وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

معادلة السلام اليمنية صعبة على وقع الصراع السعودي الإيراني

Yemen- War in Yemen
الدخان يتصاعد من خلف أحد المباني في العاصمة اليمنية صنعاء. المصدر: AFP

نشر موقع “The Globalist” مقالة موسعة سلّطت الضوء على الأوجه المتعدّدة للصراع السعودي – الإيراني الدائر في اليمن ومدى تأثير هذا الصراع على فرص تحقيق السلام في هذه الدولة. ويرى صاحب المقالة جيمس دورسي، وهو باحثٌ بارز في كلية راجارتنام للدراسات الدولية بسنغافورة، أن الشرق الأوسط لطالما كان تلك البيئة التي تتشابك فيها جميع الأمور. واستناداً إلى هذا المنطق، فإن ما يدور في المنطقة لا بد وأن يؤثر على اليمن والعكس صحيح.

وبصورةٍ مماثلة لما تشهده منطقة الشرق الأوسط من نزاعات، فإن الأزمة الحالية الدائرة في اليمن لم تنشأ عن صراع القوى الدائر بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلا أن الأزمة اليمنية، بحسب دورسي، غرقت حتى النخاع في تلافيف هذا الصراع الدائر بين الرياض وطهران.

مشكلة السعوديين الكبرى

لطالما كان اليمن مشكلة سعودية قبل أن يغوص هذا البلد في أتون حربٍ سعودية – إيرانية بالوكالة. ويرى دورسي أن النزاع الدائر في اليمن هو الأهم والأكثر حساسية للسعودية، لافتاً إلى أن الحرب الدائرة بالوكالة في اليمن هي أكثر الحروب التي تقض مضجع الرياض وتثير قلقها.

وبعيداً عن العلاقات القبلية العابرة للحدود، فقد بات اليمن بلداً مدمراً ستكون وتيرة تعافيه وإعادة إعماره بطيئة. ويرجح صاحب المقالة أن يحمل الجيل اليمني المقبل استياءً شديداً تجاه السعودية، بكل ما يحمله هذا الاستياء في طياته من آثارٍ سياسية وأمنية.

وبحسب دورسي، تعتبر صواريخ الحوثيين البالستية على السعودية من القضايا التي تحمل في طياتها عواقب جيوسياسية وخيمة، بما في ذلك إطلاق صاروخ على مطار الملك خالد الدولي بالعاصمة السعودية الرياض في نوفمبر 2017.

وفي وقتٍ لاحق، تواترت موجة من الاتهامات وما قابلها من نفي حول إطلاق الحوثيين لصاروخٍ باتجاه دولة الإمارات العربية المتحدة. وفي ديسمبر 2017، استهدف أحد الصواريخ قصر اليمامة، وفيه الديوان الملكي السعودي، عندما كان العاهل السعودي الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد يترأسان اجتماعاً مع قادة المملكة. ويضاف إلى ذلك ما أطلقه الحوثيون من تهديداتٍ بشن هجماتٍ أخرى على المملكة.

وبحسب المتحدث باسم الجيش السعودي، فقد اعترضت المملكة 83 صاروخاً بالستياً منذ اندلاع الحرب في اليمن قبل قرابة ثلاثة أعوام من الزمن.

صواريخ حوثية بأيادٍ إيرانية؟

يرى دورسي أن علاقات الحوثيين بإيران توطدت بشكلٍ أكبر على إثر التدخل السعودي – الإماراتي في اليمن. إلا أن العرض المسرحي الأخير الذي قدمته السعودية والإمارات لما تبقى من شظايا صاروخ الحوثي وغيره من الأسلحة جعل مصدرها موضع شك.

ويضيف صاحب المقالة: “لا يوجد دليل ملموس يدين إيران على ما تم شنه من هجماتٍ صاروخية”، لافتاً إلى أن الصواريخ والأسلحة الأخرى قد تكون إيرانية المنشأ أو من تصنيع دولٍ أخرى.

وبصرف النظر عمّا إذا قامت إيران بتوفير هذه الأسلحة أم لا، فقد قدّم مراقبو الأمم المتحدة تقريراً إلى مجلس الأمن يشير إلى أن بقايا الصواريخ البالستية التي أطلقها مقاتلو الحوثي على السعودية “يبدو وأنه تم تصميمها وإنتاجها إيرانياً”.

