وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

لا آثار سلبية للاجئين السوريين على سوق العمل الأردنية

Translation- Syrians in jordan
لاجئون سوريون أثناء اصطفافهم يوم ٤ أكتوبر ٢٠١٧ لتسجيل أسمائهم لدى دائرة التوظيف في مخيم الزعتري للاجئين على بعد ٨٠ كيلومتراً (٥٠ ميلاً) شمال العاصمة الأردنية عمّان. وقامت حوالي ٥٠ شركة بتصنيف طلبات التوظيف بحسب الأسماء والعمر والمؤهلات، وذلك على هامش مشاركتها في معرض الوظائف الذي موّله الاتحاد الأوروبي وافتتحته الحكومة الأردنية مع مفوضية الأمم المتحدة للاجئين يوم ٢٠ أغسطس من ذلك العام. المصدر: KHALIL MAZRAAWI / AFP.

نشر موقع “The Conversation” مقالةً سلطت الضوء على التساؤلات المتعلقة بمدى تأثير اللاجئين السوريين سلباً أو إيجاباً على سوق العمل الأردني. وتقوم جاكلين وهبة، أستاذة الاقتصاد بجامعة ساوثمبتون، بتناول الدور الذي تحمله الاتفاقية الموقعة بين الأردن والاتحاد الأوروبي لتسهيل حصول السوريين على تصاريح عمل في الأردن مقابل حصول هذا الأخير على تسهيلاتٍ تجارية من الاتحاد الأوروبي. ويخلص البحث الذي أجرته صاحبة المقالة إلى أن اللاجئين السوريين يكادوا لا يؤثّروا بصورةٍ سلبية على سوق العمل، بل أن وجود السوريين في الأردن ساهم في خلق فرص عمل الأردنيين في قطاعات عدة.

وتبدأ وهبة مقالتها بالإشارة إلى انتشار ظاهرة النزوح القسري على المستوى العالمي، إذ ارتفع عدد النازحين من بين عامي ٢٠٠٧ و٢٠١٧ من 43 إلى 69 مليون نازح. ويعود السبب الرئيسي في تنامي أعداد النازحين إلى الصراع الدائر في سوريا منذ عام 2011. وفرّ منذ اندلاع هذا النزاع ما يزيد عن 6.3 مليون سوري إلى الدول المجاورة وغيرها من الدول. وأسفرت هذه الأزمة الإنسانية عن ولادة حالةٍ عامة من التعاطف والقلق حيال تداعيات هذا التدفق الهائل من الناس.

وشهد الأردن المتاخم للحدود السورية تدفقاً كبيراً للاجئين. ويعيش حوالي 1.3 مليون سوري في الأردن الذي لا يزيد عدد سكانه عن ٦.٦ مليون نسمة. ويعتبر تأثير هذه الأعداد الكبيرة على أعضاء المجتمع المضيف من المواضيع التي تحظى باهتمامٍ واسع ويدور حوله حالةٌ من الجدل.

ويشغل سوق العمل مساحة اهتمامٍ كبيرة من هذا الجدال. ويعطي الأردن مثالاً فريداً من نوعه على هذا المستوى، إذ وقعت هذه الدولة في عام ٢٠١٦ اتفاقاً مع الاتحاد الأوروبي يقوم بموجبه الأردن بمنح تصاريح العمل اللاجئين السوريين لقاء حصوله على مساعداتٍ إنسانية ومالية وامتيازات تجارية من الاتحاد. وبحسب الدراسة التي أجرتها وهبة مع زميليها بلال فلاح وكارولين كرافت حول ما تحمله الاتفاقية من أثرٍ على مستوى تبسيط قواعد المنشأ على سوق العمل الأردني، فإن الاتفاقية لم يكن لها تأثيرٌ سلبي على الوظائف أو الأجور الأردنية.

تمكنت وهبة مع زميليها من تحديد تأثير السوريين على فرص عمل الأردنيين عبر مقارنة نتائج سوق العمل الأردني قبل وبعد التدفق السوري، وذلك استناداً إلى البيانات التي تغطي البلد بأكمله والمعلومات المتوفرة عن أماكن إقامة معظم اللاجئين (وهي تتركز إلى حدٍّ ما في مناطق معينة من البلاد).

وبحسب الدراسة، فإن نتائج سوق عمل الأردنيين الذين يعيشون في مناطق تضم تجمعات كثيرة من اللاجئين لم تكن أسوأ من التجمعات السكانية الأردنية التي شهدت تدفقاً أقل للاجئين. وكان هذا ثابتاً في بقية نتائج سوق العمل بما في ذلك مستويات البطالة، وساعات العمل، والأجور، وخصائص العمل (كالقطاع، والمهنة، وما إذا كان العمل مسجلاً بصفةٍ رسمية أم لا).

