وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

كيف ساهمت أيديولوجية صدام حسين القديمة في تنظيم “الدولة الإسلامية” الحديث

Translation- Saddam Hussein
عراقيون يتظاهرون في بلدة تكريت، مسقط رأس صدام حسين، احتجاجاً على حكم الإدانة الصادر في حقه وإنزال عقوبة الإعدام عليه في عام 2006. المصدر: AFP.

نشر موقع “The Conversation” مقالة تطرقت إلى جدلية الروابط التي جمعت نظام البعث السابق في العراق مع تنظيم “الدولة الإسلامية” ومدى ما حملته هذه العلاقة من تأثير. وتستعرض صاحبة المقالة مريم بن رعد، الأستاذة المساعدة في قسم العلوم السياسية بجامعة لايدن، العوامل المختلفة التي دعت العراقيين السنّة للتدرّج أيديولوجياً من الفكر البعثي إلى العقيدة السلفية الصارمة.

وفي مقطع فيديو بثته قوات سوريا الديمقراطية في العاشر من يناير 2018 لعملية الاستجواب التي أجريت له، اتهم الجهادي الفرنسي توماس بارنوان تنظيم “الدولة الإسلامية” أو “داعش” بأنه تكوينٌ إجرامي من الأعضاء السابقين في حزب البعث. وأكد الجهادي الذي سبق له الانضمام إلى التنظيم أن ذلك تم بمساعدة من وكالات الاستخبارات الغربية.

وفي الوقت الذي بدت فيه مزاعم توماس بارنوان وكأنها مؤامرة مألوفة جاءت نتيجة تلاعب سجانيه الأكراد الواضح به، إلا أن هذه المزاعم بثت الروح من جديد فيما دار من جدلٍ قديم حول العلاقات التي تجمع نظام البعث السابق في العراق وتنظيم “الدولة الإسلامية”، حيث خضعت هذه الروابط لفحصٍ دقيق منذ عام 2015 على الأقل.

وفي 18 إبريل من ذلك العام، نشر الصحفي الألماني كريستوف رويتر تحقيقاً صحفياً في صحيفة “دير شبيغل”، حيث سلّط في هذا التحقيق الضوء على حياة سمير عبد محمد الخليفاوي الذي عرف باسم “حجي بكر”.

وقدّم رويتر الخليفاوي باعتباره القائم على محاولة متهكمة لاستعادة النظام الديكتاتوري السابق عبر ولائه لتنظيم “الدولة الإسلامية”، علماً وأنه كان عقيداً سابقاً في القوات العراقية وارتبط اسمه بالمخابرات. وفي هذه الأثناء، كانت الحكومة العراقية تقوم بقتل عددٍ من مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية”. وغالباً ما قام التحالف بتقديم هؤلاء المقاتلين باعتبارهم عملاء سريين للنظام العراقي البائد.

وكان الفكر البعثي في الأصل أيديولوجية علمانية ثائرة وضع أسسها القوميان السوريان زكي الأرسوزي وميشيل عفلق في مطلع أربعينيات القرن الماضي. ودعا الفكر البعثي إلى إقامة دولة عربية موحدة، كما كان عليه الحال في دعوة تنظيم “الدولة الإسلامية” والحركات الجهادية الأخرى لإقامة النسخة “الإسلامية” من هذه الدولة.

روابط قديمة، وشائعات جديدة

باتت فرضية ارتباط البعث بتنظيم “الدولة الإسلامية” تحظى بجمهورٍ واسع منذ نشر رويتر لمقاله، حيث اعتبر الكثيرون تنظيم “الدولة الإسلامية” بمثابة تجلٍّ لحزب الطاغية السابق. ومع ذلك، فقد ساهم اللبس الناتج عن هذا النقاش في إظهار صورة تاريخية وأيديولوجية عميقة الهشاشة لتنظيم “الدولة الإسلامية”.

وتواصل النقاش الساخن، حيث دحض بعض الأخصائيين تمتع نظام صدام حسين السابق بمثل هذا النوع من التأثير على تنظيم “الدولة الإسلامية”، معتبرين أن تنظيم “الدولة الإسلامية” ولد في المقام الأول نتيجة عقدٍ كامل من الاحتلال الأجنبي وما أفرزه ذلك من تبعاتٍ مأساوية. وقدّم خبراءٌ آخرون وجهة نظرٍ مغايرة حيال هذا الطرح بناءً على أسس أيديولوجية. وبحسب هؤلاء، فقد كان هناك تواصلٌ محتمل بين نظام صدام حسين والتنظيم الذي تم تشكيله حديثاً وعرف لاحقاً بتنظيم “الدولة الإسلامية” حتى قبل دخول الولايات المتحدة الأمريكية الحرب. وبالفعل، فقد شعر الكثيرون في أواخر التسعينيات أن نظام البعث قد اقترب من نهايته وكان متعطشاً لإطلاق مشروعٍ سياسي جديد.

وفي عام 2003، تم تسريح الضباط والجنود العراقيين في إطار عملية “اجتثاث البعث” التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية. وشهدت هذه العملية حل الهياكل السياسية للنظام العراقي، وتم تصميم وتنفيذ هذه العملية بطريقةٍ سيئة لدرجة أنها ساهمت في انهيار الدولة وتصاعد العنف المتطرف المسلّح.

وبحسب ما تشير إليه صاحبة المقالة، فإن حلّ الجيش العراقي – الذي شهد تسريح ما لا يقل عن 250 ألف جندي – دفع الكثيرين للانضمام إلى “خلايا متمردة” في الدولة. وبقدر ما تساعد هذه الظروف في تسليط الضوء على تسلسل محدّد من النزاع العراقي، إلا أنها لا تثبت تواطؤ موالي حزب البعث مع الفصائل الجهادية قبل الحرب.

