وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الاتحاد الأوروبي وإشكالية التدافع لإعادة إعمار سوريا (الجزء الثاني)

Translation- Aleppo
عمّال بناء سوريين يعيدون بناء متجر متضرر في سوق خان الوزير في حلب القديمة. المصدر: AFP.

وقت سداد الدين للنظام

لن يتمكن نظام الأسد من بسط سيطرته بأي حالٍ من الأحوال على كامل التراب السوري، إلا أن الرياح تبدو وكأنها تهب في صالحه. وكان النظام قد سعى إلى توظيف إعادة الإعمار لإرضاء ناخبيه وتعويض آلاف الذين لقوا مصرعهم لأجل الأسد. وعلى هامش افتتاح معرض دمشق التجاري الدولي في أغسطس 2017، أكد أحد مساعدي الأسد بأن سوريا حققت “منعطفاً” وباتت في طريقها لإعادة البناء. وقام النظام بتصوير عملية إعادة الإعمار وكأنها صفقة منتهية، مشيراً إلى أن العقود لن يتم منحها للدول التي دعمت ما يعتبره إرهاباً.

وعلى الصعيد المحلي، فقد أشارت السلطات إلى أن جهود إعادة الإعمار ستكافئ الموالين للأسد؛ أي أنها لم تكن محاولة للتخفيف من الأحزان التي أشعلت فتيل الاحتجاجات عبر معالجة القضايا المرتبطة بالشرعية المؤسساتية والقدرة والعدالة والادماج السياسي والاجتماعي. وفي مسيرةٍ رسمية أقيمت في نوفمبر 2017 احتفالاً بذكرى الانقلاب الذي أوصل حافظ الأسد إلى السلطة قبل أربعة عقود، تفاخر أحد كبار نواب حزب البعث بأن سوريا “ستبنى بأيدي أبنائها الشرفاء”. وكانت هذه المظاهرة في حمص، التي تم تهجير مئات الآلاف من مواطنيها السنة بصورةٍ أساسية على يد النظام والميليشيات المدعومة إيرانياً، وذلك في أعقاب سحق المعارضة هناك. ومن أصل 8 مليارات ليرة سورية (15.5 مليون دولار أمريكي)، أعلنت الحكومة في يوليو 2017 عن تخصيصها للمشاريع في محافظة حمص، فقد ذهبت معظم هذه الأموال إلى المناطق العلوية والمسيحية المقابلة للمناطق السنية التي دمرها قصف النظام.

وحتى هذه اللحظة، فقد قام النظام، على الأقل على الورق، بمنح المشاريع لمتعهديه وأبرم صفقات أولية مع إيران وروسيا. وتمتد الصفقات من بناء الأبراج السكنية ومركز للتسوق فوق البيوت التي سوّيت بالأرض في دمشق وتعود ملكيتها للمتظاهرين الذين طالبوا بالديمقراطية، مروراً بترخيص الخليوي ومصفاة النفط في حمص، ووصولاً إلى امتيازات الطاقة والتعدين شرق سوريا. ويأمل النظام بأن تتعارض مصالح القوى الخارجية مع بعضها البعض أملاً بالحصول على الأموال المطلوبة لتنفيذ مشاريع البنية التحتية الأكثر إلحاحاً والتي يتطلب تنفيذها استثماراً طويل الأمد.

المخططات الدولية

مع اقتراب الحرب الأهلية الدائرة في سوريا من نهايتها، وضعت الهيئات التابعة للأمم المتحدة، والمنظمات الإنمائية، ومؤسسات التمويل الدولية مجموعةً من مخططات إعادة الإعمار المخصصة لهذه الدولة. وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، فإن تكلفة إعادة الإعمار لن تقل 250 مليار دولار أمريكي.

قضايا الحوكمة

يكمن القاسم المشترك بين جميع هذه الخطط في أنها تتعامل مع جهود إعادة الإعمار وكأنها مسألة تقنية، حيث لا يتم إبداء سوى النذر اليسير من الاهتمام تجاه نظام الحكم الذي من المفترض سيولد من رحم الأزمة. وعوضاً عن ذلك، يعتبر وجود سلطة مركزية تتحلى بالكفاءة وتوجه جهودها نحو الصالح العام من الأمور الافتراضية ليس إلا – وينبغي على هذه السلطة أن تبدي قدرتها ورغبتها بالتفاعل مع الترميم العادل لرأس المال البشري والنسيج الاجتماعي.