وتتناقض نتائج الدراسة مع معظم المؤلفات التي صدرت مؤخراً عن تأثير تدفق اللاجئين السوريين، علماً بأن هذه المؤلفات تقتصر حتى الآن على الأدلة المرتبطة بوضع تركيا. وبحسب تلك الأبحاث، فإن اللاجئين السوريين أثروا على المواطنين الذين يعملون في الأعمال غير المسجلة بصفةٍ رسمية. إلا أن الأبحاث العالمية تصل بصفةٍ عامة إلى ما توصلت إليه وهبة من نتائج في بحثها، إذ تؤكد النتائج أن الآثار السلبية لوجود اللاجئين على أسواق العمل المحلية ضئيلة إن وجدت. وقد يعود ذلك من بين عدة أسباب إلى التركيبة السكانية للاجئين في تركيا، وحقيقة منع اللاجئين من العمل هناك بشكلٍ قانوني.

منافسة صغيرة

Translation- UNHCR
المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي أثناء حديثه في مؤتمرٍ صحفي عقده في العاصمة الأردنية عمّان يوم ٢٤ أكتوبر ٢٠١٦. ويؤكد الأردن استضافته لـ١.٤ مليون سوري على أراضيه. المصدر: Khalil MAZRAAWI / AFP.

تتنوع أسباب ضعف تأثير التدفق الهائل للاجئين السوريين على الوضع المهني في الأردن. وربما تمثل التركيبة السكانية للسوريين في الأردن عاملاً مهماً، خاصةً وأن نصفهم تقريباً لا يزيد عمره عن 15 عاماً، علماً بأن نسبة اللاجئين السوريين المحسوبين على القوى العاملة في الأردن لا تزيد عن 23% (45% من الرجال و4% من النساء).

وتمثل الهدف من الاتفاقية في تمكين حوالي 200 ألف لاجئ سوري من الحصول على تصاريح العمل بصفةٍ رسمية. إلا أن حصول السوريين على تصاريح العمل كان منخفضاً للغاية. وبحسب وزارة العمل الأردنية، فقد تم إصدار ٨٧١٤١ تصريح عمل فقط للسوريين بحلول نهاية عام 2017. ويعني هذا الأمر أن عدد السوريين الذين ينافسون في سوق العمل الأردني (الرسمي) قليلٌ للغاية، ما يجعل تأثير هؤلاء على العمالة المعروضة محدوداً نسبياً.

وعلى الرغم من التدفق الهائل للاجئين السوريين، فإن عدد المهاجرين غير السوريين في الأردن خلال الفترة الزمنية نفسها لم ينخفض. إذ استضافت البلاد 1.6 مليون أجنبي غير سوري بحسب الإحصاء السكاني للأردن في عام ٢٠١٥. وأظهرت أبحاثٌ أخرى أن السوريين يتنافسون بصفةٍ أساسية مع المهاجرين الاقتصاديين العاملين في قطاع الأعمال غير المسجلة بصفةٍ رسمية، فهم يعملون بلا عقود في قطاعاتٍ مثل قطاع البناء وبعض وظائف المبيعات. وتبعاً لذلك، فإن المنافسة محدودة بين اللاجئين والأردنيين على هذا المستوى.

العرض والطلب

ترى وهبة أن تدفّق المساعدات الخارجية أدى أيضاً إلى الخروج بآليةٍ محتملة لخلق فرص عمل للأردنيين. وتلقى الأردن مساعداتٍ أجنبية من مصادر متعددة بهدف تلبية احتياجات اللاجئين السوريين. واستُخدمت هذه المساعدات لسدّ العجز في الميزانية، وتمويل المشاريع العامة، ودعم الخدمات العامة كالمدارس والمستشفيات والنقل في جميع أنحاء البلاد. وتتميز المساعدات التي يتم تقديمها بصفةٍ مباشرة للاجئين والمساعدات الموجهة للحكومة بالقدرة على خلق فرص عمل، رغم أن الوظائف الناتجة عن الأخيرة ستُوزع بطريقةٍ غير متناسبة بين القطاعين الحكومي والعام.

كما أن الزيادة في الطلب على الخدمات العامة بسبب اللاجئين، لا سيما في قطاعي التعليم والصحة، أدت إلى زيادة توفير الحكومة الأردنية لهذه الخدمات، ما أدى بدوره إلى زيادة الطلب على العمال (الأردنيين بشكل حصري تقريباً) في هذه القطاعات.

وتختم وهبة مقالتها بالتالي: “تخلص نتائج البحث بصفةٍ عامة إلى أن توفير فرص العمل بصفةٍ قانونية للاجئين لا يعود بنتائج سلبية على سوق العمل المحلي. ومن المحتمل أن يلعب تدفق المساعدات الخارجية إلى الأردن للمساعدة في تلبية بعض احتياجات اللاجئين، ناهيك عن شروط الاتفاقية التي تضمنت دعم مالي وامتيازات تجارية ودعم توظيف الأردنيين، دوراً مهماً في خلق الطلب على العمالة بين الأردنيين. وهنا لا بد من الإشارة إلى أهمية ضمان وجود الموارد الكافية والخدمات العامة الكفيلة بدعم اللاجئين والاقتصاد المضيف على حدٍّ سواء”.