وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

هوية إبراهيمية جديدة كخيار بديل لثقافة الغرب المسيحية – اليهودية

إبراهيمية: مسيرة "تعدد الأديان من أجل السلام"
صورة تم التقاطها يوم ١٩ فبراير ٢٠١٥ (من اليمين إلى اليسار) للحاخام جوناثان ويتينبيرغ، والقس مارغريت كيف، وعمدة كوفنتري جون ويتكوب ومساعد الأمين العام للرابطة الإسلامية في بريطانيا العظمى إبراهيم مورغا وهم يحملون يافطة مكتوب عليها “حج التعايش” خارج مسجد ريغنت بارك، وذلك قبيل الانطلاق في مسيرة “تعدد الأديان من أجل السلام” باتجاه مستشفى سينت توماس في العاصمة البريطانية لندن. المصدر: JUSTIN TALLIS / AFP.

نشر موقع “The Conversation” مقالة تتناول نشأة مصطلح الهوية “اليهودية المسيحية” وتطور استخدامه في الغرب. ويقوم صاحب المقالة توبي غرين، وهو محاضر يعمل في قسم الدراسات السياسية بجامعة بار إيلان، بتوضيح الماهية الأساسية لهذا المصطلح السياسي، بالتزامن مع توضيح استخدام اليمين المتطرف في الغرب لهذا المصطلح حالياً بهدف إقصاء الإسلام وتشكيل هوية غربية لا تتضمنه. وينهي غرين مقالته بذكر المحاولات الإماراتية الأخيرة بعد اتفاقيات تطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل إلى تشكيل هوية “إبراهيمية” مقابلة يدخل فيها الإسلام إلى جانب اليهودية والمسيحية.

ويبدأ غرين مقالته بتأكيد أن الانتخابات التي ستشهدها هولندا وألمانيا في عام 2021 ستكشف قوة اليمين المتطرف صاحب الرؤية المختلفة للهوية الأوروبية. فعلى النقيض من أولئك الذين يعتبرون القيم الديمقراطية قيماً علمانية وعالمية في جوهرها ولا ترتبط بجذور ثقافية أو دينية محددة، عادةً ما ترى أحزاب اليمين المتطرف أن هذه القيم ترتبط أساساً بتراث الحضارة الأوروبية أو الغربية. كما يزعمون أن هذا التراث في خطر بسبب تهديد الثقافات غير الأوروبية، لا سيّما الثقافة الإسلامية.

ويقول غرين إن بحثه في رؤى أحزاب اليمين المتطرف لعالم السياسة الدولية يكشف عن اعتماد هذه الأحزاب الواسع على إشارات تربط القيم الأوروبية بالجذور “اليهودية المسيحية”. وعلى سبيل المثال، ورد في بيان الحزب البديل من أجل ألمانيا أن الحزب: “يعارض الممارسات الإسلامية المناهضة لنظامنا الدستوري الديمقراطي الليبرالي، وقوانيننا، والأسس اليهودية المسيحية والإنسانية لثقافتنا”.

ويسهل أن نجد ادعاءات مماثلة لذلك في حالة مارين لوبان في فرنسا ونايجل فاراج في المملكة المتحدة.

فما الذي يقصده هؤلاء السياسيون حين يستعملون مصطلح “اليهودية المسيحية”؟ ليس ثمة تعريف واضح لهذا المصطلح الغامض، كما يظهر من خلال التحليل التاريخي أنه لطالما أُسيء استعمال هذا المصطلح لأغراض سياسية.

في مواجهة “أيديولوجيات بلا آلهة”

يقول غرين: “رغم أن الجذور اليهودية للمسيحية واضحة، فإن ذلك لم يمنع من نبذ اليهود في أوروبا المسيحية التي كانت سائدة ما قبل الحداثة. ومع تخلي أوروبا تدريجياً عن هوية “العالم المسيحي” منذ القرن الثامن عشر وما بعده، تحوّلت الجهود الساعية لجعل اليهود جزءاً شرعياً من المجتمع الأوروبي إلى صراع سياسي عارضه المحافظون الدينيون ومعادو السامية. وفي أوروبا القرن التاسع عشر، كان اليهود ما يزالون يُصنّفون بشكل عام مع المسلمين على أنهم ’ساميون‘ غير أوروبيين أو ’شرقيون‘”.