كما أن هذه الخطط لا تشرح بالتفصيل كيفية خلق بيئة الأعمال التنافسية – في ظل تواجد نفس النظام الذي حرم معظم السوريين من الفرص المتكافئة لعدة عقود. ويدين وجود المحاكم والبيروقراطية المدنية بالفضل إلى النخبة الفاسدة، وهذا ما حرم الشركات الأجنبية من التمتع سوى بمساحةٍ صغيرة للعمل في سوريا أو الحصول على العقود الرئيسية دون التشارك مع النخب الحاكمة أو من ينوب عنها. وفي حال اقتراب أي شخص لا يدور في فلك النظام من الفوز بإحدى المناقصات، فقد كان يتم تغيير القوانين بصورةٍ تعسفية ويتم سحب الأهلية منه.

وكانت تتم إدارة التحالفات الاحتكارية وشبكات الابتزاز المالي على يد الطبقات العليا من الجهاز الأمني. كما استشرى الفساد في الهيئات القضائية والرقابية. وكانت الوزارات والمصرف المركزي يعملون كأدواتٍ خاصة في يد عائلة مخلوف، وهم أبناء خال الرئيس بشار الأسد. وانحصرت السيطرة على المناقصات العامة ونظام المشتريات بيد عائلة مخلوف وفرعين آخرين من عائلة الأسد.

التهميش

Translation- Rami Makhluf
رامي مخلوف أحد أبرز رجال الأعمال الذين هيمنوا على اقتصاد سوريا منذ تولي بشار الأسد لسدّة الرئاسة في عام 2000. المصدر: AFP.

ويضاف إلى ذلك، أن معظم هذه الخطط تفترض وجود سوريا كدولة واحدة ولا تأخذ بعين الاعتبار حالة التشرذم الناتجة عن الحرب الأهلية. كما تم تجاهل ميوعة الديناميات المحلية وظهور وسطاء السلطة الجدد وحكم الميليشيات. ومن بين القوى التي ظهرت خلال الحرب الأهلية سلالة جديدة من الرأسماليين المحسوبين على السلطة، والذين يعملون على تشكيل بيئة الأعمال ويستعدون لعرقلة كافة جهود إعادة الإعمار التي لا تصب في صالحهم – وهم يقومون بذلك جنباً إلى جنب مع حفنةٍ من أبرز رجال الأعمال الموالين للنظام. وبالطبع، فإن الجهاديين والميليشيات الأخرى الساعية لتعزيز مكاسبها وأرباحها تحظى بحصّةٍ هامة من اقتصاد الحرب. وعلى مستوى المناطق التي يسيطر عليها النظام، فقد تنامت أعمال الجريمة المنظمة وعنف العصابات المرتبطة بالميليشيات الموالية للأسد. واستهدف الموالون غيرهم من الموالين في سعيهم نحو تنفيذ أعمال السلب، حيث تزامن ذلك مع قطع الطرق وفرض الرسوم لعبور هذه الطرق.

دوافع الأطراف الثالثة

تتعامل مخططات إعادة الإعمار الدولية وكأنّ تعاون الدول الثالثة بما يخدم صالح سوريا أمراً بديهياً. ولكن في حقيقة الأمر، يتعامل العديد من اللاعبين الإقليميين والدوليين مع عملية إعادة الإعمار كوسيلة لتعزيز حضورهم في سوريا على المدى الطويل وكأداة لتأكيد مصالحهم “الحيوية” في نزاعات السلطة الأوسع نطاقاً في منطقة الشرق الأوسط. كما يميل هؤلاء إلى التركيز على مصالحهم الفورية، كتحصيل العائدات المالية السريعة أو التخفيف مما يواجهونه من أعباء اللاجئين السوريين.

وبحسب بعض التقارير، فقد وعد النظام على الأقل إحدى الشركات الروسية المرتبطة بمقاولي الأمن الروس بالحصول على ربع النفط والغاز الموجود في الحقول التي تم تحريرها من براثن تنظيم “الدولة الإسلامية“. وشجعت إيران الاستثمار الخاص في القطاع العقاري في سوريا ووقعت عدداً من مذكرات التفاهم ذات الصلة بإعادة الإعمار في حلب، بالإضافة إلى إعادة تشغيل شبكات الاتصالات الخلوية، وهو ما سيعود على طهران بإيرادات كبيرة وسيمنح الإيرانيين ميزة مراقبة هذه الاتصالات. وقامت أنقرة، التي أوقف النظام نشاطاتها بشكلٍ رسمي، بصيانة البنية التحتية الأساسية، والمدارس وإحدى المستشفيات في جيب “الباب” الخاضع للسيطرة التركية. وإلى جانب التوقف المهم للضربات الجوية، فقد ساهمت عملية إعادة التأهيل التي قامت بها أنقرة في عودة بعض الأهالي إلى هذا الجيب الصغير. وأعلنت الصين عن رغبتها بالمشاركة في عملية إعادة الإعمار، لكنها لم تفصح عن التفاصيل الدقيقة لما تعتزم القيام به في سوريا.

