وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الضربات الجوية السعودية المدعومة أمريكياً في اليمن تشكل “انتهاكاتٍ صارخة” لقوانين الحرب

Translation- Yemeni war
آلاف اليمنيين يعبرون عن غضبهم من الرياض وواشنطن يوم 13 أغسطس 2018 أثناء المشاركة في جنازة جماعية لأطفال قتلوا في غارة جوية شنها التحالف الذي تقوده السعودية على مدينة صعدة شمال اليمن. المصدر: AFP.

نشر موقع “The Intercept” مقالة مطولة سلّطت الضوء على تلافيف الضربة الجوية التي شنها طيران قوات التحالف بقيادة السعودية ودعم الولايات المتحدة الأمريكية على عائلة يمنية تضم في صفوفها 9 أطفال يوم 14 مايو 2018. ويقوم صاحبا المقالة شعيب المساوى وإيونا كريج باستكشاف الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية في دعم قوات التحالف وما تقوم به من انتهاكات واستهداف للمدنيين في اليمن.

وكان ما يزيد عن عشرة من أبناء عائلة مسودة اليمنية، بينهم تسعة أطفال، يبيتون قبيل الساعة العاشرة من مساء يوم 14 مايو في خيامٍ تم نصبها على سفح أحد الجبال الموجودة في محافطة صعدة شمال اليمن. واعتادت العائلة البدوية السعي لكسب قوت يومها عبر تربية الماشية والقيام بالأعمال الزراعية في أكثر المناطق استهدافاً من قبل حملة القصف التي بدأت في عام 2015 بقيادة السعودية وتحظى بدعم الولايات المتحدة الأمريكية.

وكانت إحدى الطيارات غير المأهولة التابعة لسلاح الجو الملكي السعودي تحوم لمدة 45 دقيقة فوق مضارب عائلة مسودة على حافة السهل الواسع الذي تحيط الجبال به دون علمها. وقام الضباط السعوديون المناوبون بمتابعة خيام العائلة عبر شاشاتهم من على بعد 550 ميلاً، بالتزامن مع متابعة “نقطتين ساخنتين” ظهرتا على الأرجح من حراراة أجسام الناس والحيوانات الموجودة في الداخل.

ويقوم المساوى وكريج بوصف ما حدث بعد تلك الواقعة في غرفة الحرب السعودية بفضل تقريرٍ استخباري أمريكي اضطلع عليه موقع “The Intercept”. ويقوم التقرير الذي غطى تفاصيل الغارة الجوية لحظةً بلحظة بتوفير لمحة صغيرة ولكنها مفصّلة عن حملة القصف التي تقودها السعودية في اليمن. ويظهر التقرير كيفية تجاهل الضباط المسؤولين عن الضربات الجوية اليومية لما يتوجب عليهم متابعته من إجراءات للحد من وقوع الإصابات في صفوف المدنيين. وتظهر الوثيقة وقوع “انتهاكاتٍ واضحة” لقوانين الحرب بحسب ما ذكره مختصون في القانون الإنساني الدولي.

وبحسب التقرير الاستخباري، فإن الضباط المناوبين الذين قاموا بمراقبة المعلومات الواردة من الطائرة غير المأهولة في مركز عمليات الدفاع الوطني التابع لقيادة القوات المشتركة بالعاصمة السعودية الرياض رؤوا خيام عائلة مسودة ليلة 14 مايو الماضي، إلا أنهم لم يلاحظوا وجود “أي أفراد أو مركبات أو أية معلومات استخبارية أخرى عن المكان”.

ولم يكن العميد السعودي المسؤول حاضراً في مركز العمليات يوم 14 مايو، وهو ما دفع الضباط المناوبون للاتصال به مرتين لوصف الهدف. وفي الساعة 9:25 مساءً، أصدر العميد الغائب أمراً بقصف الخيام. وبدوره، قام سلاح الجو الملكي السعودي، الذي كان يراقب الموقع بشكلٍ منفصل، بإضافة توصيته الخاصة بقصف المكان. وتشير الوثيقة: “قامت طائرة غير معروفة من طائرات التحالف بإطلاق صاروخ وحيد من طراز جي بي يو – 12 باتجاه الهدف في الساعة 21:56″، وهو ما يعني إطلاق قنبلة موجهة أمريكية الصنع يصل وزنها إلى 500 رطلاً في الساعة 9:56 مساءً، أي بعد أقل من 50 دقيقة من مشاهدة السعوديين للخيام لأول مرّة.

