وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

لماذا يحب القوميون الأمريكيون البيض بشار الأسد

Translation- Putin and Assad
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدث إلى نظيره السوري بشار الأسد أثناء اللقاء الذي جمعهما في سوتشي يوم 17 مايو 2018. المصدر: AFP.

ملاحظة: قام موقع فَنَكْ بترجمة هذه المقالة بترخيص من موقع “Theintercept.com

مريم إلبا

تشغل مريم إلبا منصب مدقّق الحقائق في موقع “The Intercept”. وسبق لإلبا العمل كمحرّرة مشاركة في مجلّة “مفتاح”، وكمتدربة في منظمة “الديمقراطية الآن!” و”ذا نيشن”. وحصلت إلبا على شهادة الماجستير في الصحافة ودراسات الشرق الأدنى من جامعة نيويورك، علماً بأنها تقيم حالياً في في نيويورك.

8 سبتمبر 2017

لا ينبغي علينا أن نتفاجأ من تمتّع الرئيس السوري بشار الأسد بحظوة القوميين البيض في الولايات المتحدة الأمريكية.

وشهد الاجتماع الحاشد الذي نظمه القوميون البيض قبل عدّة أسابيع في مدينة تشارلوتسفيل بولاية فيرجينيا الأمريكية تحت اسم “وحّدوا اليمين” بثّ صاحب صفحة “Baked Alaska” سيئ السمعة على موقع يوتيوب والمحسوب على اليمين المتطرف للقاءٍ مع متظاهرٍ كان يرتدي قميص “تي شيرت” كتب عليه “شركة توصيل برميل بشار”. ويلمّح القميص إلى استخدام نظام الأسد المتكرّر والمرعب للبراميل المتفجرة – وهي الأسلحة المستخدمة في استهداف المناطق السورية التي يسيطر عليها المتمردون بصورةٍ عشوائية.

وعلا صياح ذاك الشخص الذي شارك في الاجتماع الحاشد وهو يقول “ادعموا الجيش العربي السوري!” و”الأسد لم يخطئ بأي شيء!”. لقد غضوا الطرف عن الطريقة التي استطاع الأسد من خلالها “حل مشكلة داعش بأكملها” بقنبلتين كيميائيتين فقط. وكان جيمس فيلدز، وهو العنصري البالغ من العمر 20 عاماً وادعى دهسه لحشدٍ من المتظاهرين المناهضين بسيارته ليقتل بذلك هيذر هاير، قد نشر صورة للأسد وهو يرتدي بزته العسكرية والنظارات الشمسية على موقع “فيسبوك”. ووردت في شرح الصورة عبارة “غير مهزوم”.

وهناك تفسير بسيط لوقوع اليمين المتطّرف الأمريكي في حبّ القائد العربي المستبد بطريقةٍ تثير الفضول. ويكمن هذا التفسير في كسب قلوب أنصار اليمين المتطرّف عبر حملة الدعاية التي أطلقتها عائلة الأسد منذ عدّة أعوام في سوريا. ويعتمد حكم الأسد الاستبدادي على نفس الكلمات الطنانة التي يستخدمها اليمين المتطرّف لوصف المجتمع الذي يحاول أن يبني في وطنه – فهو يريد مجتمعاً نقياً ومتجانساً من المخلصين لسلطته الخاصة. ولهذا السبب، ينظر النازيون الأمريكيون الجدد إلى الأسد كبطلٍ من الأبطال.

وفي الوقت الذي كانت تتكشف فيه فوضى تشارلوتسفيل وتبعاتها، فقد ألقى الأسد خطاباً أمام مجموعة من الدبلوماسيين في دمشق حول الحرب الدائرة في سوريا. وقال الأسد في خطابه: ” خسرنا خيرة شبابنا وبنانا التحتية.. ولكننا ربحنا مجتمعاً أكثر صحة وأكثر تجانساً”.

