وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

عيد الحب يرسم حدود ما يقوم به ولي العهد السعودي من إصلاحاتٍ إسلامية

Translation- Valentine's day in Saudi Arabia
سعودي يشتري الورود الحمراء في متجرٍ للزهور في العاصمة السعودية الرياض في يوم عيد الحب. المصدر: AFP.

نشر الدكتور جميس دورسي، الباحث البارز في كلية راجاراتنام للدراسات الدولية، مقالة على مدونة https://mideastsoccer.blogspot.com/. وسلطت هذه المقالة الضوء على المعادلة الصعبة التي تعيشها المملكة العربية السعودية بين التوجهات الجديدة التي يقف خلفها ولي العهد السعودي وما تركته الرياض من إرثٍ عميق في دعم التشدد في مختلف أنحاء العالم.

ويشير عيد الحب في الرياض وإسلام أباد وبعض المناطق الموجودة في إندونيسيا وماليزيا بوضوحٍ كبير إلى ما تتمتع به المملكة العربية السعودية من قدرة على الحد من تصاعد ما أججته الرياض من تشدد للإسلام السني على المستوى العالمي. ويرى دورسي أن هذه القدرة تظهر عبر ما يقوم به ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من جهود لتقليم أظافر هذا التشدد في بلده.

وللإنصاف، فإن الجدل الدائر حول عيد الحب لا يمكن حصره بالإسلام المتشدد، إذ أدان القوميون الروس والهنود الاحتفالات بهذا العيد على اعتبار أنه يتناقض مع الإرث الثقافي للدولة أو أنه مجرد “مهرجان أجنبي”.

ومع ذلك، يرى صاحب المقالة أن الجدل الدائر حول هذا العيد بين المسلمين يحظى بأهمية أكبر نظراً لما يحمله من تبعاتٍ سياسية وأمنية وجيوسياسية على المستوى العالمي. وبعد تمويل الرياض للإسلام السني المتشدد على مدى أربعة عقودٍ من الزمن بما يصل إلى 100 مليار دولار أمريكي، فإن أهمية هذا الجدل تمكن في إظهاره لما قامت به المملكة من مساعدات لإخراج هذا الجني من قمقمه وعدم قدرتها على إعادته إلى القمقم من جديد.

وبحسب ما يراه دورسي، فإن التناقض الحاصل بين الرياض التي تتجه نحو التحرر الاجتماعي، وإسلام التي تسير بشكلٍ متزايد نحو التشدد؛ لا يمكن أن يكون أكثر وضوحاً مما عليه الحال في الوقت الراهن. كما يظهر هذا التناقض لدى مقارنة جزيرة ماكاسار الإندونيسية ومدينة سورابايا السياحية بمنطقة بندر آتشيه المحافظة للغاية. وتنطبق هذه المعادلة على المقارنة بين إندونيسيا والمجالس الإسلامية العليا في ماليزيا.

وبدت المحلات والأسواق التجارية في هذا العام مغايرة لما اعتاد عليه السعوديون سابقاً. وعجت هذه الأسواق بالسلع والمنتجات الحمراء بعد حظر الاحتفال بعيد الحب لسنواتٍ طويلة ومنع المحلات التجارية من بيع بطاقات المعايدة الحمراء أو تلك البطاقات التي تحمل إشارة لعيد الحب. وسجّل أحد محلات بيع الورود السعودية بيع ألفي وردة حمراء في يومٍ واحد، دون مواجهة أي تدخل من الشرطة الدينية التي كانت تخيف السعودية.

وبصورةٍ مغايرة لموقف المؤسسة الدينية المحافظ، فقد قام الشيخ أحمد قاسم الغامدي، رئيس الشرطة الدينية السابق المشهور بصراحته، بوضع عيد الحب على قدم المساواة مع العيد الوطني السعودي وعيد الأم. وقال الشيخ أحمد: “هذه الأمور قضايا اجتماعية عامة تشترك فيها الإنسانية وهي ليست مسائل دينية يعتمد جوازها على وجود دليل ديني”، ليحاكي بذلك ما تطلقه السلطات الدينية في مصر وتونس من تصريحات.

Translation- Mohammed bin Salman
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أثناء لقاءه للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض. المصدر: AFP

وفي الوقت الذي تمتّع فيه السعوديون بما حصلوا عليه مؤخراً من حرياتٍ اجتماعية كرفع الحظر عن قيادة النساء للسيارات، فقد عايش الباكستانيون للعام الثاني حظراً للاحتفالات بعيد الحب كانت السعودية ملهمته. وبحسب دورسي، فإن هذا الحظر يعود بصورةٍ جزئية إلى ما كانت تقدّمه المملكة من دعمٍ مميت للتشدّد في البلاد لما يزيد عن ستة عقود من الزمن.

وكانت المحكمة العليا في إسلام أباد قد قضت العام الماضي بحظر الاحتفال بعيد الحب بناءً على عريضة خاصة قدمها المواطنون جاء فيها “تحت ستار نشر الحب، يجري الترويج للفجور والعري وعدم الاحتشام – وهو ما يتعارض مع ثقافتنا الغنية”. وجاء هذا الحظر بعدما حثّ الرئيس ممنون حسين الباكستانيين على تجاهل عيد الحب لأنه “لا علاقة له بثقافتنا وينبغي تجنبه”. وفي هذا العام، وجّه جهاز تنظيم الإعلام الإلكتروني أمراً لوسائل الإعلام المرئية والسمعية بعدم بث كل ما يمكن تفسيره بأنه احتفال بعيد الحب.