وليس من الواضح إذا ما كانت الطائرة التي أطلقت القذيفة تعود إلى المملكة العربية السعودية أو إلى الإمارات العربية المتحدة، وهما الدولتان اللتان تقومان بقيادة التحالف الذي يحارب في اليمن، أو أنها تعود لإحدى الدول الأخرى المشاركة في التحالف كالأردن أو مصر أو البحرين أو السودان. وتشير التقارير إلى سحب المغرب لطائراته المقاتلة بحلول شهر إبريل الماضي.

وقال عبد الله مسودة لموقع “The Intercept”، وهو مزارعٌ يبلغ من العمر 40 عاماً وأبٌ لتسعة أطفال كانوا يغطون في النوم داخل الخيام في تلك الليلة، إنه كان مستيقظاً ويحاول تجنّب البعوض خارج المضارب القماشية المربعة عندما سقطت القنبلة. ولحسن حظ عائلته، فقد فشل الصاروخ في إصابة هدفه المقصود. ويشير التقرير الاستخباري إلى أن القذيفة الأمريكية الصنع أخفقت في إصابة خيام العائلة التي تبرع بها الهلال الأحمر وسقطت على بعد “حوالي 30 متراً”. وبحسب تقديرات مسودة، فقد سقطت القذيفة على بعدٍ يتراوح بين 10 و15 متر بعيداً عن الأطفال الذين كانوا يغطون في النوم إلى جانب زوجته ووالديها وشقيقتها على مراتب إسفنجية بالقرب من أكياس الملابس.

ويقول مسودة: “هرعت إلى خيمتي التي سقطت على الأطفال. واستفاق بعض الأطفال في حالةٍ من الهلع، حيث انخرطوا في موجهة من الصراخ والعويل، في حين تابع من بقي من الأطفال نومهم العميق. وقام مسودة بنقل أقاربه إلى العراء ومسح الغبار عن وجوههم. ونجا الجميع دون الإصابة بأي أذى، وقد يعود السبب في ذلك على الأرجح إلى تدعيم جوانب الخيام بجدرانٍ حجرية.

وتشير الوثيقة إلى خروج “العديد من الأشخاص من الخيمة، بينهم إمرأة وأربعة أطفال على الأقل، باتجاه أحد الشوارع” في الوقت الذي تكشفت فيه عمليات الاستعداد للقيام بضربةٍ ثانية في مركز العمليات السعودي. وعلى هذا النحو، فقد تم صرف النظر عن الضربة الثانية.

ولم يرد التحالف والقيادة المركزية الأمريكية على الأسئلة الواردة من موقع “The Intercept”. إلا أن التقرير الاستخباري يتضمن ما يبدو كتعليقات من محلل استخباري أمريكي يحاول تلخيص الجوانب الأساسية من الضربة المضللة.

Translation- Houthis
مناصرو حركة الحوثي يتظاهرون في العاصمة صنعاء يوم 25 يونيو 2018 نصرةً لرفاقهم الحوثيين الذين يشاركون في المعارك ضد قوات التحالف بقيادة الإمارات والسعودية في ميناء الحديدة على البحر الأحمر. المصدر: AFP.

وكتب المحلل إن الهجوم كان “مؤشراً على الفشل في متابعة الإجراءات السليمة على الرغم من وجود الإجراءات الوقائية” دون أن يقوم بتوضيح ماهية تلك الإجراءات الوقائية. ويضيف المحلّل: “فشل السعوديون في تأكيد الهدف بمصادر استخبارية إضافية أو تجاوز نقص تقدير التوقيت عبر اتخاذ قرارٍ فوري بتنفيذ الضربة”.

وفي محاولة واضحة لإضفاء صورةٍ إيجابية على الإخفاق شبه المميت، فقد أشار المحلّل إلى “الرغبة الواضحة في تفادي وقوع الإصابات بين صفوف المدنيين والقيام بالشيء الصحيح الذي ظهر فيما مرّ به السعوديون من كرب عقب إداركهم لوجود المدنيين في المكان”. وبحسب التقرير، فقد أعرب مسؤول سعودي كبير بعد 15 دقيقة من الهجوم عن “استيائه الشديد من صدور القرار بشن الضربة نتيجة نقص المعلومات الاستخبارية التي تبرّرها”. وظهر العديد من الضباط السعوديين “وهم يشعرون بضيقٍ واضح من الحادثة التي كادت تحلق الإصابات بالمدنيين. كما اعترف هؤلاء سرّاً بفشلهم في متابعة إجراءاتهم الخاصة، والتي تم وضعها لمنع وقوع مثل هذا النوع من الحوادث”.

