وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الدراسات عن تعدد الزوجات: بين التدليس والحقيقة

الدراسات عن تعدد الزوجات
عبد الرحمن العبيدي، وهو فلاح عراقي عمره ٢٢ عاماً، يجلس بين زوجتيه الجديدتين في سامراء يوم ٢٥ إبريل ٢٠١٢. المصدر: AFP PHOTO/STR.

نور عباس

أثار الطالب الأردني ممدوح بركات أبو تايه بلبلةً على وسائل التواصل الاجتماعي إثر انتشار صورةٍ له مع عنوان رسالة الماجستير خاصته “مستوى الشعور بالسعادة لدى متعددي الزوجات وذوي الزوجة الواحدة في محافظة معان”. وقام البعض بمهاجمة الرسالة أو تأييدها دون الاطلاع فعليًا على نتائجها. ولم يلتفت الكثير من الناس إلى أبرز نتيجةٍ وصلت الدراسة إليها وهي عدم وجود دلائل تشيرُ إلى تمتّع المعددين بمستوى أعلى من السعادة. وأكثر من ذلك، فإن كفة مستوى الاستقرار تميل بحسب الدراسة إلى ذوي الزوجة الواحدة.

لم تكن دراسة أبو تايه هي الأولى من نوعها، فلطالما عنى الباحثون في مجال الإرشاد الأسري بمسألة تعدد الزوجات. ولطالما حُرّفت نتائجُ الدراسات التي اختصت به. ومن منّا لم يصادف عنوانًا مثل “دراسة بريطانية تؤكد على أن التعدد يطيل عمر الرجل بنسبة ١٢%” والتي تعود بأصلها إلى باحثين في جامعة شيفيلد في بريطانيا. وشملت عينة الدراسة رجالًا من 190 دولة يزيد عمرهم عن 60 عاما.

وبالفعل، وصلت النتائج بالاستناد إلى بيانات منظمة الصحة العالمية أن المعددين كانوا قد عاشوا أكثر بنسبة 12% عن ذوي الزوجة الواحدة. إلا أن هذه الدراسة نفسها لم تدرس اختلافاتٍ كنوعية الغذاء أو المستوى المادي، أو الأمراض الوراثية عند العينة نفسها. كما أنها لم تدرس تأثير البيئة على المعدل العمري في الدول التي أجريت عليها الدراسة، وهذا ما ذكره الباحثون أنفسهم في الدراسة.

قد لا يكون سبب زيادة معدل العمر بأصله يعود للتعدد. وكان الباحثون قد أوصوا في نهاية دراستهم بإجراء الدراسة ذاتها على النساء، متخوفين من معدلاتٍ أقلٍ عمريًا عند النساء اللاتي تزوجن من مُعددين. وهذا ما يتم غضّ النظر عنه في المقالات العربية.

في المقابل، أظهرت دراسةٌ أجريت في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز أبحاث في جدة بالسعودية في عام 2014، أنّ الرجال الذين عدّدوا الزوجات كانوا أكثر عرضة لمشاكل القلب بمعدل أربعة أضعاف من ذوي الزوجة الواحدة. وكان ذلك بعينةٍ تألفت من 687 رجلا في السعودية والإمارات لا مورثات مرضيةً لديهم.

وقد يستغرب القارئ سبب وجود أبحاث علميةٍ عن أصلٍ شرعي بحت. إلا أنّ التعدد مسألةٌ أسرية واجتماعيةٌ وشرعيةٌ على حدٍ سواء. ولهذا، غالبًا ما يسعى الباحثون الاجتماعيون أو النفسيون لدراسة مظاهره ونتائجه، وأسبابه. وللأسف، فمعظم الأبحاث العربية كانت تقوم على عينةٍ من الرجال أو من الأطفال. ولم تتجاوز الأبحاث التي عنت بشؤون المرأة مع التعدد الأربعة. وغالبًا ما ظهرت الدراسات بشكلٍ يبرز التعدد كأمرٍ سلبي للرجل وللأطفال ضمن العائلات بعكس ما تتناقله المدونات العربية.

لا تقبل الأبحاث العلمية الاجتزاء. وهي غير قابلة للتعميم إلا ضمن شروط معينة. فلكلّ بحثٍ علمي يقع ضمن أحد المجتمعات حدودٌ ثلاثة على الأقل وهي الحدّ الزماني، المكاني، البشري، حيث لا تنطبق النتائج إلا على حدود هذه الدراسة وتعميماتها. ولا يمكن لدراسةٍ أجريت على الطلبة في الهند أن تنطبق على الطلاب في العراق مثلًا. وهذا ما يغفل عنه الكثير من المدونين، عندما يستشهدون بدراساتٍ لا تنطبق عيناتها على مقالاتهم، تمامًا كدراسة أبو تايه التي ذُكرت في بداية المقال.

المغردون على تويتر تناقلوا عنوان الدراسة كوسمٍ في تغريداتهم، متناسيين تمامًا أنّ الدراسة – التي أفضت إلى عدم وجود فروقات في السعادة بين المعددين وذوي الزوجة الواحدة – أجريت في محافظة معان الأردنية، علماً بأن نسبة المعددين في هذه المحافظة تزيد عن ٧٠% بحسب الباحث. وأننا لو غيرنا الحدّ البشري للدراسة لمجتمع فيه قلةٌ من المعددين، قد تتغير نتائجها كليًا.

ويمكن اعتبار عرض نتائجٍ مجتزأةٍ من دراساتِ التعدد تدليسًا غير مقصود للحقائق والنتائج التي وصلت إليها هذه الدراسات، بهدف التشجيع على التعدد في مجتمعات هي أحوج ما يكون اليوم لإنشاء أسرٍ سليمةٍ، وقد يكون ذلك أصعبَ مع وجود التعدد.

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.