وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

بوتين وإردوغان: رجلان يتسابقان نحو القاع

بوتين وإردوغان
صورة تم التقاطها يوم ٨ يناير ٢٠٢٠ في إسطنبول للرئيس الروسي فلاديمير بوتين (يسار) والرئيس التركي رجب طيب إردوغان (يمين) وهما يتحدثان على هامش حفل إطلاق خط أنابيب الغاز الجديد “TurkStream”. المصدر: Sergei GUNEYEV / SPUTNIK / AFP.

نشر موقع “The Globalist” مقالة سلط فيها الضوء على أوجه التشابه والاختلاف بين النظامين السياسيين في تركيا وروسيا. ويقوم صاحب المقالة أيكان إردمير، وهو كبير مدراء برنامج تركيا في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات وعضو سابق في البرلمان التركي، بالتعريج على الأوضاع الاقتصادية المتردية في البلدين وما يرتبط بذلك من حملات قمع محلية يشنها بوتين وإردوغان لصرف انتباه عامة الشعب عن المشكلة الأساسية.

وقال إرديمر إن المحنة المستمرة، التي يتعرض لها المعارض الروسي أليكسي نافالني وداعميه، تبين مجدداً مدى وحشية حكم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقبضته الحديدية.

وقد أفضت أسابيع من المسيرات الداعمة لنافالني، والتي شارك فيها نحو 11 ألف متظاهر من موسكو إلى فلاديفوستوك، إلى ضرب واعتقال العديد منهم عبر البلاد. وأُرسِل نافالني إلى المستعمرة العقابية رقم 2 -المعروفة بمعاملتها السيئة للسجناء.
مستبدان وهراواتهما

في الوقت ذاته وعبر البحر الأسود، نفذ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، رفيق بوتين، حملة قمعية ضد الطلاب المحتجين ضد تعيين شخصية مقربة من نظام الحكم ولها تاريخ سابق في السرقة الأدبية كرئيسٍ لأكبر الجامعات الحكومية في إسطنبول.

وبحسب إردمير، فإن إردوغان يحاول يائساً تشتيت انتباه عامة الشعب بعيداً عن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها البلاد ومعدلات البطالة المتزايدة.

التسابق نحو قاع مؤشر الديمقراطية

ليس هناك أفضل من مؤشر الديمقراطية لتوضيح تسابق بوتين وإردوغان نحو القاع. فروسيا، حالياً، تحتل المرتبة الـ 124 من بين 167 دولة تتابعها وحدة المعلومات الاقتصادية التابعة لمجموعة The Economist الإعلامية في استطلاعها السنوي. وتُدرج وحدة المعلومات الاقتصادية روسيا بوصفها “نظام استبدادي”.

وتحتل تركيا المرتبة الـ 104، ويصنفها المؤشر “كنظام مختلط” – وهو تصنيف للدول التي بها مخالفات انتخابية جوهرية وضغط حكومي على المعارضة. ويعد هذا أدنى ترتيب بين الدول الأعضاء في حلف الناتو، بينما تأتي جمهورية الجبل الأسود كثاني أسوأ ترتيب بين دول الحلف، محتلةً المرتبة الـ 81.

التقاليد الديمقراطية التركية

مقارنةً بروسيا، تتمتع تركيا بتجربة طويلة وثرية مع الديمقراطية ذات التعددية الحزبية والمجتمع المدني النشط. وعلى سبيل المثال، في الوقت الذي كان فيه القمع الداخلي يتنامى داخل الاتحاد السوفيتي في سبعينات القرن الماضي، كان لدى تركيا ما يقرب من 45 ألف منظمة مجتمع مدني.

وفي أعقاب حملة القمع التي شنها انقلاب عام 1980، ارتفع عدد منظمات المجتمع المدني التركية لثلاثة أضعاف خلال عقدين. وازدهر جيلٌ جديد من المؤسسات المدافعة عن عدد واسع من القضايا، بدءاً من حقوق الأقليات ووصولاً إلى حقوق النوع الاجتماعي.

ويبرهن هذا على مدى مرونة وحيوية المجتمع المدني التركي، إذ أن الأحزاب السياسية التركية، والنقابات العمالية، والجمعيات المدنية، والمنافذ الإعلامية استطاعت أن تعود إلى العمل في الماضي – حتى بعد أن أغلقتها الأنظمة العسكرية والقادة المستبدون.

آلة إردوغان القمعية

في الوقت الذي يدعي فيه إردوغان دوماً أنه ضحية انقلاب عسكري، فهو مشغول للغاية بسجن أي شخص يراه يشكل تهديداً لنظام حكمه المستبد.

