وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مشجعو كرة القدم المصريون الأقوياء والسياسة: مزيجٌ معقد قد تفجّره كأس الأمم الإفريقية

Translation- Africa Cup of Nations
مشجعون مصريون يرفعون علم بلادهم قبيل انطلاق مباراة أوغندا ومصر في ملعب القاهرة الدولي يوم ٣٠ يونيو ٢٠١٩ وذلك ضمن فعاليات بطولة كأس الأمم الإفريقية لعام ٢٠١٩. المصدر: AFP.

نشر موقع “The Conversation” مقالةً سلطت الضوء على استضافة مصر لكأس الأمم الإفريقية تحت وقع التحديات والقضايا الأمنية المتعددة التي تعيشها هذه الدولة. ويقوم صاحب المقالة تشوكا أونوميتشيلي، أستاذ دراسات التواصل في جامعة هوارد الأمريكية، باستعراض الظروف والملابسات التي أحاطت باستضافة مصر البطولة عقب سحب حق التنظيم من الكاميرون، بالتزامن مع سرد أبرز المحطات التي شهدت بروز حركة الألتراس في مصر. ويحاول أونوميتشيلي في مقالته تفسير الأسباب الكامنة وراء التوتر الحاصل بين السلطة المصرية ومجموعات الألتراس ومدى تأثير ذلك على نجاح مصر في تنظيم البطولة.

ويبدأ أونوميتشيلي مقالته بالتالي: “عندما تُفتتح بطولة كأس الأمم الإفريقية الثانية والثلاثون بالقاهرة، فإن الاهتمام سينصب لثلاثة أسابيع على المباريات بين أقوى منتخبات القارة لمعرفة من سيرفع الكأس يوم الجمعة الموافق ١٩ يوليو ٢٠١٩. إلا أن أجهزة الأمن المصرية ستقوم في كواليس هذه البطولة بمراقبة مجموعة محددة من الجماهير تُعرف باسم الألتراس عن كثب”.

وتضم مجموعات الألتراس في صفوفها جماهير متشددين ينظمون أنفسهم ضمن حلقات دعمٍ مصغّرة ترتبط عادةً بالأندية، إلا أن هذه المجموعات تقوم في الوقت نفسه بالتعبير عن طبقةٍ اجتماعية محددة أو طيفٍ سياسي ما. وظهرت مجموعات الألتراس للمرة الأولى بإيطاليا في خمسينيات القرن الماضي. وتتمتع ظاهرة الألتراس في الوقت الراهن بحضورٍ بارز في دولٍ مماثلة لألمانيا، وفرنسا، وبولندا، وصربيا، واسكتلندا، وروسيا، وتركيا، والبرازيل، والأرجنتين، والجزائر، والمغرب، وتونس، ومصر.

وجرت العادة على أن تظهر مجموعات الألتراس في المباريات الكبرى عبر ما تطلقه من إلعابٍ نارية وما تعلوا به حناجر أعضائها من أغانٍ، ناهيك عن قرع الطبول وما يتم رفعه من أعلامٍ ولافتات. وتنتمي بعض حركات الألتراس إلى أطيافٍ سياسية تتنوع ما بين اليسار، واليمين، والفاشية، والشيوعية، والثورية. وفي الوقت الذي يتسم فيه نذرٌ يسير من مجموعات الألتراس بالتطرف والعنصرية والميل للعنف والتبعية للعصابات، فإن غالبية هذه جماعات الألتراس لا تعدو عن كونها مجموعاتٍ من المشجعين المتحمسين.

ويصل هنا صاحب المقالة إلى المجموعات الألتراس في مصر، حيث يشير إلى حالة التوتر الأمني التي عاشتها هذه الدولة بسبب ما كانت تتمتع به هذه المجموعات من دورٍ في الماضي. وكانت حالة التوتر مرتفعة إلى الدرجة التي دفعت الحكومة إلى حظر بعض مجموعات الألتراس المشجعة لأكبر الفرق في البلد. إلا أن هذا الحظر لا يتوافق مع رغبة الاتحاد الإفريقي لكرة القدم في رؤية مدرجات ممتلئة بالكامل.

في الوقت الذي قامت فيه مصر برفع بعض هذه القيود، إلا أن البعض الآخر ما يزال مفروضاً في مجالاتٍ أخرى كمنع حضور الألتراس للمباريات. وتأمل الحكومة المصرية من ذلك في السيطرة على احتمال وقوع أي حالة عنف.

الثورة

تتجلى العلاقة الوثيقة بين كرة القدم والسياسة غالباً في نشاط مجموعات الألتراس، إذ لعبت هذه المجموعات دوراً حاسماً في الثورة التي شهدتها مصر في عام ٢٠١١.

وخرج ألتراس “أهلاوي”، الداعم للنادي الأهلي أبرز الأندية المصرية، مع ألتراس “وايت نايتس”، الداعم لنادي الزمالك المنافس التقليدي للأهلي، في مسيرةٍ بالآلاف بميدان التحرير عام ٢٠١١. وباتت هاتان المجموعتان تحظيان بصوتٍ مهم على الخط الأمامي من الجبهة المناهضة لنظام مبارك، الأمر الذي ساعد في إسقاط مستبدٍ دام حكمه المطلق ثلاثين عاماً.

وسبق للصحفي الرياضي الشهير مات غولت الكتابة في كثيرٍ من الأحيان عن الدور الثوري الحيوي الذي لعبته هاتان المجموعتان في أحداث عام ٢٠١١. وبحسب ما رآه غولت، فإن المساحة المتاحة للتعبير في ذلك الوقت اقتصرت على جماعتين وهما الأخوان المسلمون ومجموعات الألتراس.