ولم تحظ فكرة الغرب اليهودي المسيحي بقبول واسع في الولايات المتحدة مثلاً إلا في منتصف القرن العشرين وخاصة بعد الهولوكوست. وعندما أشار الرئيس آيزنهاور إلى الجذور اليهودية – المسيحية في وصفه لـ “تكوين حكومتنا”، فإنه اختار كلمات تراعي مختلف الطوائف المسيحية واليهودية ضمن هوية مدنية مشتركة تتناقض مع الأيديولوجيات اللاسامية والفاشية والشيوعية الملحدة.

منذ ذلك الحين، ساد استعمال المصطلح بهذه الشاكلة بين السياسيين الأوروبيين باعتباره مرجعاً شاملاً ومشتركاً للجذور الدينية للقيم الغربية.

بيد أن اليمين المتطرف بات يستعمل مؤخراً مصطلح “اليهودية المسيحية” لخدمة أجندة سياسية مختلفة. ويبدو أن هدفهم، بحسب غرين، هو تأطير القيم الغربية على نحو يقصي المسلمين، في حين ينأون بأنفسهم عن ارتباط سياسي بمعاداة السامية.

اليمين يُحكِم سيطرته على المصطلح

كان السياسي الهولندي المناهض للمؤسسة بيم فورتاون من أوائل السياسيين الأوروبيين الذين استعملوا مصطلح اليهودية المسيحية على النحو المذكور آنفاً قبل مقتله في عام 2002. وقد انتشر الاستعمال الإقصائي للمصطلح مع تزايد سطوة السياسيين اليمينيين المتطرفين الذين لا يروّجوا لأنفسهم على أنهم مدافعين عن دولهم فحسب، بل عن الحضارة الأوروبية. وأخذ قادة اليمين المتطرف، مثل السياسي الهولندي خِيرت فيلدرز، يزعمون أن هذه القيم والحضارة في خطر بسبب تهديد عامة السياسيين الذين “يروجون لأسلمة مجتمعنا” من خلال التعددية الثقافية والهجرة.

وفي حين أن اليمين المتطرف في أوروبا قد صوّر اليهود عبر التاريخ باعتبارهم تهديداً، فإن كثير من اليمين المتطرف اليوم يميل إلى الدفاع عن اليهود ضد أولئك الذين يصفونهم بأنهم معادون للسامية في أوروبا، قاصدين بذلك المسلمين.

كما تضمنت إعادة رسم الحدود الثقافية لأوروبا تغييراً في الرؤية السائدة لإسرائيل. فحتى وقت قريب، كانت أحزاب اليمين المتطرف ترى في إسرائيل ذراعاً للقوة اليهودية والأمريكية الخبيثة. أما اليوم، فقد صارت إسرائيل لهم خط دفاع أمامي لأوروبا في حربها ضد الإسلام الراديكالي.

وفي بعض الأحيان، يميل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تصدير صورة عن إسرائيل باعتبار أنها هي حدود الحضارة اليهودية المسيحية في مواجهة التطرف الإسلامي. وفي عام 2017، قال نتنياهو للقادة الأوروبيين التالي: “نحن جزء من الثقافة الأوروبية… أوروبا تنتهي في إسرائيل”.

سياسي لا حتمي

زعم العالم السياسي صمويل هنتنغتون في عام 1993 أن “صدام الحضارات” بين الإسلام والغرب حتمي لا مفر منه. بيد أن منتقدوه جادلوه عن حق بحجة أن الحضارات تتطور وأن الهويات الحضارية تخدم الأجندات السياسية. ولذلك فإن تعريف الغرب بوصفه يهودياً – مسيحياً وفي حالة صدام حتمي مع الإسلام هو خيارٌ سياسي واضح.

