وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

النساء اليمنيات في صراعٍ مرير لإنهاء الحرب والتمتع بدور فعّال في اليمن

Translation- Yemeni women
نساء وطالبات يمنيات يحملن الشعارات والعلم الوطني في مظاهرة أمام مكتب الأمم المتحدة في العاصمة اليمنية صنعاء للمطالبة بإنهاء الحرب التي شرّدت الملايين وقادت إلى خطر المجاعة. المصدر: AFP.

نشر موقع “The Conversation” مقالة استعرضت دور المرأة اليمنية في معادلة السلام والحرب في اليمن. وقامت كوني كريستيانسين، الأستاذ المساعدة الزائرة في الجامعة اللبنانية الأمريكية، بتسليط الضوء في مقالتها على تطلعات النساء في المحاصصة السياسية اليمنية وما واجهها من إحباطات مع سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء.

ويشن التحالف الذي تقوده السعودية حرباً شعواء منذ عام 2015 ضد قوات الحوثي الشيعية في اليمن. وأسفرت هذه الحملة عن مقتل ما يزيد عن 8 آلاف شخص وإصابة أكثر من 49 ألف آخرين. وبحسب التقارير، فإن ما لا يقل عن 69% من السكان بحاجة للمساعدات الإنسانية، بالتزامن مع مواجهة مليون يمني للمجاعة. وفي الوقت نفسه، فقد انتشر السلاح على نطاقٍ واسع وبات خارج نطاق السيطرة. ويشير أحد التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة في 2016 إلى تداول ما يتراوح بين 40 و60 مليون سلاح ناري بحريّة في هذا البلد المدمّر.

وترى كريستيانسين أن النزاع كان له أثرٌ مدمّر على النساء في اليمن. وعادةً ما تناط بالرجال مسؤولية إعالة العائلات في اليمن؛ إلا أن الكثير منهم بات في ساحة القتال أو تمت إصابته أو حتى لقي مصرعه خلال النزاع الدائر في اليمن. ويواجه القطاع الخاص أزمة اقتصادية، في الوقت الذي لم تعد فيه العديد من وظائف القطاع العام تعود برواتب مجزية. وعلى هذا النحو، فقد تعرضت صحة وأمن النساء لخطر الإصابة بمرض الكوليرا وغيره من الأمراض. وتبرز بعد ذلك قضية زواج القاصرات، إذ قادت أزمة الفقر المدقع التي يعيشها اليمن إلى زواج الفتيات قبل وصولهن إلى سن الرشد بهدف دفع القروض أو جمع الأموال المطلوبة لسد رمق بقية أفراد الأسرة.

وفي معرض شرحها للوضع الصعب الذي يعيشه في اليمن الحالي أمام أحد الفرق البحثية، قالت إحدى السيدات المقيمات في محافظة إب الشمالية، والتي يحتلها جيش الحوثي المتمرد: “نعيش في دولةٍ لا قانون فيها، إذ لم تعد هناك سلطات لفرض الأمن وحماية الناس وإنفاذ القانون. وقد يؤدي سببٌ تافه إلى مصرع شخصٍ ما بالرصاص. ولم يعد الوضع الأمني كما كان عليه الحال في الماضي. والآن، باتت هناك مجموعات غير رسمية تتصرف وكأنها السلطات المعنية بإنفاذ القانون. وتحظى هذه المجموعات بالسلطة، والقانون أصبح قوتها. كما تقوم هذه المجموعات باستخدام القوّة ضد من يخالفها الرأي أو ينتقد سلوكياتها”.

وبحسب سينثيا إنلو، الباحثة المتخصصة في الدفاع عن حقوق النساء، فقد باتت النساء تشكّل عاملاً حاسماً في الحرب كما أنهن يلعبن أدواراً داعمة للجيش. وبالفعل، لم يعد العديد من النساء اليمنيات من ضحايا الحرب، كما أنهن لم يعدن يهربن أو يختبئن من هذه الحرب. ففي العديد من الطرق المتناقضة، تقوم النساء بدعم الحرب بشكلٍ فعال، علماً بأن هذا الأمر لا يعود لأسبابٍ إنسانية محضة.

تورّط النساء في الحرب

Translation- Houthis
نساء يمنيات مناصرات لحركة الحوثي والرشاشات بأيديهن أثناء حضور اجتماع لدعم الحركة في العاصمة اليمنية صنعاء. المصدر: AFP.

على الرغم من ثني العديد من النساء اليمنيات لأفراد عائلاتهن عن المشاركة في النزاع وحمل القليل منهن للسلاح بأنفسهن، إلا أنهن يساعدن، بحسب ما تقوله كريستيانسين، في تجنيد الرجال في الجيش. كما أنهن يساعدن المسلحين عبر طهي الطعام لهم ومساعدتهم في توزيعه.

وكانت إحدى النساء اللواتي بقين بعد هرب أهلها إلى منطقة إب في منطقة تعز التي تحتلها ميليشيات الحوثي، واسمها نسيم العديني، قد قامت بتأسيس منظمة لمساعدة المسلحين الداعمين للحكومة السابقة. وتقول العديني لموقع “ميدل إيست آي”: “نرغب بتشجيع القوات الموالية للحكومة بالتقدّم نحو المحافظة من خلال رفع معنويات المقاتلين”.

وتحاول نساءٌ يمنيات أخريات التخفيف من آثار النزاع بأفضل طريقة ممكنة. فعلى سبيل المثال، تشارك النساء في الإغاثة الإنسانية وفي توفير الدعم الاجتماعي والنفسي للناس الذين تعرضوا لصدماتٍ نفسية بسبب الحرب. كما أنّهن يشاركن في عمليات إحلال السلام عبر إطلاقهن للنقاشات الدائرة حول النزاع في مجتمعاتهن.