ورغم إشارة صدام حسين على الدوام للجهاد بنفسه – في مواجهة “العدوان الخارجي” و”الخونة” – إلا أنه لم يظهر على الإطلاق أي دليل ملموس على تخطيطه لنهضةٍ دينية قبل 2003 أو أنه بدأ بالتواصل مع الحركات الجهادية العابرة للحدود. ويضاف إلى ذلك أن علاقته مع الإسلام السني كانت عدائية الطابع في الأساس طيلة فترة حكمه.

وترى بن رعد أن هذا الأمر لم يردع مئات العراقيين السنة العرب – من الموظفين السابقين في النظام والمزيد من المواطنين العاديين – للانضمام إلى حركة التمرّد التي أعقبت سقوط صدّام. وبات الاحتلال في ذلك الوقت حقيقةً يوميةً يعيشها السكان. وتوجه جميع هؤلاء الناس للمجموعات الوطنية، والجماعات السلفية، بالإضافة إلى تنظيم “الدولة الإسلامية”، حيث كان التنظيم الوحيد الذي يعد بثورةٍ سياسية عبر تأسيس “الخلافة”. ومنذ ذلك الحين، لم يبق سوى حفنة بسيطة من الموالين لإنقاذ نظام صدّام الفاشل.

وتنهي الأستاذة المساعدة في قسم العلوم السياسية بجامعة لايدن هذا القسم من مقالتها بالتساؤل التالي: هل كانت النسخة الوليدة من “تنظيم الدولة الإسلامية” سليلة حزب البعث القديم، أو أنه كان منفصلاً تماماً دون وجود أية صلة له على الإطلاق مع حزب البعث؟ وتجيب صاحبة المقالة على هذا التساؤل بترجيح أن يكون تنظيم “الدولة الإسلامية” مزيجاً من الجانبين. لقد تأثر تنظيم “الدولة الإسلامية” بالأعضاء السابقين في حزب البعث، إلا أنه تبنى أيديولوجية جديدة وهي السلفية – الجهادية.

إرث من العنف

Translation- Saddam Hussein
الرئيس العراقي السابق صدام حسين أثناء محاكمته في بغداد يوم 27 نوفمبر 2006. المصدر: AFP.

مع أخذ كل ما سبق بعين الاعتبار، تقول بن رعد: “هل بالغ المعلّقون إلى حدٍّ ما في “تدين” تنظيم “الدولة الإسلامية”، وبطريقةٍ أدت إلى إضعاف سعيه نحو السلطة السياسية بدعم البعثيين السابقين؟ حتى وإن كان مشروع التنظيم القوي قد حاز على التأييد بفضل انتشار السلفية في المجتمعات السنية في العراق، إلا أنه ينبغي علينا النظر بحذر إلى الدعاية “الدينية” المزعومة لتنظيم “الدولة الإسلامية”. وتضيف صاحبة المقالة: “بإمكان المرء أن يفترض بالفعل أنّ تديّن الجماعة المبالغ فيه لم يكن العامل الذي جذب أعضاء حزب البعث والقوميين إليه. كما يمكن افتراض أن قادة الجماعة استخدموا “غطاءً إسلامياً” لخدمة أهدافهم السياسية، سواءً أكان ذلك بشكلٍ منفصل (أو غير منفصل) عن انتمائهم البعثي القديم”.

وسبق انتشار السلفية في العراق الحظر الذي شهدته البلاد في التسعينيات وتوطّد في الأوساط السنية – بما في ذلك في جيش النظام نفسه وكوارده الأمنية – أثناء الحرب مع إيران (بين عامي 1980 و1988). وفي ذلك الوقت، فقد كانت التقوى، بحسب ما تراه رعد، العامل الذي ينبعث منه الأمل لأولئك الذين لم يعودوا يؤمنون بالقومية العربية والوطنية العراقية كوسيلة لاستعادة كرامة البلاد.

وعلاوةً على ذلك، فقد مهّدت الأيديولوجية البعثية المتعسفة – والتي كانت علمانية في الأصل – الطريق لتوسع العقيدة السنية الصارمة. وإذا ما كان هناك حاجة إلى دليل، فقد قام صدام حسين في عام 1993 بإطلاق “الحملة الوطنية الإيمانية” سيئة السمعة ليجعل من الإسلام مورداً سياسياً ويستعيد مكانته وشرعيته في عيون شعبه. وسعت هذه الحملة إلى تنمية الإسلام المتشدد في الطائفة السنية، وبشكلٍ خاص النسخة السلفية من الإسلام.

وحتى ذلك الوقت، نجا النظام السابق أيضاً عبر إرث العنف والاستبداد الذي جسّده تنظيم “الدولة الإسلامية” في أبهى صوره بين عامي 2014 و2017. ونشأ آلاف الشباب العراقيين السنة – الذين تحوّل بعضهم إلى جهاديين – في وحشية عالمية شديدة وورث هذا الجيل المفهم الشمولي للمجتمع.

وبطريقةٍ مماثلة للأيديولوجية البعثية في أيامها، لا يمكن فصل الخطاب التكفيري الذي يتبناه تنظيم “الدولة الإسلامية” ويقصي المسلمين على أرضية ردتهم المفترضة حسب ما روّج له الجهادي الأردني أبو مصعب الزرقاوي وأتباعه العراقيين، عن جولات النزاع المدني الذي عصف بالعراق. وقد تعاود هذه النزاعات الظهور مرة أخرى بما أنه لم تتم هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” بالكامل على الأرض.