولا نهاية للاحتلال، ولا دولة فلسطينية… على مدار أكثر من 25 عاماً، تبدل دور الولايات المتحدة، ابتداءً من لعب دور الشاهد، ومروراً بلعب دور المشرف، ووصولاً إلى لعب دور الحَكَم. وبذلك فشلت (واشنطن) مع الأسف في مساعدة الإسرائيليين والفلسطينيين على صنع السلام، تاركةً إياهم حالياً فيما يُعد في جوهره صراعاً مجمداً”.

ومع ذلك، يظهر لنا التاريخ أن “الصراعات المجمدة” لا تبقى على حالها للأبد، خاصةً وأنها تميل للانفجار على حين غرة.

ويختم توني وولكر مقالته بالتالي: “قبل 25 عاماً، جاورت عشرات الجرحى الفلسطينيين في مستشفى دموي لا يختلف كثيراً عن مشاهد مسلسل M.A.S.H الأمريكي. وبعض هؤلاء لن يتعافى من جروح فظيعة ناجمة عن ذخيرة حية. حينها سألت نفسي وما زلت أتساءل اليوم: ما الهدف من كلّ ذلك”.