وقامت المعارضة الرسمية بتسليط الضوء على مدى ترسّخ الآراء المتشددة والمستلهمة سعودياً في أروقة الدولة الباكستانية، مشيرةً إلى أن تفكيك هذه الآراء سيتطلب سنوات، إن لم يكن عقود من الزمن، دون خلق المزيد من الفوضى في الدولة.

وبالتزامن مع هيمنة التشدد على الآراء في جميع أنحاء باكستان، فقد دخلت دول مماثلة لإندونيسيا وماليزيا في حروبٍ ثقافية مع مناصري الآراء المتأثرة بالسعودية الذين يهيجون الرأي العام ضد عيد الحب أو يفرضون إرادتهم في المناطق التي يسيطرون عليها أو تلك التي يحظون بتأثيرٍ كبير عليها في الدولة.

وقامت 10 مدن على الأقل في إندونيسيا بحظر عيد الحب أو بتقليص مظاهر الاحتفال به. وشهد الأسبوع الماضي احتجاز السلطات في سورابايا، ثاني أكبر مدن البلاد، لـ20 ثنائي بتهمة الاشتباه بالاحتفال بعيد الحب.

وواصلت باندا آتشيه، عاصمة مقاطعة آتشيه، ومدينة ماكاسار في جزيرة سولاويسي تطبيق الحظر المفروض على عيد الحب لسنواتٍ طويلة. وشهد العام الماضي مداهمة الشرطة البلدية في ماكاسار لمتاجر السلع الترفيهية في 14 فبراير، حيث تمت مصادرة الواقيات الذكرية. وادعت الشرطة أن هذه الواقيات يتم بيعها “بطريقةٍ غير منظمة” لتشجيع الناس على الأعمال الجنسية غير الأخلاقية في عيد الحب.

وتم إضفاء الشرعية على هذه الإجراءات عبر قرار أصدره المجلس الإسلامي الإندونيسي الأعلى في عام 2012، حيث ينص هذا القرار على اعتبار عيد الحب مخالفاً لتعاليم الإسلام.

واستند موقف دائرة التنمية الإسلامية الذي تديره الدولة الماليزية على فتوى أو رأي ديني قامت بإصداره في عام 2005، ليتماشى بذلك مع موقف نظيرتها في إندونيسيا. وفي كل عام، تلوم الدائرة عيد الحب، والذي تصفه بأنه عيدٌ مسيحي، على كل الآثام الواردة في الكتاب، ابتداءً من الإجهاض ومروراً بهجر الأطفال والإدمان على المشروبات الكحولية، ووصولاً إلى ممارسات السلوك الاحتيالي.

وقامت السلطات خلال السنوات الماضية باحتجاز الشباب مراراً وتكراراً في عيد الحب بتهم الاقتراب من من الجنس الآخر دون أن يكون بينهم زواج أو قرابة.

وبحسب دورسي، غالباً ما يتم التعامل مع عيد الحب بوصفه إحدى المعارك الدائرة في إطار الحروب الثقافية، والتي تتضمن أيضاً حقوق المثليين والمتحولين جنسياً بالإضافة إلى وجود وتطبيق قوانين التجديف ودور الإسلام في المجتمع. ولا يحظى أغلب المتشددين البارزين بصلاتٍ مع السعودية، إلا أنهم حصلوا على ما يحتاجون إليه من تشجيع نتيجة مساهمة المملكة في ظهور البيئات المواتية لهم وتوافق الحكومات الانتهازية مع مطالبهم.

وتشير الحروب الثقافية، بما في ذلك معركة عيد الحب، إلى أن جهود الأمير محمد بن سلمان لمنح مساحة أكبر من الحرية الاجتماعية وخطته الرامية لإيقاف ما تقدمه السعودية من تمويلٍ للتشدد سيكون أثرها محدود على الأرجح خارج حدود السعودية، حتى وإن كانت المملكة وقواعدها الأخلاقية الصارمة تحظى بموقعٍ خاص بها ضمن العالم الإسلامي.

ويرى دورسي أن القرار السعودي الذي صدر الشهر الماضي والقاضي بالتخلي عن السيطرة على المسجد الكبير في بروكسل وكأنه محاولة لتلميع صورة المملكة الملطخة والتأكيد على جدّية الأمير محمد أكثر من كونه علامة على بداية موجةٍ من الاعتدال. وجاء هذا القرار في أعقاب مواجهة من الانتقادات البلجيكية لما يروّج له القائمون السعوديون على الجامع من تعصب واستعلاء.

وكان جامع بروكسل من المؤسسات السعودية القليلة التي يديرها سعوديون. وتجدر الإشارة إلى أن معظم المؤسسات والمجموعات السياسية والأفراد الذين استفادوا من الهبات السعودية يعملون بصورةٍ مستقلة.

ونتيجة لذلك، يثير الجدال الدائر حول عيد الحب شبح بدء بعض المتشددين بانتقاد انتقاد مملكةٍ يرون أنها أدارت ظهرها للعقيدة الدينية.