ويرى الخبراء أن فشل الضباط السعوديين في اتخاذ أية إجراءات احترازية لتجنب إصابة أو قتل المدنيين يشكّل انتهاكاً واضحاً للقانون الإنساني الدولي العرفي، وهو الأمر الذي ينطبق على الفشل في تحديد الهدف. ويقول إيوانيس كالبوزوس، خبير قوانين الحرب في كلية سيتي للقانون بجامعة لندن: “بعيداً عن مشاهدة الخيم والنقاط الساخنة، فإن عدم مطالبة الاستخبارات بتحديد إذا ما كانت أهداف عسكرية أم لا يعتبر انتهاكاً صريحاً لمبدأ الحيطة. ويعني هذا المبدأ الالتزام باتخاذ جميع الإجراءات الضرورية للتمييز بين المدنيين والمقاتلين والحد من الخسائر العرضية في أرواح المدنيين”. وعلى الرغم من عدم استخدام الولايات المتحدة لطياري مقاتلاتها وطائراتها المقاتلة في اليمن، إلا أنها تشارك بشكلٍ مباشر في حرب التحالف الجوية بأكثر من أية حملة قصف أجنبية أخرى في التاريخ المعاصر. وبحسب ما يظهره التقرير الاستخباري، فإن الولايات المتحدة تحتفظ بوجودٍ مهم في مركز العمليات السعودي. كما أنها تقوم ببيع الذخائر والطائرات للتحالف بالتزامن مع تقديم عمليات الصيانة والتدريب والمساعدة المستهدفة وتزويد الطائرات المقاتلة التي تنفذ عمليات القصف بالوقود أثناء الطيران.

وبات التواطؤ الأمريكي المحتمل في انتهاكات قوانين الحرب الموصوفة ضمن التقرير على صلة وثيقة بالموضوع أكثر من أي وقتٍ مضى. وتشير التقارير إلى تعزيز الولايات المتحدة الأمريكية لدورها في تحديد الأهداف الخاصة بغارات التحالف الجوية بعد فترةٍ قصيرة من هجوم 14 مايو.

وشنّ التحالف في منتصف يونيو الماضي هجوماً عسكرياً كبيراً على ميناء الحديدة اليمني الذي كان يعيش فيه وفي المنطقة المحيطة به 400 ألف شخص. واعتمد هذا الهجوم بشكلٍ كبير على الضربات الجوية التي قامت بشنها طائرة التحالف المقاتلة التي قادها طيارون تم تدريبهم أمريكياً، وبصواريخ أمريكية الصنع، علماً بأن الطائرات الأمريكية قامت بإعادة تزويد هذه الطائرات المقاتلة بالوقود أثناء الطيران. وبحسب أحد التقارير الصادرة عن صحيفة “وول ستريت جورنال”، فإن الدور الأمريكي الموسّع في اختيار الأهداف يرمي إلى “الحد من عدد الإصابات في صفوف المدنيين ومن الضرر اللاحق بالبنية التحتية الحيوية” في عملية الحديدة، والتي قال مسؤول الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في اليمن أنها قد تعرّض حياة 250 ألف شخص للخطر. وتجدر الإشارة إلى أنه تم تهجير 47230 عائلة حتى الآن من المحافظة نتيجة القتال.

وطلبت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في شهر مايو الفائت من الكونغرس مراجعة اقتراح بيع 120 ألف من القنابل الموجهة للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وقال السيناتور بوب مينينديز، العضو الديمقراطي البارز في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، لوزير الخارجية مايك بومبيو ووزير الدفاع جيم ماتيس في شهر يونيو أنه لا يستطيع حالياً دعم استمرار بيع القنابل الأمريكية دقيقة التوجيه – وهي نفس النوع الذي تم استخدامه في هجوم 14 مايو على خيام عائلة مسودة – للتحالف بسبب المخاوف من استخدامها المحتمل ضد المدنيين.