وفي الوقت الذي يسعى فيه القوميون البيض إلى خلق مجتمعٍ صحي ومتجانس عبر النقاء العرقي، فإن الأمر يعني الأسد بناء مجتمع خالٍ من أي نوعٍ من أنواع المعارضة السياسية ويقصي أي سوري يعيش خارج المناطق التي يسيطر عليها نظامه. وسيتم إقصاء كل شخص لا يتوافق مع تعريف الأسد المحدّد لمعنى أن يكون المرء سورياً.

ويقول ألكسندر ريد روس، محاضر الجغرافيا في جامعة ولاية بورتلاند ومؤلف الكتاب الجديد “ضد التسلّل الفاشي”، إن الأسد يعتبر شخصية أساسية في تحقيق نظرية “الأورو-آسيوية”. ويضيف روس “تكمن الفكرة في قيادة روسيا للعالم من عصر مادّي مظلم إلى نهضة قومية متطرفة من الدول العرقية المتجانسة التي تتحد معاً تحت مظلّة إمبراطورية روحية غير متجانسة”.

وبعبارةٍ أخرى، تعتبر عائلة الأسد، بفضل الدعم القوي لدولة فلاديمير بوتين الاستبدادية في روسيا، القوة الرائدة في منطقة الشرق الأوسط نحو خلق مجتمع “نقي” من النواحي الروحية والاجتماعية والسياسية. ويعتبر الفكر الكوزموبوليتي “اللاقومي” عقبة أمام أولئك الذين يسعون لتحقيق هذه الرؤية إلى جانب تنوّع الفكر السياسي والهوية الاجتماعية.

ويعتبر الأسد شخصيةً أساسية في تثبيت وجهة نظر القوميين البيض تجاه العالم. ويقول ريد: “يعد التمسّك بسوريا بمثابة موطئ قدم بالنسبة لهم في مهمةٍ جيوسياسية أكبر – وهي مهمةٌ ترتبط كامل الارتباط بذاك النقاء الروحي المرتبط بالعائلة، والتقاليد، والأمة”. وينظر أقصى اليمين إلى الأسد باعتباره الشخص الذي يتمترس على الخطوط الأمامية في مواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” وعلى نطاقٍ أوسع في مواجهة قوى “التطرّف الإسلامي” في الشرق الأوسط، وهو يقوم بذلك تحت رايةٍ قومية تشبه كثيراً رايتهم القومية.

Translation- Eastern Ghouta
تلاميذٌ سوريون من منطقة الغوطة الشرقية التي كانت تسيطر عليها قوات المعارضة المسلحة يصلون لحضور صفوفهم المدرسية في بلدة كفر بطنا يوم 5 سبتمبر 2018. وكانت قوات النظام السوري استعادت السيطرة على الغوطة في إبريل الماضي بعد هجوم كاسح أدى إلى مقتل المئات وانتهى بصفقة استسلام نقلت عشرات الآلاف من مقاتلي المعارضة والمدنيين إلى خارج المنطقة. المصدر: AFP.

ولا يسير الإعجاب في اتجاهٍ واحد فقط، إذ بنى نظام الأسد العلاقات مع القوميين البيض المتطرفين على مدى عقودٍ من الزمن. وتمثلت إحدى هذه العلاقات المزعومة مع أليوس برونر، الذي توفي بالفعل في دمشق في عام 2010. وهناك سببٌ للاعتقاد بأن برونر نصح والد بشاّر حافظ الأسد بشأن أساليب التعذيب المستخدمة في نظام السجون سيئ السمعة في سوريا، حتى وإن أنكر النظام استضافته لبرونر في أي وقتٍ من الأوقات.

وعلى الرغم من سجل نظام الأسد بوصفه الجاني الأساسي في تصعيد الحرب الأهلية السورية – التي خلفت على الأرجح نصف مليون قتيل وحفزت هجرة اللاجئين الجماعية – فإن الأمم المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية وبالتأكيد روسيا يبحثون جميعاً عن حلولٍ للأزمة السورية تبقي الأسد في السلطة. وساهم بناء علاقة الأسد وارتباطاته بالسياسيين الغربيين المتطرفين في خلق شرعيةٍ دولية لحكمه المستمر، فضلاً عن تأجيج آلة الدعاية التي ترسم الدكتاتور باعتباره آخر الزعماء العرب الذين يقفون في وجه الإمبريالية الأمريكية و”التطرّف الإسلامي”.

