وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الصراع في سوريا يرسم معالم العلاقات الروسية – الإسرائيلية

Translation- Putin and Netanyahu
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مصافحاً رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الكرملين بالعاصمة الروسية موسكو يوم ٩ مايو ٢٠١٨. المصدر: AFP.

نشر المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية مؤخراً مقالةً سلطت الضوء على العوامل المؤثرة في العلاقات بين روسيا وإسرائيل، لا سيما الدور الذي يلعبه الصراع الدائر في سوريا والعوامل الاقتصادية والاجتماعية الجامعة بين الدولتين. وتقوم صاحبتا المقالة ليديا أفربوخ، الباحثة المشاركة في مشروع “إسرائيل وصراعاتها الإقليمية والدولية: التطورات المحلية، وقضايا الأمن، والشؤون الخارجية” التابع لقسم الشرق الأوسط في المعهد، والدكتورة مارغريت كلاين، نائب رئيس قسم أوراسيا وأوروبا الشرقية في المعهد، باستعراض آفاق العلاقة بين إسرائيل وموسكو، التي تعتبرها الأخيرة من بين أهم عناصر سياستها في الشرق الأوسط.

وكانت العلاقات بين الجانبين قد توطدت خلال الأشهر الأخيرة. ويعتبر تعدّد الاجتماعات رفيعة المستوى بين الجانبين، لا سيما حضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في شهر مايو الماضي للعرض العسكري الذي أقامته موسكو في الميدان الأحمر بصفته الضيف الغربي الوحيد، من المؤشرات على هذا التوجه في العلاقات بين الجانبين. وإلى جانب العلاقات الاجتماعية والتعاون الاقتصادي القائم، فقد كان احتمال إعادة توجيه السياسة الروسية في سوريا بما يتناسب مع مصالح إسرائيل الأمنية من العوامل الدافعة الهامة الأخرى لمثل هذا التطور الحاصل في العلاقات بين الجانبين. ويعتمد مستقبل العلاقة على ما إذا كانت روسيا تستطيع أو تريد المساعدة في إخراج القوات الإيرانية من الأراضي السورية على الحدود مع إسرائيل. إلا أن العلاقات الروسية – الإسرائيلية بقيت مقيّدة ومتقلبة، في ظل تعامل موسكو مع هذه العلاقات باعتباره مجرد مكون من مكونات سياستها متعدّدة الوجوه تجاه منطقة الشرق الأوسط.

ورثت روسيا علاقة متوترة مع إسرائيل بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991. ويعود السبب في توتر هذه العلاقات إلى الحرب الباردة، علماً بأن الاتحاد السوفييتي كان من أوائل الدول التي اعترفت بإسرائيل في عام 1948. وفي الوقت الذي كانت تعتمد فيه دولة إسرائيل الجديدة حينذاك على الولايات المتحدة بشكلٍ كبير، فإن موسكو وسّعت من علاقاتها مع جيرانها العرب. ووصل التوتر إلى ذروته عندما قطع الكرملين علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل بالكامل في أعقاب حرب 1967، ولم تعد موسكو علاقاتها مع إسرائيل إلا في أكتوبر 1991، لتحافظ روسيا الاتحادية بعد ذلك على هذه العلاقات. ومنذ ذلك الحين، عزّز الجانبان من علاقتهما بشكل متواصل على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وكان التدخل العسكري الروسي في النزاع السوري في سبتمبر 2015 بمثابة مرحلة جديدة في العلاقات الروسية – الإسرائيلية. وتهيمن حالياً على هذه العلاقات قضايا النظام والأمن في الشرق الأوسط. وفي ظل هذا الوضع الجديد، فقد باتت الركيزتان الأساسيتان لهذه العلاقة – وهما العلاقات الاجتماعية والمصالح الاقتصادية المشتركة – مسألةً ثانويةً، وعرضة للاضطراب في حالة حدوث أزمة سياسية.

الواقعية السياسة في الصدارة

تتشاطر روسيا وإسرائيل جوانب مهمة في ثقافتهما الاستراتيجية. فكلتاهما تتبعان سياسة واقعية حاسمة تحددها المصلحة. وعلى الرغم من استمرار وجود بعض الاختلافات المعيارية بين الجانبين، فإن الدولتين لا تجدان صعوبة تذكر في مواصلة التعاون البراغماتي والانتقائي عندما تظهر المصالح المشتركة بين الجانبين، حيث يعود الفضل في ذلك إلى تحررهما من المخاوف القائمة على القيم. كما تعتنق الدولتان عقلية الحصار، فهما تضعان الأمن على رأس سلّم أولوياتهما، وتنظران إلى السلطة بنظرة عسكرية في المقام الأول. وتقود هذه المعتقدات الأساسية المشتركة إلى إمكانية تفهّم كل طرف لمصالح الطرف الآخر الأساسية. ولهذا السبب، تمتنع روسيا وإسرائيل في أغلب الأحيان عن انتقاد تصرفات الطرف الآخر حين لا تتعارض هذه المصالح مع متطلباته الأمنية، أو أن الدولتين تكتفيان على الأقل بالانتقاد دون اللجوء إلى الأفعال.