ويقدّم التقرير الاستخباري ادعاءً مضاداً لحجج الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة بزيادة بيع القنابل دقيقة التوجيه أو “القنابل الذكية” إلى التحالف كوسيلة للحيلولة دون قتل وإصابة المدنيين. ويدعي موردو القنابل دقيقة التوجيه ومناصروها السياسيون أن القنابل الذكية، لا “القنابل الغبية” غير الموجهة، هي الطريقة الأساسية لتجنّب إيذاء المدنيين. وتفخر شركة “رايثيون” على موقعها الإلكتروني، وهي أكبر مصنّع للقنابل دقيقة التوجيه في الولايات المتحدة الأمريكية، بأن ما تقدمه من قنابل دقيقة التوجيه “يحول دون وقوع الإصابات ويخفف من المخاطر ويحد من الأضرار الجانبية”، مشيرةً إلى أن أسلحتها الدقيقة “تقوم بالمهمة على أكمل وجه… فهي ضرب الأهداف وليس أي شيءٍ آخر”. إلا أن هذا الأمر لم يحدث في ضربة 14 مايو التي قد تكون أخطأت خيام عائلة مسودة بسبب “التضاريس المرتفعة بين السلاح والهدف” بحسب التقرير الاستخباري الأمريكي.

Translation- Arab Islamic American Summit
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء الخطاب الذي ألقاه على هامش فعاليات القمة العربية الإسلامية الأمريكية في مركز الملك عبد العزيز للمؤتمرات في العاصمة السعودية الرياض يوم 21 مايو 2017. المصدر: AFP.

وعلاوة على ذلك، تعتمد فعالية القنابل دقيقة التوجيه أو أي سلاحٍ آخر بشكلٍ كبير على جودة عملية تحديد الهدف. وعلى الرغم من قتل الولايات المتحدة الأمريكية للكثير من المدنيين في غارات القصف التي شنتها في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وجنوب آسيا خلال السنوات الأخيرة، فإن الأحداث التي تكشفت عن مركز العمليات السعودي في ليلة 14 مايو تختلف عن أسلوب الهجمات الجوية الأمريكية على الأقل بطريقةٍ رئيسية واحدة ألا وهي: الغياب الواضح للمستشارين القانونيين في عملية صنع القرار السعودية.

وبحسب ضابط سابق في سلاح الجو الأمريكي طلب عدم الكشف عن هويته بسبب عمله المستمر في المنطقة، فإن مشاركة النائب العام لسلاح الجو متوقعة بصورةٍ اعتيادية، وليس بشكلٍ دائم، في تحديد إذا ما كان الأمر يتطلب تنفيذ ضربة أم لا أثناء شن الحملات الأمريكية. وقال الضابط السابق إن العديد من المحامين العسكريين يتواجدون على مدار الساعة لإجراء مثل هذا النوع من المشاورات. ولا يزال من غير الواضح إذا ما كان المسؤولون عن تقديم المشورة القانونية في التحالف الذي تقوده السعودية يسعون إلى القيام بتلك المهمة قبل القيام بأية ضربة جوية، هذا إذا ما افترضنا وجود مسؤولين قانونيين لدى التحالف.

وفي ديسمبر من عام 2016، ومع انتهاء ولاية إدارة أوباما، وكانت المخاوف المرتبطة بالضحايا المدنيين في اليمن قد دفعت الولايات المتحدة الأمريكية في ديسمبر من عام 2016، أي مع انتهاء ولاية إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، إلى تعليق بيع مجموعات القنابل الموجهة إلى المملكة العربية السعودية حتى تقوم بتحويل “القنابل الغبية” إلى “قنابل ذكية” أو قنابل دقيقة التوجيه. ومع ذلك، فقد استمر تزويد مقاتلات التحالف بالوقود أثناء الطيران.

لكن سرعان ما قامت إدارة ترامب بقلب تلك السياسة. ووافقت الولايات المتحدة في يونيو من عام 2017 على إجراء عملياتٍ تدريبية بقيمة حوالي 750 مليون دولار أمريكي أثناء الطيران، بالتزامن مع تقديم التدريبات الفنية لسلاح الجو الملكي السعودي. ولدى الإعلان عن المقترح، قالت وزارة الدفاع إن التدريب “سيتضمن مواضيع مماثلة لتجنّب إصابة المدنيين، وقانون النزاع المسلّح، وقيادة ومراقبة حقوق الإنسان، والاستهداف”. وصوّت مجلس الشيوخ الأمريكي بعد أسبوعٍ واحد لصالح استئناف بيع القنابل دقيقة التوجيه للمملكة العربية السعودية، حيث تمت المصادقة على بيع ذخائر دقيقة التوجيه تزيد قيمتها عن 500 مليون دولار أمريكي.

