وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

التفسير الكامن وراء ترحيب مناصري ترامب الإنجيليين بخطوة الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل

International Affairs- Donald Trump
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد توقيعه على قرار اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالقدس عاصمة لإسرائيل. ويبدو خلفه في الصورة نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس. المصدر: AFP.

نشر موقع “The Conversation” مقالة استعرضت الأسباب الكامنة التي دفعت الإنجيليون الأمريكيون للترحيب بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القاضي باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالقدس عاصمةً لإسرائيل في 6 ديسمبر 2017. وتبدأ جولي إنغرسول، أستاذة الدراسات الدينية في جامعة “نورث فلوريدا”، مقالتها بالتطرق إلى تزامن إعلان القرار مع انطلاق موجة واسعة النطاق من الانتقادات المناهضة له. وسارع المراقبون للإشارة إلى أن هذا القرار لم يتم اتخاذه بما يتوافق مع المصاح المتعلقة بالأمن الوطني الأمريكي بقدر ما أنه وثيق الصلة بالسياسات والوعود الانتخابية المحلية التي تعهّد بها ترامب لأنصاره الإنجيليين، حيث حاز هذا القرار على ترحيبٍ واسع من قبل هؤلاء.

وفي هذا الصدد، نشرت المؤرخة ديانا باتلر باس على موقع “تويتر” التغريدة التالية: “لم يقم ترامب بأي خطوة أكبر من هذا الخطوة التي تتناغم مع ما تعهد به من سياسات لاهوتية مواربة لقاعدة أنصاره الإنجيلية. إن ترامب يذكرهم بتنفيذه لإرادة الرب في آخر الزمان”.

وتلفت إنغرسول النظر إلى التصريحات المتعددة التي أطلقها الإنجيليون دعماً لترامب، حيث يستند هؤلاء في قناعتهم تلك على أن الله قد يختار أقل الرجال توقعاً لتنفيذ إرادته. وتقوم أستاذة الدراسات الدينية في جامعة “نورث فلوريدا” في القسم المقبل من مقالتها بشرح كيفية استثمار إدارة ترامب في نقطةٍ حساسة في سياسة الشرق الأوسط ومن وزن نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس للحصول على دعم المسيحيين المحافظين في أمريكا.

وتجدر الإشارة إلى العديد من مؤيدي ترامب الإنجيليين ينظرون إلى نقل السفارة باعتباره أمراً أساسياً في تطور الأحداث التي تقود إلى ظهور المسيح للمرة الثانية.

التبشير في ملكوت الله

باعتبارها صاحبة كتاب “بناء ملكوت الله” (Building God’s Kingdom)، تركز إنغرسول على الجوانب المختلفة من البروتستانتية الأمريكية المحافظة في الثقافة والسياسة الأمريكية.

وبحسب ما قامت به صاحبة المقالة من أبحاث حول بقاء أنظمة التفكير وضياعها عبر التاريخ، يلعب شعب إسرائيل ومدينة القدس دوراً محورياً في لاهوت “نهاية الزمان” – وهو شكل مما يعرف بمذهب ما قبل الألفية” – الذي يؤمن به العديد من البروتستانت المحافظين في أمريكا.
وقد ينظر البعض إلى هذه العقيدة كقراءة “حرفية” للكتاب المقدّس، إلا إنها تفسيرٌ جديد لكتاب ظهر في القرن التاسع عشر وارتبط بنشاط أستاذ الكتاب المقدس جون نيلسون داربي.

وبحسب داربي، فإن الوصول إلى نهاية الزمان يتطلب سيطرة الشعب اليهودي على القدس وبناء الهيكل اليهودي الثالث في نفس الموقع الذي تم تشييد الهيكلين الأول والثاني فيه – علماً بأن هذين الهيكلين الأخيرين تم تدميرهما قبل قرون على يد البابليين والرومان. وبوجهة نظر داربي، يعتبر تلعب هذه الخطوة دوراً حاسماً في نقل المؤمنين من الأرض إلى الجنة، حيث سيقوم المسيح بنقل المؤمنين لتجنيبهم أسوأ فترة من السنوات السبع التي ستشهد فيها الأرض معاناة واضطراب: فيما يعرف بـ”المحنة الكبرى”. ويلي تلك المحنة المعركة الكونية بين الخير والشر المعروفة بـ”هرمجدون” والتي سيهزم فيها الشيطان ويأسس المسيح مملكته على الأرض. وبحسب التعاليم الإنجيلية، فإن إمكانية حدوث هذه الفرضية باتت أقرب بعدما تم تأسيس دولة إسرائيل الحديثة في أربعينيات القرن الماضي.

وبحسب صاحبة المقالة، فإن استيعاب قوة هذه النظرة إلى العالم يتطلب القيام بما هو أكثر من الإشارة إلى المبادئ اللاهوتية، وصولاً إلى نشر هذه النظرة عبر ثقافةٍ قادرة على تحديد أنظمة التفكير التي بقيت وضاعت في التاريخ. وتلفت إنغرسول النظر إلى أن هذه المنهجية كانت كفيلة في جعل رواية نهاية العالم من المسلّمات اللاشعورية التي ينظر من خلالها هؤلاء المسيحين إلى العالم والتاريخ.

أصول هذه الرواية

International Affairs- Westeren Wall
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء زيارته لحائظ البراق/ الجدار الغربي في مدينة القدس في 22 مايو 2017. المصدر: AFP.

شاع الإطار المفاهيمي لمفهوم نهاية العالم في سبعينيات القرن الماضي عبر كتابٍ ورقي رخيص الثمن وواسع الانتشار قام بكتابته الكاتب المسيحي هال ليندسي بعنوان في “وقتٍ متأخر، كوكب الأرض العظيم” (The Late Great Planet Earth). وجادل ليندسي بأن تأسيس دولة إسرائيل في أربعينيات القرن الماضي يضع حجر الأساس لسلسلة الأحداث التي ستقود إلى عودة المسيح.

وبحسب حسابات لندسي، فقد توقع ظهور المسيح في ثمانينيات القرن الماضي. وبصورةٍ مماثلة لمن سبقه من المتنبئين بنهاية العالم، فقد جادل ليندساي بأنه عاش “في الحقبة التاريخية الأولى” التي باتت فيها تنبؤات الكتاب المقدّس قابلة للتحقيق. وترى إنغرسول أن ما طرحه ليندسي من أفكار يعود في قسمٍ كبير منه إلى قيام دولة إسرائيل من جديد.

وبحسب صاحبة المقالة، فإن تفسير ليندسي للكتاب المقدّس كان بعيداً عن الحرفية التي ادعى التزامه بها أثناء قراءة هذا الكتاب. وعلى سبيل المثال، فقد اعتبر الجراد المتنبأ به في أحد الأوبئة المذكورة في سفر الرؤيا لا يمكن أن يكون سوى طائرات الهليوكوبتر التي ظهرت في عصرنا هذا.
وفي الوقت الذي كان فيه كبار السن يقومون بقراءة كتاب لندسي، تابع جيل الشباب فيلماً “إنجيلياً” بعنوان “سارق في الليل” (A Thief in the Night) أثناء حصولهم على خدمات الكنيسة وفي الاجتماعات المخصصة للشباب.

ويبدأ الفيلم بساعة موقوتة تنذر بقدوم مرحلة نقل المؤمنين من الأرض إلى الجنة. ويظهر الفيلم كيفية اختفاء جميع المسيحيين المؤمنين بصورةٍ مفاجئة، لتبقى أمام الذين بقوا على الأرض فرصةً واحدةً لقبول الإنجيل. إلا أن تلك الفرصة تتطلب العيش في فترة اضطهادٍ شديدة.

وتشير إنغرسول إلى أن الفيلم أخاف الشباب ودفعهم إلى التحول في وجهات نظرهم الدينية عبر محاكاة تجارب أولئك الشباب المسيحيين الذين عانوا حياة الاضطهاد خلال الفيلم نتيجة غطرستهم ورفضهم نصائح الأصدقاء والعائلة والكنيسة بالتوبة، وهو ما حرمهم بالتالي من فرصة الفوز بالجنة.
وبحسب الباحثة آيمي فرايكهولم، فقد شاهد فيلم “سارق في الليل” ما يتراوح بين 50 و300 مليون شخص.

نهاية العالم وحروب الثقافة

International Affairs- John Burns
حملة ترامب الانتخابية شهدت حضوراً إنجيلياً لافتاً. ويظهر في الصورة القس الإنجيلي جون بيرنز أثناء حثه الأمريكيين للتصويت لصالح ترامب في مايو 2016. المصدر: AFP.

شهدت ثمانينيات القرن العشرين استخداماً متواصلاً لوسائل الإعلام التي تحظى بشعبية واسعة بهدف نشر الرؤية المرعبة لنهاية العالم وبما يدفع الشباب نحو التوبة. وكان روايات فرانك بيريتي المروعة مثالاً مهماً على هذا التوجه، حيث قامت هذه الروايات بمحاكاة عالم روحي نشط يدور فيه التنافس بين قوى الخير والشر للسيطرة على كل ما يدور حولنا.

وتشير هذه الروايات إلى إلزامية لعب كل شخص لدورٍ جزئي ضمن خيارين لا ثالث لهما وبطريقةٍ حرفية للغاية. فالمسيحيون الحقيقيون يجب أن يقاتلوا نصرةً للرب، في حين لا بد وأن يقاتل الباقون نصرةً للشيطان. وتم نشر أولى روايات بيريتي بعنوان “هذا الظلام الحالي” (This Present Darkness).

وعلى الرغم من الطابع الخيالي الواضح لهذه الكتب، فقد تعامل الكثيرون معها كقصص “حقيقية”. وعلى سبيل المثال، فقد جعلت إحدى هذه الروايات مركز التخطيط الشيطاني موجوداً في كلية محليّة تخيليّة وكان الخصم الرئيس في تلك الرواية من أحد الأساتذة المتخيلين. وعلى الرغم من الطابع الخيالي لتلك القصة، فقد نظر بعض القراء إلى الكليات والأساتذة كأعداء محتملين.

ولعب التصوير الحرفي لـ”الأخيار” والأشرار”، كأشخاص عاديين ينحازون إلى صف الله أو إلى صف الشيطان، دوراً متنامياً في المعارك الثقافية التي قسّمت الناس إلى فئات. وبقيت هذه الرويات تحظى بدورٍ قوي وفعال طيلة عقدٍ من الزمن حتى تم استبدالها في الثقافة المسيحية الشعبية بسلسلة الروايات الدينية “Left Behind” التي شارك في كتابتها المحارب الثقافي تيم لاهاي.

وتحاول هذه السلسلة، التي تم نشرها على مدى عقدٍ من الزمن في 16 رواية وأربعة أفلام، تتبع حياة المؤمنين الذين يعيشون في حقبة نهاية العالم وفوتوا فرصة دخول الجنة وباتوا الآن جزءاً من “قوة المحنة”، وهو ما جعلهم مضطرين لتحمّل مرحلة ما بعد رفع الناس إلى الجنة بالتزامن مع السعي للحفاظ على إيمانهم رغم ما يعانوه من اضطهاد. وتضمنت النجاحات التي حققتها هذه السلسلة من الروايات تواجد إحداها في قائمة أفضل الكتب مبيعاً بحسب صحيفة نيويورك تايمز، فضلاً عن تحطيم سبعة رواياتٍ أخرى لأرقام المبيعات القياسية. وتجدر الإشارة إلى بيع أكثر من 65 مليون نسخة من هذه السلسلة.

وترى إنغرسول أنه لا توجد أية مبالغة في تأكيد أثر هذا النوع من التأثير الثقافي على أولئك الموجودين ضمن الحلقات الإنجيلية، خاصةً وأن هذه الرسائل الثقافية تحظى بشعبيةٍ بالغة في أوساط الإنجيليين. ويشير عدد متنامٍ من الشباب الذين تركوا الإنجيلية إلى عقيدة نهاية العالم باعتبارها مكوناً أساسياً في الثقافة الفرعية التي تركوها. ويدعوا هؤلاء أنفسهم بـ”الإنجيليين السابقين” ويعتبرون التعاليم المماثلة لهذه التعاليم مسيئة الطابع.

وتختم أنغرسول مقالتها بالتأكيد على صعوبة استبعاد تأثير هذه الروايات الأسطورية على السياسة الأمريكية، خاصةً في ظل اللجوء إليها في أغلب الأحيان واختراعها وإعادة اختراعها ليتم تطبيقها على فتراتٍ مختلفة في التاريخ. وفي الوقت الذي يتفق فيه مؤيدو ومعارضو ترامب على أن القرار الذي اتخذه تجاه القدس سيعود بنتائج كارثية، فإن ذلك لم يمنع مسانديه الإنجيليين من إبداء سعادتهم به، خاصّةً وأن قراءتهم تنبع من زاوية عودة المسيح وتأسيس مملكة الرب.

The Conversation