بناء عليه، أدى تصور الجانبين المشترك لتهديد الإرهاب الإسلامي منذ بداية القرن إلى تعزيز التقارب الروسي – الإسرائيلي. وفي خضم الانتفاضة الثانية التي دارت بين عامي ٢٠٠٠ و٢٠٠٥، لم يمتنع رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها آرييل شارون عن انتقاد ما قامت به القوات الروسية من انتهاكات لحقوق الإنسان في الحرب الشيشانية الثانية بين عامي ١٩٩٩ و٢٠٠٩ فحسب، بل قام أيضاً بتأييد الرؤية الروسية التي ترى أن الانفصاليين الشيشانيين إرهابيون وشبه أفعالهم بأفعال الفلسطينيين. كما يفسر الوضع الأمني المضطرب في إسرائيل امتناع حكومة نتنياهو عن توجيه أي نقد أخلاقي للتدخل العسكري الروسي في سوريا. وأشار نتنياهو مراراً إلى فوائد التدخل الروسي ضد الإرهاب الإسلامي هناك. وفي ضوء الإدانة الكبيرة التي وجهتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للروس بشأن الشيشان وسوريا، فقد استفادت موسكو سياسياً من موقف إسرائيل، ما ساعد على دعم رواية الكرملين التي تزعم قيادة موسكو للحرب ضد الإرهاب الدولي. وفي الوقت نفسه، تستطيع موسكو استغلال تفاهمها مع إسرائيل – بوصفها حليفاً غربياً – على المستوى الداخلي وبما يكفل التخلص من الانطباع السائد بأن روسيا معزولة عن المجتمع الغربي بأكمله. وتجدر الإشارة إلى أن موسكو أولت اهتماماً خاصاً بتجنب العزلة عن الغرب، وبالتحديد خلال الأزمة الأوكرانية. وكانت إسرائيل قد رفضت المشاركة في العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على موسكو في أعقاب ضم الأخيرة لشبه جزيرة القرم وزعزعتها لاستقرار منطقة دونباس الأوكرانية.

وفي إطار المساعي الرامية للتنسيق مع روسيا على مستوى المسائل الأمنية الحيوية، تُبدي القيادة الإسرائيلية استعدادها للاعتراف ضمنياً بالمصالح الروسية الأساسية في دول ما بعد الاتحاد السوفييتي المجاورة. في المقابل، تميل موسكو منذ مطلع القرن إلى دعم وجهات النظر الإسرائيلية، وإن لم يكن بالدرجة ذاتها دائماً. وعلى الرغم من استمرار روسيا في توجيه الانتقادات لأفعال إسرائيل في غزة والضفة الغربية، فإن حدّة هذه الانتقادات انخفضت عما كان عليه الحال في الماضي. وما يزيد أهمية على ذلك هو أن موسكو لم تعد تدعم القيادة الفلسطينية بصورةٍ واضحة. وعلى الرغم من وجود بعض الأصوات الفردية في روسيا الداعية إلى إحياء الشراكة التقليدية مع الدول العربية، يرغب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه في تجنب التحيز لطرفٍ ما حتى لا يخاطر بالعلاقات الودية القائمة مع أقوى قوة عسكرية في المنطقة، والتي تعززت قوتها منذ التدخل الروسي في الحرب السورية في سبتمبر ٢٠١٥. وتسعى القيادة الروسية بدلاً من ذلك إلى استخدام علاقاتها الثابتة مع الفلسطينيين بالتزامن مع تحسين العلاقات مع إسرائيل لتحظى بدور الوسيط بين الجانبين. وتتوافق هذه المنهجية مع السياسة الواقعية غير الإيديولوجية التي تتبعها موسكو في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

روابط اجتماعية

Translation- West bank
النحات الإسرائيلي روسي المولد سيميون رابينوكوف في الأستوديو الخاص به يوم ١٠ يوليو ٢٠٠١ ثناء تجوال جندي إسرائيلي في مستوطنة سانور بالضفة الغربية، حيث تم إنشاء هذه المستوطنة لإيواء الفنانين الروس المهاجرين إلى إسرائيل.

أكد الرئيس الروسي بوتين على العلاقات التاريخية التي تجمع بين روسيا وإسرائيل أثناء الزيارة التي قام بها لإسرائيل عام ٢٠٠٥ (ليكون بذلك أول رئيس روسي يقوم بمثل هذا النوع من الزيارات لإسرائيل). وبالفعل، فقد شكّل تطور الجوانب الاجتماعية منذ إعادة العلاقات عاملاً كبيراً في تقريب وجهات النظر بين روسيا وإسرائيل.

