وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

هل ثمة رهان فلسطيني على إدارة بايدن؟

إدارة بايدن
صورة تم التقاطها يوم ١٠ مارس ٢٠١٠ لجو بايدن في مدينة رام الله بالضفة الغربية. ويظهر بايدن في الصورة وهو يقف بالقرب من صورة للزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات قبيل لقاءٍ جمعه حينها بالرئيس الفلسطيني محمود عباس. المصدر: AFP/ POOL/ ATEF SAFADI.

ماجد كيالي

تجرأت إدارة ترامب أكثر من أية إدارة أخرى على الفلسطينيين وقضيتهم. فهي خرجت عن الموقف التقليدي للولايات المتحدة، في شأن عدم الاعتراف بالاحتلال الذي جرى عام 1967، وعدم الاعتراف بضم القدس، والاعتراف بمنظمة التحرير كممثل للشعب الفلسطيني، ودعم منظمة أونروا لإغاثة وتشغيل اللاجئين. وفوق كل ذلك، فقد دعمت الإدارات الأمريكية (عهد بوش الأب، وكلينتون، وبوش الابن، وأوباما) عملية التسوية بين إسرائيل والفلسطينيين، وكانت بمثابة راعية لعملية المفاوضات، إلا أن إدارة ترامب رمت كل ذلك جانبا، طوال الأعوام الأربعة الماضية.

ومعلوم أن إدارة ترامب اصطكت ما بات يعرف بخطة “صفقة القرن“، التي بنيت على تبني الموقف الإسرائيلي، بل واليمين القومي والديني في إسرائيل، بزعامة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وهو ما تمثل في محاولاتها تصفية حقوق اللاجئين ووقف دعمها منظمة أونروا، وباعترافها بشرعية الاستيطان في الضفة الغربية، وإغلاقها مكتب منظمة التحرير الفلسطينية، وتخليها عن رعاية عملية التسوية، وبتكريس جهودها لتطبيع العلاقات بين بعض الدول العربية وإسرائيل من دون انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة (عام 1967)، في محاولة منها للضغط على الفلسطينيين وإجبارهم على الخضوع للإملاءات الإسرائيلية.

السؤال الآن، هل بإمكان الفلسطينيين أن يشعروا بالراحة مع ذهاب إدارة ترامب، ومجيء إدارة بايدن؟ وهل سيقوم بايدن بمراجعة مجمل السياسات التي انتهجها سلفه؟ وإلى أي حد؟ في محاولة الإجابة على تلك الأسئلة، يفترض الانطلاق بداية من حقيقة أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر أن إسرائيل حليفة أساسية وموثوقة لها، وأنها تحتل المكانة الأولى في سلم اهتماماتها في الشرق الأوسط، وأنها في ظل كل الإدارات السابقة ظلت تأخذ في عين الاعتبار مصالح إسرائيل، قبل أي طرف أخر، فلسطيني أو عربي.

بعد تلك المقدمة البديهية، يفترض، أيضا، يمكن الاستنتاج بأن التغير في الإدارة الأميركية، أو في السياسة الأميركية، لا يمكن المراهنة عليه، إذ لا يبدو أن الرئيس الجديد بايدن بصدد النكوص كليا عن المواقف التي اعتمدها سلفه ترامب في السياسة الأميركية في المسائل الأساسية، إذ إن أي تغيير سيقتصر، على الأرجح، على الجوانب الشكلية، كمثل إعادة تمويل منظمة أونروا (الخاصة باللاجئين)، واستئناف المساعدات للسلطة الفلسطينية، وإعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وتدوير عجلة المفاوضات. لكن كل تلك الموقف لن تصل، في الأغلب، إلى حد التراجع عن اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل، أو نقل السفارة منها، أو تغيير موقفها من مسائل المستوطنات أو الحدود.

وعليه، ففي تلك الحيثية قد تذهب إدارة بايدن إلى القول إنها تريد القدس عاصمة للجانبين مثلاً، في تعويم لتلك المسألة، وتبهيت الموقف الفلسطيني، من دون أن يعني ذلك العودة عن قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. أما في خصوص مسألتي الاستيطان والحدود، فإن التعامل معهما سيتم ربما في إطار الضغط على الفلسطينيين لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل، كالعادة، لدفعهم نحو الدخول في الدوامة التفاوضية مرة أخرى. وهكذا، فإن مثل تلك المواقف قد تكون بمثابة سلم للقيادة الفلسطينية التي تجعلها تنزل عن السقف، أو تغطي عليها إزاء شعبها، لا أكثر. وربما كان هذا هو المطلوب للقيادة الفلسطينية، وهو أضعف الإيمان، وفقاً لحال العجز لديها، ووفقاً للتهميش الذي باتت تعاني منه.

والخلاصة فإن القيادة الفلسطينية ستكون إزاء تغير في الشكل من دون تغير في المضمون، إذ ستتغير اللهجة من خشنة في ظل إدارة ترامب إلى ناعمة في ظل إدارة بايدن، ومن وسائل الضغط في ظل ترامب إلى وسائل الدبلوماسية في ظل بايدن، لأن ذلك ما يعبر عن الموقف العملي الحقيقي لكل الإدارات الأميركية.

وفي الواقع فإن القيادة الفلسطينية ستظل للسنوات القادمة إزاء التحديات التي نجمت عن سياسة إدارة ترامب، وضمن ذلك مثلا، تراجع مكانة القضية الفلسطينية في سلم الاهتمامات العربية، ولا سيما مع ذهاب عديد من الأنظمة نحو التطبيع مع إسرائيل، من مختلف النواحي، وهو أمر يفترض ملاحظته، والتعامل مع التحديات التي تنبثق منه، بحكمة ومرونة، لأنهم الطرف الأضعف في المعادلة، والطرف الذي له مصلحة في عدم تركه مكشوفاً أمام إسرائيل وسياساتها الاستعمارية والاستيطانية والعنصرية.

المشكلة أن القيادة الفلسطينية في وضعها الراهن، هي الطرف الأضعف في المعادلة، في الواقع الراهن، سيما مع غياب حاضنة عربية، في ظل تفتت النظام العربي، وهي الطرف الأكثر انكشافا إزاء إسرائيل والولايات المتحدة.

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.