وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

لا جديد تقدمه الإدارة الأمريكية للفلسطينيين

الإدارة الأمريكية
صورة تم التقاطها في أحد فنادق القدس يوم ١٤ يوليو ٢٠٢٢. ويظهر في الصورة الرئيس الأمريكي جو بايدن “يسار” مع رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، أثناء المشاركة في لقاء افتراضي مع قادة مجموعة “I2U2” التي تضم في صفوفها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والهند والإمارات العربية المتحدة. المصدر: MANDEL NGAN / AFP.

ماجد كيالي

تسير إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على خطا الإدارات الأمريكية السابقة فيما يتعلق بالتعامل مع القضية الفلسطينية. فهذه الإدارة ليس لديها أي جديد تقدمه للفلسطينيين. وعلى سبيل المثال، لا تملك إدارة بايدن حتى إمكانية العودة عن الخطوات التي أقدمت عليها إدارة ترامب المنصرفة كمثل إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، وإعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.

الأمر لا يقف عند هذا الحد. فأمريكا لا تزال تعتبر منظمة التحرير منظمة إرهابية بحسب قرار صادر عن الكونغرس عام 1987. والمفارقة هنا أن اتفاق أوسلو الذي تم التوقيع عليه في البيت الأبيض برعاية الرئيس بيل كلينتون، عُقد مع منظمة التحرير وبحضور زعيمها ياسر عرفات إلى جانب إسحق رابين، رئيس حكومة إسرائيل آنذاك. ويضاف إلى هذه المفارقة عدم مطالبة منظمة التحرير بسحب قرار الكونغرس قبل توقيع الاتفاق. كما أن الولايات المتحدة وإسرائيل وقعتا الاتفاق مع المنظمة رغم وصفهما لها بالإرهابية! وعلى هذا الأساس، يبدو جليّاً أن الحسابات السياسية هي التي تتحكم بالموضوع.

في ظل هذه الظروف الدولية والإقليمية الشديدة التوتّر، فإنّ الشغل الشاغل للرئيس الأمريكي جو بايدن في زيارته للشرق الأوسط ينصب في جانبين أساسيين. ويكمن الجانب الأول في تأكيده العلاقات الإستراتيجية التي تربط الولايات المتحدة بإسرائيل، وضمان أمنها وتفوقها النوعي. ومن المنتظر أن يظهر هذا التفوّق عبر “إعلان القدس” الذي سيصدر في اختتام تلك الزيارة. أما الجانب الثاني فيكمن في دمج إسرائيل في المنطقة العربية. وسيكون ذلك عبر اجتماع القمة الذي سيعقد بوجوده في المملكة العربية السعودية مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي الست (السعودية، وقطر، والإمارات، والكويت، والبحرين، وعمان) إلى جانب الأردن ومصر.

ومن المنتظر أن يفضي هذا الاجتماع إلى تشكيل منظومة دفاعية. وبطبيعة الحال، فإن الهدف هنا مركّب، يتمثل بدمج إسرائيل في الإقليم، وتوجيه رسالة تهديد أو تحذير إلى إيران، ناهيك عن طمأنة دول الخليج، مع مصر والأردن، بأن مكانتها لم تتزعزع على سلّم الأجندات الخارجية الأمريكية. ومما لا شكّ فيه، فإنّ التوتر مع كلٍّ من روسيا والصين، وأزمة الطاقة، يقف كمحفّز في كلّ التوجهات الأمريكية دوليا وإقليميا وعلى كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية.

في كلّ تلك الأجندات المزدحمة، والثقيلة، والصعبة، والمعقدة، لا يوجد لدى الرئيس الأمريكي ما يقدمه للفلسطينيين. كلّ ما يستطيع تقديمه هو استئناف المساعدات المالية وتوفير بعض التحسينات في حياة الفلسطينيين (بالتوافق مع إسرائيل). وسيكون ذلك بالتزامن مع تقديم وعود سياسية مؤجلة ومشروطة، وهي ذات السياسة المتبعة في الإدارات السابقة.

وبكلماتٍ أخرى، فإن ما لم يحصل عليه الفلسطينيون في عهد إدارات كارتر وكلينتون وأوباما لن يحصلوا عليه في عهد إدارة بايدن. كما أن السلطة الفلسطينية ستبقى بمرتبة سلطة حكم ذاتي، مع تمثيل خارجي. وعلى ذلك، ستكون السلطة أقلّ من دولة وأكثر من حكم ذاتي على الفلسطينيين. وسيكون ذلك في الوقت الذي لن تكون فيه هذه السلطة قادرة على فرض سيطرتها على الأرض والموارد والأجواء الفلسطينية.

بطبيعة الحال، سيخيّب ذلك آمال الفلسطينيين. فرئيسهم لن يحصل سوى على لقاء قصير قد يدوم لساعة. وهذا اللقاء قد يكون عابراً وللمجاملات، دون الخوض في أجندات سياسية حقيقية. فالقنصلية في القدس ما زالت مجرد وعد. والأمر نفسه ينطبق على إعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن. في المقابل، ستشرع الحكومة الإسرائيلية بعد زيارة بايدن بإعلان مخطط جديد لبناء مستوطنات جديدة في القدس والضفة الغربية.

على ذلك، فإن زيارة بايدن هي زيارة لإسرائيل على وجه التحديد. كما أنّها تشكل مكسبا جديدا لإسرائيل التي يبدو أنها نجحت في فرض منطقها القائل بإمكان إحداث اختراق في علاقاتها مع العالم العربي من دون الفلسطينيين، ومن دون تقديم أيّ شيء لهم. إسرائيل نجحت في ذلك بفضل الابتزاز أو التهديد الذي أضحت تشكله إيران للأنظمة العربية، سيما في الخليج والمشرق العربي. ووصل الأمر ببعض هذه الدول إلى التوجه نحو إسرائيل للتعاون في مجال الدفاع والاقتصاد والسياسة، سيّما مع تقدم الصناعات العسكرية الإسرائيلية، وتفوقها، خصوصا في مجال الصواريخ ومنظومات الدفاع الجوي.

المشكلة أن الفلسطينيين هم الطرف الضعيف في هذه المعادلة. ويزيد من مشكلتهم فقدان قيادتهم لكلّ أوراق القوة الذاتية. ويعود هذا الأمر بطبيعة الحال إلى ضعف كيانات السلطة الفلسطينية، وتدهور شرعيتها، وأيضا إلى غياب حاضنتها العربية.

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء الكاتب الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.