وقدم بوتين نفسه منذ توليه لمنصبه على أنه حامي الأقلية اليهودية في روسيا وأوروبا ككل. وهو بذلك يلمح تحديداً إلى كفاح الاتحاد السوفييتي ضد الفاشية، وهو ما ظهر في زياراته إلى نصب المحرقة التذكارية ولقاءاته بقدامى المحاربين الروس اليهود في الحرب العالمية الثانية. كما شهد عام ٢٠١٢ افتتاح الرئيس الروسي لأكبر متحف يهودي بالعالم في موسكو. وفي سياق ما يُسمى بأزمة الهجرة، دعا بوتين اليهود الذين يعيشون في أوروبا الغربية إلى الهجرة إلى روسيا هرباً من انتشار معاداة السامية. كما أورد الإعلان الروسي الإسرائيلي لعام ٢٠١٦ في الذكرى السنوية الخامسة والعشرين لإقامة العلاقات الدبلوماسية اعترافاً بالدور المهم للسكان اليهود في التاريخ والثقافة الروسيين.

ويمكن ملاحظة نمو المواقف الإيجابية تجاه إسرائيل في المجتمع الروسي خارج إطار النخب السياسية. وعلى الرغم من ظهور معاداة السامية يومياً، فقد أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز ليفادا في عام ٢٠١٧ أن ٥٧٪ من الروس لديهم موقف إيجابي أو إيجابي جداً تجاه إسرائيل، في حين كانت النسب تجاه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ٣٩٪ ٣٧٪ على التوالي. وفي الوقت الذي غالباً ما ترتبط فيه معاداة السامية ضمن المجتمعات الأوروبية بشكلٍ وثيق مع المواقف المعادية لإسرائيل، فإن هذا لا ينطبق على روسيا، كما أن حركة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية (BDS) التي باتت تحظى بنفوذ في العالم الغربي ليست بذات شأنٍ يُذكر في روسيا. ويعود أحد الأسباب الكامنة وراء هذا الفارق إلى التعاطف مع إسرائيل باعتبارها أمة متقدمة من الناحيتين العسكرية والاقتصادية، وهي الصورة التي تقدمها وسائل الإعلام والقيادة السياسية. ويعود أحد الأسباب الأخرى إلى تزايد الاتصالات الخاصة والتبادل غير الرسمي بين المجتمعين، حيث أصبحت إسرائيل من الوجهات السياحية الشائعة بين الروس وتحديداً على مستوى السياحة الطبية. ويعد عدم الحاجة إلى استخراج تأشيرة السفر، وانتشار اللغة الروسية، بالإضافة إلى تراجع السفر إلى مراكز العطلات التقليدية في تركيا ومصر من بين الأسباب التي دفعت ٣٣١٥٠٠ ألف مواطن روسي إلى زيارة إسرائيل في عام ٢٠١٧، بزيادة وصلت إلى ٢٦٪ مقارنة مع ما كان عليه الحال في عام ٢٠١٦. كما ازداد عدد الحجاج الأرثوذكس الروس منذ عام ٢٠٠٨ عندما تمت إعادة الجزء الروسي في القدس وساحة “سيرغي” التابعة له إلى بطريركية موسكو.

وكانت هجرة اليهود الروس من العوامل التي عزّزت العلاقات الاجتماعية والثقافية بين روسيا وإسرائيل. وتصل نسبة المهاجرين القادمين من روسيا القيصرية والاتحاد السوفييتي والدول التي تشكلت عقب تفككه نحو ١٥٪ من إجمالي عدد سكان إسرائيل، و٢٥٪ من سكانها اليهود. وعلى هذا النحو، ليس غريباً أن تكون هذه الهجرة قد شكلت إسرائيل ثقافياً وسياسياً. وتعود جذور معظم عائلات رؤساء الوزراء الإسرائيليين حتى الآن إلى أراضي الإمبراطورية الروسية السابقة.

ويعود الفضل في توطيد العلاقات الاجتماعية بين روسيا وإسرائيل خلال العقود الأخيرة إلى هجرة ما يقرب من مليون يهودي من الاتحاد السوفييتي الذي انهار في تسعينيات القرن الماضي إلى إسرائيل، حيث يشار إلى هؤلاء المهاجرين ببساطة بـ”الروس”. وكان المهاجرون الروس قد ترعرعوا من الناحيتين السياسية والثقافية في الاتحاد السوفييتي أو في روسيا الجديدة. ويبقى هؤلاء معزولين جغرافياً واجتماعياً واقتصادياً إلى حدٍ كبير عن بقية المواطنين على الرغم من الإمكانيات المهنية الكبيرة التي يتمتعون بها. وتلك هي المجموعة التي يقصدها بوتين عندما يقول: “إخوتنا ونفس تفكيرنا”. وتختلف هذه المجموعة عن المهاجرين الجدد الذين انتقلوا إلى إسرائيل بعد ضم القرم لأسبابٍ سياسية أو اقتصادية. فإسرائيل بالنسبة للكثيرين – وبشكلٍ خاص الشباب والمثقفين- مجرد محطة في الطريق إلى وجهة غربية أخرى. وفي ظل العقوبات الغربية والأوضاع السياسية المجهولة، يسعى آخرون إلى الحصول على جنسية جديدة. فجواز السفر الإسرائيلي يُتيح الدخول دون تأشيرة إلى ١٠٥ دولة (في حين يُتيح جواز السفر الروسي ٧٩ دولة) وسنوات من الإعفاءات الضريبية بعد التجنيس. وتفسر الفائدة الاقتصادية لإسرائيل من مثل هذا النوع من الهجرة سبب تغاضيها عن فترات التأهيل المعتادة ومتطلبات الإقامة في حالات معينة مثل الأوليغارشي رومان أبراموفيتش.

