وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

كأس العالم في قطر: حلمٌ برأب الصدع الخليجي

Doha qatar
مشجعون ينتظرون بدء المباراة النهائية لكأس العالم للأندية 2019 لكرة القدم بين ليفربول الإنجليزي وفلامنجو البرازيلي في استاد خليفة الدولي في العاصمة القطرية الدوحة في 21 ديسمبر 2019. Photo: Mustafa ABUMUNES / AFP

نشر الصحفي المعروف جيمس دورسي على مدونته الخاصة مقالة سلط فيها الضوء على ما يمكن أن تلعبه كرة القدم من دور في رأب الصدع القائم في منطقة الخليج بين قطر من جهة، والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين من جهةٍ أخرى. ويرى دورسي، وهو باحثٌ بارز في معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة الوطنية، أن كرة القدم غير قادرة على بناء الجسور بين الدول المتصارعة ما لم تتوفر البيئة الملائمة والإرادة السياسية الراغبة في حل الإشكاليات القائمة.

ومع اقتراب انطلاق فعاليات كأس العالم 2022 في قطر في غضون عامين، ووسط غياب أي حل للرأب الخليجي القائم منذ ثلاث سنوات، يُمنّي مسؤولون حكوميون، ومدراء تنفيذيون في قطاع كرة القدم، وخبراء أنفسهم بأمل أن تساهم هذه المسابقة في تلطيف الأجواء بين قطر والدول الخليجية المناوئة لها وهي المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين.

ويرى دورسي أن هذا الاعتقاد يقوم على وهم قدرة كرة القدم على تحريك الأحداث وبناء جسور الثقة، حتى وإن كانت الأطراف المتخاصمة غير راغبة أو قادرة على التفاوض من أجل الوصول إلى حل لخلافاتهم.

بيد أنه لم يكن في مقدور الرياضة بصفةٍ عامة وكرة القدم بصفةٍ خاصة سوى بناء جسورٍ سياسية في أجواءٍ يقتصر فيها دور الرياضة على أن تكون مجرد أداة ضمن عمليةٍ سياسية أشمل وتهدف إلى تحقيق التقارب بين الأطراف المتنازعة. ويكمن أوضح الأمثلة على هذا النوع من المقاربات في دبلوماسية كرة الطاولة الصينية – الأمريكية التي تمّ تنظيمها في بداية سبعينات القرن الماضي، إذ ساهمت تلك الفعالية حينها في تحسين العلاقات بين واشنطن وبكين.

وتتضمن قائمة الأمثلة النموذجية على هذا النوع من المقاربات الاعتقاد السائد بأن كرة القدم تخلق إحساساً عابراً بالاتحاد ودفء العلاقات قبل أن يعود الموقف إلى ما كان عليه من مواجهات وعنف وحروب. وكان هذا ما حدث في ديسمبر من عام 1914، إذ أعلنت ألمانيا وبريطانيا حينذاك وقف إطلاق النار للعب مباراة قبل أن يعودا إلى الاقتتال في حرب عالميةٍ استمرت بعد ذلك لأربع سنوات إضافية.

كما ينطبق الأمر على حكاية عاشها العراقيون أجمع، إذ شهد عام ٢٠٠٧ خروج العراقيين من مختلف المشارب للاحتفال في شوارع بغداد، وذلك في أعقاب فوز بلادهم ببطولة كأس أمم آسيا لكرة القدم. ولم تمر سوى أيام بسيطة حتى عادوا إلى سنواتٍ من الاقتتال الطائفي.

ويغذي وهم أن كأس العالم يشكل عاملاً رئيسياً في أزمة الخليج حقيقة سعي الإمارات على مدار العقد الماضي إلى سحب حقوق استضافة كأس العالم من قطر.

ففي الوقت الذي قامت فيه الإمارات بتصعيد حملتها على قطر، فقد رأى بعض الإماراتيين البارزين أن تخلي قطر عن حقوق استضافة كأس العالم أو مشاركة حق الاستضافة مع دول خليجية أخرى قد يُنهي المقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية لهذه الدولة، علماً بأن هذه المقاطعة فرضها معارضو قطر عليها منذ عام 2017.

وفي هذا السياق، قال الفريق ضاحي خلفان، وهو مسؤولٌ إمني إماراتي سابق رفيع المستوى: “إذا خرجت بطولة كأس العالم من قطر، ستنتهي أزمة قطر.. لأن الأزمة خُلِقَت لإخراجها منها”.

ويرى دورسي أن أثر كأس العالم في تلطيف الأجواء بين الدول المتنازعة في الخليج سيكون مشابهاً لوقف إطلاق النار الذي حصل بين ألمانيا والمملكة المتحدة في الحرب العالمية الأولى عام 1914، وهو ما ينطبق أيضاً على ما عاشه العراقيون من مشاعر مؤقتة بوحدتهم أثناء الاحتفال بفوزهم بكأس آسيا.

وبحسب صاحب المقالة، فإنه من الصعب على كأس العالم المساهمة في حفظ ماء وجه السعودية والإمارات، نظراً لأن الشقاق القائم تم تصميمه لإجبار قطر على الخضوع لأوامر الدولتين. كما أن هذه الاستضافة لن تساهم في حل أو احتواء ما ينظر إليه الأمير محمد بن زايد، ولي عهد الإمارات، كتهديد وجودي: فقطر تدعم الإسلام السياسي، وهي تتحالف مع تركيا، وتتواجد فيها قناة الجزيرة كشبكة تلفاز حرة.

وقد تكون الورقة الرابحة في هذه الأزمة انتخابات الرئاسة الأمريكية التي تجري اليوم. وإذا ما وقع الاختيار على جو بايدن كرئيسٍ للولايات المتحدة الأمريكية، فإن هذا الأخير سيتبع على الأرجح سياسة تخفف من كمية الحماية التي تقدمها واشنطن لولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان، ناهيك عن توجيه عدد أكبر من الانتقادات له ولما يقوم به الأمير الإماراتي محمد بن زايد من تدخلاتٍ عسكرية في المنطقة وما يطبقه من سياساتٍ قمعية في بلاده.

وقد يميل بايدن أيضاً إلى تقليص استخدام السعودية والإمارات للأسلحة الأمريكية في حرب اليمن.

ويختم دورسي مقالته بالتالي: “قد يلعب كأس العالم دوراً في بيئةٍ جديدة يسعى فيها ولي العهد السعودي وولي العهد الإماراتي إلى كسب رضا إدارة بايدن. ويعزز هذا الاعتقاد بأن الرياضة وكرة القدم مفيدتان في بناء جسور التفاهم بين الأطراف المتخاصمة، فقط عندما تكون الظروف السياسية مهيأة لبناء مثل هذه الجسور”.

“الآراء الواردة في هذه المقالة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر فنك”.