وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

منظمة “الخوذ البيضاء” وتاريخٌ طويل من استهداف متطوعي الإغاثة الإنسانية في زمن الحروب

Translation- Syrian Civil Defence
أحد أعضاء الدفاع المدني السوري المعروف بمنظمة “الخوذ البيضاء” يمشي بالقرب من الحافلات أثناء وصول قافلة نقلت مقاتلي المعارضة وعائلاتهم يوم 6 مايو 2018 من المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة جنوب دمشق إلى إحدى المناطق المجاورة لبلدة الباب. المصدر: AFP.

نشر موقع “The Conversation” مقالاً سلّط الضوء على ما واجهته منظمات الإغاثة الإنسانية من اعتداءات وحملات تشويه أثناء عملها في المناطق التي تعاني من الحروب والاضطرابات. كما تقدّم المقالة استعراضاً موجزاً لما تعرضت له منظمة “الخوذ البيضاء” الإغاثية السورية من حملات تشويهٍ واعتداءات منذ تأسيسها في عام 2013 إبان الحرب السورية. ويقوم صاحب المقالة جيمس كروسلاند، كبير محاضري التاريخ الدولي في جامعة ليفربول جون موريس، بعرض تجارب إغاثية مشابهة من التاريخ، محاولاً في الوقت نفسه استشراف مستقبل المنظمة بعد ترحيلها عن سوريا.

ويرى كروسلاند أن إجلاء 422 من متطوعي الخوذ البيضاء يعتبر بمثابة نهاية مهمةٍ إنسانيةٍ شجاعةٍ استمرت لخمس سنوات في أحد أكثر البلدان التي مزقتها الحروب في هذا العالم. وكانت منظمة “الخوذ البيضاء” (الدفاع المدني السوري) قد تأسست في عام 2013، حيث ضمت في صفوفها متطوعين سوريين تدرّبوا في بداية المطاف على يد ضابطٍ بريطاني متقاعد. وتمثل هدف هذه المنظمة في البحث عن ضحايا التفجيرات وإنقاذهم ضمن المناطق الواقعة تحت سيطرة “المتمردين” في سوريا.

ويلفت صاحب المقالة النظر إلى ما باتت تتمتع به منظمة “الخوذ البيضاء” من مكانة لدى الكثيرين في المجتمع الدولي، إذ باتت المنظمة التي تزعم إنقاذها لما يزيد عن 100 ألف شخص بمثابة الضوء الذي يستنار به وسط ظلام الحرب السورية. وكانت منظمة “الخوذ البيضاء” موضوع أحد الأفلام الوثائقية التي أنتجتها شركة “Netflix” وحازت على جائزة الأوسكار، كما تم ترشيحها للحصول على جائزة نوبل للسلام في عام 2016.

إلا أنه تم تشويه هذه الصورة الوردية للإنسانية في أبهى حُللها عبر تسييس أنشطة المنظمة ونشر روايةٍ مضادة سحبت الهالة “الملائكية” عن المتطوعين الموجودين في ساحة المعركة.

حملات الدعاية والتشويه

Translation- White Helmets
أحد أعضاء الدفاع المدني السوري المعروفين بـ”الخوذ البيضاء” في أعقاب شنّ ضربةٍ جوّية أثناء عملية إنقاذٍ جرى تنفيذها في مدينة بنّش التي تسيطر عليها قوات المعارضة يوم 25 فبراير 2017. المصدر: AFP.

قامت مراكز الدعاية التي تدعمها روسيا بشيطنة منظمة “الخوذ البيضاء”، حيث تم لصق كافة التهم الممكنة بهذه المنظمة، ابتداءً من كونها جزءاً من المعارضة (رغم أن المنظمة تأخذ من الآية القرآنية التالية شعاراً لها: “من أحياها فكأنّما أحيا الناس جميعاً”)، ومروراً بالتعاون مع تنظيم “الدولة الإسلامية” واتهامها بتلفيق هجمات الأسلحة الكيميائية، ووصولاً إلى كونها ببساطة واجهة تخدم كافة أهداف التدخل الغربي غير الرسمي في شؤون الرئيس السوري بشّار الأسد.

وتكرر الادّعاء الأخير تحديداً في وسائل الإعلام الموالية للرئيس السوري، في إشارةٍ إلى حقيقة اعتماد منظمة “الخوذ البيضاء” في تمويلها على حكومات الدول الغربية بصفةٍ أساسية.

وبعيداً عن حملة التشويه تلك، فقد وقعت المنظمة ضحيةً للاعتداءات المباشرة أيضاً. وتضمنت هذه الاعتداءات تفجير العديد من المستشفيات التابعة للمنظمة. وتمثّل أوضح هذه الهجمات في المداهمة الليلية التي تم شنّها على أحد منازل المنظمة الآمنة في أغسطس 2017، حيث تم إعدام سبعة من المتطوعين على يد سفاحين ما تزال هوياتهم مجهولة حتى هذه اللحظة.