وجاء الإعلان عن هذه الصفقة بعد فترةٍ بسيطة من زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمملكة، وهي الزيارة الخارجية الرسمية الأولى التي يقوم بها كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية. وتفاخر الرئيس الأمريكي أثناء تواجده هناك بعقد صفقة مع السعوديين ادعى أن قيمتها ستصل إلى 350 مليار دولار أمريكي وسيتم تنفيذها على مدار السنوات العشرة المقبلة، علماً بأن هذه الصفقة تتضمن بيع أسلحة تقدّر قيمتها بـ110 مليار دولار. وكانت إدارة أوباما قد أبرمت صفقة دفاعية مع السعودية بقيمة 115 مليار دولار جرى تنفيذها بين عامي 2009 و2016.

وبعد مرور ثلاثة أعوام و11 شهراً على حملة القصف الجوي التي يشنها التحالف في اليمن، يشير التقرير الاستخباري إلى استمرار استهداف المدنيين بطريقةٍ غير قانونية، وهو ما أشارت إليه مراراً وتكراراً منظمات حقوق الإنسان، ولجنة خبراء الأمم المتحدة، ووكالات الإغاثة الإنسانية، والبرلمان الأوروبي منذ بدء الحملة الجوية للتحالف.

ويجادل مناصرو تعليق بيع القنابل دقيقة للتحالف بأن بيع الأسلحة التي يمكن استخدامها لاستهداف المدنيين يعني أن الولايات المتحدة أعطت “الضوء الأخضر لقتل المدنيين الأبرياء”، فضلاً عن تعزيز تفاقم الأزمة الإنسانية التي تعصف بالبلاد وأدت إلى وصول ما يزيد عن 8 ملايين شخص على “بعد خطوة من المجاعة”.

وتقول كريستين بيكيرل، الباحثة المتخصصة في شؤون اليمن لدى منظمة “هيومان رايتس ووتش”: “قامت الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة بتبرير استمرار مبيعات الأسلحة للمملكة العربية السعودية على أساس ما قام به التحالف من “تحسينات” مزعومة – والتي تتمثل في تشديد التحالف لقواعد الاشتباك أو القيام بإجراء التحقيقات المرتبطة بمصداقية الضربات التي تم تنفيذها بالفعل”. وترى بيكيرل أن “هذه الوعود فارغة، وهذه الضمانات معيبة للغاية. وأياً كانت التغييرات التي أجراها التحالف على ما يقوم به من عمليات الاستهداف، هذا إذا كانت هذه التغييرات موجودة بالفعل، فإنها لم تمنعه من قصف حفل زفاف، ومركز للعلاج من مرض الكوليرا، ومجموعة من الأهداف المدنية الأخرى في هذا العام لوحده”.

Translation- Turki Al-Malki
المتحدث باسم التحالف الذي تقوده السعودية تركي المالكي في مؤتمرٍ صحفي في نادي القوات المسلحة بالعاصمة السعودية الرياض يوم 26 مارس 2018. المصدر: AFP.

وكانت السعودية قد أنكرت العديد من الأنباء التي تشير إلى وقوع عددٍ كبير من الضحايا المدنيين بسبب الغارات الجوية للتحالف والانتهاكات المزعومة لقوانين الحرب، بما في ذلك قصف المستشفيات، وتجمعات المدنيين، والبنية التحتية المدنية، وهو ما كان يتم تنفيذه غالباً بذخائر أمريكية الصنع. ويقول التحالف إنه أجرى تحقيقاته الداخلية في نحو 70 غارة جوية. وأقرّ فريق تقييم الحوادث المشترك في التحالف بوقوع خطأ في تسع حالات، إلا أنه ألقى باللوم على الأنظمة، أو خطأ الطيار، أو المعلومات الاستخبارية الخاطئة. وأعلن الفريق في هذا الأسبوع عن نتائج خمس تحقيقاتٍ إضافية، مشيراً إلى عدم وقوع أي انتهاك.

وفي مراجعةٍ قضائية أجرتها في شهر فبراير من عام 2017 منظمة “حملة ضد تجارة الأسلحة” التي تتخذ من لندن مقراً لها، فقد تمت المجادلة بضرورة تعليق مبيعات الأسلحة للسعودية لأن معاهدة تجارة الأسلحة التي أقرتها المملكة المتحدة في عام 2014 تنص على عدم السماح بتصدير الأسلحة إذا ما كان هناك “خطر بوقوع انتهاك خطير للقانون الإنساني الدولي”. وقضت المحكمة العليا البريطانية الصيف الماضي ضد المجموعة، مشيرةً إلى عدم وجود “خطر حقيقي” من وقوع “انتهاكاتٍ كبيرة” في مثل هذا النوع من المبيعات، وأن قرار وزير الخارجية البريطاني بمواصلة بيع الأسلحة للسعودية “لم يكن غير عقلاني أو غير قانوني”. ومن المتوقع أن يتم الاستماع إلى استئناف القرار في وقتٍ لاحق من العام الجاري.

وعلى الرغم من عدم الاعتياد على ظهور أدلة جديدة على مثل هذا النوع من الإجراءات، فإن بول كلارك، خبير القانون الدولي ومحامي المرافعات في شركة “غاردن كورت تشامبرز” اللندنية الذي لم يشارك في قضية منظمة “حملة ضد تجارة الأسلحة” قال إن تقرير “The Intercept” قد “يعد دليلاً جديداً” يمكن أن يبرر تقديم طلب جديد للمحكمة العليا أو تقديمه إلى محكمة الاستئناف.

ويقول كلارك: “لو توفر دليلٌ من هذا النوع في وقت صدور قرار المحكمة العليا، فقد كان له أن يؤثر على تحديد إذا ما كان وزير الخارجية قد اتخذ قراراً عقلانياً أم لا في هذا الخصوص”. ورفضت منظمة “حملة ضد تجارة الأسلحة” التعليق، مشيرةً إلى أنه حصلت على مشورة بعدم التحدث عن قرار الاستئناف المعلّق.

وكانت “قاعدة بيانات التعقّب” الخاصة بوزارة الدفاع البريطانية، والتي تقارن ما تقوم به قوات التحالف من انتهاكاتٍ مزعومة للقانون الإنساني الدولي في اليمن دون أن تجري تحقيقاتٍ حوله، قد أدرجت 356 مخالفة محتملة حتى الرابع من يوليو الماضي. ومن بين هذه الحالات، فقد تم تسجيل 42 حالة بين ديسمبر 2017 ومارس 2018.

وتشير بيكيرل إلى مطالبة القانون الدولي للدول بالتحقيق في جرائم الحرب التي ترتكبها جيوشها و”مقاضاة المسؤولين عنها بشكلٍ عادل”. إلا أن العاهل السعودي الملك سلمان أصدر في العاشر من يوليو الماضي “أمراً ملكياً غير مسبوقاً يعفي كافة العسكريين من عقوباتهم العسكرية والتأديبية” في الحرب في اليمن.

وقالت بيكيرل لموقع “The Intercept”: “إن العفو الشامل الذي أصدرته السعودية مؤخراً عن الجنود المنخرطين في اليمن يقوم بشكلٍ جوهري وبشدة بإضعاف آلية التحقيق المعيبة الخاصة بالتحالف. ومن المؤكد أن العفو سيشجع ضباط التحالف الذين ما زالوا يقاتلون في اليمن بسبب الرسالة الواضحة التي يرسلها ألا وهي: لا تقلقوا، فليس هناك عواقب”.

وبحسب منظمة “العمل في مواجهة العنف المسلّح” الخيرية التي تتخذ من لندن مقراً لأعمالها، فإن 72 بالمئة من الوفيات والإصابات التي لحقت في صفوف المدنيين في اليمن بين عامي 2015 و2017 كانت بسبب الأسلحة التي تم إطلاقها من الجو. وفي شهر مايو الفائت، كانت الضربات الجوية لقوات التحالف مسؤولة عن 73 بالمئة من الإصابات التي لحقت بصفوف المدنيين، في حين تسببت عمليات القصف التي قام بها المتمردون الحوثيون بـ26% من هذه الإصابات – وهم عدو التحالف بحسب المنظمة، التي تدعو إلى الحد من العنف المسلّح على المستوى العالمي.

وما تزال أحداث 14 مايو تطارد عائلة مسودة. إذ انتقل الأطفال وغيرهم من الأقارب إلى الكهوف التي يعتبرونها أكثر أماناً من الخيم. ويقول عبد الله مسودة، الذي يبعد حالياً نصف يوم عن مكان عمله كمزارع بسبب عملية الانتقال: “أستطيع أن أشعر بالموت الآن وأنا أسمع صوت الطائرات المقاتلة. وفي كل مرّة يسمع فيها الأطفال صوت الطائرات، فإنهم ينفجرون بالبكاء”.