وفي ضوء سياسة “أبناء البلد” التي ينتهجها الكرملين بحماس، فقد أعربت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن مخاوفها من إمكانية استخدام موسكو لسكان إسرائيل الناطقين بالروسية بما يخدم أهدافها السياسية الخاصة. وحتى إذا تمكنت روسيا من تحقيق بعض النجاحات عبر هذه الاستراتيجية في بعض دول ما بعد الاتحاد السوفييتي، فإن احتمالات تكرارها في إسرائيل تبدو بعيدة. ويُمثل متحدثو الروسية من الإسرائيليين ١٥٪ من الناخبين الإسرائيليين، ولديهم إمكانية الحصول على ١٨ مقعداً من إجمالي مقاعد الكنيست التي يصل عددها إلى ١٢٠ مقعداً (التي يمكن أن تكون حاسمة بسهولة في نظام التحالفات). وهم يميلون للتصويت إلى حزب إسرائيل بيتنا الذي يجمع المهاجرين المتحدثين بالروسية. إلا أن الحزب طوَّر هوية إسرائيلية قوية. كما أن خلفيات المهاجرين المتنوعة تعد حائلاً أمام إمكانية استخدامهم من قبل موسكو. ورغم أن جذورهم التي تعود للاتحاد السوفييتي تُحدد الفضاء الذي يشغلونه داخل المجتمع الإسرائيلي، فإنهم ينظرون إلى أنفسهم في بصفتهم مواطنين إسرائيليين في المقام الأول. ويعد انخفاض معدل مشاركة الإسرائيليين الذين يملكون جواز سفر روسي في الانتخابات الروسية وعددهم ٥٠ ألف إسرائيلي من الأدلة على ذلك الأمر. ولم تزد نسبة الإسرائيليين الروس المشاركين في التصويت ضمن الانتخابات الرئاسية الروسية في مارس ٢٠١٨ عن ٨٪ صوت من العدد الإجمالي لهم.

وترى صاحبتا المقالة أن موقف الإسرائيليين الروس تجاه القيادة الروسية متناقضاً للغاية. ويعود السبب في ذلك بصورةٍ جزئية إلى تجربة الأقلية اليهودية في الاتحاد السوفييتي، إذ لم يُسمح لهؤلاء على مدار عقودٍ من الزمن ممارسة شعائرهم أو الهجرة، إضافة إلى عدم انحدار العديد من هؤلاء الأفراد من روسيا نفسها، بل من أراضي ما يُعرف الآن بأوكرانيا ودول الاتحاد السوفييتي السابقة. كما زادت الإجراءات العسكرية التي نفذتها روسيا في ٢٠٠٨ في جورجيا ومنذ ٢٠١٤ في أوكرانيا من التناقضات داخل هذه المجموعة. ويعتمد العديد من المهاجرين من أراضي الاتحاد السوفييتي السابقة وسائل الإعلام الروسية كمصدر للمعلومات والأخبار، إلا أن هؤلاء المهاجرين يمثلون طيفاً سياسياً أوسع في إسرائيل، أي أن مجرد متابعة وسائل الإعلام الروسية لا يُعتبر بالضرورة مؤشراً للانفتاح على نفوذ الكرملين.

وساعدت هذه الروابط المجتمعية العميقة القيادتين الروسية والإسرائيلية على دفع عملية التقارب بينها التي تحفزها الدوافع السياسية في المقام الأول. ويرى صاحبا المقالة أن هذه الروابط لا تعتبر المحرك الرئيسي للعلاقة بين الجانبين. وتعتبر الروابط أقوى على الجانب الإسرائيلي، إلا أن تأثيرها السياسي محدود بسبب ما يعيشه مجتمع الإسرائيليين الروس من تناقضات. وعلى الجانب الروسي، لا تشكل العوامل المجتمعية عموماً أي أساس في صياغة السياسة الخارجية. وتتمثل فائدة إشارات الكرملين إلى التاريخ والثقافة المشتركة في تصوير روسيا باعتبارها صديقةً لإسرائيل. ولهذا السبب، فإن العلاقات الاجتماعية بين روسيا وإسرائيل لن تكون قوية بما فيه الكفاية للتخفيف من الأزمات السياسية.