وقد تظهر هذه الأحداث وكأنها فصلٌ من فصول أحد أفلام الحروب المرعبة، وهو ما جعل قصّة منظمة “الخوذ البيضاء” تتحوّل بالفعل إلى فيلم سينمائي سيلعب فيه الممثل جورج كلوني دور البطولة.

الإغاثة الإنسانية أثناء الحروب

يرى كروسلاند أن قصة الخوذ البيضاء ليست جديدة أو فريدة من نوعها، فانتصاراتها وآلامها ومآسيها لا تعدو كونها فصلاً جديداً في القصة الطويلة لما واجهته الإغاثة الإنسانية من وحشية في الحروب لما يزيد عن 150 عام من الزمن. وظهرت قصصٌ مشابهة في ساحات معارك الحرب الفرنسية – البروسية بين عامي 1870 و1871، وثورات البلقان بين عامي 1875 و1878. وشهدت كلتا الحالتين السابقتين تعرّض العاملين في مجال الإغاثة الإنسانية بشكلٍ واضح للعنف والتشكيك في دوافعهم.

وكانت منظمتا الصليب الأحمر والهلال الأحمر، وليس منظمة “الخوذ البيضاء”، من قام بتمييز المتطوعين عن المقاتلين في المثالين السابقين. ومثّلت هاتان المنظمتان رمزين مقدسين وفق بنود معاهدة جنيف التي أشارت إلى حيادية عمل المسعفين في ساحة المعركة. إلا أن هذين الرمزين “المقدسين” لم يتمكنا من حماية المتطوعين مما واجهوه من حالات عنفٍ واشتباه.

وكانت مستشفيات الصليب الأحمر تتعرض بشكلٍ روتيني لقصفٍ مستمر على امتداد الحرب الفرنسية – البروسية. كما تم إطلاق النار على عدد من المتطوعين الذين ظهرت الشكوك حول استغلالهم لعملهم “الحيادي” في الصليب الأحمر للقيام بأعمال التجسّس أثناء حصار باريس. وكان من المدهش في ذلك الوقت رؤية المتطوعين وهم يسعفون ضحايا الحرب على الجانبين، وبطريقةٍ مماثلة لما تواجهه منظمة “الخوذ البيضاء” في الوقت الراهن.

ومن الأمثلة التي يسوقها صاحب المقالة على ما يواجهه متطوعو الإغاثة الإنسانية من مصاعب اعتقال المتطوع السويسري فريدريك فيريير للاشتباه بكونه جاسوساً، علماً بأن هذا الأخير كان يقدّم خدماته الطبية إلى “العدو” البروسي.

كما تم طرد الممرضة الفرنسية المتطوعة كورالي كاهين بالقوة من معسكر القوات البروسية عندما حاولت الوصول إلى الأسرى الذين كانوا يتضورون جوعاً، ما يعتبر بمثابة شهادةٍ تكشف ما يعتري الأعمال الإغاثية من تسييس في الماضي والحاضر على حدٍّ سواء. وقامت الصحافة الوطنية لاحقاً بكيل المديح لكاهين باعتبارها رمزاً لانتصار الروح الإنسانية الفرنسية على البربرية الجرمانية.

ويمكن القول إن الشكوك الراهنة حول تمويل ودوافع منظمة “الخوذ البيضاء” ليست بالشيء الجديد. ويضرب صاحب المقالة مثالاً على هذا التوجّه من ثورات البلقان التي اندلعت في سبعينيات القرن التاسع عشر. وكانت منظمة “لجنة ستافورد هاوس” البريطانية قد قامت بإرسال بعثةٍ إغاثية إلى المنطقة المضطربة. وعلى الرغم من عمل متطوعي البعثة في إطار الصليب الأحمر والهلال الأحمر – وهو ما يفترض عملهم بطريقةٍ محايدة – فقد قامت الصحافة بوصف متطوعي “ستافورد هاوس” بالمرتزقة الطبيين الذين يعملون لصالح الجيش التركي ويتلقون تمويلاً من السلطان ومؤيدي الأتراك في بريطانيا.

وكانت أسباب هذه الاتهامات أشدّ بكثير من تلك التي تطال منظمة “الخوذ البيضاء” في الوقت الراهن. وبحسب ما يراه صاحب المقالة، فإن الحقيقة تكمن في الوجود الدائم للمنطقة الرمادية الغامضة بين الأجندات السياسية والعمل الإغاثي “المحايد”، بالتزامن مع شن من يهدّدهم عمل المتطوعين الإغاثيين لحملات التشويه والعنف.

ويختم كروسلاند مقالته بالتالي: “قد يكون إخلاء منظمة “الخوذ البيضاء” من سوريا بمثابة إسدال الستار على قصة هذه المنظمة. إلا أن التاريخ يعيد نفسه، وستشق قصة هذه المنظمة بمآسيها وعظاتها الطريق نحو مكانٍ آخر من هذا العالم في المستقبل”.