واستثمر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية مليارات الدولارات في جهود الإغاثة وتحقيق الاستقرار في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. ويرى الأوروبيون أن عملهم في سوريا مغايرٌ لما يقوم به الأمريكيون، فهم يستهدفون بصفةٍ عامة بناء المؤسسات المبسطة في المناطق المختلفة ودعم المجتمع المدني. في المقابل، تفضل الولايات المتحدة العمل على العوامل الفردية لإنشاء واختبار المؤسسات التي من شأنها أن تكون نموذجاً يمكن الاقتداء به في المناطق الأخرى.

توقعات ومخاطر ومعضلات تواجه الاتحاد الأوروبي

في السيناريوهات المتنوعة المطروحة على الأمد القصير والمتوسط، من غير المتوقع أن تتوقف أعمال العنف. وفي الوقت نفسه، من المنتظر أن يترسخ حكم الميليشيات واقتصاد الحرب. ومع ذلك، يواجه صانعو السياسات الأوروبيين ضغوطاً كبيرة للتركيز على ما يمكن القيام به بصورةٍ عاجلة للمساعدة على فرض التسوية وتعزيز استقرار المنطقة، سيّما في ضوء الحاجة الملحة التي يشعرون بها نتيجة تصاعد الشعبوية في الاتحاد الأوروبي والضغوط المتعلقة بإعادة اللاجئين إلى أوطانهم.

وسيكون الأسد سعيداً بما يقدمه له الاتحاد الأوروبي من هدايا مجانية. ويرى النظام أن عملية إعادة الإعمار ستساهم، في البداية وقبل كل شيء، في ترسيخ وجوده بالتزامن مع تأكيد استمرارية التحولات الاجتماعية والديمغرافية وتعزيز ولاء مواطنيه. وتثير الرؤية التي يتبناها نظام الأسد وتحاكيها اجتماعات المساعدات الدولية المخاوف حول خسارة أوروبا دورها لصالح موسكو وطهران ما لم تساهم الدول الأوروبية في عملية إعادة الإعمار في سوريا.

وفي إبريل من عام 2017، استبعد الاتحاد الأوروبي المشاركة في جهود إعادة الإعمار “حتى يتم المضي قدماً في عملية الانتقال السياسي الشامل والحقيقي”. إلا أنّ النهج الأوروبي لم تكن متسقاً على أرض الواقع، إذ قامت الدول الأوروبية بتمويل مشاريع الأمم المتحدة لإعادة البناء والتي يتم تنفيذها بالتنسيق مع النظام. هذه المشاريع لا تزال قيد التنفيذ أو أنه من المقرر تنفيذها في المناطق التي انتهت للتو فيها أعمال التهجير القسري لقاطنيها مثل حمص. ولم يتم وضع ضمانات تكفل حق السكان الأصليين في العودة إلى مناطقهم أو إيقاف تزوير السجلات العامة أو الحيلولة دون مصادرة النظام للممتلكات في مناطق المعارضة. كما لم يتعامل الاتحاد الأوروبي مع رحيل الأسد كشرطٍ مسبق للمشاركة في جهود إعادة الإعمار. لا بل أقرّ ممثلو الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وبشكلٍ متزايد أن بشار الأسد قد يلعب دوراً في المرحلة الانتقالية، وربما لما هو أبعد من ذلك. واختلفت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بين دولٍ أخذت موقفاً صارماً تجاه أي تعاون مع ما يعتبرونه نظاماً لا يمكن إصلاحه، ودولٍ ترغب باسترضاء الأسد أملاً في تحقيق استقرار سريع أو فتح سوق إعادة الإعمار المربحة لشركاتها وهيئاتها التنموية. وبالتالي، فقد نأى الاتحاد الأوروبي بنفسه عن توضيح إذا ما كانت المرحلة الانتقالية ممكنة في حال بقاء الأسد ودائرته المصغّرة في السلطة.

وعلى هذا النحو، تشكل عملية إعادة الإعمار معضلة للاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه، في ظل تلاشي فرص إجراء أي تغيير النظام السلطوي والقمعي في سوريا.