وبما أن رحى الحرب لا تدور بنفس القوة في كل بقعةٍ من بقاع اليمن، فقد كانت فرص مشاركة النساء في عملية إحلال السلام حول مدينة عدن الساحلية وفي الجنوب أفضل مما عليه الحال في الشمال. وتجدر الإشارة إلى أن جيش الحوثي يسيطر على تلك المنطقة كما تشكل الضربات الجوية التي يقوم بها التحالف السعودي جزءاً من الحياة اليومية. وتبعاً لهذا الأمر، فإن ظروف النساء ونشاطاتهن تختلف من منطقةٍ إلى أخرى.

زخم محظور

Translation- Sanaa
نساء يمنيات مع أطفالهن أثناء تظاهرة أمام مكتب الأمم المتحدة للمطالبة بإيقاف استهداف المؤسسات التعليمية بالضربات الجوية والمدفعية في العاصمة صنعاء. المصدر: AFP.

تعاني المجتمعات المحلية في الشمال من انقسامٍ أكبر مما عليه الحال في الجنوب (بين مؤيدي وخصوم حكومة الحوثي). وبحسب صاحبة المقال، فإن دخول النساء في المجال العام ومشاركتهن في العمل الخيري قد تؤدي إلى استجوابهن على يد “سلطات الأمر الواقع”. وتحاول هذه السلطات، بحسب إحدى السيدات، منع النساء من القيام بعملهن. كما من الممكن إخبار النساء بأنه لا يجوز لهنّ الظهور في العلن أمام الرجال. وتقول إحدى السيدات: “إنهم (الحوثيون) يعارضون دور المرأة في الحياة العامة. ووفقاً لهم، فإن دور المرأة ينحصر بالطبخ والأعمال المنزلية. إنهم يقومون بتهميش النساء وينكرون دورهن في المجتمع”.

ولا تحظى النساء في المناطق الشمالية والجنوبية من اليمن بمواطنةٍ كاملة. وبحسب منظمة العفو الدولية، فإنهن “يواجهن تمييزاً في الجوانب المتعلقة بالزواج والطلاق والإرث وحضانة الأطفال، كما أن الدولة لا تتخذ الإجراءات المناسبة لمنع العنف المنزلي أو للتحقيق في ملابساته أو المعاقبة عليه”. ويعود التمييز ضد النساء بجذوره إلى ما قبل الحرب، حيث يرتبط هذا التمييز بالعادات المحلية بحسب العديد من الدراسات. ومع ذلك، تحافظ المرأة اليمنية على مشاركتها في تطوير بلدها.

مشاركة قديمة

نزلت النساء اليمنيات إلى الشوارع إلى حدّ لم يكن متوقعاً وبطريقةٍ غير مسبوقة أثناء الانتفاضة الشعبية التي شهدتها البلاد في عام 2011. وشهدت هذه الانتفاضة انضمام مئات الآلاف من اليمنين إلى “حركة الشباب” للاحتجاج على الحكم الفاسد للرئيس السابق علي عبد الله صالح.

وتمتعت العديد من النساء المشاركات باستقلالية عن المجموعات السياسية. وشهدت المراحل اللاحقة من الاحتجاجات هيمنة حزب الإصلاح الإسلامي – الذي يسعى لمحاكاة جماعة الأخوان المسلمين – على الحركة الاحتجاجية، ما أثار قلق النساء المستقلات من إمكانية تجاهل حقوقهن.

ومع ذلك، فقد شكلت النساء المستقلات والمشاركات في الأحزاب السياسية، بما في ذلك حزب الإصلاح الإسلامي والجناح السياسي للحوثي “أنصار الله”، ثلث المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني الذي ترعاه الأمم المتحدة وأدى إلى فرض الاستقالة على الرئيس علي عبد الله صالح في نوفمبر 2011. وكان الهدف الكامن وراء المؤتمر الذي استمر لعشرة أشهر صياغة دستور جديد وأكثر ديمقراطية لليمن الموحّد. إلا أن مشروع الدستور الذي منح النساء 30% من المحاصصة السياسية قابله رفض حركة الحوثي في سبتمبر 2014، قبل أن يدلي السكان بأصواتهم في الاستفتاء.

وفي تلك المرحلة، أسفر الإحباط الناجم عن الفشل في تكوين يمنٍ جديد عن حصول الحوثيين على دعم شعبي واسع النطاق. وقام هؤلاء باحتلال المؤسسات الحكومية الأساسية في العاصمة صنعاء وحل الحكومة الانتقالية المتعرف بها دولياً. وبصورةٍ مثيرة للاهتمام، لم يكن نظام المحاصصة بين الرجال والنساء السبب الكامن وراء رفض الحوثيين لمشروع الدستور، بل نظرتهم إلى نموذج تقاسم السلطة الذي لم يمنحهم ما كانوا يتوقعون الحصول عليه.

وتختم كريستيانسين مقالتها بالتأكيد على أن  احتلال حركة الحوثي للعاصمة واستيلائها على الحكومة كان بمثابة بداية للحرب ونهاية للزخم المرتبط بحقوق المرأة في اليمن، علماً بأن هذا البلد يأتي بصفةٍ عامة في المراكز الدنيا عربياً في مؤشرات المساواة بين الجنسين. وفي عام 2014، قامت مجموعةٌ من النساء المنتميات إلى خلفيات سياسية متنوعة بالضغط للتوصل إلى حلول سياسية بدل الدخول في حرب لا تغني ولا تسمن من جوع. ومنذ ذلك الحين، فقد تم تهميش النساء من مفاوضات السلام – لكن ذلك لا يعني فقدان المرأة اليمنية لكل آمالها.