الموقف الإيراني

Yemen- Sanaa
الأزمة اليمنية باتت ساحة مفتوحة للصراع الدائر بين السعودية وإيران في منطقة الشرق الأوسط. المصدر: AFP.

تصر إيران على عدم تزويدها للحوثيين بالصواريخ، دون أن يمس ذلك مواصلة دعمها للحوثيين و”قوى المقاومة” الأخرى في المنطقة.

وقال علي أكبر ولايتي، المعاون الإيراني البارز للمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي ووزير الخارجية السابق: “سيستمر النصر في العراق وسوريا ولبنان واليمن طالما بقي محور المقاومة يدافع عن إنجازاته. وسيكون لنا تواجد في هذه الدول طالما اقتضت الضرورة ذلك… يجب أن نساعد هذه الدول على وضع حاجز في وجه النفوذ الأمريكي”.

وبحسب دورسي، فإن تصريحات ولايتي تتناقض مع إنكار الرئيس الإيراني حسن روحاني لتواجد طهران عسكرياً في اليمن ومساعدتها للحوثيين هناك.
ويزيد من هذا التناقض تصريحٌ سابق أدلى به قائد قوات الحرس الثوري الإسلامي الإيراني محمد علي جعفري، حيث أشار في هذا التصريح إلى أن إيران تزوّد الحوثيين “بمساعدة عسكرية استشارية”، وهي عبارة استخدمتها الجمهورية الإسلامية لوصف ما تقدمه من دعم للميليشيات الموجودة في سوريا والعراق.

الأدلة تتصاعد

شهدت الآونة الأخيرة تصاعداً في الأدلة التي تبرز الدعم العسكري الإيراني للحوثيين. ففي يناير 2017، قامت الحكومة الأسترالية بنشر صورٍ لأسلحة مضادة للدروع إيرانية الصنع تمت مصادرتها على الساحل اليمني.

وخلص تقرير نشره مركز “بحوث التسلّح في النزاعات” نهاية عام 2016 إلى وجود خط إمداد عسكري من إيران إلى اليمن والصومال يقدّم “نقل كميات كبيرة من الأسلحة الإيرانية الصنع والأسلحة التي تعتمد بشكلٍ كبير على المخزونات الإيرانية”.
وبغض النظر عن مستوى الدعم الذي تقدمه إيران للحوثيين، إلا أن هذه الحركة السياسية اليمنية تسعى على الدوام لإبراز استقلاليتها وبصورةٍ واضحة. وبحسب دورسي، فإن الحوثيين أظهروا بصورةٍ متكررة عدم تلقيهم للأوامر من طهران، لا بل قاموا بتجاهل النصائح التي تقدمها إيران لهم في بعض الأحيان.

وعلى سبيل المثال، فقد عارضت إيران دون جدوى تحرّك الحوثيين نحو العاصمة اليمنية صنعاء، كما لم تلقى آذاناً صاغية لإيقاف زحف الحوثيين باتجاه الجنوب.
ويلفت صاحب المقالة إلى أن الحوثيين قادرون على إثارة المزيد من الاحتقان في البنية الهشة التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط – وبصورةٍ تتعارض مع الرغبة الإيرانية – خاصةً إذا ما واصلت حركة الحوثي استهدافها للمدن السعودية و/أو الإماراتية. وبالطبع، فإن هذا النوع من الهجمات سيؤدي إلى ردٍّ قاس. وهنا لا بد من طرح الأسئلة حول الجهة التي يمكن أن ترد والأشياء التي يمكن أن تستهدفها.

دخول الولايات المتحدة الأمريكية في الصراع؟

يبدو الجواب واضحاً منذ الوهلة الأولى، فالرد قد يكون سعودياً و/أو إماراتياً والهدف هو الحوثيين في اليمن. ويشير نشر طائرات الحرس الوطني السعودي المروحية على الحدود السعودية – اليمنية إلى تصاعد الحملة السعودية الإماراتية، خاصةً وأن هذا الحرس عصري ومدرّب أمريكاً ويحصل على أسلحته من واشنطن.

ويرى دورسي أن الهدف الانتقامي قد يكون إيران، لافتاً إلى أن مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية في الرد محتملة. وبالطبع، فإن الآثار المترتبة على مثل هذا التصعيد ستكون وخيمة.