الجدول الثاني: استراتيجية الاتحاد الأوروبي في أبريل 2017

يرغب الاتحاد الأوروبي بتقديم دعمه لسوريا في العديد من المجالات كالأمن: “نزع السلاح، وتسريح الجنود، وإعادة دمج القوات، وإصلاح القطاع الأمني، والمراقبة الدولية”؛ ونظام الحكم: “العملية الدستورية، والانتخابات، والإصلاح المؤسساتي”؛ وبناء السلام: “الكشف عن مصير المحتجزين والمفقودين، وتسوية نزاعات الملكية، وعودة اللاجئين والمشردين داخلياً، والعدالة الانتقالية، والمصالحة”.

وكشرطٍ مسبق للمشاركة في جهود إعادة الإعمار ورفع العقوبات المفروضة على النظام ومؤسساته وممثليه، يشترط الاتحاد الأوروبي وجود “انتقال سياسي حقيقي وشامل، تتفاوض عليه الأطراف السورية المشاركة في الصراع… برعاية المبعوث الخاص للأمم المتحدة”.

وسيقوم الاتحاد الأوروبي بتقديم الدعم “بطريقةٍ تدريجية، وفقط في حال تم تحقيق تقدّم ملموس وقابل للقياس” ضمن عملية الانتقال المذكورة. ولن يشارك الاتحاد الأوروبي فيما يتم بذله من جهودٍ مبكرة للتعافي الاقتصادي وفرض الاستقرار والتي “قد تدعم الهندسة الاجتماعية والديمغرافية”. ويشدد الاتحاد الأوروبي على “المسؤولية الخاصة الملقية على عاتق الجهات التي أججت النزاع لتحمل تكاليف إعادة الإعمار”.

وفي حقيقة الأمر، فقد تعقّدت فرص تحقيق الاستراتيجية الأوروبية لإعادة الإعمار نتيجة النهج الروسي وظهور نسخةٍ أكثر جرأة من نظام الأسد (يرجى الاطلاع على الجدول الثاني). وقامت موسكو بتصوير نشاطاتها وكأنها تستكمل ما يبذله المبعوث الخاص للأمم المتحدة من جهود لتسوية النزاع عبر التفاوض المباشر واستناداً إلى اتفاقية جنيف الموقعة في عام 2012 والقرار رقم 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي في ديسمبر 2015. بيد أن الطريقة الروسية أدت إلى تقويض النهج وقائمة الأولويات المتفق عليها في القرار 2254، خاصةً وأن القرار يركز بصورةٍ أساسية على تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات – تضم ممثلين عن النظام والمعارضة. وعوضاً عن ذلك، فقد سعت روسيا إلى إضفاء الشرعية على نظام الأسد عبر قيادة عملية إصلاحٍ محدودة – تتضمن اعتماد دستورٍ فيدرالي تمت صياغته في موسكو – وذلك عبر مؤتمر للشعب السوري أو مؤتمر للحوار الوطني، يعقبه إجراء انتخابات عامة في سوريا.

الاستنتاجات والتوصيات

من غير المرجح أن يسفر نهج تسوية النزاع المهيمن عليه روسياً والوجود المتواصل والمتوقع للميليشيات الإيرانية عن تحقيق الحد الأدنى من الأمن والإصلاحات الإدارية والاقتصادية المطلوبة لمعالجة الاختلالات المتجذرة في سوريا من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والطائفية. وبصورةٍ مغايرة لما تراه روسيا، لا يمكن قصر عملية إعادة الإعمار على إعادة البناء المادي للبنية التحتية وتعافي الاقتصاد، خاصةً وأنّ عملية بناء السلام تعتمد بشكلٍ كبير على التدابير الرامية إلى حماية أمن المواطنين، وتأسيس نظام حكم فعال، وإرساء أسس المصالحة (يرجى الإطلاع على الجدول الثالث).

وفي ظل هذه الظروف، فإن المشاركة الأوروبية في المراحل المبكرة من جهود إعادة الإعمار تنطوي على خطر تغذية ديناميات مدمرة وإسقاط الحوافز الكفيلة بتحقيق التسوية السياسية. وعلى هذا النحو، ينبغي على الأوروبيين الالتزام بالنهج الموضح في استراتيجية إبريل 2017، على أن يكون هذا الالتزام واضحاً للجميع. كما ينبغي تحديد الوقت الذي يرمي فيه الأوروبيون بوزنهم وتقديم دعمهم الدبلوماسي والمالي والتقني بما يكفل توفير الظروف الكفيلة بتحويل عملية إعادة الإعمار إلى عامل محفّز للاستقرار على الأمد الطويل بدلاً من أن تؤدي إلى تجديد الصراع العنيف والتطرف.