ويعد حزب الشعوب الديمقراطي، وهو الكيان الأحدث المُجسد لسلسلة طويلة من الأحزاب الموالية للأكراد، أحد المستهدفين من الحملة القمعية. وفيما يمثل إرضاءً بحت لأهواء إردوغان، يقبع صلاح الدين دميرتاش، المرشح الرئاسي السابق والزعيم السابق لحزب الشعوب الديمقراطي، والذي يحظى بشعبية متنامية ويتسم بالقبول الشخصي والمهارة السياسية، في السجن منذ عام 2016. وقد يُحكم عليه بالسجن لمدة تصل إلى 142 عاماً. في الوقت ذاته، يواصل دميرتاش الكفاح من زنزانته عبر تغريدات على موقع تويتر، وخطابات، وكتب.

الفرق الوحيد بين إردوغان وبوتين

لعل الشيء الوحيد الذي يمكن أن يجادل به إردوغان لدعم موقفه هو ابتعاده عن البصمة المميزة لبوتين والمتمثلة في استخدام غاز الأعصاب والنظائر المشعة للقضاء على المعارضين.

بيد أن الرئيس التركي يستخدم استراتيجيات غير مميتة لإعاقة معارضيه. ولمعرفة الكيفية التي تعمل بها هذه الاستراتيجيات، أنظر إلى مصير عثمان كافالا، الناشط الداعم لحقوق الأقليات والراعي للمشروعات الخيرية.

وتجدر الإشارة إلى أن كافالا، الذي يمثل هدفاً شخصياً لإردوغان، ترك ليتعفن في حبس انفرادي في سجن سيليفري شديد الحراسة، والموجود على أطراف مدينة إسطنبول، منذ أكثر من ثلاث سنوات.

الأمر كله يتعلق بالهروب من الاقتصاد

في نهاية المطاف، فإن تردي الأوضاع الاقتصادية في تركيا وروسيا ما يدفع زعيمي البلدين إلى استخدام القمع المحلي.

لا تزال روسيا دولة ريعية، إذ يعتمد اقتصادها بشدة على الإيرادات النفطية. وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بلغت إيرادات النفط والغاز نسبة 40% من الناتج المحلي الإجمالي الروسي في 2018 – ويشكل الوقود الأحفوري نسبة 60% من الصادرات.

انتهاكات بوتين

رغم أن بوتين أنشأ صندوقاً للتحوط من مخاطر المستقبل تبلغ قيمته حوالي 570 مليار دولار وتتشكل حافظته من الذهب والعملات الأجنبية لحماية نظامه من الصدمات والضغوط الخارجية، فإن الرئيس الروسي لم يتمكن، بعيداً عن بريق ناطحات سحاب موسكو، من تحسين الظروف الاقتصادية للمواطنين الروس العاديين بأي درجة.

بينما يؤدي اختلاس المقربين من بوتين لثروات روسيا يومياً إلى حصولهم على نصيب أكبر من الكعكة الاقتصادية.

انهزامية إردوغان الذاتية

لسوء حظ إردوغان وحسن حظ تركيا، فإن البلاد لا تتمتع بوجود مخزون من الوقود الأحفوري. فتركيا تستورد 92% من احتياجاتها من النفط الخام و99% من غازها الطبيعي، و40% من فحمها.

ونظراً لندرة المواد الخام لديها، عادةً ما تعتمد الحكومة التركية على الضرائب وتدفقات رأس المال القادمة من الغرب. وبأخذ هذا في عين الاعتبار، سنجد أن إردوغان يحفر لنفسه حفرة كي يقع فيها بحسب وصف أردمير – ذلك لأن المستثمرين الأجانب يميلون إلى الإحجام عن الاستثمار في الدول التي يحكمها مستبدون بلا رحمة.

بينما تقترب تركيا من انتخاباتها الكبيرة المقبلة – المزمع انعقادها بحلول 2023 – لا تزال البلاد تقف عند نقطة تحول.

ورغم أن حزبه يحظى بأدنى مستويات التأييد في استطلاعات الرأي العام منذ 2002، فإن أردوغان إذا ما تمكن من سلب الفوز الانتخابي المحتمل لجبهة المعارضة، فإن الغرب مطالب بتحديد موقفه من الأمر على حد وصف أردمير.

وبحسب أردمير، فإن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لا يمتلكان رفاهية خسارة مزيد من الوقت والطاقة في إعادة استخدام استراتيجيات الاسترضاء التي خذلتهم مرات عديدة.

ويختم أردمير مقالته بالتالي: “هناك شيء واحد مؤكد وهو أن الضغط الفعَّال على بوتين يتطلب أيضاً التواصل مع القوى المؤيدة للديمقراطية في تركيا. تتسارع دقات الساعة ويجب اتخاذ رد فعل حيال الأمر”.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

* تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://www.theglobalist.com في 03 مارس 2021.