وقد تحدث مشادة عسكرية إقليمية على نطاقٍ أوسع وسط الهيجان الحاصل في المنطقة بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخاص بالقدس ولأن المتظاهرين موجودون حالياً في شوارع العديد من مدن الشرق الأوسط.

وبحسب صاحب المقال، فإن توجيه ضربة عسكرية لإيران بمشاركة الولايات المتحدة ستنقل الغضب الناتج عن قرار ترامب الخاص بالقدس نحو القادة العرب، خاصةً وأن هؤلاء سيتم النظر إليهم كمتعاونين مع واشنطن ومستعدين للتضحية بالحقوق الفلسطينية للعمل مع إسرائيل.
ومن المرجح أن تكون تصبح الصلة بين عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية وإيران (وبصورةٍ أو بإخرى اليمن) أمراً لا يمكن إنكاره عندما يتوجب على الرئيس ترامب اتخاذ قرار خلال الشهر المقبل حول التمسك بالاتفاق الدولي الذي تم توقيعه مع إيران لوضع قيود صارمة على برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات عنها.

ووفقاً للقانون الأمريكي، فإنه يتوجب على ترامب المصادقة على الامتثال الإيراني للاتفاق الدولي كل ثلاثة أشهر.وكان الرئيس الأمريكي قد رفض المصادقة على التزام طهران بالاتفاق في أكتوبر 2017، مهدّداً بالانسحاب من الاتفاقية إذا ما فشل الكونغرس في معالجة أوجه القصور المترتبة على الاتفاقية خلال 60 يوماً.

وكان الكونغرس قد رفض العمل وفق الدعوة التي وجهها له ترامب لفرض قيود جديدة تضاف إلى قائمة مطالب واشنطن للمصادقة على التزام طهران بالاتفاق الدولي. ومن القيود الجديدة التي طالب ترامب بفرضها تقييد برنامج صواريخ إيران البالستية الذي يهدف بصورةٍ أساسية للتصدي للتهديدات الأمريكية والإسرائيلية المحتملة، فضلاً عن وقف الدعم الذي تقدمه طهران لوكلائها في المنطقة.

وختمت دراسة نشرها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بترجيح توسيع إيران لبرنامجها الخاص بشراء الأسلحة في مواجهة التحديات التي يفرضها “المتمردون الإقليميون”، والدول الفاشلة والتطرف.

اليمن: في خضم الأزمة

يرى جيمس دورسي أن التنافس السعودي الإيراني جاء على حساب اليمنيين الذين دفعوا ثمناً باهظاً لهذا التنافس. ومن غير المرجح أن يتغير هذا الأمر طالما اعتبرت السعودية نزاعها مع إيران معركة وجود.

ومن المنصف القول أن الرياض لديها سبباً وجيهاً للتعامل مع طهران باعتبارها تهديداً وجودياً لها. وبحسب صاحب المقالة، هذا السبب “لا ينبع من اعتماد إيران على أساليب الحرب غير المتناظرة باستخدام وكلائها في المنطقة، ولا من دعمها للمجموعات المماثلة للحوثيين أو من دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد“.

ويرى الكاتب أن السعودية قد خاصت في الطين إلى حد الثمالة، خاصةً وأن الحرب في اليمن عادت بنتائج عكسية وتهدد بخلق تحديات أكبر على المدى الطويل.

خاتمة

لا يمكن النظر إلى الحرب في اليمن بمعزلٍ عن إرهاصات التغيير التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، خاصةً وأن هذه المنطقة قد دخلت في مرحلة معقدة وعنيفة لا حل يلوح لها في الأفق.

وقد تكون الحرب في سوريا والعراق على وشك الانتهاء، إلا أن بذور النزاع قد تنبت من جديد في حال عدم ظهور سياسات جديدة تشعر جميع فئات المجتمع بأن جزء منه ولها مصلحة فيه.

وبالطبع، فإن هذه الرؤية تنطبق أيضاً على اليمن. وبصرف النظر عمّا يحمله الناس من أفكار حول الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباماً، فإنه كان محقاً فيما قاله للصحفي جيفري غولدبرغ حول ضرورة أن تتعلم السعودية تقاسم منطقة الشرق الأوسط مع إيران.