ويقول رضوان زيادة، وهو معارضٌ سوري بارز لفترةٍ طويلة ومن الزملاء العاملين في معهد السياسة والتفاهم الاجتماعي: “تمثلت الاستراتيجية الأساسية التي اعتمدت عليها عائلة الأسد لصياغة شرعيتها الدولية في بناء صورة حامي المسيحيين في سوريا وعموم المنطقة”.

وعملت هذه الأسطورة التي بناها الأسد حول نفسه بشكلٍ جيّد لكسب الدعم لعائلة الأسد من خارج سوريا. وإلى جانب برونر والنازيين الأخرين الذين أقاموا في سوريا، فقد قام ديفيد ديوك، الزعيم السابق لمنظمة “كو كلوكس كلان”، بزيارة دمشق في عام 2005، وألقى هناك خطاباً أمام “مظاهرة” لدعم نضال الأسد ضد الصهيونية، ما عزّز من صورة الأسد باعتباره مناهضاً للإمبريالية. (وكان اللاجئون الفلسطينيون في سوريا قد عانوا بشكلٍ كبير نتيجة حالات الحصار التي فرضها عليهم الأسد).

وكما أشار الصحفي أليكس رويل مؤخراً، فقد التقى في الآونة الأخيرة سياسيون يمينيون متطرفون من الجبهة الوطنية الفرنسية وحزب “الفجر الذهبي” اليوناني وحزب “فلامز بولانغ” البلجيكي وغيرها من الأحزاب مع مسؤولي الحكومة السورية في دمشق على مدى السنوات القليلة الماضية. وجاءت الاجتماعات مع بدء كسب النظام للزخم في مواجهته لقوات المعارضة بفضل ما قدمته روسيا من تدخلٍ ودعمٍ عسكري.

وقام حزب البعث، وهو حزبٌ متعدّد الجنسيات كان يقوده صدام حسين في العراق وحافظ الأسد في سوريا، بعقد الاجتماعات مع أحزاب اليمين المتطرّف الدولية. والتقى حزب البعث العراقي بالجبهة الوطنية في فرنسا وحزب “دي ريبوبليكانر” في ألمانيا، وكلاهما من أحزاب اليمين المتطرف في الاتحاد الأوروبي بحسب ريد روس. ويقول روس لموقع “The Intecept”: “ينظر اليمين المتطرّف والفاشيون إليهم (أي لحزب البعث) باعتبارهم من أصحاب النزعة القومية مثلهم”.

وعلى الرغم من فوز الأسد ببعض الدعم من قبل قوى اليسار السياسي على المستوى الدولي، إلا أن الدعم الذي حصل عليه من اليمين لعب دوراً حاسماً في نجاحه بحسب روس. ويضيف روس: “ينبع الدعم الدولي الأهم للأسد من قاعدةٍ عنصرية تؤمن بتفوّق البيض ومن إدارةٍ عنصرية بيضاء في الولايات المتحدة الأمريكية”.

إن رؤية الأسد لخلق مجتمعٍ “صحي” و”متجانس” هو ما يطمح القوميون البيض لأن يخلقوه لأنفسهم. ولا يتطلب الأمر منّا سوى العودة إلى رايخ هتلر الثالث فقط لنتعرف على ما يحمل هؤلاء من رؤية تجاه العالم. وكل ما يتوجب علينا القيام به هو النظر إلى سوريا اليوم.

ويقول زيادة: “لقد دمّر سوريا. وانخفض عدد سكان سوريا من 23 مليون شخص قبل عام 2011 إلى 17 مليون، ناهيك عن ملايين النازحين داخل الدولة. لقد باتت سوريا دولة يسومها الدمار والخراب”. وكل ما تبقى هو مجتمعٌ يدعم حكمه بطريقة متجانسة كما يأمل الأسد.

ملاحظة: قام موقع فَنَكْ بترجمة هذه المقالة بترخيص من موقع “Theintercept.com