المصالح الاقتصادية

Translation- Benjamin Netanyahu
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أثناء لقائه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في المتحف اليهودي ومركز التسامح بالعاصمة الروسية موسكو يوم ٢٩ يناير ٢٠١٨ المصدر: AFP.

أرست عودة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين أسس التعاون الاقتصادي. وببساطة، كان بدء التجارة الأمر المطلوب في بداية المطاف، وكان ذلك عبر توقيع اتفاقية تجارية في عام ١٩٩٤، واتفاقية تعاون في العلوم والتكنولوجيا في نفس العام. وتطوّر التعاون بين الدولتين خلال العقد الماضي ضمن قطاعات محددة، حيث تجلّى ذلك في اتفاقيات أبحاث الفضاء الموقعة في عام ٢٠١١، واتفاقية التكنولوجيا النووية في عام ٢٠١٣، واتفاقية تكنولوجيا النانو في عام ٢٠١٦. وجرت المفاوضات منذ عام ٢٠١٦ بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين إسرائيل والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وهو مشروع تكامل اقتصادي بقيادة روسيا مع كازاخستان وقيرغيزستان وأرمينيا وبيلاروسيا.

وتجدر الإشارة إلى نمو التجارة بشكلٍ كبير منذ عودة العلاقات بين البلدين، حيث وصل حجمها إلى ٢.٥ مليار دولار أمريكي في عام ٢٠١٧ – لتتجاوز حصة إسرائيل نظيرتها الخاصة بإيران (١.٧ مليار دولار). ومع ذلك، لا تتجاوز حصة إسرائيل حاجز ٠.٤٪ من التجارة الخارجية الروسية، وهي نسبة أقل بكثير من تركيا الشريك الأكثر أهمية في الشرق الأوسط (٢٠.٩ مليار دولار).

وفي الوقت الذي تحتل فيه المواد الخام القسم الأكبر من صادرات روسيا إلى إسرائيل (٤٠٪ نفط، و٢٣٪ من المعادن النفيسة)، فإن وارداتها الرئيسية تتمثل في المنتجات الزراعية (٣٦٪)، والآلات (٢٨٪)، والمواد الكيميائية (٢٢٪). وتشير الأرقام إلى أن إسرائيل تستفيد بشكل غير مباشر من العقوبات الروسية المضادة على المنتجات الزراعية الأوروبية.
ويمكن للعلاقات التجارية بين البلدين في قطاع الطاقة والتقنية العالية أن تحتل أهمية استراتيجية. منذ اكتشاف حقل غاز “ليفياثان” قبالة الساحل الإسرائيلي في عام ٢٠١٠، تسعى الشركات الروسية للمشاركة في حقوق الاستكشاف. ولا ترغب روسيا في الحصول على حصة من سوق الطاقة الإسرائيلي فقط وإنما ايضاً أن تكسب نفوذاً على جهود الاتحاد الأوروبي لتنويع مصادر الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط.

وتنظر روسيا إلى إسرائيل كشريك محتمل على مستوى تحديث التكنولوجيا عالية المستوى. وأُبرمت اتفاقيات تعاون بين الشركات الإسرائيلية ومعاهد البحوث مثل معهد “روس نانو” (Rusnano) الحكومي لتكنولوجيا النانو في عام ٢٠١٢ ومركز الابتكار الروسي “سكولكوفو” (Skolkovo) في عام ٢٠١٦. ويبدو وضع الشركات الناشئة الإسرائيلية جذاباً لتكون شريكاً مميزاً لتحديث الاقتصاد الروسي، خاصة في ضوء تأثير العقوبات على التبادل التجاري مع الدول الغربية الأخرى. ولكي يحدث هذا التعاون، يجب على القطاع الخاص في روسيا الانضمام إلى المشاريع الحالية التي تقودها الدولة. وتتسبب ضعف دور القطاع الخاص حتى الآن في انخفاض مستويات الاستثمار المباشر بين الدولتين. ولم يزد حجم الاستثمار في عام ٢٠١٧ عن ٥٧٠ مليون دولار في إسرائيل، و٤٨٠ مليون دولار في روسيا.

وفي الوقت نفسه، تتنافس روسيا وإسرائيل على مستوى سوق السلاح العالمي، فموسكو تزود كعادتها إيران وجيران إسرائيل العرب بالسلاح، في الوقت الذي قامت فيه إسرائيل خلال السنوات الأخيرة بتصدير كميات متزايدة من الأسلحة والعتاد إلى دول ما بعد الاتحاد السوفييتي وخاصة أذربيجان. كما أن التعاون الروسي – الإسرائيلي في قطاع تكنولوجيا الدفاع ما يزال محدوداً جداً حتى الآن، مثل إنتاج طائرات بدون طيران للقوات المسلحة الروسية الذي أوقِف على خلفية الأزمة الأوكرانية. وهو ما يكشف صغر المساحة التي يجري التعاون فيها على مستوى الأمن الحساس، خاصة في ضوء الشراكة الأمنية الوثيقة والعميقة بين إسرائيل والولايات المتحدة.

