وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

ما معنى اللباس التقليدي؟

رجل تونسي يرتدي الملابس التقليدي
رجل تونسي يرتدي الزي التقليدي وهو يحمل الشموع على هامش افتتاح بطولة كأس الكؤوس العربية في تونس يوم 26 فبراير 2006. المصدر: JOSEPH BARRAK/ AFP

حكيم مرزوقي

اليوم الوطني للباس التقليدي، قرارٌ شبه إلزامي أصدرته السلطات التونسية منذ سنوات طويلة للاحتفاء بما كان يرتديه الأجداد والجدات. هذا اليوم يتزامن مع أسبوع ذكرى الاستقلال الوطني، ويلتزم به على وجه الخصوص، تلاميذ المدارس وأعضاء السلك الدبلوماسي في الخارج، بالإضافة إلى شخصيات رسمية وإعلامية وفلكلورية. تنتعش أسواق الملابس التقليدية في مثل هذه الأيام، ويجد الاستعراضيون والمتحذلقون وعشاق التراث ومناصرو “القدامة”، ضالتهم في هذه المناسبة مرة كل 365 يوما وربع اليوم، على الأقل.

احتفالية حميدة ـ بلا شك ـ فهي ليست ضارة إن لم تكن نافعة. حسبها أنها تذكّر ببهجة الألوان الساخنة والباردة، وسموّ الذائقة لدى السلف الصالح والطالح على حد سواء وقد شهدت على غناها وتنوعها من شمال البلاد إلى جنوبها في عصر العولمة، التي تختصر الجميع في هيئة واحدة يفرضها الغالب على المغلوب.

مهلا.. هل تخيّلنا ماذا سيكون عليه منظر أجدادنا لو طُلب منهم في زمانهم الاحتفاء بلباس أجدادهم كما تفرضه السلطات التونسية هذه الأيام على تلاميذ المدارس وموظفيها الرسميين؟

حتما سوف يُستبدل الطربوش العثماني بالعمامة العربية، مثلا، وتنسحب الأخيرة لتعوضها طاقية أندلسية، ومن قبلها غطاء رأس أمازيغي أو برنيطة وندالية أو مظلة أفريقية أو خوذة قرطاجية أو رداء فينيقي.. وهكذا دواليك بحسب التسلسل الزمني إلى أن نصل إلى جدّ بدائي الملامح، ذي رأس كثيفة الشعر، ولا يقبل إلا بالشمس قبعة صريحة، وبجلد الحيوان ثوبا يقيه برد الشتاء وحر الصيف.

كيف يحتفل جدي البدائي الأول بيوم اللباس التقليدي وهو الذي لم يدخل مدرسة، لم يحمل بطاقة هوية، ولا يسكن بلادا تتباهى باستقلالها ولباسها التقليدي؟

كيف له أن يعتز ويحتفل ويتباهى بملابس لا يعرف غيرها؟ ملابس لا يصممها ولا يخيطها ولا يبيعها له أحد.

ملابس جدي الأول كانت أوراقا وجلودا وشعورا طبيعية، وغبارا.. ثم تحولت، فجأة، إلى ماركات من أنواع “الدجينز والقماش والمخمل والشاموا” في عصر العولمة، ثم طُلب من حفيده اليوم أن يحتفل بلباسه التقليدي، وذلك على سبيل المواساة، والتذكير بأن له خصوصية ينبغي أن تُحترم ويُحتفى بها ضمن “محمية ثقافية” تضحك على الذقون الممشطة والمنتوفة على حد سواء.

أنا أنتصر لجلدي الثاني، للباس التقليدي الذي أسكن فيه الآن، ذلك أنه متأت من “التقليد” أي اقتداء المغلوب بالغالب، أما طربوش أبي، برنسه، جبته وإزاره، فمجرد مفردات يكسوها الغبار في خزانة البيت، كما سرج حصان جدي الآن وقد امتطاه التعب وطاردته الهزائم والإشاعات.

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.

إقراء المزيد

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles