وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تركيا تفرض وجودها على مستوى التعامل مع جريمة “كرايست تشيرش”

Translation- Erdogan
امرأة تحمل صورة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يوم ٢٩ مارس ٢٠١٩ في أحد حشدٍ انتخابي تم عقده في منطقة مالتيبي بمدينة إسطنبول. المصدر: AFP.

نشر موقع “The Globalist” مقالةً سلطت الضوء على جريمة “كرايست تشيرش” الإرهابية بنيوزيلندا، والتي راح ضحيتها نحو 50 مسلماً. ويقوم الدكتور جيمس دورسي، الزميل بكلية راجاراتنام للدراسات الدولية بسنغافورة والمدير المساعد بمعهد IFF التابع لجامعة فورتسبورغ الألمانية، بتحليل الجريمة من منظور آخر. ويحلل دورسي الموقف التركي من هذه الجريمة، ويقارنه بسياسات تركيا الخارجية في عهد أردوغان، وسعيها إلى قيادة العالم الإسلامي عن طريق بناء المدارس وتبنّي قضايا المسلمين في أنحاء العالم.

وشهدت نهاية الأسبوع الماضي سفر نائب الرئيس التركي فواد أقطاي ووزير الخارجية مولود شاووش أوغلو إلى مدينة “كرايست تشيرش” ليصبحا أول وفد أجنبي رفيع المستوى يقوم بزيارة المدينة. ويرى دورسي أن ما فعله المسؤولان التركيان كان أكثر من مجرد تعبير عن التضامن مع الجالية المسلمة الكليمة في نيوزيلندا.

فقد كانا يروجان لتركيا ما استطاعا إلى ذلك سبيلاً بحثاً عن دعم لنهج الرئيس رجب طيب أردوغان في الحكم الاستبدادي المتستر بالدين بما يتجاوز العالم التركي والعثماني السابق. فرؤية أردوغان، بحسب صاحب المقالة، تتمثل في المزاوجة بين بين الإسلام والوطنية التركية.

ويري دورسي أن ضمير أردوغان لا يحول بينه وبين استغلال هذه المأساة لأغراضه السياسية الداخلية مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية.

وقام أردوغان بعرض لقطات مروعة لما حدث في “كرايست تشيرش” على هامش أحد الفعاليات التي تم حشدها قبيل انتخابات ٣١ مارس، وعلق قائلاً: “عرض هذه اللقطات هنا مهم. إنَّ فلول الصليبيين لا يمكن أن تمنع صعود تركيا”.

وأضاف أردوغان: “نحن هنا منذ ألف عام وسنبقى هنا إلى يوم القيامة إن شاء الله. لن تجعلوا إسطنبول القسطنطينية مرة أخرى. أجدادكم جاؤوا فوجدونا هنا، وبعدها عادوا على أقدامهم أو في نعوش. إذا أتيتم إلينا بالنية ذاتها، فسنكون بانتظاركم”.

وجاء كلمات أردوغان في معرض رده على ما ورد في بيان “برينتون تارانت”، مرتكب جريمة مسجدي “كرايست تشيرش” التي أسفرت عن مقتل ٥٠ شخصاً والمؤمن بتفوق العرق الأبيض، علماً بأن تارانت يؤمن بأن “الأتراك جنود إثنيون يقومون حالياً باحتلال أوروبا”.

تركيا قائداً للعالم الإسلامي

Translation- Christchurch
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أثناء إلقائه لخطاب على هامش اجتماعٍ خاص عقدته منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول يوم ٢٢ مارس ٢٠١٩ لمناقشة هجمات ١٥ مارس على مسجدين في كرايست تشيرتش. المصدر: AFP.

تُعد زيارة الوفد الرسمي التركي بعد يومين من الهجمات أحد الجوانب الأخرى للحملة التركية التي تستخدم الأدوات الدبلوماسية والدينية التقليدية.

وتهدف الحملة إلى دفع تركيا لقيادة العالم الإسلامي والتفوق على منافسيها وهم السعودية، والإمارات، والمغرب بدرجة أقل.

وتضع تركيا نفسها ضمن هذه الحملة باعتبارها المناصر الرئيسي للقضايا الإسلامية مثل قضيتي القدس ومسلمي الروهنغيا، في وقتٍ يشهد تراجع السعودية والإمارات ودول إسلامية أخرى.

وعلى الرغم من حرصها على العلاقات التي تربطها ببكين، فإن تركيا كسرت جدار الصمت الذي تحافظ عليه الغالبية العظمى من الدول الإسلامية بانتقادها علناً حملة القمع الوحشية التي تشنها الصين ضد الإثنية التركية المسلمة المقيمية في إقليم سنجان المضطرب شمال غرب البلاد.

ونتج عن جهود أردوغان الدينية والدبلوماسية التقليدية بناء مساجد ومراكز ثقافية في جميع أنحاء العالم – في الولايات المتحدة ومنطقة الكاريبي وأوروبا وأفريقيا وآسيا – وتمويل التعليم الديني وترميم مواقع التراث العثماني.

وضغطت تركيا على حكومات أفريقية وآسيوية لتسلّم مدارس حركة الداعية المنفي فتح الله غولن، وهو من يحمّله أردوغان مسؤولية الانقلاب العسكري الفاشل في عام ٢٠١٦.

الجبهة الدبلوماسية

أسفرت جهود تركيا على الصعيد الدبلوماسي عن افتتاح ٢٦ سفارة على الأقل في إفريقيا خلال السنوات الأخيرة، وتوسعت شبكة الخطوط الجوية التركية لتشمل ٥٥ وجهة في أفريقيا، بالتزامن مع إنشاء قواعد عسكرية في الصومال وقطر وتفاوض الحكومة على امتياز طويل الأمد في جزيرة سواكن السودانية بالبحر الأحمر.

وتستوحي الحملة الدينية التركية نهجها من الجهود التي بذلتها السعودية على مدى أربعة عقود، إذ أنفقت الأخيرة حوالي ١٠٠ مليار دولار لنشر الإسلام السنّي المحافظ في العالم.

وبصورةٍ مماثلة لما يقوم به السعوديون، تعمل رئاسة الشؤون الدينية التركية على تقديم الخدمات للمجتمعات الإسلامية، فضلاً عن تنظيم الحج إلى مكة المكرمة، وتدريب العلماء، ونشر الكتب الدينية، وترجمة القرآن الكريم إلى لغات محلية، وتمويل الطلاب من جميع أنحاء العالم لدراسة الإسلام في المؤسسات التركية.

وتقوم المنظمات غير الحكومية التركية المسلمة بتقديم مساعدات إنسانية لمناطق في الشرق الأوسط وأفريقيا وغيرها من المناطق التي كانت تخضع سابقاً للإمبراطورية العثمانية، وهو ما يشبه كثيراً منظمة رابطة العالم الإسلامي التي تقودها السعودية وغيرها من المنظمات السعودية الحكومية وغير الحكومية، والتي أُغلق العديد منها منذ هجمات ١١ سبتمبر.

وكانت السعودية قد قلصت إلى حد كبير من تمويلها العالمي للتيارات المتشددة منذ صعود نجم ولي العهد محمد بن سلمان في عام ٢٠١٥.

ومع ذلك، فإن تركيا على خلاف عميق مع السعودية والإمارات بشأن مقتل الصحفي جمال خاشقجي، فضلاً عن الخلاف حول الدعم التركي لقطر في نزاعها مع السعوديين والإماراتيين، وعلى ملفات ليبيا وسوريا والأكراد والسياسة الخارجية الفاعلة لأنقرة.

وتسعى تركيا للترويج لنفسها كبديل إسلامي لتلك الدول. ورغم أن عقود التمويل السعودي قد تركت بصمة المملكة على المجتمع الإسلامي العالمي، فإن صراعات تركيا الحالية مع المملكة هي صراعاتٌ جيوسياسية أكثر من كونها أيديولوجية بحسب ما يراه دورسي.

وفي الوقت الذي تتنافس فيه تركيا من الناحية الجيوسياسية مع الإمارات في القرن الأفريقي وليبيا وسوريا، فإن التنافس بين الجانبين يصبح أيديولوجياً حيال سعي أبو ظبي لتكون مركزاً للإسلام المهادن غير السياسي في مقابل نهج تركيا النشط ودعمها للإخوان المسلمين.

رؤى متصارعة عن التاريخ الإسلامي

يرى صاحب المقالة أن التنافس التركي – الإماراتي انتقل من الجغرافيا السياسية والأيديولوجيا إلى الرؤى المتصارعة حول التاريخ الإسلامي.

وشهد العام الماضي إعادة تسمية تركيا لشارع سفارة الإمارات في أنقرة ليصبح على اسم قائد عسكري عثماني كان محل خلاف على تويتر بين أردوغان ووزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان.

ورد أردوغان بغضب على تغريدةٍ تتهم فخر الدين باشا، الذي دافع عن المدينة المنورة ضد البريطانيين في أوائل القرن العشرين، بإساءة معاملة السكان العرب وسرقة ممتلكاتهم وآثار مقدسة من قبر النبي، فضلاً عن وصف الجنرال في التغريدة بأنه أحد أسلاف أردوغان.

ويختم دورسي مقالته بالإشارة إلى تغريدة إردوغان التي رد فيها على وزير الخارجية الإماراتي، حيث جاء في هذه التغريدة: “أين كان أجدادك أنت أيها الوقح عندما كان أجدادنا يدافعون عن المدينة المنورة؟ لقد وصل الانحطاط بأحد الحمقى إلى حد اتهام أجدادنا بالسرقة. يا لك من رجل أفسده ماله ونفطه”.