وحتى لو قامت الدولتان بتوسيع تجارتهما الثنائية، فإن الركيزة الاقتصادية لعلاقتهما لا تتمتع بأهمية تذكر على المستوى الاستراتيجي. وتحظى بعض القطاعات الاقتصادية بإمكانيات تنموية يمكن أن تجعل من إسرائيل شريكاً في عملية تحديث روسيا في حال تم استخدام هذه الإمكانيات على أكمل وجه. إلا أن هذا السيناريو تمنعه عوائق على الجانب الروسي، كضعف الابتكار، وضعف حكم القانون، والاعتماد الكلي على الدولة. أما إسرائيل، فهي لديها مخاوف أمنية قبل كل شيء فيما يتعلق بقطاعي الطاقة والدفاع.

النزاع السوري اختبار صعب

دشن التدخل العسكري في سوريا في سبتمبر ٢٠١٥ مرحلةً جديدةً في سياسة الخارجية الروسية تجاه الشرق الأوسط بصفةٍ عامة وتجاه إسرائيل بصفةٍ خاصة. وباتت العلاقات مع إسرائيل تتطلب المزيد من التنسيق لاتسامها بقدر كبير من الهشاشة. وتُشكل آلية النزاع في سوريا وقضايا الامن والنظام الاقليمي المتعلقة به اختباراً صعباً للعلاقات الروسية – الإسرائيلية.

آلية لفض النزاعات

أسفر التدخل الروسي في سوريا عن حاجة الجانبين (الروسي الاسرائيلي) لتأسيس قنوات اتصال فعالة واتفاقات موثوقة لتجنب وقوع اشتباكات عسكرية غير متعمدة. في هذا الإطار، توصل الجانبان إلى آلية للفصل في النزاعات بحلول خريف عام ٢٠١٥. تجسدت هذه الآلية في المناقشات المتكررة ورفيعة المستوى بين الرئيس الروسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي، وكذلك بين وزراء الدفاع ورؤساء أجهزة المخابرات. وسمحت هذه الآلية لإسرائيل بإجراء غارات جوية على مواقع وآليات نقل حزب الله دون تدخل الدفاع الجوي الروسي. ولعب تأكيد القيادة الإسرائيلية على اهتمامها فقط بتهديد القوات الموالية لإيران – وليس إسقاط الأسد – دوراً حاسماً في موافقة موسكو على هذا الاتفاق. وبصورة مغايرة لما عليه الحال على مستوى العلاقات الروسية – التركية، والتي دخلت في أزمة عميقة بسبب إسقاط طائرة حربية روسية في نوفمبر ٢٠١٥، فقد بقيت العلاقات الروسية – الإسرائيلية دون مشكلات لفترةٍ طويلة من الزمن وعلى الرغم من قيام الجانبين بعملياتهما العسكرية في سوريا. إلا أن تلك الآلية تعرضت للضغط مع تزايد حدة الصراع. وتغيرت استراتيجية إسرائيل وتصورها عن التهديد بعد استعادة الأسد وحلفائه لأجزاء كبيرة من سوريا. تشعر حكومة نتنياهو حالياً بالقلق إزاء تأسيس طهران لوجودٍ عسكري دائم في سوريا، لا سيما على الحدود الجنوبية مع إسرائيل. لمواجهة هذا التهديد، يبدو أن إسرائيل غيرت سياسة احتواء القوات الموالية لإيران عبر شن غارات جوية محددة إلى سياسةٍ تسعى لطرد هذه القوات من سوريا بالوسائل العسكرية، بالتزامن مع توسيع نطاق غاراتها الجوية على الأراضي السورية منذ فبراير ٢٠١٨. كما استهدفت إسرائيل في هذه العملية مواقع ذات أهمية بالنسبة للعمليات العسكرية الروسية. وشهد شهر فبراير من عام ٢٠١٨ شنت القوات الجوية الإسرائيلية لضربة جوية على قاعدة التياس العسكرية (التيفور) في سوريا أثناء تواجد المستشارين العسكريين الروس، وذلك في أعقاب تنفيذ هجوم بطائرة من دون طيار نُسب إلى القوات الموالية لإيران وإسقاط القوات الجوية السورية لطائرة حربية إسرائيلية. وأدت هذه الضربة إلى تعرّض الترتيبات غير الرسمية مع روسيا إلى أزمة. وانتقدت القيادة العسكرية الروسية تصرفات إسرائيل بحدة، وعلى سبيل الرد طرحت فكرة تزويد سوريا بنظام صواريخ “إس ٣٠٠” المضاد للطائرات. ويعني هذا الأمر تخلي روسيا عن التزامها الطويل بمراعاة المصالح الإسرائيلية الحيوية أثناء إمداد سوريا بالأسلحة.

واستلزم حل هذه الأزمة عقد لقاء بين بوتين ونتنياهو في مايو ٢٠١٨ بموسكو. ولم تكتفي روسيا بسحب تهديدها المتعلق بتزويد سوريا ببطاريات صواريخ “إس ٣٠٠” فحسب، بل باتت موسكو بصورةٍ أهم تبدي تسامحاً تجاه استراتيجية إسرائيل الأكثر صرامة ضد القوات الموالية لإيران في سوريا. ولا يبدو أن بوتين ونتنياهو قد اتفقا على قبول موسكو للضربات الجوية التي تشنها إسرائيل على المقاتلين الموالين لإيران على طول الحدود الجنوبية لسوريا فحسب، بل أيضاً للضربات التي يتم شنها في عمق سوريا. وعلى هذا النحو، فقد قام الكرملين بعد يومٍ واحد من زيارة نتنياهو لموسكو بغض الطرف عن الضربات الجوية الإسرائيلية على الأراضي السورية، علماً بأن تلك الضربات كانت الأكبر منذ حرب ١٩٧٣. في المقابل، لم تُبد إسرائيل أي اعتراض على الهجوم العسكري للجيش السوري المدعوم بطائرات روسية في منطقة خفض التصعيد الجنوبية. كما أعرب بوتين عن تفهمه لطلب إسرائيل سحب القوات الإيرانية من سوريا. وفي الوقت الذي وصف فيه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وجود المقاتلين الإيرانيين في سوريا بالشرعي في نوفمبر ٢٠١٧، فقد دعا بوتين في اجتماع مع الأسد في ١٧ مايو ٢٠١٨ إلى انسحاب جميع القوات الأجنبية من سوريا بعد “إطلاق مرحلة نشطة من العملية السياسية” – باستثناء روسيا التي ستُبقي على وجودها بدعوة من النظام السوري. ويشير هذان التطوران إلى إعادة تقييم موسكو بصورةٍ جزئية لسياستها تجاه سوريا، حيث باتت هذه السياسة تبدي مراعاة أكبر لمصالح إسرائيل الأمنية. ويعكس ذلك أولوية القيادة الروسية المتمثلة في حماية قواتها المسلحة في سوريا: ففي حال حدوث تصعيد، ستكون إسرائيل قادرة على تعقيد الوضع العسكري لروسيا تعقيداً كبيراً. كما أن موسكو تتوقع تعاون إسرائيل على مستوى تشكيل نظام سياسي سوري جديد.

العامل الإيراني

Translation- Golan Heights
صورة تم التقاطها لمرتفعات الجولان يوم ١٠ سبتمبر ٢٠١٦ وتظهر الدخان المتصاعد من قرية جبعاتا الخشب. وقامت طائرة إسرائيلية بقصف مواقع الجيش السوري بعد وصول قذائف إلى منطقة الجولان الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية في وقتٍ سابق من هذا اليوم. المصدر: AFP.

يعكس قبول روسيا الضمني للضربات الجوية الإسرائيلية في سوريا وتغيير خطابها تجاه الوجود العسكري الإيراني ما تعيشه موسكو من قلق تجاه احتمال تخلي واشنطن عن سياسة ضبط النفس التي أظهرتها في حال تصاعد الصراع الإسرائيلي – الإيراني في سوريا. وقد تتعرض المكاسب العسكرية والسياسية التي حققتها روسيا حتى الآن للتهديد في حال قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتدخلٍ عسكري قوي.

كما يعكس التقارب الظاهري مع إسرائيل تنافساً متزايداً بين روسيا وإيران في سوريا. فكلما أحكم الأسد قبضته على السلطة، كلما باتت التساؤلات المتعلقة بمستقبل النظام السياسي والاقتصادي في سوريا أكثر إلحاحاً. وفي حال وقوع مثل هذا السيناريو، فإن موسكو وطهران ستتنافسان على المزايا الاقتصادية والنفوذ السياسي.

في الوقت نفسه، يعتمد كلا البلدان عسكرياً على الآخر في سوريا. وبما أن التدخل العسكري الروسي اقتصر إلى حد كبير على قوتها الجوية والمشاركة المحدودة لقواتها البرية (القوات الخاصة والشرطة العسكرية الشيشانية تحديداً والمرتزقة)، فإن دعم استقرار حكم الأسد سيتطلب مساعدة القوات الموالية لإيران الموجودة في سوريا. ولا يبدو وضع الجيش السوري جيداً بما فيه الكفاية لاستلام المهام العسكرية الراهنة التي تؤديها القوات الموالية لإيران في الفترة القريبة. لذلك سيؤدي إضعاف المجموعات التي تدعمها طهران لوجوب مشاركةً عسكريةً أكبر من جانب روسيا، وهو ما سيحرص الرئيس بوتين على تجنبه لأسباب سياسية داخلية.

