وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

نحجُبُ أعيُننا بدلًا من وجوهِ نسائنا

منذ أكثر من مائة عام والنساء الإيرانيات تناضلْن من أجل المساواة في الحقوق. يُعدُّ اللباس أحد المكوّنات الأساسية لهذا الكفاح. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا لا يتم تلبية مطالبهنّ بارتداء ما يحلو لهنّ، بل والأكثر من ذلك يتم سحق تلك المطالب بعنف.

النساء الإيرانيات
(الصورة مأخوذة من “استكشاف أهمية الحجاب” في فيلم “برسيبوليس” لمرجان ساترابي | بقلم كاميلا أندرسون | Medium)

الأستاذ الدكتور علي أصغر سيد غراب

نحجُبُ أعيننا بدلاً من وجوهِ نسائنا

فليس من عادتنا أن نغطّي الوجوه،

وبالتأكيد، هذا ليس جزءًا من طريقة عيشنا في كيبتشاك.

إذا كان من عادتك أن تحجب الوجوه،

فنحن نحجبُ أعيننا في ثقافتنا.

بدلًا من تخريب وجوه الناس بالبرقع،

يجب أن تحجب عن عينيك النظر.

ولی روی بستن ز میثاق نیست
که این خصلت آیین قفچاق نیست
گر آیین تو روی بربستن است
در آیین ما چشم در بستن است
به برقع مکن روی این خلق ریش
تو شو برقع انداز بر چشم خویش

أدّى اعتقال شرطة الآداب الإيرانية وما تلاه من وفاة السيدة مهسا (زينة) أميني البالغة من العمر 22 عامًا في 16 سبتمبر إلى اندلاعِ احتجاجاتٍ على مستوى البلاد في جميع أنحاء إيران ، مما أدى إلى وقوع المزيد من الوفيات والاعتقالات. خلال القرن الماضي، تعرّضت النساء الإيرانيات لسوء المعاملة، فقد ناضلْن من أجل حقوق متساوية لأكثر من مائة عام، وكانت قواعد اللباس من بين أحد المكوّنات الأساسية لهذا الكفاح. والسؤال هنا هو لماذا يرفض المجتمع الإيراني الذكوري مطلبهنّ بارتداء ما يحلو لهنّ، ولماذا يُعتبر الحجاب إلزاميًا ورمزًا للأخلاق الدينية والعفة؟

قد يبدو في الظاهر أن هذا الاحتجاج حديث، لكن الحجاب لم يكن أبدًا أمرًا غير مثير للجدل في التاريخ الثقافي الإيراني. وكما تُظهر قصيدة نظامي (1209) أعلاه، لطالما كان الحجاب موضوعًا مثيرًا للجدل انطلاقًا منذ العصور الوسطى وصولًا إلى حظر الحجاب في عام 1936. حتى في التصوّف الإسلامي ( الصوفية ) نرى أن المرأة خلعت حجابها احتجاجًا منها على الظلم.

ومن الأمثلة على ذلك، أخت الشهيد الصوفي الحُسين بن مَنْصُور الحَلاَّج (الذي أُعدِم عام 922). يُذكَر أنّها احتجّت وظهرت لحظة إعدام الحلاج وسط حشد من الناس وخلعت حجابها. وعندما سألها الحلاج من المشنقة عن سبب خلعها للحجاب، أجابت أنها لا ترى أي رجل هنا، ممّا يعني أن كل الرجال الذين وافقوا على إعدام الحلاج وصمتوا ليسوا رجالًا حقًا.

وامرأة فارسية أخرى تخلع حجابها وتلقي بشجاعة محاضرات علنية هي شهيرة قرة العين (التي أُعدِمَت عام 1852) والتي ضُرِبَ المثل بها. فمنذ ذلك الحين نرى موجة من الكتابات حول أهمية الحجاب ولماذا يجب على المرأة أن تكون محجّبة. هل هذه مجرد علامة على العفة؟ لماذا أصبحت أجساد النساء حساسة للغاية في الثقافة الإيرانية التقليدية ولماذا تُركّز جمهورية إيران الإسلامية كثيرًا على وضع شرط صارم لارتداء الحجاب؟

فيما يتعلق بالعفة، هناك إشارات كثيرة في الشعر الفارسي تبيّن أن لا علاقة للحجاب بعفة المرأة ولا يُساهم أبدًا في تحديدها أو إثباتها. ربما كانت القصة الأكثر شهرة هي قصة إيراج ميرزا (1874-1926) الذي يروي حكاية امرأة كانت ترتدي شادور وتمرّ عبر زقاق حين أوقفها الراوي وبدأ بالتحدّث إليها. إنّها امرأة متحفّظة وغير مسموح لها بالتحدّث إلى رجال غرباء. لكن بلاغة الراوي تقنعها بالذهاب إلى منزله، وهناك يمارسان الجنس وهي تمسك بحجابها بإحكام ولا تسمح للرجل برؤية وجهها وشعرها.

ويستنتج الشاعر أن لبس الحجاب بالتأكيد ليس علامة على العفة، بل المرأة التي تُظهر رقبتها والمتعلّمة تكون عفيفة وفاضلة. ويؤكّد إيراج ميرزا أن العفة والتديّن لا يرتبطان بالحجاب بل بالتربية والتنوير. ويدين بشدّة التسلسل الهرمي لرجال الدين الذين يضعون القواعد التي تفرض لبس الحجاب.