ربما يواجه كثيرٌ من المسلمين تحديات في الموازنة بين عقيدتهم وتعددية المجتمع الأوروبي. لكن عقيدة المسلمين لا تملي عليهم موقفهم من الليبرالية بالضبط كما هو حال اليهود أو المسيحيين. وإن كنت في شك من هذا، فما عليك إلا أن تتابع كيف احتفل عمدة لندن المسلم صادق خان بعيد حانوكا مع يهود لندن في ميدان ترافالغار.

وتواجه الدول الأوروبية ذات الأقليات المسلمة الآخذة في التنامي تحديات مع التطرف. ولذلك، يجب أن ينتبه السياسيون في حديثهم عن القيم الأوروبية في مثل هذه البلاد. ويعزّز ادعاء اليمين المتطرف القائم على تناقض القيم اليهودية المسيحية في أوروبا مع الإسلام من الادعاء المماثل للإسلاميين الذين يسعون لإقناع المسلمين بأن الصراع هو طبيعة العلاقة بين الغرب والإسلام.

تقليد إبراهيمي

يقول غرين: “ثمة محاولات جديدة في العالم العربي للتصدي لهذه الأيديولوجية وتوضيح القواسم المشتركة بين التقاليد الغربية والإسلامية”.

ويضيف غرين: “في سبتمبر عام 2020، وقّعت الإمارات والبحرين اتفاقيات سلام تاريخية مع إسرائيل. ولا يبدو صعباً بالتأكيد أن نفسر هذه الاتفاقات من خلال الدوافع الاستراتيجية، وليس أقلها المخاوف العربية من تهديد إيران، لكن اللافت للنظر أن الاتفاقيات قد رُوّج لها من منظور ديني ثقافي فصار اسمها ’ اتفاقيات إبراهيمية‘”.

وتتماشى هذه الاتفاقيات مع أجندة الإمارات الأكبر والتي أعلنت في 2019 بناء ما سُمي باسم “بيت العائلة الإبراهيمية” حيث تجتمع كنيسة ومسجد ومعبد يهودي. وقد اختارت الإمارات ذلك للتأكيد على القواسم الثقافية المشتركة بين اليهودية والمسيحية والإسلام، ويرمز لهم جميعاً النبي إبراهيم الذي تبجله الأديان الثلاثة.

وهي إذ تفعل ذلك تأمل بلا شك في تجميل صورتها أمام الغرب. وبحسب غرين، فإن هذه الخطوة بمثابة نقض إضافي للفكرة الإسلامية القائلة بأن الغرب وثقافته في حالة عداء ضد الإسلام، وهو الادعاء الذي يهدد شرعية قادة الخليج المعتمدين على الدعم الأمريكي ويسعون إلى توثيق علاقاتهم مع إسرائيل.

ويضيف صاحب المقالة: “وعليه، فإن تأطير اليهود والمسيحيين والمسلمين في عائلة إبراهيمية واحدة هو خيار سياسي مماثل لتأطير الحضارات اليهودية والمسيحية والإسلامية بوصفها في حالة صراع”.

ويختم غرين مقالته بالتالي: “بيد أن المحاولات العربية لبناء سردية إبراهيمية قد لا تعارض الأجندة المعادية للغرب عند المتطرفين الإسلاميين فحسب، بل أيضاً السياسيين الأوروبيين الذين يصورون المسلمين بوصفهم معادين للغرب والسامية ومحض خطر على أوروبا. وعليه، قد تكون تلك فرصة للأوروبيين الساعين إلى نشر سرديات للهوية الغربية باعتبارها شاملة وتعددية ومناهضة للتطرف الإسلامي”.

ملاحظة

تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://theconversation.com في 24 ديسمبر 2020.