ويمكن القول إن موسكو ليس لديها مصلحة فورية لإضعاف إيران في سوريا، ناهيك عن أنها لن تكون في وضعٍ يتيح لها القيام بذلك. ومع ذلك، يبدو أن الرغبة تعتري روسيا لفرض نفوذها على طهران وحزب الله لتخفيف التصعيد وإنشاء منطقة عازلة في جنوب سوريا. وأعلن سيرغي لافروف في يوليو ٢٠١٨ ضرورة خضوع المناطق المتاخمة لإسرائيل والأردن لنفوذ الجيش السوري وحده. وأشارت التقارير الإعلامية إلى عرض لافروف على إسرائيل دعم بلاده لسحب إيران لقواتها والموالين لها إلى عمق مئة كيلومتر على الأقل من الحدود الإسرائيلية. إلا أنه من غير الواضح إن كانت موسكو قادرة على ضمان مثل هذه المنطقة العازلة، علماً بأن إسرائيل رفضت من جهتها هذا الاقتراح لأنها اعتبرته غير ملائم. وتجدر الإشارة إلى أن روسيا لا تشارك إسرائيل هدفها فيما يتعلق بطرد طهران تماماً من سوريا وإضعاف النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط ككل. فعودة موسكو إلى المنطقة تستند قبل كل شيء إلى مدى حفاظها على علاقات جيدة مع جميع الأطراف، وخاصة تلك المعادية لبعضها. ويبدو أن تودد جميع الأطراف لروسيا قد يجعلها محل إجماع بالمنطقة. ويتطلب هذا الأمر نفوذاً وتأثيراً في جميع الاتجاهات. وهذه السياسة الواقعية هي التي ستردع موسكو عن الانحياز إلى جانب إسرائيل.

تعاون انتقائي بحدودٍ واضحة

ما يزال تقارب روسيا مع إسرائيل بعيداً عن الشراكة الاستراتيجية القائمة على الأهداف المشتركة والثقة المتبادلة. وتتسم العلاقة بين الدولتين بالبراغماتية وقيامها على أساس المصالح والتعاون الانتقائي، ويتأثر هذا التقارب بالمسألة السورية والتطورات الأخرى في منطقة الشرق الأوسط، في حين تحظى العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بمكانة أقل شأناً. وقد لا تتمكن روسيا وإسرائيل من الحيلولة دون تدهور العلاقات فيما بينهما في حال وقوع نزاع أمني على سبيل المثال بشأن سوريا أو إيران.

وتبدو حدود التقرب الروسية من إسرائيل واضحة تماماً. فهي تتمثل في ديناميكية الحرب السورية العصية على التنبؤ، والمصالح المتباينة فيما يتعلق بأدوار إيران والولايات المتحدة في المنطقة. وإذا ما نجحت موسكو في تلبية الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية عبر إبقاء القوات الموالية لإيران بعيداً عن جنوب سوريا، فإن ذلك سيعزز من ثقة الجانب الإسرائيلي. وقد يؤدي هذا السيناريو في الوقت عينه إلى تحسن محدود للغاية على مستوى العلاقات الروسية – الأمريكية. كما أن العلاقات الروسية – الإسرائيلية قد تفتر سريعاً إذا ما إذا فشلت فكرة المنطقة العازلة وقررت إسرائيل توجيه ضربات مكثفة للقوات الموالية لإيران في سوريا، وهو ما سيصاحبه على الأرجح ضرباتٍ أمريكية عنيفة. ومن شأن هذا التطور تهديد مصلحة روسيا الرئيسية في المنطقة وهو الحفاظ على النجاحات العسكرية والسياسية التي تحققت حتى الآن في سوريا والشرق الأوسط على نطاق أوسع.

وعلى الرغم من وجود بعض الخيارات المتاحة أمام ألمانيا والاتحاد الأوروبي، إلا أن هذه الخيارات محدودة. فمن جهة، تتشارك ألمانيا والاتحاد الأوروبي مع روسيا في بعض المصالح، حيث يرغب الجانبان في تجنب التصعيد العسكري على الجبهة الإسرائيلية – الإيرانية. وتعتبر روسيا حالياً الجهة الفاعلة الأكثر قدرةً على تفادي التصعيد، وذلك بسبب وجودها العسكري على الأرض وقنوات الاتصال القائمة بينها وبين القيادة الإسرائيلية وحزب الله وطهران. ومن جهة أخرى، تواجه ألمانيا والاتحاد الأوروبي عقبات خطيرة على مستوى تنسيق أي عمل مع روسيا في ضوء الضرر الذي لحق بالثقة العامة بين الجانبين بسبب الأزمة الأوكرانية والمصالح المتباينة فيما يتعلق بالترتيب المستقبلي لسوريا. إلى جانب ذلك، لن تكون ألمانيا والاتحاد الأوروبي الشريكين الرئيسيين المفضلين لروسيا. وكما اتضح في قمة هلسنكي بين بوتين وترامب في يوليو ٢٠١٨، فإن موسكو تفضل استخدام موقعها الخاص في سوريا والشرق الأوسط وعلاقتها المباشرة بإسرائيل من أجل التوصّل إلى تقارب محتمل مع إدارة ترامب.