وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

التحرش الجنسي ومحاولات إعادة فرض الهيمنة الذكورية

Sexual Harassement
فنانة مصرية ترسم غرافيتي لامرأة وبجانبها باللغة العربية “لا للتحرش” على أحد جدران القصر الرئاسي في القاهرة يوم ١٤ ديسمبر ٢٠١٢. المصدر: PATRICK BAZ / AFP.

نور عباس

هل تظن أن حركة الإتجار بالبشر خصوصًا النساء والأطفال منهم قد اندثرت؟! إن أجبت بنعم، فأنت مُخطئ!

هذا ما حاول أستاذ علم الأخلاق الأمريكي ديفيد باتستون “David Batstone” شرحه مطولًا في كتابه “ليس للبيع“. فبنظرةٍ على الحروب في القرنين الماضي والحالي حول العالم، نجد تلك الحركة مستمرةً وتعتمد بشكلٍ أساسيٍ على خداع الضحايا. فمن مراكز أيتامٍ تجهّز الأطفال لمهنة الدعارة، إلى خداع المهاجرات غير الشرعيات ثم بيعهنّ إلى بيوت الدعارة وتغطية الأمر بالتعاون مع بعض رجال القانون الفاسدين، أوضح باتستون أنّ ما من دولةٍ استطاعت حماية النساء والأطفال المُتاجر بهم فعليًا. وانتهى بتلقيب العملية بالعبودية الجديدة!

نحن نتحدث هنا عن حركةٍ كاملةٍ تقودها العصابات. ولكن ماذا عن تلك الأفعال التي يقوم بها بعض الأفراد من المجتمع، كالتحرّش بالأطفال والنساء، أو حتى الاغتصاب؟ أهي أيضًا تكريسٌ لعبوديةٍ فردية؟!

في ورقةٍ بحثية نشرتها أستاذة علم النفس الأمريكية شون ميغان بيرن “Shawn Megan Burn” توضح فيها بعض أسباب التحرش بالنساء والتي ما زالت في طور الدراسة، أرجعت ظاهرة التحرش لأسباب تطوريةٍ كالرغبة في التزاوج. إلا أن ميغان استبعدت هذا الخيار لاحقًا كوننا كبشر طورنا عمليات الملاحظة أيضًا، لترجع ظاهرة التحرش إلى إحساس الرجل بنقصه، أو ليكرر شعوره بالاستحقاق أكثر من النساء في المجتمع، أو لفرض السلطة فحسب!
كما ويتفق علماء النفس على أنّ المتحرش هو شخصٌ سايكوباتي، سادي، وميكافيلي، علمًا بأن أبرز الملاحظات عن الشخصية الميكافيلية هي التلاعب بالطرف الآخر، والوصول للأهداف بممارسة الخداع!

فإن كان التحرش وسيلةً لإعادة فرض السيطرة من قبل الرجال الذين يتحسسون فقدها، فما هي العقوبات التي تردع هذا الفرض مجددًا؟!

قد تكون الولايات المتحدة الأمريكية هي الأكثر حزمًا بفرض العقوبات، إذ قد تصل العقوبة إلى السجن مدى الحياة. ويتم في بعض الدول كدولة التشيك اتخاذ إجراءات صارمة بحقّ المتحرشين جنسياً، وقد تصل إلى حد إخصائهم جراحياً. وفي دولٍ أخرى، يتم الحبس لخمس سنواتٍ وسطيًا كالسعودية، أو الحرمان من بعض الحقوق كالتعليم مثلًا في البحرين!

أما في دولٍ عربية مماثلة لمصر، وسوريا، والأردن، والمغرب، والجزائر، فالعقوبة فيها لا تزيد عن الحبس لمدة 3 أشهر، أو تغريم المعتدي بنصف دولارٍ على التحرّش اللفظي! كما أن نصوص قوانين العقوبات في هذه الدول متشابهة، فالمادة رقم ٥٠٦ من قانون العقوبات السوري الصادر عام ١٩٤٣ تنص على التالي: “من عرض على قاصرٍ لم يتم الخامسة عشرة من عمره، أو على فتاة أو على امرأةٍ لهما من العمر أكثر من خمسة عشر سنة، عملًا منافيًا للحياء، أو وجه إلى أحدهم كلامًا مُخلًا بالحشمة، عوقب بالحبس التكديري لمدة ثلاثة أيام، أو بغرامةٍ لا تزيد عن 75 ليرة سورية، أو بالعقوبتين معًا!”.

كما أن جريمة التحرش قد تحدث لأي شخصٍ كان، فلطالما سمعنا بحالات تحرش قد تعرضت لها اعلامياتٌ على مستوى عالٍ من الخبرة، أو فنانات أو صحفيات، وحتى على مستوى شبكات التواصل الاجتماعي. ومثال على ذلك، ما ورد في موقع درج على لسان ميرا عبد الله، مديرة برنامج “النساء في الأخبار” بأن 78% من العاملين في المجال الصحفي قد تعرضوا للتحرش، وبأن الضحايا لم يكونوا نساءً فقط!

تبين الدراسات أن المجتمعات التي تقلل من شأن المرأة هي ذات النسب الأعلى في التحرش. إلا أن الدراسات ذاتها لم تنوّه إلى استهانة القانون بالتحرش، ولم تنوّه إلى تبرير المجتمع لفعل التحرّش بجعل الضحية جلادًا، أو بتمسّك المجتمع بالتبريرات التي ينطقها المتحرشون أنفسهم. فهل من المستغرب أن تؤكد المقالات على معاناة المجتمع الأفغاني من أكبر نسبةً للتحرش في العالم، يليه في ذلك المجتمع المصري؟ وفي ظل غياب مراكز إحصاءٍ في دولٍ عربيةٍ أخرى كالأردن، وسوريا، والمغرب، أليس بإمكاننا أن نتوقع نفس النسبة؟

وبما أن آثار التحرش النفسية على الضحية ترافقها مدى الحياة كما أثبتت الدراسات الميدانية، فهنا لا بد من التساؤل بقلق عن مصير المجتمعات المنهارة التي يصنعها كلٌّ من القانون السيء والمجتمع الذي يراعي رجاله؛ مجتمعاتٌ قادرةٌ على جعل الضحية تلوم ذاتها للأبد! مجتمعاتٌ يمسي فيها الإبلاغ عن التحرش جريمةً تعاقب عليها مجتمعيّاً؛ مجتمعاتٌ يشيح فيها القانون بنظره عن مثل هذا النوع من الأزمات الكبرى.

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.