وفي مرحلةٍ لاحقة – وبسبب الكم الهائل من الاستثمارات المطلوبة – لن يكون في مقدور النظام الاعتماد على حلفائه فقط كما تبجج من قبل. وقد يضطر النظام إلى اللجوء إلى الدول الغربية ودول الخليج ومصادر التمويل الدولية. وقد تكون تلك الخطوة نقطة الانطلاق للدفع باتجاه تطبيق الإجراءات الرامية إلى بناء مؤسساتٍ تتمتع بالمصداقية. ولا ينبغي على المرء المبالغة بفرص النجاح، خاصةً وأن تحقيق مثل هذا التطور غير مضمون بأي شكلٍ من الأشكال، لأن النظام قد يختار الاستمرار في تحدي الشروط الأوروبية، حتى وإن كان ذلك على حساب معاناة إنسانية واسعة النطاق على غرار ما تعيشه كوريا الشمالية حالياً.

الجدول الثالث: استقرار طويل الأمد

يتفق الخبراء على نطاقٍ واسع على ضرورة الوفاء بالشروط التالية للمضي قدماً بعملية إعادة الإعمار القادرة على صنع السلام في سوريا:

1. تقسيم فاعل للسلطة بوجود ضوابط وتوازنات فاعلة؛ وإنشاء هيئات رقابية اقتصادية وإدارية فاعلة.

2. إزالة الطابع العسكري على نطاقٍ واسع؛ وإنهاء حكم الميليشيات وأمراء الحرب؛ وتأسيس جيش ومؤسسات أمنية تدين بالولاء للدولة ومواطنيها، وليس للنظام؛ ونزع السلاح الشامل للميليشيات؛

3. معالجة التهجير القسري ومصادرة الممتلكات؛ وبما يكفل تحقيق المصالحة الاجتماعية؛

4. عملية دستورية شاملة يتم فيها احترام حقوق الأغلبية والأقليات؛ وخلق مناخ سياسي يمكن فيه إجراء انتخابات حرة ونزيهة، وضمان الحقوق السياسية، وتفعيل دور المجتمع المدني.

وفي المستقبل القريب، قد تصبح بعض مناطق خفض التصعيد منصات لإعداد الجهود الأوروبية الأكبر لتأمين التعافي – شريطة الالتزام بالترتيبات وهو ما يرجح حصوله في بعض المناطق المماثلة لجنوب وشمال حمص، وبصورةٍ أكبر مما عليه الحال في المناطق الأخرى المماثلة للغوطة الشرقية وإدلب. ويكمن التحدي في خضوع تلك المناطق لسيطرة قواتٍ لا يمكن أن تكون شريكة في عملية إعادة الإعمار كالمجموعات المرتبطة بتنظيم “القاعدة”، وهذا يعني أن الدعم لا يمكن إدارته إلا عبر مؤسسات المجتمع المدني أكثر من المجالس المحلية والحكومة المؤقتة. وغالباً ما تعاني المعارضة من التشرذم على مستوى السيطرة الفعلية وبطريقة تحول دون إدارة مشاريع خفض التصعيد الموسعة.

وعلى هذا النحو، يتعين على الأوروبيين البحث عن مقاربات تتم صياغتها وفقاً للشروط والشركاء المتوفرين في كل منطقة من المناطق. ويجب أن تركز هذه المقاربات على المساعدات الإنسانية، والتعافي الاقتصادي المبكر، ودعم المؤسسات المجتمعية غير العنيفة – وليس أقلها مكافحة بروباغندا ونفوذ الجهاديين – بالإضافة إلى الدعم المتواصل للحوكمة المحلية، حيثما أمكن ذلك. ومن غير المعقول أن نؤمن بأن مثل هذا النوع من الدعم قادرٌ على بناء “جزر استقرار” تكون الأساس الذي يبنى عليه الاستقرار في عموم سوريا. إلا أن الأوروبيين مطالبون بالسعي لمساعدة الهياكل المدنية والحكومية المحلية على البقاء.

كما لا بد وأن ينصب الدعم الأوروبي في مناطق سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي على تقديم المساعدات الإنسانية، وتوفير الخدمات الأساسية، ودعم المجتمع المدني، حيث بات قمع قوات المعارضة والناشطين المستقلين والتجنيد الإجباري من المشكلات الرئيسية هناك، على الرغم من الصورة التقدمية والتوافقية التي يحاول حزب الاتحاد الديمقراطي إظهارها.

وعوضاً عن التفكير في إرسال اللاجئين إلى أوضاعٍ تتعرض فيها حياتهم ووجودهم للتهديد، ينبغي على الأوروبيين التركيز بشكلٍ أكبر على بناء الموارد البشرية السورية في الدول المجاورة وبين صفوف اللاجئين المنتشرين في عموم أوروبا.