Translation- Al-Ahly football club
مشجعو النادي الأهلي المصري لكرة القدم أثناء تظاهرهم أمام مكتب المدعي العام في القاهرة يوم ١٦ مارس ٢٠١٣، مطالبين بإطلاق سراح زملائهم من مجموعة الألتراس. المصدر: AFP.

ويتمتع النادي الأهلي بحضورٍ ومكانةٍ هائلة في مصر. وشهد عام ٢٠٠٠ إعلان الاتحاد الإفريقي لكرة القدم عن فوز النادي بلقب “نادي القرن في إفريقيا” بفضل سجله المذهل من الإنجازات. وسبق للنادي الأهلي الفوز بـ ٨ ألقاب في دوري أبطال إفريقيا، ناهيك عن فوزه بالدوري المصري لـ ٣٨ مرّة وتتويجه بكأس مصر في ٣٥ مناسبة. وتجدر الإشارة إلى هنا إلى تأسيس ألتراس “أهلاوي” الشهير والمنظم للغاية في عام ٢٠٠٧.

وبحسب غولت فإن: “ألتراس أهلاوي كانوا وقوداً للثورة التي أطاحت بمبارك، فقد حرسوا المتاريس، وصدحت أصواتهم بالهتافات الاحتجاجية، وصنعوا اللافتات المطالبة بإسقاط نظام مبارك”.

ويرى غولت أن ألتراس “أهلاوي” بات يحظى بمكانةٍ خاصة في قلوب وعقول المصريين بسبب ما قام به. ويقول غولت: “بات ينظر إليهم وكأنهم حماة الثورة وصوت الفقراء والمحرومين”.

الربيع العربي

يمثل الجانب الأمني أحد الأسئلة التي طُرحت فيما يخص استضافة مصر للبطولة بعد سحب حق التنظيم من الكاميرون. وهو سؤالٌ وجيه في ظل الحرب التي تخوضها مصر ضد الألتراس منذ الربيع العربي.

وزادت حدة التوتر بين الجانبين بعد أحداث مباراة الأهلى والمصري في مدينة بورسعيد، إذ أسفرت هذه الأحداث عن مقتل ٧٤ مشجعاً من جماهير النادي الأهلي في فبراير من عام ٢٠١٢. واتهمت الجماهير الشرطة وعصابات مأجورة بتخطيط العنف، ويرون أن ذلك كان انتقاماً مما حدث في ثورة عام ٢٠١١.

وقامت الدولة بمنع حضور الجماهير للمباريات بعد هذه الأحداث، ليشهد العام الماضي رفع الحظر بشكلٍ جزئي حيث تم السماح بدخول ما لا يزيد عن ٥٠٠٠ مشجعاً بصورةٍ مبدئية، ما تزامن مع استمرار حظر الألتراس.

وتشابه هذه القيود الصارمة في مصر ممارسات أخرى في تونس والمغرب سعياً لتحجيم نشاط الألتراس. ورغم نجاح الدولة بصفةٍ عامة في استخدام الأجهزة الأمنية لإسكات الشباب، فإنها فشلت فشلاً ذريعاً في فعل الشيء نفسه في المدرجات.

ويرى أونوميتشيلي أن منح مصر حق استضافة كأس الأمم الإفريقية كان مفاجئاً إلى حد ما. فقد كان واضحاً أن خيارات الاتحاد الإفريقي قليلة. وفي الوقت الذي لم تكن فيه الكاميرون جاهزة لتنظيم البطولة دون أدنى شك، فإن الدول التي تقدّمت لاستضافة هذا الحدث لم تكن سوى مصر وجنوب إفريقيا، وتجدر الإشارة هنا إلى استضافة جنوب إفريقيا للبطولة قبل أعوام قليلة كما أن توتر العلاقات الدبلوماسية بين جنوب إفريقيا والمغرب العضو النافذ في الاتحاد أضعف حظوظها في استضافة البطولة.

وعلى هذا النحو، وعلى الرغم من القضايا الأمنية الأساسية، فقد عرضت مصر الفرصة الأفضل، على الأقل في نظر الاتحاد الإفريقي لكرة القدم.

إلا أنه توجب على مصر طمأنة الاتحاد الإفريقي لكرة القدم بأنها ستحد من القيود المفروضة على حضور الجماهير حتى تحظى بقبول الاتحاد لتنظيم البطولة.

صحيح أن مصر قد رضخت لطلبات الاتحاد بحضور الجماهير، إلا أن العديد من التقارير أشار إلى اعتقال السلطات المصرية لأعضاء من مجموعات الألتراس مع اقتراب تنظيم البطولة الإفريقية. وشهد الآونة الأخيرة اعتقال ثلاثين شخصاً بدعوى تورطهم في “جرائم إرهابية”.

وبحسب صاحب المقالة، فإن الدولة المصرية على قناعةٍ كاملة بأن هذه الاعتقالات ستحول دون حضور مجموعات الألتراس للمباريات.

وفي نهاية المطاف، تأمل الدولة بعدم وقوع أي حالة من حالات الشغب التي تحرّض عليها الجماهير في الملاعب أثناء تنظيم فعاليات بطولة كأس الأمم الإفريقية. وفي الوقت الذي تشعر فيه الدولة بأن القيود الصارمة الحالية قد قتلت الأزمة في مهدها، فإن ما سيحدث في البطولة يبقى في عالم المجهول.

ويختم أونوميتشيلي مقالته بالتالي: “لأجل الاتحاد الإفريقي لكرة القدم ومصر، كلّنا أملٌ بأن ينصب تركيز البطولة الكامل على كرة القدم وليس على مجموعات الألتراس أو المشكلات الاجتماعية التي تضرم نيران الاحتجاجات”.