وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

بحروب أو من دونها.. إلى أين ستذهب إسرائيل من هنا؟

إلى أين ستذهب إسرائيل
صورة تم التقاطها يوم ٣٠ إبريل ٢٠١٢، لفلسطينية وهي تمر بنقطة تفتيش قلندية على الجدار العازل بين الضفة الغربية والقدس، حيث يمر الفلسطينيون باتجاه المسجد الأقصى للمشاركة في صلاة ثالث أيام الجمعة في شهر رمضان المبارك. المصدر: ABBAS MOMANI / AFP.

ماجد كيالي

كانت حرب أكتوبر 1973 الحرب العربية – الإسرائيلية الأخيرة، بغض النظر عن الحقيقة، أو المخاتلة، الكامنة في تلك الكلمة. فبعدها لم يعد ثمة حروب عربية – إسرائيلية، أي منذ حوالي نصف قرن، بل ثمة مناخ من التعايش والتطبيع. وقد شهدنا أن مجمل الحروب التي شنتها إسرائيل بعد تلك الحرب استهدفت قوى عسكرية لا دولتية (قوات منظمة التحرير ثم حزب الله في لبنان) والفلسطينيين (في الضفة الغربية وقطاع غزة) الذين هم تحت الاحتلال أصلا.

وعلى رغم انتهاء الحروب الدولتية، بل ومعاهدة الصلح مع مصر، وانهيار المشرق العربي، فإن إسرائيل مازالت تعيش قلقا وجوديا مزمنا، تحيله إلى مصادر تهديد جديدة، وغير مباشرة.

يأتي الخطر الديمغرافي مقدمة تلك المصادر، وهو المتمثل برجحان الميزان الديمغرافي في أرض فلسطين الكاملة، بين اليهود والفلسطينيين، لصالح الفلسطينيين، ما يهدد أكثريتها اليهودية ونظامها الديمقراطي. ومشكلة إسرائيل هنا إنها لا تستطيع أن تفعل شيئا إزاء هذا الخطر، فما الذي يمكن أن تفعله صواريخها ودباباتها وطائراتها في هذا الشأن، لاسيما بعد أن خبت موجات الهجرة اليهودية إلى إسرائيل (بالقياس للتسعينيات حيث استقبلت إسرائيل حوالي مليون مهاجر من دول الاتحاد السوفييتي السابق)، وبعد أن بات من غير الممكن الإقدام على ترحيل أو تهجير الفلسطينيين؟

أيضا، في المرحلة الأخيرة، أضحت اسرائيل تتحدث عن خطر جديد، تسميه «نزع الشرعية». وهنا لا تميز إسرائيل، عمدا، بين محاولات نزع الشرعية عنها كدولة، أو عن احتلالها للضفة والقطاع، في محاولة لابتزاز القوى الغربية، للتعاطف معها، كما لفرض إملاءاتها في عملية التسوية على الفلسطينيين.

فوق هذا وذاك فقد برز في الآونة الأخيرة عامل جديد من عوامل الضغط على إسرائيل، ويتمثل ببروز شبكات المجتمع المدني الدولي، التي باتت تتحكم بالرأي العام، بعد تضعضع سيطرة الحكومات والاحتكارات على الفضاء الإعلامي، بفضل التطورات التكنولوجية في مجال الإعلام والمعلوماتية.

هكذا، فبدفع من تلك التطورات (ثورة الإعلام والمعلوماتية وتطور مؤسسات المجتمع المدني) فقد توسعت حركات التضامن مع الفلسطينيين، وباتت حقيقة إسرائيل كدولة استعمارية وعنصرية ودينية أكثر انكشافا في العالم. وقد شهدنا تأثير ذلك عليها، بمفاعيل تقرير غولدستون (بشأن ارتكابها جرائم حرب في غزة). كما شهدناه في قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي (2004) بخصوص لا مشروعية الجدار الفاصل. كما شهدناه مؤخرا في تعاطف العالم مع فلسطينيي حي الشيخ جراح في القدس الشرقية، وفي التضامن مع شعبنا في القدس في رفضه انتهاك إسرائيل لحقوقه، وإدانته كل ما يتعلق بممارسات إسرائيل الاحتلالية والاستيطانية والقمعية ضد الفلسطينيين في الضفة والقطاع المحتلين.

وفي الواقع فإن إسرائيل تبدي حساسية كبيرة إزاء هذا المسار، الذي شق طريقه بقوة منذ الانتفاضة الشعبية الأولى، أي انتفاضة أطفال الحجارة (1987 ـ 1993)، التي حركت الضمير العالمي، وقدمت الرواية الفلسطينية العادلة على حقيقتها، والتي أدت الى كشف إسرائيل الاستعمارية والعنصرية على حقيقتها. ففي المحصلة فإن تلك الانتفاضة السلمية، أدت إلى نزع احتكار صورة الضحية من إسرائيل، وهي الصورة الأثيرة لديها، حتى أنها اعتبرت ذلك بمثابة تهديد استراتيجي لها، لاسيما أنها تخشى أن يفضي بها إلى نفس مصير نظام التمييز العنصري في جنوب إفريقيا.

ومشكلة إسرائيل إنها لا تستطيع شيئا إزاء هذا التحدي، فهنا ليس ثمة جيش، ولا عمليات عسكرية، ولا حكومات، ولا إقليم جغرافي معين، ولا عدو محدد، وإنما مجموعات بشرية، منتشرة في كل المجتمعات في العالم، لا ضغوط عليها، ولا مصالح تهدد بها، ولا قيود تكبحها، تشتغل بواسطة الميديا، ولا يحركها إلا الضمير الأخلاقي. وهي مجموعات تتميز بوعيها لدورها، وتعمل من أجل سيادة قيم الحرية والعدالة والسلام، عبر أثير شبكات “الإنترنت” و”فيسبوك”، و”تويتر” وإنستغرام الخ.

أخيرا، ومع رياح الثورات الشعبية العربية العاصفة، نشأ أمام إسرائيل تحدّ آخر. فتلك الثورات، التي تتوخى الحرية والكرامة والعدالة، أعادت الاعتبار للمجتمعات العربية، بعد أن كانت طوال العقود الستة الماضية مغيبة أو مهمشة، أو في حالة موات، الأمر الذي لم يلائم إسرائيل التي تصر على تقديم ذاتها للغرب كالديمقراطية الوحيدة في المنطقة، أو كالواحة في صحراء. وهذا يفسر خشيتها من مسارات الربيع العربي، وتبرمها منه، وهو ما يفسر اعتبارها نظام الأسد (الذي تعرفه)، أفضل، أو أمن لها، من أي نظام أخر، وهو ما يفسر أيضا تردد الولايات المتحدة، أو عدم حسمها موقفها في الصراع السوري.

طبعا، عدا عن كل ذلك، فثمة التحديات التي تواجهها إسرائيل من داخلها، وبحكم طبيعتها، وضمن ذلك التناقض بين المتدينين والعلمانيين، والشرقيين والغربيين، والفقراء والأغنياء، والعرب واليهود، والقوميين المتطرفين ودعاة التسوية، كما بين اليهود من سكانها ومجمعات اليهود في العالم.

في الختام، فمع حروب أو من دونها ثمة مشكلات كثيرة لإسرائيل في منطقة مليئة بالاضطرابات وحبلى بالمتغيرات.

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.