وفي الفترة نفسها تقريبًا، في بداية القرن العشرين، كتب مثقّف مؤثّر آخر، وهو محمد رضا مرزادة عشقي (قُتل عام 1923)، أوبرا رائعة بعنوان The Black Shroud. تقارن تلك الأخيرة الحجاب بالكفن، مما يعني أن النساء الإيرانيات قد توفّين وهنّ لا زلن على قيد الحياة طالما أنهنّ مسجونات في مثل هذا الزي. ويخلص إلى أنّه “ما دامت المرأة مغطاة بالكفن، فإن نصف الأمّة قد مات.” كما أعربت العديد من المفكّرات الإيرانيات مثل زالة قاسم مقامي (1883-1946) عن رفضهنّ ارتداء الحجاب الإلزامي، ومقارنته بالقطران الأسود الذي يلتصق بجسد المرأة ويخنقها.

وهناك أمثلة لا حصر لها يتم فيها إدانة الحجاب. من المحزن بالتأكيد أن نرى أنّه بعد مائة عام لا تزال النساء الإيرانيات يكافحن بل ويُقتَلْنَ بسبب قطعة من القماش. وعندما أصدر رضا شاه (حَكَم من عام 1925 إلى عام 1941) مرسوم نزع الحجاب في عام 1936، تغيّر الوضع تدريجيًا وحصلت المرأة على مزيدٍ من الحرية وفرصة للمشاركة في المجتمع. كذلك، تمّ إنشاء جمعيات ومنظّمات للنهوض بحقوقها ومناصبها. وقدّم ابن رضا شاه، محمد رضا شاه (حكم من 1941 إلى 1979)، حق المرأة في الاقتراع في عام 1963، وهي خطوة كبيرة نحو منح المرأة الحقوق التي تستحقّها منذ فترة طويلة.

وكانت ردود التسلسل الهرمي لرجال الدين، والخميني (1902-1989) على وجه الخصوص، شرسة للغاية. لقد بعث رجل الدين الغاضب برسالة إلى الشاه يطلب منه إلغاء مثل هذا القرار غير الإسلامي. وكان ينظر إلى نزع الحجاب ومشاركة المرأة في المجتمع على أنّه غزو ثقافي غربي من شأنه إلحاق الضرر بالإسلام. وأثار الخميني المشاعر الإسلامية والقومية التقليدية بين الناس، مؤكّدًا على عدم توافق المفهوم الغربي للأنوثة مع الثقافة الإيرانية. وفي هذه الفترة تم القبض على الخميني ونُفِي لاحقًا إلى تركيا ثم إلى العراق. وعندما عاد إلى إيران بعد ثورة 1979 ، عاد معه الحجاب الإلزامي. وكانت هذه الخطوة الأولى للتقيّد بالحجاب والحدّ من حقوق المرأة.

ويتطلّع الكثير من الناس في إيران إلى الديمقراطية واعتناقها، لكن الأيديولوجية الدينية للجمهورية الإسلامية تعارض مثل هذه التطلّعات. ووفقًا لاستطلاع رأي حول مواقف الإيرانيين تجاه مختلف المواضيع الاجتماعية والسياسية (أجرته Gamaan – مجموعة تحليل وقياس المواقف في إيران) ، فإن نسبة كبيرة من السكان الإيرانيين يقفون ضد الجمهورية الإسلامية الحالية والأوامر الدينية المفروضة.

والسؤال هو إلى متى ستتمسّك الجمهورية الإسلامية بمبادئها الدينية الصارمة؟ يفتح مقتل مهسا فصلًا جديدًا في التاريخ المعاصر لمعركة المرأة الإيرانية ضد القمع المنهجي والإقصاء والتمييز.

وقبل أيام قليلة فقط، تجنّب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إجراء مقابلة مع كبيرة الصحافيين البريطانيين-الإيرانيين كريستيان أمانبور في نيويورك من خلال إلزامها بارتداء الحجاب. لقد رفضت هذا بحق، وتم إلغاء المقابلة. والردّ الذي وجّهه رئيسي يوضّح بقوّة موقف النظام الإيراني تجاه حقوق المرأة ومكانتها في المجتمع، بل ويُظهر أيضًا استعداده لانتهاك حقوق الإنسان وحرية التعبير.

ناضلت النساء الإيرانيات بشجاعة للحصول على حقوقهنّ على مدى السنوات الـ 43 الماضية. وتَعتبر الجمهورية الإسلامية الحجاب رمزًا للعفة للحد من حقوق المرأة وحريّتها. إن انتهاك القواعد الصارمة للحجاب، التهمة التي قُتلت بسببها مهسا أميني، هي سبب مبرّر للاحتجاج على القمع وسوء الوضع الاقتصادي والرقابة وحقوق الإنسان الأساسية.

Selected literature

Afary, Janet, Sexual Politics in Modern Iran. Cambridge: Cambridge University Press, 2009.

Milani, Farzaneh, Veils and Words: The Emerging Voices of Iranian Women, Syracuse, New York: Syracuse University Press, 1992.

Seyed-Gohrab, Asghar, #MeToo in Persian poetry – Leiden Medievalists Blog

Seyed-Gohrab, Asghar, (ed.) Literature of the Early Twentieth Century: From the Constitutional Period to Reza Shah, London and New York: I.B. Tauris, 2015.

Seyed-Gohrab, Asghar, Mirror of Dew: The Poetry of Ālam-Tāj Zhāle Qā’em-Maqāmi, Cambridge: Harvard University Press, ILEX Foundation Series, 2014.

 

© Asghar Seyed-Gohrab and Beyond Sharia ERC Project, 2022. Any unlicensed use of this blog without written permission from the author and Beyond Sharia ERC Project is prohibited. Any use of this blog should give full credit to Asghar Seyed-Gohrab and Beyond Sharia ERC Project.

 

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

ملاحظة

تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://beyondsharia.nl/ في 25 سبتمبر 2022

user placeholder
written by
Michella
المزيد Michella articles